بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(91)
سبق ما ذكره العقد النضيد في ضمن مطالب:
دعوى ان حقيقة الاعتبار التنزيل
المطلب الأول: قوله (فإن حقيقة الاعتبار هو الإدعاء والتنزيل، كاعتبار زيد أسداً والطواف بالبيت صلاةً ادّعاءً)
([1]).
التحقيق: الاعتبار إما تنزيل أو إيجاد (اما اعتبار شيء شيئاً أو اعتبار شيء)
ولكن قد يورد عليه: ان التنزيل أخص من الاعتبار وليس الاعتبار خاصاً به بل الاعتبار على نوعين: الأول: ما ذكره الثاني: الايجاد
([2]).
وبعبارة أخرى: الاعتبار تارة هو (اعتبار شيء شيئاً) وهو الاعتبار المركب نظير الجعل المركب ومفاد كان الناقصة وهل المركبة وهو ما ذكره، وأخرى: (اعتبار شيء) وهو الاعتبار البسيط بالجعل البسيط ومفاد كان التامة وهل البسيطة.
وبعبارة ثالثة: الاعتبار قسمان: فانه تارة تنزيل شيء منزلة شيء آخر وأخرى تنزيل الشيء لا منزلة شيء آخر وذلك عندما لا يكون وراءه شيء آخر يكون هو الأصل وهذا هو المنزل منزلته وذلك إذا لم يكن هناك واقع آخر وراء الاعتبار.
اعتبارُ الزوجيةِ إيجادٌ واعتبار الرجعية زوجة تنزيلٌ
ويمكن التمثيل له بـ(اعتبار الزوجية) فانه اعتبار بسيط غير مركب فانه لم ينزّل الزوجة منزلة أمر أخر ولم يعتبرها نازلة منزلة شيء اخر كالزوجية التكوينية أو الحقيقية لتكون هذه الزوجية الاعتبارية نازلة منزلتها بل لا شيء وراء الزوجية فاعتبار الزوجية هو جعلها بسيطاً لا جعلها مركبا
([3]) وتنزيلها منزلة شيء آخر كتنزيل الطواف منزلة الصلاة.
نعم الجعل المركب واعتبار شيء شيئاً إنما هو في (المطلقة رجعية) فقوله: (المطلقة رجعية زوجة) هو ما ذكره من القسم الأول، وقوله: (المعقود عليها زوجة) أو (هذه زوجة) هو ما ذكرناه من القسم الثاني.
وكذلك الحال في القضاء فانه إذا جعله قاضياً جعله كذلك بالجعل البسيط لا المركب بمعنى انه اعتبره قاضياً لا ان هناك حقيقة أخرى هي القضاوة
([4]) التكوينية أو الواقعية وقد نزّل الشارعُ القاضي منزلته.
دفاعاً عن العقد النضيد: وراء كل الاعتباريات واقع حقيقي هو الأصل
نعم قد يدافع عنه بان الزوجية والقضاوة وغيرهما لهما فرد تكويني وآخر اعتباري وقد نزل الاعتباري منزلة التكويني فالجعل مركب أيضاً إذ قد نزّل هذا منزلة ذاك، بيانه: ان الفرد التكويني للزوجية هو الزوج اللازم للشيء كالإلكترون للبروتون مثلاً والسالب للموجب، والتنزيل هو زوجية المرأة للرجل والقضاء كذلك فانه الفصل التكويني والقاضيُ يُنزَّل تشريعاً منزلته.
الجواب: ذلك أعم من ملاحظته حين الاعتبار
وفيه: انه وإن صح إلا ان ذاك ليس مما يلاحظه المعتبر أفهل ترى مشرعاً أو مقنناً أو عاقداً عندما اعتبرها زوجة بالعقد أو غيره لاحظ الجانب التكويني ثم نزلها تشريعاً منزلته؟ وهكذا (الملك) إذ هل ترى ان العقلاء عندما اعتبروا زيداً مالكاً بالشراء أو الحيازة اعتبروه نازلاً منزلة الله تعالى في ملكيته الاحاطية القيومية، وهي الملكية الحقيقية؟ أي هل لاحظوا ان الله مالك حقيقي تكويني فنزلوا المشتري منزلته في المرتبة النازلة فاعتبروه مالكاً ضعيفاً؟
دعوى ان حقيقة الاعتبار عدم تحقق الواقع
المطلب الثاني: قوله: (وحقيقة هذا الادعاء والاعتبار هي عدم تحقق الواقع، إذ أن قوام الادعاء والاعتبار منوط بعدم وجود الواقع حقيقةً وإن اعتبرناه موجوداً تنزيلاً واعتباراً)
التحقيق: حقيقته اما ذلك أو تحقق الواقع
وقد يورد عليه: أولاً: ان ذلك أخص من الاعتبار أيضاً، فان حقيقة الاعتبار تارة يكون كما ذكره من عدم تحقق الواقع وأخرى يكون بتحقق الواقع؛ ألا ترى ان العقلاء لو اعتبروا أمراً فاعتبره الشارع كان حقيقة اعتباره هو جعل المماثل أو تأكيد اعتبارهم أو إمضاؤه فلم يكن قوامه بعدم تحقق الواقع بل كان قوامه بتحققه فتأمل
([5]).
والحاصل: انه إن أراد ان قوامه بعدم تحقق الواقع مطلقاً
([6]) ورد عليه ما ذكر، وإن أراد عدم تحقق نفس المجعول الاعتباري بنفسه مرة أخرى بجعل آخر كان تاماً حسب المذكور في الهامش. فتأمل
أمثلة وشواهد
ويمكن التمثيل له – أي لما كان قوامه تحقق الواقع – بما لو اعتبر الناس في دولة شخصاً رئيساً حاكماً فان سائر الدول قد تعتبره كذلك وقد لا تعتبره، كما يحدث عند إتهام سائر الدول لسلطات الدولة الأولى بالتزوير في الانتخابات، – فإذا اعتبروا ما اعتبروه
([7]) كان قوام الاعتبار بتحقق الاعتبار الأول لا بعدمه.
كما يمكن التمثيل: بما لو أسلم عن خمس، فان الشارع أذن له في إبقاء أربع على ذمته وترك الخامسة فقد اعتبر الشارع
([8]) اعتبارهم زوجية أربعة منهن ولم يعتبر زوجية الخامسة. فتأمل
لا توجد ملكية واقعية([9]) إلا على بعض المباني
ثانياً: ان قوله: (فإنه حينما نعتبر الملكية لزيد لا تحصل له الملكية الواقعية وإن
([10]) ندّعيها له ادعاءً واعتباراً) يرد عليه ان هذا إنما يجري على بعض المباني دون بعضها الأُخر فان (الملكية) أ- لو كانت من مقولة الجِدة صح ذلك إذ لا جدة واقعية
([11]) في الملكية بل تنزيلية فقط ب- أما لو كانت من الاعتباريات كما لعله المشهور فلا؛ إذ كل واقعها على هذا هو الاعتبار فلا معنى للقول بانه (حينما نعتبر الملكية لزيد لا تحصل له الملكية الواقعية) ج- وإن كانت الملكية من مقولة الإضافة فالأمر يعتمد على القول بان الإضافة مقولة حقيقية فالأمر فيها كالجدة أو اعتبارية عكس سائر المقولات، فالأمر فيها كالاعتبار فتدبر. وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================