145- معاني (إعلم) المحتملة أربعة والاجابة عن كلام القوانين وتحقيق القول في معنى (اعلم)
الثلاثاء 14 رجب 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الايات القرانية التي استدل او يمكن الاستدلال بها على وجوب النظر والاجتهاد في اصول الدين
وذكرنا ان (الفقه) قسمها الى طوائف : الطائفة الاولى: وهي تلك الايات التي تتضمن الامر بالعلم كقوله تعالى: ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ( والامر ظاهر في الوجوب وكقوله جل اسمه ) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا( وسائر الايات القرانية الكريمة وهي عديدة.
وذكرنا انه استشكل على الاستدلال بهذه الايات بما ذكره القوانين من ان (اعلم) في مختلف استعمالاتها ومنها استعمالها في القران الكريم لا تعني (حصِّل العلم) حتى يستدل بهذه الايات على وجوب النظر، وانما اعلم تعني ايجادا للعلم واثباتا له بنفس هذا القول وبنفس هذا الكلام
وذكرنا ان معاني (اعلم) المحتمله ثلاث ونضيف اليوم احتمالا رابعا وقد ذكر القوانين منها اثنين واستظهر الثاني, واثبات وجوب النظر بهذه الايات موقوف على رفض هذه المعاني الثلاث واثبات ان الاول هو المراد
اما الاحتمال الثاني فهو ما ذكره القوانين, والثالث هو ما اشرنا اليه في الدرس السابق من ان اعلم بمعنى انتبه اي التفت, وبتعبير اخر هي اداة تنبيه لا غير فلا تفيد الامر بتحصيل العلم فهي شبيه بكلمة(ها)عند العرف كاداة تنبيه
المعنى الرابع الذي نضيفه اليوم هو ان (اعلم) يعني اعلمك فعندما اقول لزيد اعلم باني سأسافر غدا فان معناه اعلمك اني ساسافر غدا فهي مجردة عن الطلب والامر, فهي اخبار وليست انشاءا في واقعها, وكذا قولك اعلم ان الله واحد اي اخبرك ان الله واحد وليس اني امرك ان تحصل على العلم بان الله واحد, فهذا معنى رابع محتمل في معنى اعلم.
نناقش صاحب القوانين أولاً على ضوء ذلك يكون رد بقية الاحتمالات اوضح, ولكن لنبدأ بتقوية كلامه ثم نرى ما يمكن ان يورد عليه: يقول القوانين:ان (اعلم ) في )فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ( او اي مورد اخر يستخدم فيه المتكلم (اعلم) لا تعني حصِّل العلم اي ليست امرا حقيقيا وليست طلب تحصيل العلم من السامع وانما تعني ايجاد العلم بهذا اللفظ, كما في معلم الكتاب فعندما يقول اعلموا ان الالف بعده باء، فانه يوجد بهذا اللفظ العلمَ في اذهانهم, ويمكن ان نؤيد كلامه اولا بملاحظة الفرق الواضح بين(تعلَّم) واعلم، وايضا ملاحظة الفرق الواضح بين استعلم (باب الاستفعال) واعلم فان اعلم هو امر من الثلاثي المجرد ويختلف عن تعلم الذي هو امر من باب التفعل (تعلَّم يتعلّم تعلّماً)، وايضا هذه المادة لو صيغت بشكل باب الاستفعال (استخرج) واستعلم، فهذه المقارنة مقوية لكلام صاحب القوانين اذ لا يقال (تعلم) الا لو كان المأمور به (العلم) مما يتوقف على مقدمات يجب تحصيلها كي يحصل العلم، فتعلَّم تفيد الأمر بحصول العلم بتحصيل مقدماته وكذلك استعلم, اما اعلم فلا تقال الا لو لم تكن هناك مقدمات يحتاج الطرف المقابل الى تحصيلها لكي يعلم, فاذن اعلم تختلف عن تعلم وتختلف عن استعلم, فهذا الفرق الجوهري العرفي قد يشكل تقوية مبدئية لكلام صاحب القوانين ولكلام عدد من علماء التفسير والكلاميين حيث استظهروا من اعلم المعنى الثاني وليس المعنى الاول (حصل العلم)
وأما ما خطر بالبال فنقول:ان ما ذكره القوانين تعدّ نقطة خلاف جوهري بين علماء الكلام وهي نقطة دقيقة لمن تأمل فيها, ولكن الظاهر ان هذا المعنى الذي ذهب اليه صاحب القوانين الذي رجحه مجموعة من علماء الكلام واعتبروه دقيقا غير صحيح, وذلك للجهات التالية:
الجهة الاولى: ان هذا المعنى مخالف للاصل لأن الاصل في صيغة افعل هي طلب الفعل, وكلام صاحب القوانين يجرّد اعلم (صيغة افعل من الثلاثي)من معنى الطلب بالمرة ويجعله في مصاف التكوينيات اي انه اخرجه من الطلب التشريعي الى الايجاد التكويني, وهذا ان كان ممكنا الا انه خلاف الاصل (وسيأتي ان الادلة تدل على العكس ايضا) توضيح ذلك بالمثال :ان المادة التي صيغت بصيغة افعل, هي مطلوبة, والطلب تعلق بها, كاجلس او ادرس او اعلم, فهذه المادة اذا صيغت في قالب الامر فهذه الهيئة تدل على ان المادة المعروضة لها مطلوبة, هذا هو الاصل وخلافه خلاف الاصل, وذلك كما في قول المولى لعبده اجلس فانه يطلب منه بذلك الجلوس وان كان من الممكن للمولى الحقيقي( المعصوم عليه السلام في طول الله جل اسمه) ان يقول اجلس وبقوله اجلس يتصرف تكوينياً في الطرف المقابل, بل ان بعض اصحاب النفوس القوية من المرتاضين يستطيع ان يفعل ذلك, ولكن هذا خلاف الاصل بان تجرد اجلس من معناها التشريعي الطلبي الى موجد تكويني فهذا خلاف القاعدة وخلاف الاستعمالات العرفية ويحتاج الى قرينة على ذلك, هذا اولا.
الثانية: قول صاحب القوانين ومن تبعه ومن سبقه ان (اعلم)لا تفيد طلب العلم بل هي ايجاد العلم, نقول: قولكم هذا يلزم منه الجبر وان الله عندما قال في القران )اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا( او )اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ( فانه بذلك يكون قد اوجد فينا قسراً وتكويناً، العلم بان الله يحول بين المرء وقلبه وانه يحيي الارض بعد موتها والحال ان كثيراً من الناس ينكر ذلك بل لا يعلمه الا لو عُلَّم وهكذا الحال في (اعلم) التي يستخدمها الموالي العرفيه بل والاصدقاء اي ان الاشكال يعمّم لهم لأن كلام القوانين عن نفس هذه المادة المصوغة بهيئة الامر من اي شخص صدرت, والحال ان ذلك في كافة المخلوقين ليس كذلك اي انه لا يوجد تصرفا تكويني وفي الله جل اسمه ايضا ليس كذلك فانه في قوله: (اعلم) لا يريد ان يقسر العباد بايجاده تكوين العلم في ذواتنا ونص عبارة القوانين (الامر بالعلم ليس معناه حصل العلم....بل هو اثبات العلم وايجاد له بهذا القول) اذن بهذا القول يوجد العلم في النفس فيلزم منه (الجبر) على (العلم) اولا وثانيا يلزم خلو النبي صلى الله عليه واله وسلم وايانا من العلم بذلك قبل ذلك او يلزم تحصيل الحاصل وكلاهما باطل وبعبارت اخرى نسأل بان الله عندما يخاطبنا (باعلم انه لا اله الاالله) فهل اننا عالمون بذلك من قبل؟ فهو تحصيل حاصل؟ وان لم نكن عالمين فبالوجدان نرى عدم وقوعه خارجا اي اننا نرى كثيرا من الناس من الكفار وغيرهم عندما يقرأ هذه الاية لا يعلمون ولا يحصل فيهم العلم ,فيلزم القول بعجزه تعالى عن ذلك
والحاصل انه بحسب رأي القوانين وان اعلم ايجاد للعلم, يلزم احد امرين اما تحصيل الحاصل فيمن كان عالما كالنبي صلى الله عليه واله او يلزم نسبة العجز الى الله اذا اراد ايجاد العلم بهذ القول في النفوس فلم يوجد في كثير منها, هذا ثانيا
وثالثا وهو يوضح الحال ويبين وجه اللبس وسوف ندرج الجواب الرابع فيه بصيغة واحدة:انه لو كان شيءٌ موجداً للعلم تكوينا في نفس السامع فهو(مدخول اعلم) لا (اعلم) ومنشأ الخلط هنا, فاالله وغيره بقوله اعلم هل اوجد في نفسك علما؟ الجواب كلا وانما المدخول هو الذي اوجد العلم , اي انه لو وجد في نفسك شيء فببركة المدخول, واعلم باقية على معناها الطبيعي المعهود والحاصل ان اعلم لم توجد العلم بل مدخولها اوجده مثلا(في اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها) فاذا كان شيء يوجد المعلومة في النفس فهو هذه الجملة (ان الله يحيي الارض بعد موتها) فسواء كلمة(اعلم) كانت ام لم تكن فهذه الجملة لو كان من شأنها ان توجد لأوجدت والا فلا, واعلم باقية على معناها الاولي الاصلي وهو طلب العلم, كنظائرها مثل اجلس وانصر
وبتعبير ادق:ان مدخول اعلم له اقتضاء تكويني لايجاد العلم في نفس الطرف الاخر ,اي ان مدخول اعلم علة معدة تكوينا لايجاد العلم, اما (اعلم )فهو طلب تشريعي ,فلاحظوا التركيبة التي اوضحناها لدى التحليل وان اعلم تفيد طلبا تشريعيا ثم بمدخولها يريد المولى ان يوجد اقتضاءا السبب لعلمك بنحو العلة المعدة سواء في ذلك قول الطبيب: اعلم ان هذا المرض دواءه كذا او قول المعلم للاطفال ان الف وباء كذا او قول الله جل اسمه (اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها) اذن الايجاد التكويني اقتضاءًا نابع من مدخول اعلم وليس من نفس اعلم وهذ هو منشأ الخلط بين الامرين حيث توهم ان اعلم لا تعني حصّّل العلم بل موجِدة للعلم .والحاصل :ان (اعلم) باقية على معناها (حصّل العلم) لكن الآمر يبادر الى ايجاده اقتضاء بذكر المدخول فيكون هنا فرق اعلم عن تعلم فان الامر بـ(تعلم) يحوّل التكوين على البعيد اي ان عليك ان تتعلم اما الامر بـ(اعلم) فانه يطلب منك العلم ثم بعد ذلك عملا يساعدك فيحاول ان يوجد العلم في صقع نفسك اقتضاءا بكلامه بنفسه فليتدبر
ونضيف:وهذا الاضافة توضح وجه الخلط اكثر: انه عند التأمل في كلام الكلاميين نجد انهم لاحظوا ان مثل هذه الاية تتحدث عن الامور الفطرية فان (اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها) تتحدث عن امر فطري فان حياة الارض بعد موتها حادث كل حادث لابد له من محدث, فان لارض ميتة ثم احييت, وهذه قضايا فطرية فمنشأ التوهم في نفيه المعنى الاول (وهو ان اعلم بمعنى حصّل العلم) هو لغوية هذا الطلب ,بل انه طلب تحصيل الحاصل اذ كيف يقول الله للنبي اعلم ان الله يحيي الارض بعد موتها مع ان المتعلق امر فطري؟ وقد اشكلنا عليه اولا بالنقض وانه كيف تقول ان الله يوجد تكوينا بهذا القول العلم فهو تحصيل حاصل؟ فاشكالنا عليه اقوى فما هرب منه وقع فيه بشكل اقوى اذ تحصيل الحاصل اسوء من طلبه هذا اولا ثم نقول لبيان وجه الخروج من المعنى الحقيقي لو صح :انه لو فرض ان المتعلق كان بهذه المثابة الذي ذكرت اي ان المتعلق كان امراً فطرياً فطلب تحصيله طلب للحاصل وهو قبيح من الحكيم فنقول لو فرض ذلك فان هذه قرينة خارجية خاصة في خصوص امثال هذه المتعلقات اي الفطريات, وذلك بان تكون خصوصية المادة قرينة على التصرف في الهيئة بقرينة الاستحالة العقلية فيبقى المعنى الحقيقي لـ(اعلم )هو طلب العلم بحاله ,كاصل , ونخرج عنه بالدليل الخارجي والدليل الخارجي في خصوص ما لو تعلقت بالفطريات هو خصوصية المادة في امثال هذه المدخولات والمتعلقات فان خصوصية المادة حيث لا يمكن ان يطلب العلم بها لانها حاصلة في نفسك فخصوصية المادة تكون قرينة على مجازية اعلم وبكل ماهو معلوم لدي السامع من قبل ,فيكون ذلك قرينة على ان (اعلم) تعني التفت وهو المعنى الثان السابق, فتبقى (اعلم) بمعنى (حصّل العلم )_ وهو المعني الاول_كلما تعلقت بغير الفطريات وغير مايعلم المتكلم الآمر على السامع من قبل بمدخول (اعلم) في كلامه اذن هذا تاكيد ان اعلم في حقيقة الطلب خرجنا عنه بقرينة فمنشأ التوهم هو هذا لكن يبقى اشكالنا السابق على حاله
ونضيف :عندما يذكر المولى اعلم ويذكر مدخولها فان المدخول اي ما هو مطلوب العلم به, ان لم يحصل بهذا الكلام فوجب عليك تحصيله فيبقى اعلم على الاصل ظاهرا في الوجوب لأنه لم يتحقق , فالمعني :اني اطلب منك وجوبا ان تعلم وحيث انك لم تعلم فيبقى الامر بحاله ويجب امتثاله, وان حصل له العلم لأنه علة معدة, فان الامتثال قد تحقق والامر قد سقط لا لانه لا يدل على الطلب بل لان الامتثال قد تحقق لان الامر يسقط بامتثاله سواءا اقلنا ان حصول العلم قهري ام قلنا ان حصول العلم ليس بقهري, لا فرق في ذلك فعندما يقول (اعلم) فاذا استمعت له فسواء أقلنا باختيارية المقدمات كما هو الحق فان الامتثال حاصل والامر ساقط بحصول العلم بالمدخول, ام لم نقل بالاختيارية فان الامر ساقط ايضاً لان متعلق الامر لو تحقق باي شكل من الاشكال فان الامر يسقط وهذه التتمة مهمة في توضيح المقام وهناك تتمة آخرى يأتي الكلام عنها ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
الثلاثاء 14 رجب 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |