005- رد الشيخ لجبر السيرة لظهور لاضرر -تقويته الرد بان ارادة العموم خلاف الامتنان وضرب القاعدة -مناقشاتنا له
الثلاثاء 11 ذو القعدة 1442هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(316)
إشكال الشيخ على جبر السيرة لوهن لا ضرر
ثم ان الشيخ قدس سره أشكل على جوابه السابق عن إشكال وهن لا ضرر بكون تخصيصاته أكثر([1]) بقوله: (وإن كان في كفايته نظر، بناء على أن لزوم تخصيص الأكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك. غاية الأمر تردد الأمر بين العموم وإرادة ذلك المعنى، واستدلال العلماء لا يصلح معِّينا، خصوصا لهذا المعنى المرجوح المنافي لمقام الامتنان وضرب القاعدة)([2]).
إيضاح كلامه قدس سره
وبعبارة أخرى: أ- إنّ الظاهر ان لا ضرر أريد به معنى خاص (كرفع الضرر غير المتدارك([3]) أو انه نفي أريد به النهي، مما تكون الموارد غير المشمولة للاضرر، أي التي ثبت فيها الحكم رغم كونه ضررياً، خارجة منه تخصصاً لا تخصيصاً؛ لأن الحج والجهاد والخمس والزكاة وغيرها من الأحكام الثابتة رغم الضرر ليست مندرجة في (لا ضرر غير متدارك) لأن المراد بالأخير إضرار الناس بعضهم ببعض، فانه لو أضر بعضهم ببعض وجب عليه تداركه فلا يوجد ضرر من أحدهم على الآخر من دون حكم الشارع بلزوم تداركه، وحينئذٍ فان وجه عدم اندراج الجهاد و.... في هذا العنوان الخاص وخروجه تخصصاً، كونه ضرراً ناشئاً من حكم الله تعالى لا من الناس، على فرض كونه ضرراً).
ب- وإنّ عمل الفريقين بلا ضرر في موارده الباقية تحته إنما هو لأنها كلها مندرجة تحت ذلك المعنى الخاص لا لأنهم رأوا ان للاضرر عموماً فتمسكوا به إذ يمنعهم لزوم تخصيص الأكثر عن الالتزام بان لا ضرر عام ويقودهم إلى انه أريد به المعنى الخاص.
سلّمنا، لكن لا ضرر محتمل الوجهين حينئذٍ([4]).
أ- ان يكونوا استظهروا منه معنى خاصاً ينطبق على كافة الموارد الباقية.
ب- ان يكونوا فهموا منه العموم وإن خرج الأكثر منه، فيكون لا ضرر حينئذٍ مردداً بينهما ومجملاً فلا يمكن الأخذ إلا بقدره المتيقن وهو موارد انطباق العنوان الخاص.
ثم ترقى الشيخ إلى ان استدلال العلماء بلا ضرر وجريان سيرة الفريقين على العمل به في موارده الباقية تحته ليس دليلاً ولا معيِّناً لكونهم فهموا انه أريد به المعنى الأعم لأن إرادة المعنى الأعم مرجوح أولاً في حد ذاته لأنه مستلزم لاستثناء الأكثر، وثانياً: لأنه خلاف مقام الامتنان إذ من المخالف للامتنان ان يمتنّ جلّ اسمه على العباد بلا ضرر (لكونه يرفع أحكامه الإلزامية به، كالصوم الضرري مثلاً) بشكل مطلق ثم يستثني أكثره (فلا يرفع فيها أحكامه الإلزامية رغم كونها ضررية) وثالثاً: لأنه خلاف ضرب القاعدة إذ القواعد كلا ضرر تضرب لتفيد العموم أما ضربها مع عدم إرادة شمولها لأكثر الأفراد فانه خلاف كونها قاعدة.
أقول: من الممكن ان نناقش الوجوه الثلاثة كلها:
مناقشة قوله: ان تخصيص الأكثر مناف لضرب القاعدة
أما الوجه الأخير، فلأن القاعدة تضرب لاحدى صورتين: إما لإفادة العموم المطلق، أو لتكون المرجع لدى الشك، ولو كان ضربها منحصراً في الصورة الأولى لصح الإشكال لكنها قد لا تكون لإفادة العموم المطلق بل تضرب لتكون المرجع في الموارد المشكوكة كالتمسك بها لدى الشبهة المصداقية للمخصص.
والحاصل: ان أكرم العلماء وإن خرج منه الأكثر كـ(60) مورداً مثلاً وبقي تحته الأقل كـ(30) مورداً لكنه أطلق بهذه الصيغة العامة (لا بصيغة أخص تشمل الثلاثين مورداً فقط) لتدرج الموارد المشكوكة وهي عشرة فرضاً (مما لا يوجد دليل على استثنائه ومما شك انه فاسق مثلاً أو لا، بعد قوله لا تكرم فساق العلماء، مع إحراز انه عالم، مثلاً).
و(القاعدة) ليست لفظاً وارداً في آية أو رواية([5]) بل هو معنى عقلائي فيمكن ان يقصد به أي من المعنيين السابقين، فيصح أن تطلق بلحاظ أي منهما.
مناقشات في قاعدة الامتنان كبرىً وصغرىً
وأما الوجه الأوسط، فيناقش بوجوه:
الامتنان مقتضٍ لرفع الحكم وقد يزاحمه أهم
الأول: ما خطر بالبال القاصر، وهو ان الامتنان عنوان من العناوين ومقتضٍ من المقتضيات فقد يزاحمه عنوان آخر أقوى منه في بعض الموارد فلا يمتنّ الشارع حينئذٍ برفع الحكم إذ المنة في إثباته حينئذٍ، وفيما نحن فيه: فان رفع الحكم الضرري مثلاً بضمان من كسر زجاج الغير عمداً أو غفلة أو وهو نائم وإن كان امتناناً على الـمُتلِف فينبغي عدم تضمينه إلا انه خلاف الامتنان على الـمُتلَف عليه، والامتنان على المعتدى عليه أولى من الامتنان على المعتدي، لذا لم تشمل لا ضرر الـمُتلِف لمال الغير رغم كونه منّة عليه، وكذلك في مثل الحكم بوجوب الخمس والزكاة فانه منّة على المجتمع والفقراء وهي أولى من المنّة عليه بعدم إيجاب الخمس عليه.
والحاصل: ان استثناء أكثر موارد لا ضرر من شموله لها إنما هو لابتلائها بالمزاحم الأهم فلا يتنافى هذا الاستثناء للأكثر مع ورود لا ضرر في مقام الامتنان.
بعبارة أخرى: كل هذه الموارد بعد الكسر والانكسار، ليست المنة في رفعها (والحكم بلا ضرر) بل المنة في إثبات الأحكام الإلزامية فيها والإلزام بالحكم الضرري.
النقض بان مطلق التخصيص منافٍ للامتنان
الثاني: ما أجاب به المحقق اليزدي بقوله: (ففيه أنّ مقام الامتنان وضرب القاعدة مناف لمطلق التخصيص سيّما إذا كان كثيراً ولو لم يكن من التخصيص الأكثر المستهجن)([6]).
وهو جواب نقضي، وحاصله: ان الإشكال مشترك الورود فانه إذا كان استثناء الأكثر قبيحاً لكونه منافياً لمقام الامتنان، فان استثناء الكثير بل القليل بل الشاذ أيضاً قبيح لأنه مناف لمقام الامتنان فما تجيبون به عن استثناء القليل والشاذ، نجيب به عن استثناء الأكثر، نعم لا ريب ان استثناء الأكثر أقبح، على فرضه، من استثناء القليل فانه أشد مخالفة للامتنان لكنه لا يغيّر من هذا الجواب النقضي شيئاً إذ يمتنع على الشارع، بالنظر إلى الحكمة، فعل القبيح (ما يخالف الامتنان ولو في مورد أو بعض الموارد، حسب الإشكال) كفعل الأقبح.
الامتنان يحصل برفع بعض الأحكام الضررية
الثالث: الجواب الحلّي الذي طرحه قدس سره بقوله (والتحقيق عدم المنافاة لأنّ الامتنان وضرب القاعدة يحصل برفع الحكم الضرري ولو بالنسبة إلى باب واحد من أبواب الفقه دون سائر الأبواب)([7]).
مناقشة الوجه الأخير
لكن هذا الجواب غير مُجدٍ إلا بتكميله بجوابنا الحلي الأول السابق، إذ مع قطع النظر عنه يرد عليه قدس سره انه مع وجود المقتضي للامتنان وعدم المانع، مع كون الرب كريماً جواداً، فانه يمتنع بالنظر للحكمة عدمه، وما ذكرناه في الوجه الأول كان بيان وجود المانع عن الامتنان وهو وجود المزاحم الأهم، ولكن مع عدمه، فانه إذا امتنّ سبحانه برفع الحكم الضرري عن بعض الأفراد والأحكام، فانه يبقى مجال للسؤال بانه لماذا لم يمتنّ برفع سائر الأحكام الضررية؟ وذلك مبني على رأي العدلية والمعتزلة من ان أفعاله جل اسمه معلّلة بالأغراض وانه لا يفعل شيئاً تشهياً وبدون وجهٍ حكمةٍ ومصلحةٍ أبداً.
ويوضحه قولهم (قيّدت حكمتُه كرمَه) فان مقتضى كرمه إغناء كل فقير وإعطاء كل شيء لكل شخص (من مال وفير وجاه عريض...) ولكنه لم يفعل([8]) لمانع في الحكمة كـ(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ )([9])و(وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)([10]) وغير ذلك، بعبارة أخرى: حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد فإذا امتنّ الله سبحانه على عباده برفع بعض الأحكام الضررية، فلم لا يمتنّ برفع سائرها، إلا ان لا تكون أمثالها وهو ما أشرنا إليه من ان السبب وجود المانع الأهم. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الرضا عليه السلام: ((الْعَقْلُ حِبَاءٌ مِنَ اللَّهِ وَالْأَدَبُ كُلْفَةٌ فَمَنْ تَكَلَّفَ الْأَدَبَ قَدَرَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَكَلَّفَ الْعَقْلَ لَمْ يَزْدَدْ بِذَلِكَ إِلَّا جَهْلًا)) (الكافي: ج1 ص23).
--------------------------------------------
([1]) وجوابه السابق هو ان سيرة الفريقين على العمل بلا ضرر فينجبر ضعفه.
([4]) (حين إذ تمسك الفريقان به)
([5]) أي بهذا المعنى المقصود في الأصول.
([10]) سورة البقرة: الآية 251.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
([1]) وجوابه السابق هو ان سيرة الفريقين على العمل بلا ضرر فينجبر ضعفه.