401- الحرمة من باب حرمة المقدمة الموصلة او الممكِّنة - الحرمة من باب ولاية التربية
الاحد 19 شوال 1440هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(401)
2- حرمة المقدّمة الممكِّنة، لا الموصلة فقط
واما الجواب عن إشكال المقدمة الموصلة الذي سبق من: (انه لو سُلِّمت الحرمة من باب المقدمية، فان الحرام هو المقدمة الموصلة فقط، وليس كل من يشتري التلفاز مثلاً يرتكب به المحرم، فكان اللازم التفصيل في الحرمة بين بيعه ممن توصل به إلى الحرام وبين بيعه ممن لم يتوصل به إليه)([1]) فهو:
ان ذلك هو مبنى صاحب الفصول فعليه ينبغي التفصيل، واما على المبنى الآخر الذي ذهب إليه صاحب الكفاية فلا، وتوضيحه: ان صاحب الفصول ذهب إلى ان الواجب من مقدمات الواجب هو المقدمة الموصلة إليه([2]) وكذلك المحرم من المقدمات المقدمة الموصلة للحرام دون غيرها، لكن صاحب الكفاية ذهب إلى ان الواجب أو المحرم هو مطلق المقدمة، أو فقل ان الملازمة هي بين وجوب ذي المقدمة ووجوب ذيها مطلقاً وبين حرمة ذي المقدمة وحرمة المقدمة مطلقاً، ويمكن ان نصطلح على مبنى الكفاية بـ(المقدمة الممكِّنة) مقابل (المقدمة الموصلة) وذلك لأنه يرى ان ملاك وجوب المقدمة هو حصول التمكن بها من الإتيان بذيها([3]) وهو حاصل في كل المقدمات، وبعبارة أخرى: ان ملاك وجوب المقدمة هو توقف ذيها عليها سواءً أراد أو قصد ذا المقدمة أم لم يُرِد ولم يقصد وسواء ءأوصلت أم لا، لا خصوص ما توصل به خارجاً إلى ذيها كما هو مسلك الفصول ولا خصوص ما قصد به التوصل بنحو شرط الواجب (كما نسب إلى الشيخ في مطارح الأنظار، وإن كان مسلكه قد احتمل فيه الأعلام عدة احتمالات) أو خصوص ما أراد به التوصل بنحو شرط الوجوب – كما ذهب إليه صاحب المعالم.
قال في الكفاية: (وهل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب أن يكون الإتيان بها بداعي التوصل بها إلى ذي المقدمة، كما يظهر مما نسبه إلى شيخنا العلامة أعلى الله مقامه بعض أفاضل مقرري بحثه، أو ترتب ذي المقدمة عليها بحيث لو لم يترتب عليها يكشف عن عدم وقوعها على صفة الوجوب كما زعمه صاحب الفصول قدس سره أو لا يعتبر في وقوعها كذلك شيء منهما؟ الظاهر عدم الاعتبار)([4])
وعليه: فلعل من حرّم ما حرّم من الأمثلة السابقة([5]) وغيرها([6]) إنما حرّمه لجهة مقدميته لفعل الحرام، وكان يرى حرمة المقدمة مطلقاً سواء ءأوصلت أم لا، فلا يعترض عليه بلزوم ان يفصّل في شراء التلفاز وذهابه لدور السينما بين الموصل لوقوعه في الحرام، فحرام، وإلا فليس بمحرم.
ثم ان لنا ان نجيب على مبنى صاحب الفصول أيضاً بان نلتزم بوجوب المقدمة الموصلة فقط ومع ذلك نلتزم بتوجيه كلام من حرّم تأسيس السينما أو بيعها وشراءها أو الدخول إليها أو شراء الستلايت أو ما أشبه، وذلك بتطوير نقوم به في رأي الفصول وهو بان يقال بان المحرّم هو المقدمة الموصلة خاصة لكن الإيصال على نوعين: إيصال شخصي وهو مدار البحث في علم الأصول وإيصال نوعي وهذا هو الذي نضيفه – كبحث صناعي – والإيصال الشخصي يراد به ان هذه المقدمة، كنصب هذا السلم مثلاً، مقدّمة للكون على هذا السطح فإن كانت موصلة وجبت وإلا فلا، واما الإيصال النوعي فمدارها النوع، أي ان توجَب هذه المقدمة لأن نوعها يوصل إلى نوع ذيها، ولا يشترط في ذلك إيصال كل فردٍ فردٍ من المقدمة إلى كل فردٍ فردٍ من ذيها، بعبارة أخرى: غالبية الإيصال كافية، وذلك نظير الأَمارات مثلاً حيث ان حجيتها هي لإيصالها النوعي للواقع لا لايصالها الشخصي، ولهذا إيضاح ودفع دخلٍ يأتي غداً بإذن الله تعالى.
التحريم من باب ولاية التربية والتزكية
الوجه الثاني: ان يقال: بانّ التحريم هو من باب ولاية التربية والتزكية، وأنّ الولاية المطلقة للفقيه ان ثبتت فهي شاملة لها، وإن لم تثبت فان ولاية التزكية والتربية له ثابتة، بعبارة أخرى([7]): على الفقيه وظيفتين: الأولى: وظيفة التعليم وبيان الأحكام الشرعية، الثانية وظيفة التربية والتزكية قال تعالى: (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ)([8]) و(يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)([9]) فالمدّعى هو ان أدلة ولاية الفقيه كـ((لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الْإِسْلَامِ))([10]) إن لم تدل على ولايتهم العامة في الشؤون السياسية والاقتصادية وغيرها فانها دالة على ولايتهم على شؤون التربية والتزكية فان هذه شأنهم أو فقل هي منصرفة إلى ذلك. وبوجه آخر: ان قدرها المتيّقن ذلك.
وقد ذكرنا في كتاب المعاريض والتورية: (نعم، يبقى الكلام في أن ولاية التربية والتزكية هل هي للفقيه أيضاً؟ إن ذلك يعتمد على تنقيح أدلة تفويض أمر التربية أو ولاية التربية حتى مع قطع النظر عن ثبوت أدلة ولاية الفقيه المطلقة؛ إذ قد يقال – كما هو المشهور – بعدم تماميتها، لكن يمكن لمن ينفي ولاية الفقيه استناداً لعدم تمامية أدلتها أن يثبت ولايته التربوية فقط، استناداً لسلسلة أخرى من الأدلة خاصة ببعد التربية والتزكية، إن تمّت.
تطبيقات فقهية محتملة لولاية التربية:
ولنشر الآن إلى أمثلة فقهية من الروايات فيما يرتبط بالمعصومين (عليهم السلام) وإلى أمثلة أخرى مما ترتبط بالفقيه:
فمن الأول: إنه يمكن تفسير الروايات التي ظاهرها وجوب غسل الجمعة([11])، والتي أفتى بها النادر من الفقهاء بذلك([12])، أي: بأن وجوبها كان من باب ولاية تربية الأمة، وعليه فهي ليست حكماً أولياً، بل هي حكم ثانوي خاص بزمنه، وهذا التفسير هو غير التفسير الآخر الذي حملها على تأكد الاستحباب، كما لا يخفى، فتدبر
كما يمكن تفسير عدد من الروايات الدالة على وجوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام بذلك أيضاً، وإنها كانت من باب ولاية التربية في تلك الأزمنة.
وعليه: فلو قلنا بامتداد هذه الولاية للفقيه فإن له ان يفرض زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أو الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) أو سائر المعصومين (عليهم السلام) في وقت خاص أو أكثر، لو رأى توقف التربية والتزكية على ذلك.
ومن الثاني: ان للفقيه – فيما لو قلنا بامتداد ولاية التربية وشمولها له – ان يحرِّم الاختلاط في الجامعة والمدارس مثلاً، وان لم يحرم بعنوانه الأولي ما لم يخالطه محرم ولم يؤدّ إلى محرمٍ، وذلك إذا رأى توقف التربية عليه، وله ان يحرِّم التداخل بين السلطات مثلاً لذلك أيضاً)([13])([14]). ومزيد تنقيحه يأتي غداً بإذن الله تعالى.
وعليه فله من باب ولاية التربية ان يحرم التلفاز أو الستلايت أو الاختلاط فمادام تحريمه مؤثراً استمرّ، وإلا يرفعه متى رأى عدم جدوائيته ككل أبٍ وقيِّم ومعلِّم ومربٍّ، بل وككل حكومة إذا كانت حكيمة.. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الرضا عليه السلام : ((مَنْ سَأَلَ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدِ اسْتَهَزَأَ بِنَفْسِهِ))
(كنز الفوائد: ج1 ص330).
------------------------------------------------------
([3]) وملاك حرمة مقدمة الحرام حصول التمكن بها من الحرام.
([5]) كتحريم وشراء المذياع والتلفاز.
([6]) كتحريم بعضٍ الدخول إلى السينما بقول مطلق سابقاً.
([7]) دقق انه عبارة أخرى وليس هو هو، وسيأتي غداً الفرق.
([14]) السيد مرتضى الحسيني الشيرازي، المعاريض والتورية: ص175-177.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |