بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(3)
تطوير (الأوثق) لإشكال الشيخ (قدهما)
ومنها: تطوير الشيخ موسى التبريزي قدس في أوثق الوسائل لإشكال الشيخ قدس حيث أوضح ان سرّ وَهْنِ عمومِ (لا ضرر) هو: إما كون الموارد المشتبهة من أطراف العلم الإجمالي أو لأن الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب فهي ملحقة بالمخصَّصات. قال: (والسرّ في كفايته([1]) أنّ وهن العموم بكثرة ورود التخصيص، إمّا من جهة أنّه مع ورود مخصّصات كثيرة على عامّ وعدم معرفة جميعها بأعيانها، يحصل العلم إجمالاً بورود بعض المخصّصات عليه، ومع الشكّ في مورد في بقائه تحت العامّ أو خروجه ببعض المخصّصات الّتي لا نعرفها تفصيلاً، يعود العامّ مجملاً لا يجوز التمسّك به في مورد الشك.
وإمّا من جهة ضعف ظهور العام في العموم والشّمول بتوارد المخصّصات الكثيرة عليه، وإن لم يكن هنا علم إجمالي، بل الظن قبل الفحص في مثل ما نحن فيه حاصل بخروج مورد الشكّ من تحت العامّ إلحاقاً له بالأعمّ الأغلب)([2]).
إيضاحات ومناقشات
ولنا على كلامه بعض التعليقات والإيضاحات والمناقشات:
مورد الشبهة في أية دائرة؟
أ- إن حاصل الشق الأول: انه بعد عِلمنا بورود مخصصات كثيرة على لا ضرر، تحدث دائرتان: الأولى دائرة العام وأفراده الباقية، الثانية: دائرة المخصِّصات وأفرادها الخارجة من العام، والمورد المشكوك مردّدٌ أمره بين الدخول في تلك الدائرة أو هذه ولا مرجح فلا يجوز إدخاله في الدائرة الأولى (العام) من دون دليل خارجي (كعمل العلماء مثلاً).
من صُوَر التمسك بالعام مع الشبهة
ب- ان العلم الإجمالي الذي اعتبره، حسب الإشكال، مخلّا بظهور العام (وهو لا ضرر)، هو صورة ثالثة مختلفة عن الصورتين المعروفتين في الأصول وهما: التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للعام والتمسك به في الشبهة المصداقية للخاص، فان الأول مما لا يصح إذ ثبوت الحكم لموضوعٍ فرعُ ثبوته أي الموضوع، والفرض ان الشبهة مصداقية في العام، فلا يمكن إثبات الحكم له، وذلك كما لو لم يعلم بان زيداً عالم أو لا وقد ورد أكرم العلماء، فكيف يتمسك بدليل الحكم لإثبات تحقق الموضوع؟
وأما الثاني فانه صحيح لفرض انعقاد عمومٍ للعام، والمصداق المشكوك كونه من أفراد الخاص مشمول لعموم العام مع عدم إحراز خروجه، وذلك كما لو قال بعد قوله (أكرم العلماء): (لا تكرم فساق العلماء) وشك ان هذا فاسق أم لا، فهاتان صورتان.
أما ما نحن فيه فليس الشك في الشبهة المصداقية للعام ولا للخاص، لفرض العلم بان هذا ضرري والعلم بانه كذا (كالنفقة على الأبوين المضر بحاله فشك فرضاً انه مشمول للاضرر أو لا) فكونه من دائرة موضوع العام (الضرر) معلوم كما ان كونه من مصاديق الخاص، معلوم كذلك، لعلمه بانهما أبويه وبان هذا مصداق النفقة، وإنما لا يعلم ان هذا الخاص من موارد العام حكماً أو لا.
وحاصل الصور: التمسك بالعام مع العلم الإجمالي بخروج أكثر أفراده عن حكمة، والتمسك بالعام في الشبهة المصداقية للعام أو للخاص.
نفي قاعدة الظن يلحق بالأعم، وتوجيه كلامه قدس
ج- انه مما لا شك فيه عدم صحة قاعدة الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب؛ فان الظن ليس بحجة مطلقاً، وقد خرجت منه الظنون النوعية وليست الغلبة منها، فقول المستشكل (إلحاقاً له بالأعمّ الأغلب) غير تام.
ولكن يمكن تصحيح الإشكال بعد تعديله وتغييره بان يقال: الظن الناشئ من الغلبة وإن لم يكن حجة بنفسه ولذا لا يمكننا إلحاق المورد المشكوك به (خلافاً للإشكال) إلا انه يمكنه هدم حجية الحجة؛ إذ ما ليس بحجة بذاته (كإعراض المشهور) قد يسقط الحجة (العام مثلاً) عن الحجية، وفي المقام فان العام كـ(لا ضرر) حجة ولكن يمكن القول: بان انعقاد الظن على الخلاف يسقطه عن الحجية فلا يندرج تحته المورد المشكوك.
لكن هذا([3]) خلاف التحقيق؛ وذلك لأن المراد من الظن اما الشخصي أو النوعي:
فإن أريد به الشخصي فانه لا يُسقط الظنونَ النوعية عن الحجية؛ وذلك لأن الظنون النوعية حجة سواء ءانعقد الظن الشخصي على الوفاق أم لم ينعقد، بل هو حجة حتى إذا انعقد الظن الشخصي على خلافه، وذلك واضح بناء على الانفتاح إذ لا تدور فيه الحجج مدار الظنون الشخصية، نعم على الانسداد المدار هو الظن الشخصي.
وإن أريد به الظن النوعي فان الغلبة ليست، على المشهور، من الظنون النوعية، فلا تهدم ما كان حجة من باب الظن النوعي.
والحاصل: ان لا ضرر عام إذ النكرة في سياق النفي تفيد العموم، وأغلبية تخصيصه لا تفيد إلا الظن الشخصي بعدم دخول المورد المشكوك في دائرته (أو الظن الشخصي بكونه من دائرة المخصَّصات) والظن الشخصي، بناءً على الانفتاح، ليس بمسقط للحجج والظهورات.
وإنما المقياس في الظنون النوعية ان لا يكون هنالك ظن نوعي على الخلاف، كالظن في موارد الناسخ والمخصص والمقيد، وليست الغلبة منها.
ولكن يبقى السؤال: انه في مورد الشك في لا ضرر لا يوجد ظن نوعي على الخلاف (أي على عدم شمول لا ضرر له، إذ الغلبة ليست ظناً نوعياً) لكن هل يوجد ظن نوعي بالوفاق؟ أي هل يعتبر العقلاء العام المخصَّص أكثرُه مورِثاً للظن النوعي أي كاشفاً نوعياً عن المراد الجدي للمتكلم وانه عام شامل؟ هذا ما سيأتي تحقيقه لاحقاً بإذن الله تعالى.
التقييد بـ(بعد الفحص) لا وجه له
د- قوله (بعد الفحص) قد يورد عليه: ان البحث في مفروض إشكال الشيخ ينبغي ان يكون بعد الفحص؛ وليس قبل الفحص وذلك لأن مطلق الظواهر لا يصح التمسك بها قبل الفحص، وليس خصوص لا ضرر؛ نظراً لجريان سيرة الشارع على الإتيان بالمنفصلات وتفكيك إرادته الجدية عن الاستعمالية، فلا يصح التمسك بأي عام قبل الفحص، وإنما الإشكال في لا ضرر أمر فوق ذلك وهو انه مبتلى بأكثرية التخصيصات فلا يصح التمسك به في الموارد المشكوكة، حتى بعد الفحص والعثور على مخصصات كثيرة ينحلّ بها العلم الإجمالي، أما سائر العمومات فغير مبتلاة بهذا الإشكال (أكثرية إرادة خلافها) لذا خص قدس الإشكال بلا ضرر.
نعم يمكن تصحيح كلامه وتوجيهه بانه أراد: انه قبل الفحص، ومع العلم بأكثرية التخصيصات، فان الظن قائم على خروج مورد الشك عن لا ضرر لأن الغلبة مع الخارج، وما قبل الفحص مرآة لما بعد الفحص، لأنه بعد الفحص والعثور على موارد كثيرة عُلم فيها التخصيص، ومع وجود موارد كثيرة عُلم فيها عدمه، فان مورد الشك لا يزال مظنون الالتحاق بالمخصصات، لأن الفحص لا يغير من حقيقة ان الأغلب هو التخصيص، ومادام هذا المورد مشكوكاً فهو ملحق بالأغلب.
في باب الحجج قد يوجد علمان إجماليان
هـ- إن هنا علمين إجماليين:
1- علم إجمالي واسع يعم كافة الظواهر، بانه قد ورد عليها، إجمالاً، مخصِّصات أو مقيِّدات أو صوارف عن الظهور، والمبتلى بهذا الإشكال هو كافة الظواهر لذا وجب الفحص، فبعده تكون الظواهر حجة فيما لم يعلم خروجه.
2- علم إجمالي في خصوص لا ضرر بأغلبية تخصيصاته، وهذا العلم قد([4]) لا ينحل بالفحص والعثور على مخصصات كثيرة، كما سيأتي بيانه، فانحلال العلم الإجمالي الأول لا يستلزم انحلال الثاني فوجب الجواب عن خصوص هذا العلم الثاني، كي يمكن التمسك بلا ضرر. وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق عليه السلام: ((دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَادْفَعُوا الْبَلَاءَ بِالدُّعَاءِ)) (الكافي: ج4 ص3).
--------------------------------------------------------------------------------------------------
([1]) كفاية عمل العلماء، حسبما ذكره الشيخ قدس.
([2]) الميرزا موسى التبريزي، أوثق الوسائل في شرح الرسائل، الناشر: كتبي نجفي ـ قم، ج1 ص419.
([3]) انعقاد الظن على الخلاف يسقط العام عن حجيته.
([1]) كفاية عمل العلماء، حسبما ذكره الشيخ قدس.