06- هل العنوان ( التعارض ) أو ( التعادل والترجيح ) ؟ ووجوه رجحان الاول والثمرة
الاحد 28 ذي القعدة 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(6)
عنوان المسألة:
لقد عنون صاحب القوانين المسألة بـ(التعارض والتعادل والترجيح)[1] فيما عنونها الشيخ في الرسائل بـ(التعادل والتراجيح) وعنونها صاحب العروة في كتاب التعارض بـ(كتاب التعارض).
وحيث ان (العنوان) ينبئ عن المعنون فلابد من تحري الدقة فيه ، اضافة الى ان به يتحدد نطاق البحث وحدود مسائله.
مباحث التعارض اعم من مسألتي التعادل والتراجيح
والمستظهر هو ارجحية الاخير وذلك للجهات التالية:
اولاً: لان مباحث هذا الباب – او المسألة – هي اعم واشمل من مبحثي التعادل و التراجيح، وذلك لان البحث يقع في مسائل عديدة اخرى:
منها: مسألة: ان الجمع – لدى التعارض – اولى من الطرح التي ادعى صاحب الغوالي الاجماع عليها، فيما ادعى المتأخرون الاجماع على العكس[2].
وهناك الكثير من البحوث التي تطرح في هذه المسألة ومنها: ان الجمع قد يكون دلالياً بالتصرف في دلالة احد الدليلين و المراد منه او بالتصرف في دلالتها معاً، وقد يكون عملياً المراد به أن يؤخذ في مقام العمل ببعض كلٍّ منهما مع قطع النظر عن دلالتهما أي مع ابقاء دلالتهما على ظاهرهما نظير تعارض البينتين في ملكية الدكان او الدار حيث يحكم بتنصيفها لقاعدة العدل والانصاف من دون تصرف في دلالة كلمات البينتين.
وقد ادعى البعض حصر البحث في الجمع الدلالي التبرعي فيما ارتأى البعض اجمال مرادهم وذهب البعض لشمول البحث – ملاكاً – للجمع العملي وان لم يشمله لفظاً ، وسيأتي باذن الله تعالى بحث ذلك كله.
ومنها: ان الاصل الاولي في المتعارضين ، مع قطع النظر عن كونهما متعادلين او متراجحين ، هل هو التساقط ام التخيير؟ وقد ذهب بعض الاعلام الى انه التساقط فاعتبَرهُ عارضَ التعارض وحكمه من غير توسيط كونهما متعادلين او متراجحين اذ رأى ان التعارض بنفسه مناط التساقط ومداره، بينما المنصور مثلاً انه حكم التعارض بعد اتصافه بالتعادل، وعلى أي فانه[3] على بعض المباني غير مرتهن بهما بل به[4] بما هو هو.
ومنها: مباحث الحكومة ونظائرها ، بناء على كونها من التعارض على مبنى تعريفه بتنافي المؤديين بما هما هما فان الحاكم والمحكوم على هذا متعارضان ولا يلاحظ تعادلهما وتراجحهما[5]، وقد مضت الاشارة الى ذلك وسيأتي تفصيله.
التعادل والتراجيح من عوارض التعارض ولواحقه
ثانياً: ان التعادل والتراجح من عوارض التعارض ولواحقه وصفاته، والمبحوث عنه في هذا الباب اولاً هو التعارض وتعريفه وانه هل يقع ثبوتاً في الروايات[6] وماهي موارده وما لا يدخل تحت دائرته، ثم يبحث عن ان المتعارضين لو تعادلا او تراجحا فما الحكم؟
ولذلك قال الميرزا النائيني في فوائد الاصول[7] (( الاولى تبديل العنوان بالتعارض، فان التعادل والترجيح من الاوصاف والحالات اللاحقة للدليلين المتعارضين فكان الانسب جعل العنوان للمقسم والجامع بينهما)) كما اشار الى هذا الاشكال المحقق اليزدي ايضاً.
اقول: كلامه وان صح ، الا ان ذيل كلامه محلّ تأمل فان التعارض ليس مقسماً – وجامعاً لهما – التعادل والتراجيح – بل هو معروض لهما اعم منهما[8] وفرق كبير بين الجامع و بين المعروض فان الجامع داخل والمعروض خارج، ولذا نجد صحة حمل الجامع على افراده وحصصه بينما لا يصح حمل المعروض على عارضه؛ الا ترى صحة حمل الانسان على زيد وعلى العالم والابيض والآري وغيرهم وكذا حمل الجنس والفصل على النوع كحمل الحيوان والناطق على الانسان ، بينما لا يصح حمل البياض على الحائط لأنه معروضه فلا يقال (الحائط بياض) ، وكذلك المقام اذ لا يقال (التعارض تعادل او تراجح).
لايقال: يقال: الحائط ابيض والمتعارضان متعادلان او متراجحان ؟
اذ يقال: العارض هو البياض والتعادل – وهما مبدأ الاشتقاق – وليس المعروض مقسماً لهما، اما الابيض والمتعادلان او المتراجحان فهي مشتقات وليس الحائط معروضاً للأبيض بل هو نفسه مع اضافةٍ ، كما انه ليس المتعارضان معروضين للمتعادلين بل هما هما، ويوضحه العلم والعدل والعالم والعادل فانه لا يصح حمل احد الاولين على الاخر ولا احدهما على الاخيرين[9] الا مجازا عكس الاخيرين.
والحاصل: انه حصل خلط بين مبدأ الاشتقاق وبين المشتق، والحمل انما هو في الثاني بحمل المواطاة وحمل هو هو[10]، اما مبدأ الاشتقاق فلابد ان يكون جامعاً كي يصح المواطاة[11] والا كان من حمل الاشتقاق وحمل ذو هو[12].
ويذكر ظهر ان المحقق اليزدي ايضاً حصل خلط في كلامه اذ قال ( لما هو واضح من انهما – أي التعادل و الترجيح– من عوارضه واقسامه)[13] اذ اتضح انهما من عوارضه لا من اقسامه.
ولذلك قال السيد القزويني في (تعليقة على المعالم)[14] (( وقد يتوهم كون التعادل والترجيح قسمين للتعارض وهو سهو، بل هما حالان في الدليلين المتعارضين باعتبار كونهما متعارضين، فالتعارض وصفٌ أخِذ في معروض التعادل والترجيح ولذا لا يصح الحمل بينهما مع صحته بين المقسم وكل من اقسامه)).
البحث عن التعارض مقصود بالأصالة لا لصرف المقدمية
ثالثاً: ماذكره المحقق اليزدي بقوله (( وايضاً ليس البحث عن أحكام مطلق التعارض مقدمةً للبحث عن احكامهما ، بل هو ايضاً مقصود بالأصالة[15]، فلا وجه لدعوى كون البحث عن احكامه إنَّما هو من باب المقدميَّة والتبعيَّة.))[16]
ولكن قد يرد عليه ما سيأتي باذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الاطهار
==========================
الاحد 28 ذي القعدة 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |