9- جوابان اخران عن الاخوند :3ـــ الامر بالمهم مترتب على اليأس عن امتثاله للاهم 4ـــ او الامر به (عند عصيان الاهم) لا (بعصيان الاهم)
السبت 6/ ربيع الاول/ 1439هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(9)
ثالثاً: سقوط أمر الأهم باليأس عن إطاعته
وقد يجاب عن إشكال الآخوند بعدم إمكان الأمر بالمهم استناداً إلى انه وإن لم يكن في مرتبة الأهم أمر بالمهم إلا ان الأمر بالأهم ثابت في مرتبة الأمر بالمهم فإذا توجه إليه الأمر بالمهم بالعصيان أو بالعزم عليه أو بتركه (على الأقوال) فلا ريب أن الأمر بالأهم موجود أيضاً إذ لا يسقط الأمر بالعصيان أو قسيميه فيلزم اجتماع الأمرين: الأمر بالأهم والأمر بالمهم وهو محال، بعد الجواب الأول([1]) والثاني الآنفين بانه:
ثالثاً: سلمنا أنّ القول بالترتب يستلزم اجتماع الأمرين المتضادين وأنه لا يجدي تعدّد الجهة والحيثية وإن كانت تقييدية وأن العصيان وقسيميه ليس مسقطاً للأمر، لكننا نقول: ان الأمر بالأهم يسقط بأمر آخر وهو اليأس عن امتثال العبد، فلا يكون حينئذٍ إلا الأمر بالمهم فلا يجتمع الأمران أبداً إذ قبل اليأس لا أمر بالمهم وبعده لا أمر بالأهم. توضيحه:
ان البعض ارتآى، فراراً من محذور لزوم طلب بالضدين أو طلب الجمع بينهما، ان الأمر بالمهم معلق على عصيان الأهم وارتأى آخرون تعليقه على العزم على العصيان وارتأى البعض تعليقه على ترك الأهم، فأورد عليهم جميعاً ان الأمر يسقط بامتثاله لا بعصيانه ولا بالعزم على العصيان ولا بتركه (والترك أعم من العصيان؛ إذ قد يكون قصوراً فلا يكون عاصياً بالترك) ولكن خطر بالبال أمر آخر يصح القول بسقوط الأمر بالأهم بسببه وهو يأس المولى من إطاعة العبد للأهم، فقبل اليأس لا أمر إلا بالأهم وبعده لا أمر إلا بالمهم.
وجه سقوط الأمر باليأس عن امتثال العبد
والوجه في سقوط الأمر باليأس، واضح وهو أن الأمر – حسب المشهور([2]) – طلبٌ وبعثٌ للعبد نحو العمل، ويستحيل ان يبعث المولى من يأس عن إنبعاثه، إلا إذا كان بعثاً وأمراً صورياً؛ لأن البعث والانبعاث من مقولة الفعل والانفعال بل من المتضايقين فكلما استحال أحدهما استحالةً ذاتيةً أو وقوعية استحال الآخر وإذا يئِس من الانبعاث لم يمكنه البعث.
وبعبارة أخرى: إن الأمر الحقيقي إنما هو لإيجاد الداعي في العبد للانبعاث فإذا يئِس منه فكيف يأمره مع يأسه من إنوجاد([3]) الداعي فيه ببعثه، نعم لو احتمل ايجاد الداعي فيه ببركة أمره صح أمره لكنه ليس بيائس حينئذٍ عن انبعاثه هذا خلف.
كما لا يمكن تكليف القاطع بالخلاف، لا يمكن تكليف الميؤوس من إطاعته
ويوضحه: انهم التزموا بان تكليف القاطع بخلاف ما قطع به وإن كان قطعه خطأ وباطلاً، محال؛ لأنه يستلزم تناقض المولى في نظر العبد ولأنه لا يمكن تحريكه حينئذٍ نحو المأمور به لكونه قاطعاً بالخلاف، اللهم إلا إذا كان القطع موضوعياً وهو خلاف الفرض، أو إذا أوجب الأمرُ زعزعةَ قطعِهِ ليعود شاكاً فيصح تكليفه وهو خلاف الفرض أيضاً إذ الكلام في انه لا يصح تكليف القاطع بالخلاف بخلاف قطعه مادام قاطعاً.
والحاصل: ان وزان يأس المولى عن امتثال عبده لأمره وزان قطع المكلف بخلاف الواقع، فكما لا يصح تكليف الثاني بالواقع لا يصح تكليف الأول، بل الثاني من مصاديق الأول إذ إذا قطع العبد بخلاف الواقع يئس المولى من امتثال أمره المعاكس لقطعه مادام قاطعاً، لكن هذا على المشهور، وقد ناقشناه في (الأوامر المولوية والإرشادية) و(فقه التعاون) وغيرهما تفصيلاً فراجع.
نعم: قد يقال بان اليأس عن الإطاعة مسقط للطلب الفعلي وموجب لعدم إمكان البعث، ولا يُسقِط الإنشاء القانوني([4])، وسيأتي توضيحه بإذن الله تعالى.
وجه عقوبته مع سقوط الأمر باليأس
واما عقوبته فلتفويته غرض المولى الملزم بل لعصيانه بعدم امتثاله للأهم رغم قدرته عليه، وعدم قدرة المولى على أمره حين يأسه منه لا يرفع عقوبته على إهماله أمر المولى السابق حتى يئس المولى منه فلم يأمرهُ([5]) مرّة أخرى بأمر آخر أو لم يستمر على أمره السابق، على الاحتمالين.
ولا يتوهم ان: عقوبته على تعجيزه المولى عن أمره مجدداً أو عن الاستمرار في أمره، بل إنما هي على عدم امتثاله للأمر السابق.
رابعاً: سقوط الأمر بالأهم عند عصيانه
بل قد يقال بان الأمر بالأهم يسقط (عند عصيانه)، لا (بعصيانه) فلا يتوهم ان هذا هو نفس ما أجاب به البعض عن شبهة الآخوند، بان الأمر بالمهم لم يجتمع مع الأمر بالأهم، إذ يسقط الأمر به([6]) بعصيانه (أو بالعزم عليه) والذي أجيب عنه بان الأمر يسقط بالامتثال لا بالعصيان.
والحاصل: الفرق بين سقوط الأمر بالأهم عند عصيانه وبين سقوط الأمر بالأهم بعصيانه، والثاني باطل دون الأول؛ وذلك([7]) لأن العصيان ملازم للعجز عن الامتثال فالمسقط للأمر في الحقيقة ليس هو العصيان بل هو ملازمه وهو العجز؛ ولذا قلنا ان سقوط الأمر عند العصيان لا به، حيث يستلزم العصيان العجز ويكون غير قادر معه على الامتثال، وسقوط الأمر بالعجز واضح إذ لا يمكن تكليف العاجز([8])، نعم يستحق العقوبة بتعجيزه نفسه عن الواجب المطلق.. وسيأتي مزيد بيان وتوضيح بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (( إنّ مِن أعوَن الأخلاق على الدّين الزهد في الدّنيا (( الكافي: ج2, ص128.
([2]) وسيأتي تحقيق الحال حسب رأي غيرهم.
([3]) وهي صيغة مخترعة إذ لم ترد في اللغة، وبديله (مع يأسه من انقداح الداعي فيه).
([4]) أو (جعله في ذمته وعهدته).
([5]) أو لم يكن بمقدوره، وقوعاً، أن يأمره ويبعثه نحو ما يئس من انبعاثه إليه.
([8]) إلا على مبنىً غير مشهور، كما سيأتي.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |