بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(170)
سبق: (والمختار هو: وجوب النهي عن المنكر المستقبلي ووجوب دفعه؛ لوجوه عديدة:
لكونها مصاديق إقامة الدين
أولها ما سبق من (أَنْ أَقيمُوا الدِّينَ) فان الدين يقام بدفع المنكر ورفعه والنهي عن حالِيِّهِ ومستقبليِّهِ بالبداهة...) و(والحاصل: ان إقامة الدين كلي طبيعي ينطبق عليها جميعاً وانها بأجمعها مصاديقه بالحمل الشائع الصناعي دقةً وعرفاً.. وستأتي غداً الروايات المفيدة لذلك أيضاً)([1]).
من الروايات الدالة على ذلك
ومن الروايات ما رواه الكافي عن أبي جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ...))([2]) مع وضوح ان إقامة الفرائض يكون بالأربعة جميعاً (النهي عن المنكر الحالي والمستقبلي ودفعهما، وكذا حال الأمر بالمعروف) أي انها جميعاً يصدق عليها الحمل الشائع الصناعي انها إقامة للدين.
و((إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ)) ومن الواضح ان سبيل الأنبياء هو النهي عن المنكر الحالي والمستقبلي، ألا ترى قوله تعالى: (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ في أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَريب)([3]) وهو نهي صريح عن قتل الناقة مستقبلاً وهو منكر مستقبلي، وكذلك أمثال قوله (صلى الله عليه واله): ((إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي يَخْطُبُ فَاقْتُلُوهُ))([4]) ونظائرهما كثير، كما ان منهاج الصلحاء كذلك أيضاً على الأربعة كلها.
و((بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَتَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَتَحِلُّ الْمَكَاسِبُ وَتُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَتُعْمَرُ الْأَرْضُ وَيُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَيَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ)) والأربعة محققة لذلك كله أو هي بين مصداق وبين محقق، فبهذه الروايات تتم الصغرى فتشملها أدلة وجوب الأمر والنهي.
ومن الروايات ما رواه في تحف العقول عن الإمام الحسين (عليه السلام): ((وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَبَدَأَ اللَّهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَأُقِيمَتْ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا هَيِّنُهَا وَصَعْبُهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ دُعَاءٌ إِلَى الْإِسْلَامِ مَعَ رَدِّ الْمَظَالِمِ وَمُخَالَفَةِ الظَّالِمِ))([5]) ومن الواضح انه لولا النهي عن المنكر المستقبلي وإعداد المقدمات أيضاً لدفعه لما استقامت الفرائض) وأوضح منه قوله: ((وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ دُعَاءٌ إِلَى الْإِسْلَامِ)) لوضوح ان الأمر بالمعروف المستقبلي دعاء للإسلام كالأمر بالمعروف الحالي وكذا النهي عن المنكَرَين، وكذا حال الدفع بقسميه.
كما سبق: (الدليل الثالث: ويمكن الاستدلال على شمول المعروف والمنكر للاستقباليين بان المشتق حقيقة في المنقضي عنه المبدأ وفيمن سيتلبس بالمبدأ لاحقاً، لكن بلحاظ حال التلبس؛ فانه حقيقة فيه دون شك، فتشملهما([6]) أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمجاز إنما هو لو أطلق المعروف المستقبلي وحمل على الشيء الحالي دون ما لو حمل على الشيء الموصوف به بلحاظ زمن إتصافه به.
فتجب مقدماته حالاً إذ القدرة المشترطة عقلية
وعليه: فإذا وجب الأمر بالمعروف المستقبلي كما وجب الأمر بالمعروف الحالي، وجب دفعه بإعداد مقدماته كما وجب دفع المنكر الحالي بإعداد مقدمات دفعه)([7]).
ويوضحه أكثر: انه لو قال المولى: (أكرم زوارك من العلماء) فانه يشمل دون شك من سيزوره غداً منهم ولا يختص بالزائرين فعلاً إلا لو كانت القضية خارجية وأريد بالألف واللام العهد، إنما الكلام عن الأصل فان الاصل في الأحكام كونها على نحو القضية الحقيقية، ولئن شك في ذلك فانه لا شك فيه في أحكام الشارع فيكون الزمان ظرفاً فقط، فينطبق موضوع الحكم (وهو مثلاً زوارك من العلماء) على من زار أو هو زائر أو سيزور، كل في ظرفه، وإذا وجب إكرام الزوار من العلماء سواء أجاءوا اليوم أم غداً وجب إعداد مقدماته من الآن إن لم يمكن إعدادها غداً، مضيقاً وإلا وجب على نحو الواجب الموسّع كما سبق.
الاستدلال بـ(لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ)
ويمكن ان نمثل لذلك بمثال لطيف دقيق وهو ان علمائنا استدلوا بقوله تعالى: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ)([8]) على عدم صلاحية أبي بكر وعمر لنيل مقام الإمامة؛ لما ثبت عن الخاصة والعامة من انهما أشركا بالله وعبدا الصنم في الجاهلية، ولا يرد على علمائنا انهما نطقا بالشهادتين بعد ذلك إذ يكفي الشرك ولو آناً ما كي يفقد الشخص الصلاحية لنيل هذا المقام الشامخ؛ استناداً إلى أدلة عديدة منها هذه الآية الكريمة وذلك بتشقيق محتملات طلب إبراهيم إلى أربعة احتمالات لا يعقل منها الأولان، وقد ردّ الله تعالى الثالث، فبقي الرابع فقط.
عبر القرينة العقلية وتربيع الاحتمالات
توضيحه: ان الله تعالى إذ (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) طلب إبراهيم منه ان يجعل هذه الإمامة في ذريته (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي) فأجابه الله تعالى: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ) والمحتملات في طلب إبراهيم وجواب الله تعالى أربعة:
1- ان يكون قد طلب من الله منح الإمامة للظالم من ذريته في كل الأزمان (ماضياً، حاضراً، ومستقبلاً) وهذا لا يعقل ان يطلبه إبراهيم من الله تعالى بل لا يعقل صدوره من أي عاقل، ويلحق به: الظالم حاضراً مع الماضي أو مع المستقبل.
2- ان يكون قد طلب منه منحها للظالم حالاً مع كونه موحداً فيما قبل وفيما بعد، وهذا لا يعقل طلبه أيضاً إذ كيف يعقل ان يطلب الإمامة الفعلية للظالم الفعلي وإن كان سيتوب لاحقاً؟
3- ان يكون قد طلب الإمامة للمتقي الورع منهم حالاً (أي حال إفاضة الإمامة عليه) وإن كان ظالماً ومشركاً للحظةٍ فيما مضى أو سيشرك لاحقاً (فتسلب منه حينئذٍ) وهذا طلب معقول لكن الله ردّه بقوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ) فبقي الرابع فقط وهو انه طلب الإمامة للعادل في جميع الأزمنة وهذا هو ما أجابه الله تعالى إليه.. فهذا هو البرهان العقلي عبر القضية المنفصلة على المطلب.
الاستدلال: بصدق المشتق بلحاظ حال التلبس مطلق
ولكن نضيف: انه قد يستدل إضافة إلى ذلك بالقاعدة الأصولية بضميمة قاعدة نحوية وذلك بالبيان الآتي:
انه قد يقال: ان إطلاق الظالمين على من ليس بظالم فعلاً مجاز فلا يصح الاستدلال بالآية على عدم صلاحية من كان ظالماً، والجواب: ما سبق من قيام القرينة العقلية السابقة عليه، وقد يجاب: بان إطلاق الظالم عن من ليس بظالم فعلاً ليس مجازاً مطلقاً بل إنما هو أريد جريه عليه الآن اما إذا أريد إجراؤه عليه بلحاظ حال التلبس فهو حقيقة كما سبق، ثم يتمسك بشمول الآية للأنواع الثلاثة: (المتلبس حالاً، المتلبس ماضياً، والمتلبس مستقبلاً) بإطلاق الآية إذ أطلقت (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ) فيعم الأنواع الثالثة من الظالم في مطلق الأزمنة فتدبر وتأمل والله الهادي. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
من وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): ((يَا عَلِيُّ أَعْجَبُ النَّاسِ إِيمَاناً وَأَعْظَمُهُمْ يَقِيناً قَوْمٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَمْ يَلْحَقُوا النَّبِيَّ وَحُجِبَ عَنْهُمُ الْحُجَّةُ فَآمَنُوا بِسَوَادٍ عَلَى بَيَاضٍ)) (من لا يحضره الفقيه: ج4 ص365).
-----------
([1]) الدرس (169).
([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص55.
([3]) سورة هود: آية 64.
([4]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء – بيروت، 1404هـ، ج33 ص191.
([5]) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1404هـ، ص237.
([6]) أي تشمل المعروف والمنكر المستقبليين.
([7]) الدرس (169).
([8]) سورة البقرة: آية 124.
(170)
سبق: (والمختار هو: وجوب النهي عن المنكر المستقبلي ووجوب دفعه؛ لوجوه عديدة:
لكونها مصاديق إقامة الدين
أولها ما سبق من (أَنْ أَقيمُوا الدِّينَ) فان الدين يقام بدفع المنكر ورفعه والنهي عن حالِيِّهِ ومستقبليِّهِ بالبداهة...) و(والحاصل: ان إقامة الدين كلي طبيعي ينطبق عليها جميعاً وانها بأجمعها مصاديقه بالحمل الشائع الصناعي دقةً وعرفاً.. وستأتي غداً الروايات المفيدة لذلك أيضاً)([1]).
من الروايات الدالة على ذلك
ومن الروايات ما رواه الكافي عن أبي جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ...))([2]) مع وضوح ان إقامة الفرائض يكون بالأربعة جميعاً (النهي عن المنكر الحالي والمستقبلي ودفعهما، وكذا حال الأمر بالمعروف) أي انها جميعاً يصدق عليها الحمل الشائع الصناعي انها إقامة للدين.
و((إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ)) ومن الواضح ان سبيل الأنبياء هو النهي عن المنكر الحالي والمستقبلي، ألا ترى قوله تعالى: (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ في أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَريب)([3]) وهو نهي صريح عن قتل الناقة مستقبلاً وهو منكر مستقبلي، وكذلك أمثال قوله (صلى الله عليه واله): ((إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي يَخْطُبُ فَاقْتُلُوهُ))([4]) ونظائرهما كثير، كما ان منهاج الصلحاء كذلك أيضاً على الأربعة كلها.
و((بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَتَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَتَحِلُّ الْمَكَاسِبُ وَتُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَتُعْمَرُ الْأَرْضُ وَيُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَيَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ)) والأربعة محققة لذلك كله أو هي بين مصداق وبين محقق، فبهذه الروايات تتم الصغرى فتشملها أدلة وجوب الأمر والنهي.
ومن الروايات ما رواه في تحف العقول عن الإمام الحسين (عليه السلام): ((وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَبَدَأَ اللَّهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا إِذَا أُدِّيَتْ وَأُقِيمَتْ اسْتَقَامَتِ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا هَيِّنُهَا وَصَعْبُهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ دُعَاءٌ إِلَى الْإِسْلَامِ مَعَ رَدِّ الْمَظَالِمِ وَمُخَالَفَةِ الظَّالِمِ))([5]) ومن الواضح انه لولا النهي عن المنكر المستقبلي وإعداد المقدمات أيضاً لدفعه لما استقامت الفرائض) وأوضح منه قوله: ((وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ دُعَاءٌ إِلَى الْإِسْلَامِ)) لوضوح ان الأمر بالمعروف المستقبلي دعاء للإسلام كالأمر بالمعروف الحالي وكذا النهي عن المنكَرَين، وكذا حال الدفع بقسميه.
كما سبق: (الدليل الثالث: ويمكن الاستدلال على شمول المعروف والمنكر للاستقباليين بان المشتق حقيقة في المنقضي عنه المبدأ وفيمن سيتلبس بالمبدأ لاحقاً، لكن بلحاظ حال التلبس؛ فانه حقيقة فيه دون شك، فتشملهما([6]) أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمجاز إنما هو لو أطلق المعروف المستقبلي وحمل على الشيء الحالي دون ما لو حمل على الشيء الموصوف به بلحاظ زمن إتصافه به.
فتجب مقدماته حالاً إذ القدرة المشترطة عقلية
وعليه: فإذا وجب الأمر بالمعروف المستقبلي كما وجب الأمر بالمعروف الحالي، وجب دفعه بإعداد مقدماته كما وجب دفع المنكر الحالي بإعداد مقدمات دفعه)([7]).
ويوضحه أكثر: انه لو قال المولى: (أكرم زوارك من العلماء) فانه يشمل دون شك من سيزوره غداً منهم ولا يختص بالزائرين فعلاً إلا لو كانت القضية خارجية وأريد بالألف واللام العهد، إنما الكلام عن الأصل فان الاصل في الأحكام كونها على نحو القضية الحقيقية، ولئن شك في ذلك فانه لا شك فيه في أحكام الشارع فيكون الزمان ظرفاً فقط، فينطبق موضوع الحكم (وهو مثلاً زوارك من العلماء) على من زار أو هو زائر أو سيزور، كل في ظرفه، وإذا وجب إكرام الزوار من العلماء سواء أجاءوا اليوم أم غداً وجب إعداد مقدماته من الآن إن لم يمكن إعدادها غداً، مضيقاً وإلا وجب على نحو الواجب الموسّع كما سبق.
الاستدلال بـ(لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ)
ويمكن ان نمثل لذلك بمثال لطيف دقيق وهو ان علمائنا استدلوا بقوله تعالى: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ)([8]) على عدم صلاحية أبي بكر وعمر لنيل مقام الإمامة؛ لما ثبت عن الخاصة والعامة من انهما أشركا بالله وعبدا الصنم في الجاهلية، ولا يرد على علمائنا انهما نطقا بالشهادتين بعد ذلك إذ يكفي الشرك ولو آناً ما كي يفقد الشخص الصلاحية لنيل هذا المقام الشامخ؛ استناداً إلى أدلة عديدة منها هذه الآية الكريمة وذلك بتشقيق محتملات طلب إبراهيم إلى أربعة احتمالات لا يعقل منها الأولان، وقد ردّ الله تعالى الثالث، فبقي الرابع فقط.
توضيحه: ان الله تعالى إذ (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) طلب إبراهيم منه ان يجعل هذه الإمامة في ذريته (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي) فأجابه الله تعالى: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ) والمحتملات في طلب إبراهيم وجواب الله تعالى أربعة:
1- ان يكون قد طلب من الله منح الإمامة للظالم من ذريته في كل الأزمان (ماضياً، حاضراً، ومستقبلاً) وهذا لا يعقل ان يطلبه إبراهيم من الله تعالى بل لا يعقل صدوره من أي عاقل، ويلحق به: الظالم حاضراً مع الماضي أو مع المستقبل.
2- ان يكون قد طلب منه منحها للظالم حالاً مع كونه موحداً فيما قبل وفيما بعد، وهذا لا يعقل طلبه أيضاً إذ كيف يعقل ان يطلب الإمامة الفعلية للظالم الفعلي وإن كان سيتوب لاحقاً؟
3- ان يكون قد طلب الإمامة للمتقي الورع منهم حالاً (أي حال إفاضة الإمامة عليه) وإن كان ظالماً ومشركاً للحظةٍ فيما مضى أو سيشرك لاحقاً (فتسلب منه حينئذٍ) وهذا طلب معقول لكن الله ردّه بقوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ) فبقي الرابع فقط وهو انه طلب الإمامة للعادل في جميع الأزمنة وهذا هو ما أجابه الله تعالى إليه.. فهذا هو البرهان العقلي عبر القضية المنفصلة على المطلب.
الاستدلال: بصدق المشتق بلحاظ حال التلبس مطلق
ولكن نضيف: انه قد يستدل إضافة إلى ذلك بالقاعدة الأصولية بضميمة قاعدة نحوية وذلك بالبيان الآتي:
انه قد يقال: ان إطلاق الظالمين على من ليس بظالم فعلاً مجاز فلا يصح الاستدلال بالآية على عدم صلاحية من كان ظالماً، والجواب: ما سبق من قيام القرينة العقلية السابقة عليه، وقد يجاب: بان إطلاق الظالم عن من ليس بظالم فعلاً ليس مجازاً مطلقاً بل إنما هو أريد جريه عليه الآن اما إذا أريد إجراؤه عليه بلحاظ حال التلبس فهو حقيقة كما سبق، ثم يتمسك بشمول الآية للأنواع الثلاثة: (المتلبس حالاً، المتلبس ماضياً، والمتلبس مستقبلاً) بإطلاق الآية إذ أطلقت (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ) فيعم الأنواع الثالثة من الظالم في مطلق الأزمنة فتدبر وتأمل والله الهادي. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
من وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): ((يَا عَلِيُّ أَعْجَبُ النَّاسِ إِيمَاناً وَأَعْظَمُهُمْ يَقِيناً قَوْمٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَمْ يَلْحَقُوا النَّبِيَّ وَحُجِبَ عَنْهُمُ الْحُجَّةُ فَآمَنُوا بِسَوَادٍ عَلَى بَيَاضٍ)) (من لا يحضره الفقيه: ج4 ص365).
([1]) الدرس (169).
([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص55.
([3]) سورة هود: آية 64.
([4]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء – بيروت، 1404هـ، ج33 ص191.
([5]) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1404هـ، ص237.
([6]) أي تشمل المعروف والمنكر المستقبليين.
([7]) الدرس (169).
([8]) سورة البقرة: آية 124.