||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 55- بحث اصولي: المراد من (مخالفة الكتاب) الواردة في لسان الروايات

 186- تحديد الاولويات حسب العوائد والفوائد وقانون القلة الفاعلة والكثرة العادية

 35- فائدة اصولية: استحالة تحقق الشهرة العملية على خلاف القرآن

 329- فائدة فقهية دلالة (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) على حرمة مطلق الكذب

 262- النهضة الاقتصادية عبر وقف رؤوس الاموال والتوازن الدقيق بين الدنيا والآخرة

 375- فائدة تفسيرية: نسبة العدل إلى الإحسان

 114- فائدة قرآنية: تعدد شان نزول الآيات القرآنية

 112- فائدة روائية: فقه المصطلحات المزدوجة الاستعمال

 بحوث في العقيدة والسلوك

 296- وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّه (1) تقييم منهج السباب والشتائم حسب الآيات والروايات



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23700114

  • التاريخ : 28/03/2024 - 19:04

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 152- العودة الى منهج رسول الله واهل بيته (عليهم السلام) في الحياة ـ5 الحل الاسلامي للمعضلة الاقتصادية 1ـ ترشيق مؤسسات الدولة .

152- العودة الى منهج رسول الله واهل بيته (عليهم السلام) في الحياة ـ5 الحل الاسلامي للمعضلة الاقتصادية 1ـ ترشيق مؤسسات الدولة
الأربعاء 23 ربيع الآخر 1434هـ





 بسم الله الرحمن الرحيم 

العودة إلى منهج رسول الله وأهل بيته عليهم السلام في الحياة 
(5) 
 
الحل الإسلامي للمشكلة الاقتصادية: 
1- ترشيق المؤسسات 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين سيما خليفة الله في الأرضين الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم. 
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)[1] 
في هذه الآية القرآنية الشريفة توجد مباحث كثيرة منها ما يتعلق بأخر الآية الكريمة: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) 
دلالة الآية على قاعدتي لا ضرر ولا حرج 
المبحث الاول 
هناك قاعدتان هما: قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وقاعدة (لا حرج)، وقد جرت طريقة الفقهاء على البرهنة عليهما بمثل رواية (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام), وبمثل قوله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ), الا انه يمكن ان نعتبر هذه الاية الشريفة ايضا دليلا اخر على القاعدتين. 
ان الاستدلال المعهود والتقليدي على القاعدتين بمثل هذه الآية والرواية، استدلال تام وصحيح وفي محله، لكن هذه الاية الشريفة (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) يمكن ان تعتبر ايضا من الأدلة على رفع الحكم الضرري وعلى رفع الحكم الحرجي؛ لان الحكم الضرري مصداق للإصر والثقل الذي يوضع على كتف الإنسان او المجتمع، كما ان الحكم الضرري والحرجي قد يكون مصداق الأغلال التي تقيد حركة الإنسان، فالمكوس والجمارك والضرائب والجوازات وقوانين الإقامة وغيرها كلها اصار، وتشريع صحتها حكم ضرري، وهو اصر وثقل . 
بل ان هذه الآية الشريفة يمكن الاستدلال بها على امرين: 
1- على وضع رسول الله . أي رفعه وأزالته (الموضوعات) التي ينشا منها الضرر، وبهذا فان الاستدلال بهذه الآية يمتاز عن الاستدلال بتلك الرواية، إذ ان إحدى تفسيرات رواية (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) هي: انها ترفع الحكم بلسان رفع موضوعه، اما ايتنا الشريفة فهي ـ لو تم الاستدلال بها ـ ترفع الموضوع الضرري أيضاً وليس الحكم الضرري فقط؛ لان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قد فعل ذلك؛ اذ رَفَعَ القيود والحدود والسدود والاثقال كموضوعاتٍ، تكويناً، بالتسبيب الطبيعي. 
2- كما انه (صلى الله عليه وآله وسلم)وضع عن الناس (الأحكام الضررية) والتي منها ما ذكره المفسرون من الأحكام المعهودة والمذكورة في كتب التفسير، والتي ألقيت ووضعت على عهدة بني إسرائيل, والتي هي مرفوعة في شريعتنا. 
والحديث حول الاستدلال بهذه الآية على قاعدتي لا ضرر ولا حرج اصوليا وفقهيا طويل؛ لان هذا الكلام الذي ذكرناه فيه نقاش واخذ ورد وهو يحتاج الى ايام او اسابيع من البحث، فنكتفي في بحثنا التفسيري بهذه المقدمة الوجيزة . 
والناتج من المبحث الأول: ان الآية يستفاد منها أ - رفع الموضوعات الضررية وان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قد فعل ذلك وعلينا ان نتبعه في ذلك (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) ويستفاد منها ب- ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قد وضع عن الناس الاحكام الضررية، وعلينا ان نتبعه في ذلك فلا نُشرِّع مثلا المكوس او الجمارك او الضرائب او قوانين الإقامة والحضر والسفر والتجارة والزراعة وغير ذلك مما يقيِّد ويغل ايدي وارجل وحركة وتصرفات الناس, هذا هو المبحث الاول بإيجاز وتفصيله يترك إلى محله من علم القواعد الفقهية وعلم الفقه. 
الآصار والأغلال يضعها الأفراد والتجمعات والدول 
المبحث الثاني 
ان الأصار والتي هي الاغلال والاثقال على أقسام ثلاثة، إذ 1- قد يضعها الافراد 2- وقد تضعها الدول 3- وقد تضعها الجماعات المتوسطة بين الافراد والدول كالعشائر والاحزاب والنقابات والاتحادات وحتى العوائل. 
والآية الشريفة بإطلاقها في نفي الحكم الضرري تشمل كافة القيود غير الشرعية التي يضعها الافراد والتي تغل حركة أُسَرِهم وأبنائهم بغير وجهٍ شرعي، وتشمل كافة القيود غير المشروعة التي تضعها وتشرعها البرلمانات في الدول، كما تشمل كافة القيود العشائرية والحزبية والتنظيمية والتياريةوالعائلية والتي تجعل على خلاف قاعدة السلطنة. 
ولنوضح ذلك في المجال الفردي بأمثلة وأبعاد ثلاثة، ثم ننطلق بإذن الله تعالى إلى المجال العام: 
1- في مجال الدراسة والعمل فإننا نلاحظ بعض الاباء يفرضون على أبنائهم عملا خاصا، والإسلام لا يجوّز له: (ان يجبره على ذلك فان لم يفعله عاقبه)، فلو ان الابن أحب ان يكون مهندسا فلا يحق للأب ان يفرض عليه ان يكون طبيبا, نعم له الحق ان يتحاور معه، كما ان على الابن اخلاقيا ان يراعي طلب والده، لكن كلامنا في الإطار القانوني وهو انه لا يجوز شرعا للأب ان يُكره أبنائه فيما كان من حقوقهم الشرعية على اختيار احد البدائل بان يكون طبيبا لا مهندسا، او محامياً لا رجل دين أو العكس، وغير ذلك. 
2- في مجال الزواج فانه في الكثير من الأعراف نجد ان (الزواج) قد يشرع فيه الأب حكما على ابنه او ابنته بما لم ينزل به الله تعالى سلطانا، لا يسمح له او لها بان يتزوجا من تلك العشيرة الفلانية، او يحكم عليهما بان يتزوجا من العائلة الفلانية بالخصوص، ففي بعض المجتمعات نجد من المعهود ان يُقسَر الولد او البنت على الزواج من طائفة معينة او من عشيرة معينة او من عائلة معينة أو على عدم الزواج منها لمعادلات اجتماعية، أو على حسب المستوى الاقتصادي المرتفع او المنخفض للعائلتين، مع انه لا يجوز شرعا ان يكرهه على ذلك فهذا غل وإصر لا يجوز شرعاً تقنينُه ولا جبر الأبناء عليه. 
3- في مجالات العلاقات العامة، وذلك مثل فرض مقاطعة الجهات الأخرى او الهيئة الأخرى او التيار الآخر او ما شئت فعبر, مع ان الإسلام لا يُجوِّز لمن في هذه الجهة ان يفرض على من حواليه ان يقاطع الجهات الأخرى لمجرد الاختلاف في وجهات النظر والاجتهادات، فهذا قيد لم ينزل به الله من سلطان، كما لا يُجوّز ان يجبر شخصٌ ابنه او أخاه او من في جماعته على ان يقاطع جهة أخرى لاختلاف في الاجتهاد: فلا تزاوُرَ ولا تحاوُرَ ولا تشاور ولا تناصر ولا غير ذلك مع انه تعالى يقول: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) 
اذن في المجال الفردي، وفي المجال الاجتماعي، وفي بُعد العشائر والأحزاب وغيرها، لا يجوز لأي شخص كان ان يشرِّع قانونا كابتا لحريات العائلة او العشيرة او التيار والعشيرة مما لم ينزل الله به من سلطان، كما لا يجوز أن يُكرِه أحداً عليه. 
في ُبعد الدولة: الأرض والثروات للناس، ولا ضرائب 
اما في بعد الدولة فقد سبق ان ذكرنا في البعد الاقتصادي ان الاسلام جاء باقتصاد سليم مزدهر متطور مبني على أسس إنسانية عقلانية توصل الأمة إلى السعادة والفلاح، وإذا ما طبق ذلك الاقتصاد لتحولت الأرض إلى جنة حقيقية . 
وقد ذكرنا ان من مقومات هذا الاقتصاد هو ما أشار إليه سبحانه بقوله: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) فكل الثروات هي لعامة الناس أي من حق عامة الناس ان يحوزوها من نفط أو كنوز أو غير ذلك، مع ان الدول الآن تعتبر ان النفط او الكنوز ملكها بحث لو اكتشف شخص كنزا في صحراء او في منزله فان الكثير من الدول تصادر هذا الكنز الى خزائنها، مع ان الكنوز ليست ملكا للدولة، كما ان الثروات الطبيعية في باطن الأرض من معادن وغيرها ليست ملكا للدولة، بل (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً). 
كما ذكرنا ان من مقومات الاقتصاد الإسلامي: (الارض لله ولمن عمرها) 
ومن مقومات الاقتصاد الإسلامي: عدم وضع أي نوع من أنواع الضرائب فانها قيود وأغلال تغل الحركة التجارية والصناعية والزراعية للناس، وتتصرف في أموال الناس بغير وجه حق.. وقد سبق الحديث عن ذلك. 
اشكالات وشبهات: كيف تموّل الدولة مشاريعها والموظفين؟ 
لكن حديثنا اليوم يدور حول بعض الإشكالات والشبهات التي يمكن ان تثار على ذلك، فنذكر منها: 
من اين للدولة ان تدير مئات الألوف من الموظفين بل الملايين منهم في بعض الدول؟ ومن أين تدير الوزارات والمؤسسات والخدمات وغير ذلك؟, ذلك اذ الدولة تعتمد في ادارتها للبلد على هذه الثروات من نفط ومعادن وغابات وغيرها، كما تعتمد على الضرائب، واذا ما طبق القانون الاسلامي فان الدولة ستشل عندئذ، فهذا إذن عنوان ثانوي حاكم على العناوين الثلاثة الأولية الأولى. 
الجواب: هناك حلول: منها 1- الترشيق 2- الترشيد 3- التحديد 
الجواب : هذا الإشكال غير وارد بالمرة؛ ويتضح الجواب عنه في ضمن العناوين الآتية والتي توضح معادلة الدولة في إطار مسؤولياتها وواجباتها وحقوقها، ومعادلة الدولة مع الشعب في اطار صلاحيات كلٍّ منهما في حيازة قدر من الثروات: 
أولا: (ترشيق المؤسسات الحكومية)، وهذا العنوان لو عمل به فلعل 50% او اقل او اكثر من تكاليف الدولة الباهظة، سترفع عن كاهلها وستعود الاموال الى عامة الناس. 
ثانيا: (ترشيد النفقات). 
ثالثا: تحديد وتحجيم تمدّد وزحف مؤسسات القطاع العام على نطاق مؤسسات القطاع الخاص. 
وهذه العناوين الثلاثة كل منها يستدعي بحثاً لأيام، ولكن سوف نقتصر على الإشارة للعنوان الأول، وسنعتمد على أرقام وإحصاءات علمية لا يرقى اليها الشك : 
1- ترشيق المؤسسات الحكومية 
والترشيق (تفعيل) من الرشاقة، فان الإنسان البدين اذا ما كان وزنه أكثر من الوزن الطبيعي، كما لو كان وزنة (200) او (400) كيلو غراماً مثلا، فانه سوف يكون صعب الحركة، وسوف يستهلك كثيراً، وينتج قليلا.. 
وان إحدى أهم أمراض الدوّل الآن في كل أنحاء العالم هو انها مبتلاة بالتضخم السرطاني للمؤسسات والموظفين على عكس ما جاء به رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما والهما), فعندما فتح الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)مكة، عيّن عليها حاكما واحدا اسمه (عتاب) وترك معه حارسين معاونين اثنين لا غير.. وأمير المؤمنين (عليه السلام) عيّن قاضيا واحدا في الكوفة مع انها كانت تضم أربعة ملايين نسمة، حسب بعض المؤرخين. 
اما الآن فتجد البدانة المفرطة والتضخم السرطاني لمؤسسات الدولة وموظفيها بشكل مذهل، ومن الطبيعي ان هذا الموظف غير المحتاج اليه سوف يكون مستهلكاً غير منتج، فهو يضر باقتصاد البلد مرتين. 
إحصاء مذهل عن التضخم الإداري في بلد إسلامي 
ولكي يتضح ذلك بإحصاء علمي : لا بد ان نشير إلى ما ذكره السيد الوالد (قدس سره) في كتاب (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) فقد أشار رحمه الله إلى طرف من هذا الإحصاء، قبل ثلاثين سنة، والآن تتبعت لكي أرى المستجدات الإحصائية في هذا الحقل فرأيت شيئا مذهلا: 
ففي احدى البلاد الاسلامية والتي قاربت نفوسها الآن حوالي (92) مليون نسمة[2]، وفي عام (1971)م، أي قبل (41) سنة كان عدد الموظفين (931) ألف موظف، ثم استقدم حاكم ذلك البلد[3] لجنة من الخبراء لكي يدرسوا حجم التضخم الإداري في الدولة فتوصل هؤلاء الخبراء الغربيون إلى ان هذا البلد لا يحتاج إلا الى (200) ألف موظف، وهذا التخمين حسب الضوابط الغربية الخاطئة لان مثل إدارة الجوازات والجنسية والجمارك تضم الكثير جداً، من الموظفين وهي ضرورية حسب المنهج الغربي، مع انه في الإسلام لا توجد جوازات ولا جنسيات ولا جمارك ونظائرها، فبحسب التقييم الإسلامي لا نحتاج إلى (200) ألف موظف بل يكفي مثلا (10) آلاف موظف.. لكن لو سلّمنا بتقييم خبراء الغرب، فان هذا البلد كان يحتاج إلى (200) الف موظف فقط، لكن موظفيه بلغوا (931) ألفاً!! 
ومعنى ذلك ان (731) الف موظف بدل ان يكونوا تجارا منتجين او مزارعين او ذوي حرف وصناعات، أصبح كل شخص منهم (عاطلاً) في حقيقته، و(عاملاً) في ظاهره! وهو ما يسمى في العلم الحديث بـ(البطالة المقنعة) والتي تعني ـ بحسب اصطلاح بعض العلماء ـ : (ان الموظفين يتظاهرون بانهم يعملون، والدولة تتظاهر بانها تدفع لهم أجورا!) 
إذ ليسوا هؤلاء عمالاً منتجين، كما ان الأجور التي تدفع لهم ليست أجورا حقيقة، بل هي رشوة لاغير بهدف إسكاتهم, ولتكريس الاستبداد لا غير، اذ كلما تضخمت أجهزة الدولة، كلما ازدات الدولة قوة ومركزية وعنجهية واستبدادا، وهذه قاعدة مطلقة؛ لانها تحس بالقوة الفائقة، ولأن هؤلاء يعتاشون على المال التي توهمهم الدولة بانه لها، وانها متفضلة عليهم به، ولو اعترضوا عليها لقطعت أرزاقهم. 
أما إذا أعيدت هذه الأموال لعامة الناس فان الدولة لا تمتلك حينئذٍ هذه السلطوية والعنجهية نتيجة القدرة على قطع الأرزاق والتحكم بها. 
فلو سلمنا ان تقدير أولئك الخبراء صحيح، فان ذلك البلد كان يحتاج الى (200) ألف موظف فقط، اما الباقون وهم (731) ألف موظف فانهم من قبيل البطالة المقنعة، غير منتجين لكنهم مستهلكون، ولو فرضا ان كل شخص منهم يُدفع له (1000) دولار شهرياً, فان ذلك يعني شهريا (731) مليون دولار تذهب سدى بل تسهم في تكريس الاستبداد والدوامة المفرغة. 
الى هنا كان ذلك الإحصاء في عام 1971م، ثم حسب تتبعي وجدت ان في عام 1981م بلغ عدد موظفي الأجهزة الحكومية في ذلك البلد الإسلامي مليونين و مأتي ألف موظف أي خلال (10) سنوات فقط، وحتى على فرضية الزيادة السكانية لذلك البلد فان الزيادة في الموظفين لا تتلائم أبداً مع النمو الطبيعي للسكان، اذ لو فرضنا ان ذلك البلد خلال (10) سنوات أصبح سكانه ضعف تعدادهم – وهو فرض غير صحيح أبداً -، فالمفروض ان يضاعف عدد الموظفين فيصبح (400) ألف موظف، لا ان يزداد بحيث يصل إلى مليونين ومأتي ألف موظف !! 
اما اذا جئنا الى إحصاءات عام (2004)م فسنجد انه بلغ عدد موظفي ذلك البلد خمسة ملايين وستمائة وسبعين ألف موظف!!! ومعنى ذلك وجود خمسة ملايين مستهلك غير منتج!. 
تصريح مسؤول الجهاز المركزي عن نصف موازنة الدولة 
وماذا بعد؟ يقول رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في ذلك البلد: (الجهاز الإداري في الدولة يتقاضى نصف موازنة الدولة) لاحظوا.. ثم تاتي الدولة وتقول : لا اموال لدينا حتى نوزعها على الناس!! . 
ولو أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كان حاكما في العراق او في أي بلد اخر الآن لرأيتم كيف كان يقسم على الناس سنوياً أموال النفط والثروات، عدة مرات، كما كان يصنع ذلك بالفعل ابان حكومته المباركة.. 
الا ان المنهج الغربي أو الأسوأ منه هو المطبق في بلداننا وليس منهج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). 
ثم يقول رئيس ذلك الجهاز (.. ولا يحقق – أي الجهاز الإداري – إضافة) فاعترفوا بذنبهم إذن!. ثم يقول: (إنتاجية العامل بلغت في الجهاز الحكومي (27) دقيقة في اليوم)! وهذه هي البطالة المقنعة؛ لان العامل يفترض به ان ينتج (8 ) او (7) ساعات، لكن التضخم في الجهاز الإداري والبطالة المقنعة والإيهام بالتظاهر بالعمل وشفط الدولة للأموال وخضمها للثروات خضم الإبل نبتة الربيع ما هي إلا وسائل لكي تكرس مركزيتها وهيمنتها وسلطتها واستبدادها. 
مدة العمل في بعض الدول دقيقتان فقط !! 
وفي بلد آخر وإحصاء آخر, بلغت انتاجية العامل والموظف في أجهزة الدولة معدلا دقيقتين في اليوم فقط. 
اذن اولا: يجب ترشيق أجهزة الدولة وان تكون عقلائية في التوظيف حتى لو لم تكن إسلامية، فتكتفي بعدد من الموظفين يتلائم مع كمية ونوعية العمل المنتج وبذلك يتم توفير المليارات من الأموال إلى عامة الناس والمحتاجين. 
والحديث في هذا الحقل طويل وبحاجة إلى مجال أوسع، وبكلمة فان الله تعالى يقول ان الذين يفلحون والذين تنالهم الرحمة المكتوبة هم: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) 
نسال الله تعالى ان يجعلنا من المفلحين، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين . 
 
 
 
________________________________________ 
[1] - الأعراف: 156 -157. 
[2] - وهي مصر. 
[3] - وهو جمال عبد الناصر. 
 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 23 ربيع الآخر 1434هـ  ||  القرّاء : 10858



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net