6- تتمة بحث (التعليل) في الاية ـ ج ـ إنَّ (يشتري) كناية عن الاعم ـ المحتملات الاربع في (يشتري)
الاثنين 29 شوال 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول حرمة حفظ كتب الضلال ومسبِّباتها بقول مطلق وسائر التقلبات فيها ,وذكرنا ان الشيخ الانصاري قد استدل على ذلك ,وكذلك صاحب الجواهر واخرون بآية :
(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)
وكذلك بينا ان الاستدلال بهذه الاية على حرمة حفظ هذه الكتب وغيرها يتوقف على تعميم كلمة (يشتري) ,ولكن ذلك هو خلاف الظاهر , وهذا إشكال لابد من مخرج منه.
مخرج الاشكال على التعميم :ويمكن التفصي عن الاشكال المذكور من كون التعميم هو خلاف الظاهر بأحد وجوه ثلاثة:
اما الوجه الاول: فهو الوجه الذي استند اليه المحقق اليزدي صاحب العروة من خلال الفحوى وتنقيح المناط .واما الوجه الثاني: فقد ذكره السيد الوالد وذلك من خلال الاستناد الى عموم التعليل, فان المعلَّل وان كان خاصا إلا ان العلة عامة ,وكما هو معلوم فان العلة تعمم وتخصص .
بيان اضافي : ذكرنا فيما سبق ان هناك مسلكين في التعليلات المذكورة في لسان الشارع ونضيف الان مزيد بيان:
اما المسلك الاول فانه يقول: بان الاصل في تعليلات الشارع انها علل حقيقية يدور الحكم مدارها سلبا وايجابا , وعلى ذلك فان استدلال صاحب ايصال الطالب سيكون على القاعدة فإنه تبنى التعميم اعتمادا على التعليل . واما المسلك الثاني فانه يقول : ان الاصل الثانوي في علل الشارع هي انها حكم بدعوى ان القرينة المقامية قد قامت على ان الشارع يذكر الحكم بصورة العلل فيكون حال ذلك كالمجاز الغالب غلبة موجبة للنقل, فان اللفظ ظاهر في معناه الحقيقي إلا لو استعمل في المعنى المجازي بدرجة يؤدي الى انقلاب الظهور وانسب فالمعنى الآخر من اللفظ نفسه فيكون هناك نقل بنحو النقل التعيّني. والمتحصل من المسلك الثاني : هو ان كل ما ذكر في الشرع من علة فهو حكمة بقرينة الاستقراء والتتبع شبه التام فيكون الالتزام بانقلاب الاصل ببركة لحاظ حال الشارع وطريقته في علله .
طريق التعميم بناءا على المسلك الثاني : وهنا نقول:انه بناءا على مسلك كون علل الشارع حِكَماً, فهل يوجد مخلص حتى تبقى العلة في هذه الآية الشريفة على الاصل الاولي من خلال اخراجها من دائرة الاصل الثانوي فتكون على ذلك علة حقيقية يدور الحكم مدارها وجودا وعدما ؟
وجوابه : الظاهر ان هناك وجه وجيه حتى على المسلك الثاني لاثبات ان قوله تعالى: )لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ...( هي علة حقيقية وليست حكمة - وان كان الاصل قد انقلب- وهو وجود قرينة خاصة في المقام , وهي مناسبة الحكم والموضوع ,
وبتعبير ادق واوضح : القرينة في المقام هي قرينة المادة , فان مادة ( يضل عن سبيل الله ) آبية عن التخصيص ؛ لانه لا يعقل القول بان الإضلال عن سبيل الله جائز أحياناً, وحال هذه المادة كحال مادة ( الظلم) فانها آبية عن التخصيص فلو قال (لا تقرب مال اليتيم ولا تتصرف في امواله بما لا مصلحة له فيه لأنه ظلم) دل على حرمة طرده من المنزل، لعموم العلة وهي الظلم فانه وفي كل هذه الموارد هناك امتناع عن التخصيص وإباء عنه، لخصوصية في المادة. وعليه : فان خصوصية مادة الاضلال عن سبيل الله قرينة تورث القطع بان هذه علة وليست حكمة. وبتعبير اخر : ان ذلك- أي حرمة الاضلال عن سبيل الله - يَعد من ضروريات الدين وليس من ضروريات المذهب فقط , وان الاضلال هو من اقبح المستنكرات وانه محرم قطعا , ومن كل ذلك يتبين ان التعليل تام والتعميم صحيح . فائدة اضافية:ونذكر فائدة مهمة تعطي الاطار العام لكل ما ذكرناه حيث نقول : كلما كان التعليل في لسان الشارع بالمستقلات العقلية – مثل لانه ظلم او غيرها – او كان بالضرويات المذهبية او الإسلامية فان العلة عندئذ تكون معممة ومخصصة في حدود ما استقل به العقل وفي حدود الضرورة, وهذه نقطة دقيقة في المقام . والنتيجة هي : الظاهر ان التعليل تام على كلا المسلكين .
الثمرة المترتبة على تمامية التعليل – بناءا على كلا المسلكين -: ويترتب على التمسك بعلّية (ليضل عن سبيل الله بغير علم), التوسعة في التحريم من جهة والتضييق من جهة اخرى , اما التضييق فان الآية بناءا عليه لا تشمل المعنى الاول للضلال والذي ذكره الشيخ وهو ( الباطل ) , وسيكون ظاهر الاية هو الطريقية لا الموضوعية , ولذا فان الباطل في حد ذاته ككتاب السحر او كتب الشيوعية مثلا لو احتفظ بها الشخص في مكتبة الدار من غير ان تؤدي الى الاضلال قطعا او ظنا متاخما للعلم فانه ليس بمحرم , وذلك من خلال التمسك بالاية والتضييق المتوافر فيها من هذه الجهة لتخصيصها التحريم بما أوجب الإضلال عن سبيل الله.أما التوسعة فلأن الآية تدل حينئذ على شمول الحرمة لكل ما يؤدي الى الاضلال فيشمل الجرائد والمجلات والفضائيات وكذلك يشمل – حسب مثال المحقق اليزدي – المقبرة والمدرسة ان كانت للاضلال.
وبحسب عموم التعليل في هذه الاية الشريفة فان (الايجاد) أيضاً ولو في آن لو كان سبباً للاضلال فإنه حرام.
والمتحصل: ان الاية تعمم دائرة التحريم في كل ما كان طريقا للإضلال , إلا انها لا تشمل المعنى الاولى أي الباطل في حد ذاته . وبايجاز: فإن حال هذه الاية – كما ذكرنا – هو كحال اية البنأ فان هذه الاخيرة وببركة التعليل تعمم وتخصص ؛لانه ومن خلال مناسبات الحكم والموضوع وخصوصية مادة الجهالة الآبية عن التخصيص يحصل التعميم؛ لان اصابة القوم بجهالة قبيح ومحرم مطلقاً ومما يأبى التخصيص.
ولو شكك في ذلك -أي التعميم – هناك, أي في اية النبأ - ولا مجال له ظاهراً – فانه لا مجال لهذا التشكيك قطعا في موردنا , اي: ( ليضل عن سبيل الله) الوجه الثالث للتعميم : بعد ان بينا الوجه الاول للتعميم وهو الفحوى- وقد رفضناه- , وبينا الوجه الثاني وهو عموم التعليل, نذكر الآن الوجه الثالث لذلك وهو:ما ذكره مجموعة من الاعلام وكل بوجه مختص به , وهو ان يدعى ان ( يشتري) الواردة في الآية الشريفة هي كناية عن الأعم من خصوص الإشتراء, بما تشمل (الحفظ) أو لا، كما سيجيء. الاحتمالات والاراء الاربعة في كلمة ( يشتري ) : وتوجد في كلمة ( يشتري ) اربعة احتمالات واراء :المعنى الاول: هو الجمود على ظاهرها كما هو ظاهر السيد اليزدي , وأما التعميم فإنه يحصل ببركة الفحوى او التعليل. المعنى الثاني: وهو ان (يشتري) هي بمعنى يتحدث به فيكون معنى ( يشتري لهو الحديث ) اي يتحدث بلهو الحديث . المعنى الثالث: هو ظاهر كلام السيد الوالد في كتاب المكاسب المحرمة من موسوعة (الفقه) , وهذا الاحتمال وجيه وعقلائي ولعله هو المستظهر في المقام , وهو ان المراد من ( يشتري ) هو التكنية عن مطلق التعامل به , اي ماهو اعم من البيع فيشمل الهبة والمصالحة وغيرها, إلا ان المشكلة باقية بنفسها وهي انه حتى على هذا الاحتمال فان التعميم لا يشمل (الحفظ) وهو مورد بحث الأعلام في مسألة حفظ كتب الضلال فانه لا يطلق عليه (تعامل).
وعبارة صاحب الفقه هي : ( إذ العرف يفهم من الاشتراء لا مجرد ما يقابل البيع، كما يفهم من لهو الحديث الاعم من كتابته وحفظه وما اشبه) , هذا هو الاحتمال الثالث وسيأتي تنقيحه . المعنى الرابع: ولعله الظاهر من كلام الميرزا على الايرواني في حاشيته على المكاسب , وهو ان (يشتري) هو كناية عن (يتعاطى), وعليه سيكون معنى الآية (يتعاطى لهو الحديث), وهذا المعنى الاخير هو الاعم من بين المعاني السابقة كلها فيشمل (المطالعة) و(الحفظ) – وترتفع المشكلة – فان الشخص لو ادخر في منزله كتابا او طالعه فهو تعاطٍ منه معه, ولو ثبت هذا المعنى فان الدائرة ستكون وسيعة جدا ادلة الاحتمالات المختلفة بكلمة ( يشتري ) :اما صاحب الفقه فانه رأى طريقا معبدا امامه فقال : ان العرف يفهم من يشتري المعنى الثالث, ولكن قد يقال : ان العرف يفهم المعنى الرابع وسيأتي .
لكن عدداً من الفقهاء استدل بدليلين على إرادة المعنى الكنائي الأعم من (يشتري) :اولا ً) دليل صاحب فقه الصادق (ع) : يقول السيد الروحاني في كتابه : ان هنالك دليلين على التعميم : الاول : الروايات, وهي كثيرة, بل ومشهورة شهرة روائية والتي جاء فيها التصريح بان (يشتري لهو الحديث) المراد منه هو الغناء . الرواية الاولى ) فقد جاء في الكافي عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن علي بن اسماعيل عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر ع : قال : قال سمعته يقول : الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النار - ولذا فهو كبيرة من الكبائر – تلا الآية: )وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(.
تأمل: وهنا تأمل فان الغناء لا يطلق عليه لهو الحديث لانه ليس من سنخ الحديث وانما هو من سنخ الاصوات كما في الموسيقى.
فما الجواب؟ سيأتي بإذن الله تعالى.وللحديث تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين...
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |