08- وجوه ثلاثة من الاشكالات على العنونة بـ (التعادل والتراجيح) مع مناقشاتها
الاربعاء 2 ذي الحجة 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(8)
اشكالات على العنونة بـ(التعادل والترجيح)
كما ان هناك وجوهاً اخرى من الاشكال قد ترد على عنوان (التعادل والترجيح) مما لا ترد على عنوان التعارض:
التعادل صفة الخبرين اما الترجيح ففعل الفقيه
منها: ان التعادل صفة الخبرين او الدليلين المتعارضين، واما التراجيح فانه ليس صفة للخبرين بل هو صفة بل عمل المجتهد الذي يقوم بترجيح هذا على ذاك فلا تناسب ولا توازن بين القسيمين.
وبعبارة اخرى: التعادل قائم بالخبرين اما التراجيح فقائم بالمجتهد المستنبط، واما الذي يقابل التعادل فهو التراجح بل الترجح أي ترجُّح احد الخبرين على الاخر بمزية من المزايا المنصوصة كالشهرة وموافقة الكتاب ومخالفة العامة، او مطلقاً، وعليه ينبغي ان يقال (التعادل والترجح)، او يعكس فيقال (التعديل والترجيح) فان التعديل قائم بالمجتهد كالترجيح.
والحاصل: ان التراجيح جمع ترجيح والترجيح يعني تقديم الفقيه احد الخبرين على الاخر
واما التعادل فهو مفرد يعني تساوي الخبرين وتماثلهما في القوة أو الضعف.
مناقشتان مع المحقق اليزدي
ولذلك قال المحقق اليزدي : (ان معادل "التعادل" : التراجح لا التراجيح ؛ اذ هو مأخوذٌ إمّا من العِدل بمعنى الاستواء[1]، كما هو الظاهر؛ حيث إنَّ المأخوذ منه في غير الثلاثي إنَّما هو المصدر الثلاثي، او من العِدَل – بالفتح أو الكسر – بمعنى المثل ، وعلى التقديرين معناه المساواة)[2].
وكلامه تام في نفي كون التراجيح معادلاً للتعادل ، الا ان التراجح ليس معادلاً ايضاً فانه تفاعل وليس هو المقصود في الباب بل المعادل للتعادل هو الترجح اذ يقصد ترجح احدهما على الاخر بمزية، لا ترجح هذا على ذاك وذاك على هذا.
كما ان الظاهر عدم تمامية قوله (وعلى التقديرين معناه المساواة) وذلك لان الظاهر ان احدهما كمي والاخر كيفي وان صلح كل منهما لان يراد به الاعم منهما فهما من قبيل ما اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا.
والحاصل: ان العدل بمعنى (المثل) ظاهر في المماثلة الكيفية و (العدل) بمعنى الاستواء او المساواة ظاهر في المساواة الكمية.
وعلى أي التقديرين فان المراد في المقام هو الاعم وذلك لان الخبرين قد يتعادلان كمياً وقد يتعادلان كيفياً كما انهما قد يتراجحان كمياً وقد يترجح احدهما على الآخر كيفياً وحكمهما مختلف في الجملة.
فمن الاول : المماثلة (أي الكيفية) في موافقة الكتاب[3] او مخالفة العامة، او العكس بالترجيح بموافقة احدهما او مخالفة احدهما.
ومن الثاني : المساواة في العدد – وهو كمي – والعدالة – وهي كيفية – ، فان من يرى ان العدد في الأَخبار من المرجحات يرى ترجح الروايتين الصحيحتين او الموثقتين او الحسنتين على معارضها اذا كان رواية واحدة صحيحة او موثقة او حسنة او كانت هنا عشرة روايات وكانت عشرين رواية هناك، ومن لا يرى ذلك يقتصر في الترجيح على (الكيف) دون الكم.
وقد فصّل السيد العم في بيان الفقه[4] البحث عن الترجيح بالعدد والعدالة، وقد ورد في الرواية التصريح بـ(افقههما واعدلهما وأصدقهما في الحديث واورعهما) وقالوا به في البينتين المتعارضتين في العدد دون العدالة، رغم ورود مثل معتبرة عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابيه الصادق عليه السلام (كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام إِذَا أَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ بِشُهُودٍ عِدَّتُهُمْ سَوَاءٌ وَ عَدَالَتُهُمْ سَوَاءٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَيِّهِمَا تَصِيرُ الْيَمِينُ وَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَ رَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ مَنْ كَانَ الْحَقُّ لَهُ فَأَدِّهِ إِلَيْهِ ثُمَّ يَجْعَلُ الْحَقَّ لِلَّذِي تَصِيرُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إِذَا حَلَفَ )[5] ولكن لم يقل به المعظم في الروايتين المتعارضتين اذ خيروا بين العادل و الاعدل والصادق والاصدق وهكذا ، كما اسهبنا البحث عنه في مبحث (الطريقية) من مباحث الاجتهاد والتقليد (تقليد الاعلم) فليراجع.
والحاصل: انه لا ملازمة في الاحكام بين التعادل او الترجيح بالمماثلة وبينهما بالمساواة . فتدبر.
المراد من التراجيح المرجحات فهو مجاز
ومنها: ( الثاني: انه أُطلِق الترجيح الذي عرفتَ معناه، واريد منه ما يوجب الترجيح من المزايا الموجودة في احد الدليلين، فيكون من باب استعمال اللفظ الموضوع للمُسبِّب في السبب)[6] .
وبعبارة اخرى: ان المراد من التراجيح هو (المرجِّحات) فالمراد بـ(التعادل والتراجيح) هو التعادل والمرجحات؛ فان البحث هو عن المرجحات كالشهرة وموافقة الكتاب والافقهية و الاعدلية والاورعية والاصدقية في الحديث، فالمراد من (المسبب) هو الترجيح لانه مسبّب عن وجود المرجح فاطلق الترجيح وهو فعل المجتهد المسبّب عن وجود المرجح واريد به – في الواقع – المرجّح.
الجواب: المرجحات داعٍ وليست مستعملاً فيه
ولكن: قد يجاب بانه داعٍ وليس مستعملاً فيه بل انه استعمل في معناه الحقيقي وهو فعل المجتهد لكن بلحاظ وجود المرجحات ، أي لا الترجيح عبثاً و بلا داعٍ فتدبر.
نعم يمكن القول بان مصب البحث في هذا الباب هو المرجحات لا الترجيح فالاولى التسمية به.
ومنها: ان التعادل مفرد والتراجيح جمع والتوازن والتناسب يقتضي افرادهما معاً او جمعهما معاً.
التعادل امر عدمي
ولكن قد يرد بما ذكره المحقق اليزدي: (وربَّما يعتذر عن التعبير بالجمع بأنَّ التعادل امرٌ عدمي ، ولاتمايز في الأعدام ولا تعدد فيها ، وتعدد ما أضيفت اليه لا يثمر في تعددها، بخلاف الترجيح ، فإنَّه أمر وجودي ويتعدد بتعدد أفراد الاخبار المشتملة على المرجحات)[7]
وأجاب (وفيه اولاً: منع كون التعادل "امراً" عدميَّاً؛ اذ المساواة من الأوصاف الوجوديَّة اذا كان باعتبار الاشتمال على الوصف الوجودي)[8]
الجواب: التعادل وجودي وعدمي
اقول: ان التعادل قد يكون امراً عدمياً وقد يكون امراً وجودياً ، فان زيداً قد يعادل عمراً في كمية ما يملك كما لو كان يملك كل منهما كذا من المال مساوياً للآخر فهو تعادل وجودي أي مبني على وجودين[9] وهو صفة قائمة بهما، وقد يعادله في الافلاس او الجهل فهو تعادل عدمي أي مبني على عدميين أي تساويهما في عدم امتلاك المال او العلم او التقوى او الاخلاق.[10]
والامر في الروايات من صغريات ذلك فقد يتعادل الحديثان في الامر الوجودي وقد يتعادلان في الامر العدمي :
ومن الاول: تعادلهما في مخالفة العامة بان يكون كلاهما مخالفاً لقولهم او في الشهرة بان تكون لكليهما شهرة روائية.
ومن الثاني: تعادلهما في عدم الموافقة للعامة او عدم كونهما خبرين للعدل الضابط الامامي بل كانا موثقين مثلاً – فتأمل[11].
تعدد الاعدام بتعدد المضاف اليه غير مجدي مع وحدة الغرض
كما اجاب ثانياً بـ : (ان تعدد الأعدام بتعدد المضاف اليه يكفي اذا كانت الخصوصيَّات منظورة ومتعلِّقة للغرض، خصوصاً اذا لوحظ التعدد من جهة تعدد الأخبار ، فإنَّ من المعلوم أنَّ أفراد المساواة أيضاً تتعدد بتعدد أفراد الاخبار ، كتعدد الترجيح، فانحصر الوجه فيما ذكرنا من أنَّ التعدد ملحوظ بالنسبة الى أنواع المرجحات وهي متعلّقة للبحث من حيث الترجيح لا من حيث التعادل .
ثمَّ من العجب أنَّه لاحظ التعدد باعتبار تعدد الأخبار وموارد المرجِّحات دون انواعها، قائلاً : إنَّ تعدد الانواع لا يوجد[12] تعدد الترجيح والمزيَّة ، لا بلحاظ تعدد الموارد أي افراد الاخبار، لأَنّ تلك الانواع من اسباب الترجيح وهي لا توجب تعدد المسبب، الا ترى ان تعدد اسباب الموت لا يوجب تعدده ، بخلاف تعدد الافراد فانه يوجب تعدد المزيَّة عند وجود سببها على حسب تعددها ، اذ فيه أنَّ تعدد افراد الاخبار ليس متعلَّقاً للغرض والبحث).[13]
وجهان لتمايز الاعدام
وتوضيحه: ان الاعدام لا ميز بينها ولا تعدد من حيث العدم وانما تتعدد باحد وجهين:
أ- ارتسامها في الذهن، كما اشار اليه بقوله :
(لا ميز في الأعدام من حيث العدم وهو لهـــــــــا إذا بوهـــــم ترتسم)[14]
ب – التعدد بتعدد المضاف اليه ؛ فان عدم المال امر مغاير لعدم التقوى وهما مغايران لعدم العلم مع ان كلها اعدام؛ ولذ صح ان يقال : لا تجوز الصلاة خلفه لأنه ليس بعادل، ولا يصح القول : لاتجوز خلفه الصلاة لانه ليس بذي مالٍ او ليس بعالم .
ولكن الاشكال بعد الفراغ عن تعدد العدم بتعدد المضاف اليه هو انه ليس متعلقاً للغرض اذ (المتعادلان الفاقدان لمزية الشهرة) وان كانا غير (المتعارضين الفاقدين معاً لمزية موافقة الكتاب او لمزية الافقهية) لكن الحكم واحد ولا فرق بين هذا التعادل وذاك من حيث الحكم وهو التساقط كأصل اولي او التخيير كاصل ثانوي، ولذا وجب التعبير بـ(التعادل) لا (التعادلات).
وذلك على العكس التراجيح فان الترجيح بموافقة الكتاب يختلف من حيث الحكم عن الترجيح بالشهرة مثلاً لذا وجب التعبير بالجمع، ويظهر ذلك اكثر بملاحظة تعارض المزيتين أي الخبرين ذوي المزيتين المختلفتين، فكيف لو لوحظ اختلاف المرجحات من حيث كونها مضمونية او جهوية او سندية.
تصوير تعدد الغرض في انواع التعادل
وقد يجاب باختلاف التعادل ايضاً بلحاظ هذه الجهات الثلاث، والغرض عليها متعدد، فتأمل وتدبر جيداً
وللحديث صلة، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
==============================
الاربعاء 2 ذي الحجة 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |