532- اربع اشكالات على الاستدلال بــ( ولايكتفي بادني فهم دون اقصاه ) واجوبتها ــ الجواب عن اشكال ان الرواية ــ كالمقبولة ــ خاصة بموردها ــ الاستدلال بالمقبولة على تعين تقليد الاعلم. الشيخ تعميمها لباب التقليد لتنقيح المناط القطعي ــ وجوه كلام الشيخ أ ــ كلاهما حدسي
السبت 21 جمادي الاخرة 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(56)
الاستدلال بـ(ولا يكتفي بادنى فهم دون اقصاه)
سبق انه قد يستدل على تعيّن تقليد الأعلم بقوله ( عليه السلام ) في عهده للاشتر ((ولا يكتفي بادنى فهم دون اقصاه)) فان اقصى الفهم هو ما يتأتى من الأعلم خاصة وقد أمر الإمام ( عليه السلام ) به ((ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاه))
الأجوبة:
وقد يجاب بوجوه:
1- انصرافه للموضوعات، وجوابه
الأول: انه منصرف إلى الموضوعات والتطبيقات فانها شأن القضاة ككون هذا زوجاً وذاك سارقاً وكون هذا يرث كذا.. وهكذا)
وفيه: انه أعم من الثلاثة: فهم الموضوع والحكم والانطباق، وفهم الحكم متوقف على الاستنباط كما عليه المشهور من اشتراط الاجتهاد في القاضي بل لا يكون الفهم أقصى إلا بالاستنباط([1])، والانطباق يراد به انطباق الأحكام المستخرجة أي نتيجة الاستنباط وكذلك القواعد الفقهية على صغرياتها وموضوعاتها([2])؛ وذلك بوجهين:
1- ان الحكم والقضاء يتوقف على مجموع الثلاثة لا على احدها فقط فيكون قرينة على إرادتها جميعاً من (لا يكتفي بادنى فهم...) فتأمل([3])
2- ان حذف المتعلق يفيد العموم، إذ لم يخصص الإمام ( عليه السلام ) الفهم بالموضوع إذ لم يقل مثلاً (ولا يكتفي بأدنى فهم في الموضوعات...)
2- لا تلازم بين حكم الوالي([4]) وحكم العامة، والمناقشة
الثاني: ان قوله ( عليه السلام ) (اختر... ممن لا يكتفي بادن فهم دون أقصاه) أمر للوالي وبيان لوظيفته وليس أمراً لعامة الناس باختيار الأفضل فعلى العالي اختيار الأفضل وللناس الرجوع إليه أو إلى الفاضل ويسمى حينئذٍ بقاضي التحكيم الذي صار إلى صحته المشهور وان اختلفوا في نفوذ حكمه وعدمه وفي اشتراط اجتهاده وعدمه.. إلى غير ذلك.
وقد يجاب: بالتلازم العرفي بين أمره ( عليه السلام ) للوالي باختيار الأعلم ممن لا يكتفي بادنى الفهم ووجوب رجوع الناس إليه.
وفيه: انه وإن صح إلا انه لا يصح في مثل المقام مما دلت الأدلة على صحة الرجوع لقاضي التحكيم فتكون هي الدليل على عدم التلازم عكس باب الفتوى استناداً إلى مثل قوله تعالى: (لينذروا).
وقد يجاب: بان قاضي التحكيم خاص بمورد تراضي الخصمين، ولعله قليل، والحكم (باختر...) عام فيجب على الوالي اختيار الأعلم ويلزمه؛ للتلازم العرفي، وجوب رجوع الناس إليه تعييناً، لكن يستثنى من ذلك ما لو تراضى الخصمان، ففي غير مورد التراضي يجب الرجوع للأعلم كما وجب على الوالي نصبه.
3- الرواية تدل على لزوم اقصى الفهم لا ان يكون أعلم
الثالث: ان قوله ( عليه السلام ) (لا يكتفي بادنى فهم دون أقصاه) لا يدل على لزوم الرجوع للأعلم وتعيينه بل غاية ما يدل عليه هو ان يكون المختار([5]) ممن يستفرغ وسعه حتى بلوغ أقصى درجات فهمه وهذا أعم من كونه أعلم أو مجتهداً.
والحاصل: ان الدليل على اشتراط الأعلم لا بد ان يكون أمراً آخر غير مجرد (ولا يكتفي بادنى فهم دون أقصاه) فان هذا أعم من اشتراط الأعلم للصدق بالحمل الشائع الصناعي([6]).
وقد يجاب: بان الأمر بالبلوغ إلى اقصى الفهم يدل التزاماً على لزوم تحصيل الأعلمية فانه الذي يصدق عليه حقاً انه لم يكتف بادنى الفهم.
وقد يردّ: بان ذلك تام لو كانت القضية بنحو القضية الحقيقية لكن الظاهر ان القضية خارجية شخصية بمعنى ان هذا المختار عليه ان يحصل على أقصى فهمٍ له، لا على اقصى الفهم الثبوتي الممكن والذي لا يمكن إلا للأعلم على الإطلاق.
والحاصل: ان كلام الإمام ( عليه السلام ) عن الشخص وفهمه لا عن الفهم بما هو هو فتأمل
تنبيه: قد يستند إلى هذه الرواية في تحديد ملاك الأعلمية وان (الأفهم) أي الذي يحصل على اقصى الفهم، هو الملاك بل غيره مما ذكر من الملاكات عائد إليه أو طريق له فانه لا يكون افهم إلا إذا كان أكثر إحاطة بالقواعد والمدارك وبالأشباه والنظائر وأجود فهماً وأكثر عرفيةً وأكثر تحقيقاً وتدقيقاً.. الخ. فتأمل([7])
4- اختصاصها بالقاضي
الرابع: ان هذا خاص بالقاضي دون المجتهد المقلد وقد سبق ان هذا الإشكال تام ظاهراً وسيأتي كلام الشيخ (قدس سره) في التعميم بتنقيح المناط وجوابه.
الإشكال عليها بعدم العمل بها في موردها فكيف بغيرها؟
وقد يستشكل([8]) على الاستدلال بهذا المقطع بأول الوجوه التي استشكل بها على المقطع السابق وهو انها لم يعمل بها في موردها – وهو القضاء – فكيف يقال بدلالتها على تعين الأعلم في غير موردها؟
والجواب: انها قد عمل بها في موردها حسب المشهور المدعى عليه الإجماع.
قال الشيخ الأعظم في القضاء والشهادات (ومع التفاوت (يتعيّن) على الإمام تقليد الأعلم منصب القضاء، كما يجب على الناس (تقليد الأعلم) في الفتوى (مع) استجماعه (الشرائط) المذكورة للقضاء على المشهور بل لا خلاف يوجد إلاّ عن بعض من عاصرناه([9])، وفي منية المريد: لا نعلم فيه مخالفاً، وفي المعالم نسبه إلى الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم، وفي شرح الكتاب([10]) أنّه نقل عليه الإجماع، وفي الرياض دعوى بالإجماع عليه من السيد، ولعلها الحجة في مثل المسألة التي هي من مسائل الفروع – على ما حققناه في الأصول -)([11]).
نعم من ارتأى عدم العمل بها في موردها فانه يشكل عليه التعدي منها إلى غيرها إذ ان تخصيص العام وإن كان ممكناً واقعاً كثيراً إلا ان استثناء المورد قبيح فلا يصح القول ان الرواية تفيد تعين الأعلم مطلقاً (في القضاء والفتوى) وقد خرج منه القضاء؛ نظراً لما استظهره الفقيه من الأدلة، فبقيت الفتوى؛ إذ فيه ان استثناء المورد وتخصيصه، كشأن النزول، قبيح.
الاستدلال بالمقبولة على تعين تقليد الأعلم
وقد يستدل بمقبولة عمر بن حنظلة، على تعيّن تقليد الأعلم استناداً إلى تنقيح المناط القطعي، والمقبولة هي ((عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام )- عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَ إِلَى الْقُضَاةِ أَ يَحِلُّ ذَلِكَ قَالَ مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ وَ مَا يَحْكُمُ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَ إِنْ كَانَ حَقّاً ثَابِتاً لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.
قُلْتُ فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ؟
قَالَ يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَنَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ وَعَلَيْنَا رَدَّ وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا وَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَكِلَاهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيثِكُمْ قَالَ الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا وَلَا يَلْتَفِتْ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ الْآخَرُ.
قَالَ قُلْتُ فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يُفَضَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ؟
قَالَ فَقَالَ يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا وَ يُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَ إِنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَيُتَّبَعُ وَ أَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَيُجْتَنَبُ وَ أَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى رَسُولِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) حَلَالٌ بَيِّنٌ وَ حَرَامٌ بَيِّنٌ وَ شُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَ مَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَ هَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ.
قُلْتُ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمَا مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ؟
قَالَ يُنْظَرُ فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ خَالَفَ الْعَامَّةَ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَ يُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ.
قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْفَقِيهَانِ عَرَفَا حُكْمَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ وَالْآخَرَ مُخَالِفاً لَهُمْ بِأَيِّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ؟
قَالَ مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ فَفِيهِ الرَّشَادُ.
فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِنْ وَافَقَهُمَا الْخَبَرَانِ جَمِيعاً؟
قَالَ يُنْظَرُ إِلَى مَا هُمْ إِلَيْهِ أَمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وَقُضَاتُهُمْ فَيُتْرَكُ وَيُؤْخَذُ بِالْآخَرِ.
قُلْتُ فَإِنْ وَافَقَ حُكَّامُهُمُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعاً؟
قَالَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَرْجِهِ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَاتِ))([12]).
قال الشيخ (مضافاً إلى مقبولة عمر بن حنظلة المجبور قصور دلالتها – من حيث اختصاصها بموردها – بالإجماع المركب الظني وتنقيح المناط القطعي)([13]).
ولا بد هنا من بيان ما يمكن كونه وجهاً للشيخ في دعواه تنقيح المناط القطعي ليشمل ما ذكره الإمام ( عليه السلام ) في باب القضاء (من اشتراط الافقهية) باب الفتوى أيضاً، فنقول: ان ههنا وجوهاً بعضها يصلح مستنداً له فيما يصلح بعضها للاستناد في مقابل ذلك:
الأول: ان من باب الفتوى حدسي كباب القضاء عكس باب الرواية فانه حسي، فإذا تعين الأعلم في باب القضاء فانما هو لحدسيته فكذلك باب الفتوى فالمناط واحد.
وستأتي مناقشة ذلك باذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=========================
السبت 21 جمادي الاخرة 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |