246- تعريف الكشف ( حسب القيصري و ابن عربي ) ـ فرق الكشف عن الفطرة ـ لايصح اتخاذ الكشف طريقاً للحقائق اذ أ ـ كثيراً ما يتناقض كشفان لشخص ( مثال : ملا صدرا وتناقض كشفيه في دوام العذاب وانقطاعه
الثلاثاء 6 جمادى الأولى 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث حول الاجتهاد في أصول الدين وان المعتبر هو الاجتهاد الموصل للعلم عبر الطرق التي أمضاها الشارع، اما غيرها فليست بحجة فلو حصل له القطع من طريق أخر فكان خطأً فليس بمعذور وهو مستحق للعقاب لأن القاطع وان لم يمكن خطابه حين قطعه إلا انه يمكن عقابه لو كان مقصرا، وقد مضى الحديث عن ذلك، وبكلمة: العقاب لا ينافي عدم امكانية الخطاب الفعلي، أي ان العقاب يجتمع مع عدم امكان الخطاب الفعلي، نعم لأنه قاطع فلا يمكن خطابه فعلا لكن حيث انه قصر في المقدمات فانه يعاقب.
هل الكشف طريق موصل للعلم بأصول الدين؟
ومن الطرق التي اعتبرت موصلة للعلم هو (الكشف)، فهل الكشف في أصول الدين حجة أم لا؟
النقطة الأولى: تحرير محل النزاع
نقول: أولا: ان الكثير من الذين ارتأوا طريقية الكشف للوصول للواقع في أصول الدين وما يرتبط بها، اعتبروا الكشف قسيما للعقل وقسيما للنقل، ودليلا قائما بذاته، بل بعض أئمة العرفاء والصوفية صرحوا بأن الطريق الوحيد للوصول للحقيقة هو الكشف وليس العقل ولا النقل، ولننقل بعض العبارات لعالمين من أهم علمائهم:
(القيصري): علوم الأولياء والكُمّل غير مكتسبة بالعقل ولا مستفادة من النقل
العبارة الاولى للقيصري في شرحه على فصوص الحكم[1] لأبن عربي الذي يعد من أهم العرفاء والصوفية يقول: (فعلوم الأولياء والكُمّل غير مكتسبة بالعقل) مع ان العقل حسب الروايات المتواترة الصريحة، حجة الله الباطنة واليه المرجع في تمييز الغث من السمين والحق من الباطل (ولا مستفادة من النقل) وهذه العبارة صريحه في ان علومهم لم يأخذوها من القران ولا من الرسول ولا من الأئمة عليهم السلام، بل هي من الله مباشرة وهذا تلميح إلى دعوى النبوة، ولهم تصريحات بذلك وقد ننقل بعضها لاحقاً، والمتتبع لأمثال ابن عربي والقيصري وصدر المتألهين أيضا يجدهم تلويحا أو تصريحا يدعون النبوة أو الولاية والامامة إما لأنفسهم أو لكبار العرفاء والصوفية، وهذه العبارة من العبارات التي تفيد ذلك تلويحا (بل مأخوذة من الله معدن الأنوار ومنبع الأسرار) ولذا فان بعضهم يخاطب العلماء والفقهاء ويقول (انكم أخذتم علومكم ميتا عن ميت) أي علمكم حصولي فهو ميت عن ميت اي عن أمثال زراره وهو ميت، أو عن الإمام الصادق (عليه السلام)، (لكننا أخذنا علومنا حيا عن حي)، حيا أي بالعلم الحضوري أو الكشف و الالهام عن حي اي عن الله تعالى مباشرة (واتيانهم بالمنقولات) أي أنهم عندما ينقلون آية أو رواية فليس لحجيتها الذاتية وانما لتثبيت كشفياتهم (فيما بينوه انما[2] هو استشهاد لما علموه) أي ان الذي علمه بالكشف فانه يأتي بالآية تأييدا لكلامه، فلم يعلموه من القرآن الكريم بل علموه من الله مباشرة، ثم انه يستشهد بالقرآن على ما علمه من الله مباشرة (وإتيانهم للمعاني بالدلائل العقلية تنبيه للمحجوبين[3]) فهو لا يحتاج إلى العقل لأن له – بزعمه - ارتباط مباشر بالله، لكنهم - في الأسفار وغيره - يأتون بأدلة عقلية لتنبيه البسطاء من الناس المحجوبين الذين لا يفهمون الا عبر العقل (وتأنيس لهم) حتى لا يستوحشوا من هذه المطالب المدعاة.[4]
(ابن عربي): (لا العباد ولا الزهاد ولا مطلق الصوفية الا أهل الحقائق)
ولأبن عربي عبارة أخرى في الفتوحات المكية[5] (واعني بأصحابنا أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات) فلا اثر ههنا للعقل ولا للنقل وحتى من العبادة لا اثر (لا العباد ولا الزهاد) حتى طريق العبادة والزهادة لا يوصل لكشف الحقائق وانما طريق الصوفية فقط بل (ولا مطلق الصوفية إلا أهل الحقائق والتحقيق منهم، ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية انها وراء طور العقل، ليس للعقل فيها دخول بفكر) هذا قد يعد تصريحا – ولا أقل من كونه تلويحاً - بدعوى النبوة أو الولاية، ثم انه على كلامه لا يسمح لأحد ان يحاج ابن عربي بالعقل لأن كلامه فوق العقل، فهو يقطع عليك الحجة من البداية إذ لأصحابه كشف وشهود مباشر بالحقائق فكيف يصح ان يناقشه أحد؟.
هذا بعض تحرير محل النزاع عن الكشف عند عدد من أعلام الصوفية، نعم لعل الكثير من الصوفية لا يعلمون بهذا الكلام، لكن أعلامهم كابن عربي والقيصري وصدر المتألهين يرون ان الكشف هو الأصل والبقية شواهد اي قرائن صدق من القران والروايات ولا أقل من كونهم يرون الكشف حجة قائمة بذاتها، وحيث ان هذا الطريق مطروق الآن عالميا إذ تدرس في بعض جامعات العالم نظريات ابن عربي وصدر المتألهين، كما ان هذه العلوم قد راجت أخيرا في قم، لذا فان النقاش حولها نقاش اجتهادي في أصول الدين في الصميم وليس أمراً هامشياً لا يرتبط بنا، اضافة إلى ان الصوفية هم كثيرون ولعلهم بالملايين، اذن هي نظريا وعمليا، مسألة اجتهادية في أصول الدين مبتلى بها بشدة، وللأسف لم تبحث بحجم حركة الطرف الآخر.
اشكال:ان الكشف هو الفطرة وهي حجة باطنة؟
أن قلت ما الفرق: بين الكشف والفطرة فلعلهم يقصدون من الكشف الفطرة، والفطريات هي أبده البديهيات ولا كلام فيها، وهي حجة بلا كلام فانها حجة باطنة غرسها الله في الإنسان؟
الكشف ليس هو الفطرة، وذلك لوجهين:
قلت: كلا لا يقصدون بالكشف الفطرة لوجهين:
1- الكشف خاص بالكُمّل والفطرة لعامة الناس
الوجه الاول: انهم يخصصون الكشف ببعض الكُمّل من العلماء من صنفهم، أما الفطرة فعامة للجميع كما يقول تعالى: ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) ولم يقل فطر بعض العرفاء عليها، فانهم يقولون ان الكشف مرتبة عالية جدا لا يصل إليها الإ ألاوحدي، بل حتى ابو علي بن سينا لم يصل في بعض المسائل إلى ما وصلوا إليه كما نقلنا عبارة صدر المتألهين، وذلك كعبارة القيصري المتقدمة (فعلوم الأولياء والكُمّل) فليس الحديث عن الفطرة بل عن علوم الأولياء والكُمّل وانها غير مكتسبة بالعقل ولا مستفادة من النقل، بل هي مأخوذة من الله معدن الأنوار ومنبع الأسرار، اذن ليس كلامهم عن الفطرة بل عن الكشف والشهود في ثلة ممن يدعونها.
2- الفطرة والفطريات محدودة لكنهم يستندون للكشف في غيرها أيضاً
الوجه الثاني: الفطرة والفطريات محدودة، فان متعلق الفطرة هي أمور قليلة مثل وجود الله ووحدانيته وأصل المعاد وما أشبه، لكن هؤلاء يستندون إلى الكشف والشهود في ذلك وفي غير ذلك أي في الكثير من القضايا التي هي قطعا ليست فطريةن ولم يدّع أحدٌ فطريتها مثل دوام العذاب أو انقطاعه فانه أمر نقلي يؤخذ من القران والسنة وليس من الفطريات ولا من المستقلات العقلية، فان تعذيب الله تعالى للكافر في جهنم بمقدار عمره أو إلى ما لا نهاية ليس من الفطريات ولا من المستقلات العقلية، لكنهم يستدلون بالكشف والشهود على هذه المسألة سلباً وإيجاباً وكذلك في مسائل أخرى عديدة مثل أصالة الماهية وأصالة الوجود، فيستدل بعضهم كشيخ الإشراق على أصالة الماهية بالكشف والشهود ويستدل بعضهم كملا صدرا على أصالة الوجود بالكشف والشهود!!، أذن الفطرة أمر وكشف هؤلاء القوم أمر أخر، هذه هي النقطة الثانية.
هل الكشف يصلح طريقا؟
النقطة الثالثة: هل الكشف يصلح طريقا؟ فان الأدلة أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل لكن عند عدد من أعلام هؤلاء القوم الدليل واحد وهو الكشف، ومن أراد منهم أن يلطف يضيف الكشف، ولكن الواقع هو أن الدليل عند العديد منهم هو الخامس وما تلك الإ جسور.
وعلى أية حال فسواءاً قال الصوفي ان الكشف هو الطريق الوحيد أو اعتبره القسيم الخامس، فانه يورد عليه بوجوه:
العارف والفيلسوف
أ- الكشف متناقض عند الواحد في المسألة الواحدة!
أولا: يرد على هذا المنهج أن الكشف للفرد الواحد منهم قد يكون متناقضا، إذ نجد بعض أهم أعلامهم أستند في مسألة للكشف ثم بعد ذلك أستند في إثبات نقيضها إلى الكشف أيضاً! فكيف يعتمد على امر يستدل به على المتناقضين؟ ومن ذلك التناقض الذي وقع فيه صدر المتألهين في كتابين من كتبه: كشفه في كتابه تفسير القرآن الكريم [6] حيث ناقض في كشفه ما ذكره في كتابه الاخر العرشية [7]، يقول في تفسير القرآن الكريم: (والقول بانتهاء مدة التعذيب للكفار وان كان باطلا عند جمهور الفقهاء) إذ الفقهاء يقولون – استناداً للقرآن الكريم والروايات - ان النار يخلد فيها من كتب عليه الخلود وكذا الجنة يخلد فيها أهلها (والمتكلمين وبدعة وضلالة لإدعائهم تحقق النصوص الجلية في خلود العذاب) مثل آيات عديدة في القران الكريم (ووقوع الإجماع من الأمة في هذا الباب) لكنه لا يرتضي هذا القول لأنه يعارض الكشف الصريح حيث كشف له ان العذاب منقطع (الا ان كلا منها غير قطعي الدلالة بحيث تعارض الكشف الصريح أو البرهان النيرّ الصحيح) حيث كشف له، كما يدعي، كشفا صريحا فعلم بالمشاهدة وبالعلم الحضوري بان العذاب في جهنم منقطع، فلا الآيات تستطيع ان تعارض هذا الكشف الصريح ولا الإجماع .
وهنا ملاحظات منها: ان أي برهان نيّر صحيح دلّ على انتهاء مدة التعذيب؟ ومنها: ان المغالطة الواضحة في كلامه هي أن ههنا نصوصاً قرآنية واضحة صريحة في الخلود حيث يقول القرآن الكريم (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) فيثبت الخلود في جهنم، وهذا التعبير بعينه قد استخدم في الجنة أيضا فاذا لم يفد الخلود ولم يكن نصا فليكن هناك كذلك! مع انه في أحد عشر موضعا في القرآن استخدم الله جل وعلا (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) منها هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)[8] والآية الأخرى عن أهل الجنة (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ومن الواضح ان (خالدين) نصا في الخلود ويؤكده قوله تعالى (أبداً) كي لا يترك مجالاً للتأويل أبداً بينما ملا صدرا يستشهد بكشفه لإطراح كل هذه الآيات، وإن ضمّ إليه دعوى البرهان أذن هذا كشفه في كتابه (تفسير القران الكريم) ثم انه يكشف له عكس ذلك في كتاب أخر، فأية حجية لهذا الكشف المتناقض!، يقول في العرشية (الذي لاح لي بما[9] انا مشتغل به من الرياضات العلمية والعملية) اذن الملاك صار هو الرياضة بين علمية وعملية والتي تساوي الكشف، ولم يكن ذلك بالرجوع للقران الكريم، بل الرياضة كشفت له الخلود على عكس الكشف السابق، اما القران فمرجعيته ان كانت فبنحو التأييد للكشف (أن دار الجحيم ليست بدار نعيم وانما هي موضع الألم والمحن وفيها العذاب الدائم) هذا ما لاح له بالرياضات، واما ما يقوله الله (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) فليس بدليل ولا نص أما ما لاح له فنص وحجة (لكن ألامها متجددة على الاستمرار بلا انقطاع والجلود فيها متبدلة وليس هناك موضع راحة وأطمئنان) لكن ألم يقل تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) فلم الاستناد إلى ما لاح له دون القرآن؟ ودون مثل قوله تعالى (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ) والحاصل: ان الكشف والشهود لا يعقل أن يكون هو المستند في كشف الحقائق لأنه طريق متناقض، فكيف يمكن الاحتجاج به؟، هذا أولا وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وأله الطيبين الطاهرين
[1] - شرح الفصوص للقيصري ص318.
[2]- اداة حصر تفيد انحصاره بهذا الطريق
[3]- المحجوبين عن وصالله مباشرة
[4]- فصوص الحكم للقيصري ص318
[5]- الفتوحات ج1 ص261
[6]- ج4ص316
[7]- العرشية282
[8]- سورة النساء الاية 169
[9]- من الواضح ان الباء سببية اي سبب ما علمته هو الرياضات.
الثلاثاء 6 جمادى الأولى 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |