292- المعاني اللغوية للعن ، وتحقيق الموضوع له ـ وجوه اربعة جديدة على انه دال على الحرمة
الاثنين 19 ربيع الثاني 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(16)
اللعن في اللغة
سبق ان بعض اللغويين([1]) ذكر للعن معنيين: الطرد والإبعاد، وذكر بعضهم معاني أكثر. قال في المنجد (لعن فلانا أخزاه وسبه وأبعده عن الخير، طرده) وقال (اللعين: الملعون المسيّب، المطرود، المشؤوم، الممسوخ، الـمُخزى، المهلَك، الشيطان) وقال (لعنّه: عذبه، واللعنة العذاب).
دوران الموضوع له بين الإبعاد والطرد
أقول: الظاهر ان اللعن موضوع لأحد المعنيين: الإبعاد والطرد والأول أعم مطلقاً من الثاني واما المعاني الأخرى فهي اما مصاديق([2]) أو هي تفسير بلازم الشيء أو ملزومه([3]) أو أثره المترتب عليه([4]) أو الأجنبي عنه وما نسبته معه من وجه([5]).
الظاهر وضعه للطرد والتوسع مجازاً للأعم
فالظاهر انه موضوع اما للطرد ثم تُوسِّع فيه إلى مطلق الإبعاد أو موضوع للإبعاد والطرد مصداق أو أظهر المصاديق.
وقد ظهر مما مضى انه موضوع للطرد أو فقل ان الموضوع له هو خصوص الإبعاد المنُصَبّ على المبغوض إلى حد انقطعت العصمة بينه وبين لاعنه – أي مولاه الحقيقي أو العرفي أو مطلق اللاعن -.
وهذا هو المستظهر عرفاً وهو بالاستقراء التام مورد استعمال الآيات الذي لا يوجد غيره وهو الظاهر من الأعم الأغلب من استعمالات الروايات كما سبق.
شواهد ومؤيدات
ويؤكده: أن فاعل المكروه ينبغي ان يُدعى له لا ان يُدعى عليه، بل قد يقال ان فاعل الحرام إذا كان مصراً أو فعل كبيرة استحق ان يلعن بالدعاء عليه بالإبعاد من رحمة الله وهذا هو المفهوم عرفاً وهو المرتكز في الأذهان وهو الذي عليه السيرة المتشرعية اما فاعل الصغيرة من غير إصرار فلا يلعنونه بل يجدونه مستحقاً للدعاء له بالهداية وهذا هو الموافق أيضاً لكون الإسلام دين الرحمة واللطف والإحسان.
ويؤكده: انه يقبح – إن لم يحرم – في العرف العام بل في عرف المتشرعة أيضاً لعن من ترك مكروهاً فلو ترك صديق أو قريب صلاة الليل – رغم تأكد استحبابها – أو الصلاة أول الوقت لا متهاونا بها، فانه يقبح أن يلعن ولو لعنه أحدهم استحق اللوم والذم وهو دليل على ارتكازية الطرد أو شدة المبغوضية إلى حد انقطاع العصمة في معنى اللعن، وهذا في الإنشاء والدعاء (عليه باللعن) ظاهر بيّن، وفي الأخبار كذلك فانه غير عرفي بالمرة ألا ترى انه لو ترك أحدهم الصلاة أول الوقت لا متهاوناً بها، انه لا يقال له: هذا ملعون؟ وانه يصح ان يقال: انه بعيد عن رحمة الله؟ مما يدل على ان البعد أعم من اللعن والملعونية.
كلام الشريف الرضي
ومما يؤيد ما استظهرناه([6]) كلام الرضي في المجازات النبوية([7]) في توجيهه لرواية ((لَعَنَ اللَّهُ الَّذِينَ يُشَقِّقُونَ الْكَلَامَ تَشْقِيقَ الشِّعْرِ)) قال: وهذا اللعن في الخبر إنّما يتناول من بلغ في تدقيق الكلام إلى ذلك الحدّ ليشتبه الباطل بالحقّ ويجوز الغيّ بالرّشد، كما قلنا في تأويل قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَبْغَضِكُمْ إِلَيَّ وَ أَبْعَدِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ))([8])
فانه لولا ارتكازية دلالة اللعن على الحرمة عنده – وهو الأديب البليغ بل المعدود من سادات بلغاء العالم – لما احتاج إلى هذا التوجيه وإلى حمل الرواية على هذه الصورة الخاصة. فتدبر
اللعن وإن وضع لمطلق الإبعاد، دال على الحرمة بوجوه:
ثم انه لو سلمنا ان اللعن موضوع للإبعاد لا للطرد خاصة فان لنا ان نقول بإفادة قوله ( عليه السلام ) ((الْوَاشِمَةُ وَالْمُوتَشِمَةُ وَالنَّاجِشُ وَ الْمَنْجُوشُ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ))([9]) حرمة النجش بوجوه: بعضها يصلح دليلاً وبعضها مؤيداً:
1- اللعن في الرواية إخبار عن إنشاء
الأول: ان (ملعونون على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )) إخبار عن إنشاء فان ظاهره إخبار الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن ان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنشأ لعن الناجش والمنجوش بان قال مثلاً اللهم العن الناجش والمنجوش، وليس إخباراً عن أخبار، وقد سبق انه لا يصح الدعاء على فاعل المكروه فكيف بلعنه؟
2- اللعن فيها يفيد التهويل والتخويف
الثاني: سلمنا احتمال كونه اخباراً عن اخبار أو ظهوره فيه، فانه ظاهر في الحرمة وإن لم يكن اللعن بنفسه ظاهراً في الحرمة لظهور تقييده ( عليه السلام ) اللعن بكونه على لسان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قصد التهويل والتخويف الذي لا يتجانس مع إرادة مطلق الإبعاد.
3- حذف المتعلق يفيد العموم
الثالث: ان حذف المتعلق يفيد العموم وحيث تعددت أنواع الإبعاد ومراتبه وحيث لم يذكر أحدها بخصوصه كمتعلق للعن دلّ على عموم (ملعونون على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )) بجميع أنواعه ومراتبه إلا ما علم خروجه – كالمراتب والأنواع المعلوم اختصاصها بمثل الشرك والكبائر.
بيان ذلك: أن قولك (اللهم العن فلانا) أو (لعن الله فلانا) أو (لعنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )) يعني (اللهم أبعِدْه) أو (ابعدَهُ الله) وحيث لم يُذكر متعلق الإبعاد ولم يخصص بمرتبة من مراتب الخير أو الرحمة أو القرب ولا بنوع منها دل على شموله لها بأجمعها ولا شك في ان غير المحرم ليس كذلك. فتأمل
4- اللعن بمنزلة النفي الدال على العموم الاستغراقي
الرابع: ان اللعن وإن سلمنا كونه موضوعاً لمطلق الإبعاد إلا انه حيث أطلق أفاد إطلاقه العموم والشمول لمختلف مراتبه وأنواعه وذلك لأن اللعن نفي أو بمنزلته أو إخبار عن النفي أو بمنزلته والنفي كالنهي يفيد العموم.
بيان ذلك: إن (لعن الله أو لعن رسول الله فلانا) بمنزلة قولك لم يرحمه ولم يقربه والنفي لا يكون إلا مع العموم الاستغراقي دون البدلي، وقولك اللهم ألعن فلانا بمنزلة قولك: اللهم لا ترحم فلانا ولا تقربه من الخير بل أبعده عنه وطلب الترك كالنهي عن الفعل لا يصح إلا مع إرادة العموم الاستغراقي دون البدلي. فتأمل
وبعبارة أخرى: الظاهر ان المراد من (ملعونون على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )) الإبعاد المطلق (الشامل استغراقاً لكل المراتب والأنواع) لا مطلق الإبعاد (الشامل لها على سبيل البدل) فهو كالنفي المطلق دون مطلق النفي وكالوجود المطلق دون مطلق الوجود وبمثال عرفي هو: كالماء المطلق([10]) دون مطلق الماء([11]). فتأمل وتدبر جيداً فانه دقيق وإن ورد عليه وعلى بعض سوابقه ما قد يظهر بالتدبر إلا ان في مجموع ما ذكر – بل بعض ما ذكر – الكفاية في استظهار كون اللعن مطلقا وخصوص (ملعونون) على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دالاً على الحرمة. والله العالم الموفق المستعان
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) كجامع مقاييس اللغة.
([2]) كالمسيب والشيطان.
([3]) كالمشؤوم فانه ملزوم للعن أي حيث كان مشؤوماً طرده ويمكن العكس أي حيث طرده عُدّ أو صار مشؤوماً فهو اما لازم أو ملزوم.
([4]) كـ: أخزاه إذ إذا طرده أو أبعده لزم منه خزيه وكذا عذبه إذ حيث طرده عذبه.
([5]) كالممسوخ وكـ(سبّه) على تأمل في بعض الأمثلة.
([6]) من ظهور اللعن في الحرمة.
([7]) المجازات النبوية ص374.
([8]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص339.
([9]) الكافي (ط – الإسلامية) ج5 ص559.
([10]) في (الماء المطلق طاهر).
([11]) في (جئني بماء).
الاثنين 19 ربيع الثاني 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |