60- تتمة : اللزوم ثبوتي ام اثباتي ، وما هو المستظهر ؟ - هل قاعدة الالزام شاملة لتنظيم علاقة الآخرين بعضهم ببعض
الثلاثاء 21 ربيع الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لا زال البحث حول فقه روايتنا المعهودة ,ووصلنا الى كلمة (لزمته) ثم وصلنا الى المبحث الثاني في هذه الكلمة وهو هل المراد باللزوم الواقعي أم الظاهر ي؟ وتوضيحه : يمكن أن يقال ان اللزوم المراد هو اللزوم الواقعي بمعنى انقلاب الحكم الواقعي الاولي الثابت لعامة المكلفين في حق المخالفين وفي حق الكفار وذوي الأديان الأخرى , فيكون هذا تخصيصا للقاعدة العامة التي تقول أن الكفار مكلفون بالفروع والأصول فيستثنى منها مورد قاعدة الإلزام والتعبير الفني لذلك هو ( الحكومة والناظرية )، أي ان أدلة الإلزام ناظرة إلى الأحكام الأولية فتقدم عليها، والحاصل هو: انه يكون لنا في مورد قاعدة إلزام حكم واقعي ثانوي في مقابل الحكم الواقعي الأولي، فمثلا (الطلاق ثلاثا) لا يقع على رأي المشهور فبطلان هذا الطلاق حكم عام , ولكن ببركة قاعدة الإلزام وبدليلها الحاكم والناظر إلى الأدلة الأولية يكون حالها كحال قاعدة ( لا ضرر او لا حرج ), فيقع الطلاق واقعاً من المخالف وان كان فاقداً لشروط الصحة، ثم انه حيث ان قاعدة الإلزام حاكمة فلا تلاحظ النسبة بينها وبين الدليل الأخر فحتى لو كانت النسبة من وجه معه فان الدليل الحاكم والناظر ( وفي مقامنا قاعدة الإلزام ) مقدم، هذا هو الاحتمال الأول.
واما الاحتمال الثاني : فان يقال ان قاعدة الإلزام لا تفيد الانقلاب الواقع بلحاظ الناظرية والحاكمية وإنما مفادها هو الحكم الظاهري ليس إلا ,فيكون المراد من الرواية إلزامهم بما التزموا به من الأحكام ظاهرا من غير نفي لثبوت الأحكام الواقعية الأولية في حقهم , ففي المثال السابق: لوان مخالفا طلق زوجته ( المخالفة أو الأمامية ) طلاقا ثلاثيا أو طلق بدون شرط الشاهدين العادلين فعلى قول من يرى ان مفاد قاعدة الالزام كمفاد قاعدة لا ضرر ولا حرج فان طلاقه يقع حقيقة(1) , وبالتالي بعد طلاقها هي ليست بزوجة له ثبوتا واما على الرأي الثاني فان الطلاق لا يقع حقيقة وهي بعد طلاقها بالثلاث لا تزال هي زوجة له واقعا هذا الرأي يواجه مشكلة وهي انه كيف يحق للشيعي الامامي ان يتزوج بها ؟ ما دام الطلاق – على هذا الرأي -لم يقع واقعا ثبوتا و كون اللزوم ظاهريا فقط؟
ان الرأي الثاني يحل هذه المشكلة عن طريق اللجوء إلى الإباحة فيقول نعم هي زوجة له ولكنها مباحة للآخر ولا منافاة في الامر ,وذلك لان الشارع هو ولي الأمر وهو الذي أعطى اعتبار الزوجية بالعقد وهو كذلك رتب الأحكام التكليفية على هذه الزوجية فله من هذا الباب ان يعمل مولويته التشريعية ويبيحها للآخر وهذا مثال لتقريب الرأيين الى الأذهان, ثم ان الرأي الثاني ينشعب الى رأيين آخريين فرأي يقول ان الإباحة هي إباحة واقعية فالزوجة باقية على علقتها رغم طلاقها ثلاثا ولكنها تباح واقعا للآخر . ورأي آخر يقول ان المطلقة تباح باباحة ظاهرية وهو رأي شاذ , وليس كلامنا في مقام تفصيل هذه الآراء وانما الكلام في مقام الاستدلال والاستناد الى روايتنا كي نرى هل تصلح سنداً لاحد الرأيين الرئيسين , أي هل يقع الطلاق حقيقة كأي عنوان ثانوي او لا يقع ؟
وسياتي بيان ذلك بعد قليل لكن لننقل الان احد الاراء وهو للشيخ حسن آل كاشف الغطاء قدس سره في انوار الفقاهة اذ يقول : (" فظهر مما ذكرناه ان طلاق المخالفين يمضى عليهم وان كان فاسدا عندنا " ثم يقول " وان كان فاسدا في الواقع ") أي برغم فساده الواقعي لكنه يمضى ظاهرا ثم يجيب الشيخ عن الاشكال ويقول : (" ولا منافاة بين البطلان وبين اجراء حكم الصحة بالنسبة الينا لطفا من الشارع فهي وان كانت زوجة لهم لكنها حلال لنا وحرام عليهم") والبعض استغرب كثيرا من كلام الشيخ في ذلك(2) , نعم ان كلامه خلاف الظاهر، ولكنه ليس بغريب جداً، فان له نظائر في الشريعة؛ كما في المظاهرة فانها زوجة لكنها محرمة، وكما في الامة فانها لو اباحها مولاها لشخص كانت محللة له رغم عدم كونها زوجةً له،ولابد من الاشارة الى وجه الاستدلال بالرواية على الراي الاول فنقول:ان هناك فرقا دقيقا بين كلمة ( لزمته ) في روايتنا المعهودة وبين كلمة ( الزموهم ) في الروايات الاخرى فقد يستفاد من ( الزموهم ) الالزام الظاهري وكما قال به البعض ولكن كلمة اللزوم في ظاهرها تدل على اللزوم الواقعي وليس الظاهري, وظاهرها هو الثبوت وذلك لوجوه :
الاول : ان الالفاظ موضوعة لمسمياتها الثبوتية لا الاثباتية فعندما نقول كلمة ( حائط) فهذه موضوعة للحائط العيني وليس للحائط المتوهم وان اطلق عليه تجوزا . ففي روايتنا فان اللزوم على حسب القاعدة ويراد به اللزوم الثبوتي الواقعي .
الثاني : لو خصص اللزوم بالظاهر لكان خلاف الظاهر وهذا بيان آخر فالبيان الاول كان بالنسبة لمادة الكلمة وهي اللزوم و ان ظاهرها اللزوم، واما البيان الثاني فهو مستند للاطلاق أي ( لزمته احكامهم ) ظاهرا وباطنا وتخصيصه بالظاهر خلاف الظاهر .
واما الوجه الثالث : فهو المتفاهم العرفي من الكلام , فعندما يطلق هذا الكلام فان الذهن الخالي من هذه التشكيكات , يفهم منه ان طلاقه يلزمه واقعاً اي انه يتحقق ويحصل ولا تشكيك في ذهنه العرفي .
والحاصل: ان الظاهر من كلمة( لزمته ) هو اللزوم الواقعي وفي مثل مثالنا ونظائره فهي مطلقة واقعا . ومما قدمناه فان ثمرة كبيرة سوف تظهر في الكثير من المسائل ومنها ان المخالف لو طلق زوجته الشيعية بطلاق الثلاث او بدون شاهدين ثم تشيع بعد ذلك قبل ان يتزوجها شخص آخر فلو قلنا ان الطلاق يقع حقيقة وان اللزوم واقعي فلا يستطيع الرجوع اليها ؛ لان نفس طلاق الثلاث موجب للبينونة وليس له إلا ان يرجع بعقد جديد واما لو قلنا ان الطلاق يقع ظاهرا واللزوم ظاهري فهي زوجته واقعا ولذا يستطيع ان يرجع اليها , ولهذه المسألة مسائل اخرى شبيهة في الإرث والنفقة وغيرها ونكتفي من هذا البحث بهذا المقدار .
وننتقل الى بحث آخر حول كلمة (لزمته ) .
المبحث الثالث : وهو يشكل نقطة امتياز لكلمة ( لزمته ) على كلمة ( الزموهم )، ولقد توقفنا طويلا فيما سبق في البحث السندي، وقلنا: ان مراسيل الثقاة حجة، نظراً لموضوعية هذا البحث واهميته الفائقة اولاً، وثانياً لان هناك ثمرات كثيرة تترتب على ذلك البحث ومنها الاستناد الى الكلمة في روايتنا ( لزمته ) دون كلمة (الالزام والزموهم ) الموجودة في روايات اخرى في تحقيق ان قاعدة الالزام هل تشمل ترتيب العلاقة بين المخالف والمخالف ام هي خاصة بالعلاقة بين الامامي والمخالف فقط ؟ وكذا الامر حول الكفار فهل هي خاصة بعلاقتنا بالكافر والمشرك ام انها تهندس العلاقة بين الكافر والكافر ؟ وهذا مورد خلاف بين الاعلام , فرأي يرى ان القاعدة عامة وشاملة للكافر مع الكافر فلو اختلف كافر مع آخر فنلزمه بمقتضى دينه بكل ما كان مضرا بحاله ورأي اخر يرى ان القاعدة لا تنظم العلاقة بين الكافر والكافر والمخالف والمخالف وانما هي لتنظيم العلاقة بيننا نحن الامامية وبين الغير وهذا بحث جوهري ولنذكر مثالا عليه .
والمثال : لو ان شافعيا اعار مالكيا عارية غير الذهب والفضة كالكتاب مثلا وبعد ذلك تلف الكتاب عند المالكي من غير تفريط فهل هو ضامن ؟ فالشافعي لا يرى الضمان، واما المالكي فيراه حتى لو لم يكن المتلف مقصراً، وهنا القاضي الامامي هل يستطيع ان يلزم المالكي بمقتضى مذهبه بان يدفع عوض الكتاب للشافعي او لا ؟ واشباه هذه المسألة كثيرة(3) .
ولنرجع الى قاعدتنا فماهو المستفاد منها ؟ قد يقال: لوان مستند القاعدة كان ( الزموهم ) فان ظاهره هو تنظيم وتحديد العلاقة بيننا وبين الاخرين فقط لان الخطاب لنا فتامل , ولكنه لو كان المستند رواية ( لزمته ) فظاهره اللزوم الواقعي والثبوتي، فليس خاصا بتحديد العلاقة بيننا وبين المخالف فقط فان اللزوم (لزمته) ثبوتي وحقيقي، فاذا كان كذلك فلا فرق في ان يكون احد الطرفين امامياً والاخر مخالفاً، او يكونا مخالفين، او يكونا كافرين، ولذا فروايتنا هذه فيها مزيد فائدة على الروايات الاخرى المتضمنة لكلمة ( الزام ) . وللكلام تتمة .والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين ....
الهوامش ...................................................
1) كما في المريض فانه بنتقل الى التيمم حقيقة بدل الوضوء كحكم ثانوي
2) وقال رحمه الله: ( هذا لا مجال لاسناده الى متشرع فضلا عن الامام فالاباحة مما لا معنى لها)
3) ولدينا تفصيل في هذه المسألة سياتي لاحقاً باذن الله تعالى
الثلاثاء 21 ربيع الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |