53- الدليل الخامس : (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) 1ـ ( الْبَاطِلِ) موضوع ، وليس عنواناً مشيراً 2ـ (الْبَاطِلِ) اعم من كونه سبباً او مؤدى
الاثنين 9 ربيع الاول 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم,
كان البحث حول الحكم الوضعي للمعاملات الجارية على كتب الضلال, ومطلق مسببات الفساد ,وذكرنا الدليل العام على ذلك أولا, ثم اتبعناه بأربعة أدلة خاصة
الدليل الخامس: قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)
وأما الدليل الخامس من الأدلة الخاصة فهو قوله تعالى:
(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)،
وهذا الدليل هو دليل مهم ومفتاحي؛ حيث تترتب عليه الكثير من الفروع في المكاسب، وهو مورد نقاش ونزاع شديد، كما في بيع السلاح من أعداء الدين فانه حرام ولكنه هل هو باطل او لا؟ فان البعض كالسيد الوالد قال ببطلانه, ولكن البعض الآخر كالسيد الخوئي رأى عدم البطلان، وأما الشيخ الأنصاري فانه رأى البطلان أيضا ولكن استنادا الى رواية تحف العقول ،
والأمر نفسه يجري في بيع الخمر والخنزير و أبوال ما لا يؤكل لحمه ,فان البعض رأى البطلان فيها استنادا الى هذه الآية الشريفة.
أهمية الآية:
وكما قلنا فان فروعا كثيرة تترتب على فهم معنى الآية تتجاوز العشرات – ولعلها أكثر من ذلك بكثير- كبيع الدم – لو قلنا بحرمته – فهل هو باطل او لا؟ وكذلك مختلف الأشياء الأخرى التي تضر – ولم يكن بيعها لغرض عقلائي – كالسموم مثلا فانها مشمولة للآية الشريفة.
والكلام يشمل بقية المحرمات الذاتية والعرضية، ومنها مسألتنا، وهي مختلف المعاملات الجارية على مسببات الفساد، ومنها بيع كتب الضلال اوالصلح عليها، فهل هي باطلة او لا؟
فقه الآية الشريفة: معنى (بالباطل)
ان الاستدلال بهذه الآية يتوقف على كلمة محورية قد وردت فيها، وهي كلمة: (بالباطل) فان التدبر في (الباطل) و(الباء) هو المهم في المقام؛ حيث هنا مكمن النزاع في الآراء بين العلماء؛ فانه قد يقال ان بيع كتب الضلال او إجارتها او غيرها هو باطل استنادا إلى الآية الشريفة المذكورة؛ لأنه لو باع كتب الضلال فقد أكل الأموال بالباطل ، وكمن أعطى الآخر كتاب سحر وأخذ منه في مقابله مالا فانه أكل للأموال بالباطل.
هل للباطل موضوعية أو هو عنوان مشير؟
ان الاستدلال بهذه الآية يتوقف على تحقيق ان عنوان (بالباطل) هل هو عنوان مشير لعناوين أخرى طريقي لها كما استظهره عدد من الاصوليين والفقهاء؟ أم انه عنوان له موضوعيته؟
والفرق بينهما واضح، إذ تارة نقول ان كلمة بالباطل هي عنوان مشير الى العناوين الأخرى المحرمة شرعا، ولو كان الأمر كذلك فالآية تسقط عن إمكانية الاستدلال بها على المراد, كما سيأتي.
ولكن تارة أخرى نقول: ان كلمة (بالباطل) هي موضوع للنهي – أي متعلّقه بنفسها -، أي: لا تأكلوا بالباطل، فكل باطل لا يصح أكله، وليس المراد هو ان الباطل مرآة للعناوين والموضوعات التي ينبغي ان لا يؤكل المال بها، كالقمار فهو باطل أي هو سبب باطل لنقل الملكية، كالسرقة والربا وغيرها
والخلاصة: ان الوجه الأول للاستدلال فيه احتمالان ,واحدهما محقق للمراد
مزيد توضيح للاحتمالين :
الاحتمال الاول في المقام – كما بينا – ان الباطل ليس عنوانا مستقلا, وانه ليس قسيما لبقية العناوين الأخرى، بل هو مشير لها، أي ان المشار إليه بـ(الأكل بالباطل) هو القمار او الربا او السرقة او غيرها، ولو كان هذا الاحتمال فلا يمكن التمسك بالآية لإثبات بطلان بيع كتب الضلال؛ لأنه سيكون من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فان الكلام في الحكم الوضعي من حيث البطلان وعدمه، والسرقة والقمار والربا كلها عناوين محددة من قبل الشارع فتنطبق عليها كبرى الآية بخلاف مسألتنا، إذ لا بد ان نثبت اولا ان بيع كتب الضلال باطل حتى تشمله الآية المباركة، فانه قد ثبت ان القمار باطل والربا باطل وهكذا فتكون مشمولة للآية بخلاف بيع كتب الضلال
وأما الاحتمال الثاني فهو ان يكون بالباطل عنوانا في حد ذاته وموضوعا للحكم ، فالقمار عنوان والربا عنوان، وهكذا بقية العناوين المعروفة، والباطل سيكون قسيما لها وفي عرضها، فانه لو أكل احدهم الأموال في قبال بيعه الناس كتب السحر فانه يصدق عليه عرفا انه أكل المال بالباطل .
الوجه الأول: المستظهر عرفاً انه عنوان مستقل
ولكن لو عرضنا العبارة والآية الشريفة للعرف فانه سيستفيد منها موضوعية العنوان، وأما الطريقية والمشيرية للعناوين الاخرى فهي خلاف فهمهم.
تقريب الاحتمال الثاني وجوابه
ولنذكر وجها مقربا للاحتمال الثاني وهو: إنهم استدلوا عليه ببعض الروايات الشريفة، ومنها روايات موثقة ومعتبرة , حيث يفسر الإمام ع (بالباطل) أي: بالقمار، وفي البعض الآخر يفسر ذلك بمصاديق أخرى فيكون هذا الاحتمال- أي المشيرية للعناوين - ظاهراً بناء على تفسير الإمام عليه السلام
ويردّه انه تفسير بالمصداق، وهو لا يضيق دائرة الدليل الوارد، وسيتضح ذلك لاحقا ان شاء الله تعالى
الوجه الثاني: المراد هو الاعم
واما الوجه الثاني للاستدلال - وهو ما نرى انه مقتضى القاعدة - فهو ان نقول: الظاهر ان المراد من (بالباطل) هو الأعم من (بسببٍ باطل) ومن (بأمر باطل)
وبتعبير آخر: ان الآية تنهى عن (الأكل بالباطل) سببا كان ذلك او متعلَّقا، ولا تخصيص فيها للنهي عن السبب بالباطل فقط، بل تشمل حتى فيما لو كان المتعلّق باطلا
توضيح ذلك:
انه تارة يكون السبب باطلا كالقمار فانه سبب باطل لنقل الملكية – وان كان العرف يرى ناقليته فرضاً -، وتارة أخرى يكون المتعلق باطلا كما هو الحال في بيع الخنزير؛ فان البيع أي السبب لا إشكال فيه، ولكن المتعلق أي الخنزير هو الباطل، وما نحن فيه من بيع كتب السحر والضلال هو من هذا القبيل فان المتعلق أي كتب السحر باطل
وخلاصة الوجه الثاني: الظاهر ان المراد من الآية هو الأعم، ولا وجه للتخصيص بأحد الأمرين حيث يصدق عرفا وبالحمل الشايع الصناعي على كليهما - أي السبب والمتعلق (بالباطل) وأنهما أكل للمال بالباطل .
رأي السيد الخوئي في المصباح:
وأما السيد الخوئي في مصباحه فانه يرى ان الباء هي (باء السببية) ظاهرا
وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
الاثنين 9 ربيع الاول 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |