167- النسبة بين الكذب والمزاح ــ حل التعارض المتوهم بين طائفتين روايات المزاح والهزل اذ بعضها مقيَد بكثرتهما ، بوجوه أربعة ( الكذب في الوعد ) له صدر 1ـ الاخبار عن عزمه ولم يعزم 2ـ الاخبار عن المستقبل غير عازم
الثلاثاء 5 ربيع الاول 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان الكلام حول الكذب مزاحا او هزلا او سخرية او استهزاءا او بنحو اللطيفة, ووصلنا الى مجموعة من الروايات , قد ذكرنا بعضها وتحدثنا بعض الحديث عنها , هذا ما مضى .
تتمتان مهمتان :
1ـ مجمع عنواني ( الكذب ، والمزاح ) هو مورد البحث
إن النسبة بين المزاح وبين الكذب هي العموم والخصوص من وجه ؛ إذ المزاح بعضه كذب وبعضه ليس كذلك , كما إن الكذب بعضه جاد وبعضه على نحو المزاح , وما دامت النسبة من وجه فما هو وجه طرح هذه الروايات في المقام ؟ ذلك ان هذه الروايات تتحدث عن الهزل او المزاح مدحا او قدحا , والمزاح عنوان آخر غير عنوان الكذب .
جوابه : إن كلامنا هو في مجمع العنوانين في المسألة الثانية , أي : في الكذب مزاحا ولذا فينبغي ان نلاحظ روايات الكذب وروايات المزاح لنرى ان الحكم في مادة اجتماع هذين العنوانين ما هو ؟
وقد اشرنا سابقا إلى جوابين , كان احدهما إن المزاح هو عنوان لا اقتضائي والكذب عنوان اقتضائي , ولا مزاحمة بينهما؛ فان الحسن والمستحب لا يزاحم المحرم او الواجب .
وثانيهما ان أدلة المزاح[1] منصرفة وكما فصلنا سابقا فلا نعيد
2) التنافي بين ترتيب الاثار على ذات الموضوع ( المزاح ) وعليه بقيد الكثرة[2] :
قد تتوهم المنافاة بين سلسلتي الطائفتين من الروايات فـإن كثيرا من الروايات قد قيدت المزاح بالكثرة ورتبت عليه الاثار[3], كما في ( من كثر مزاحه ..) او ( من كثر هزله ..) او ( كان ديدنه ..) , ...وهكذا , وهذه الروايات قيدت الموضوع بــالكثرة , ولكن الصنف الثاني من الروايات يذم المزاح بصورة مطلقة , ويرتّب عليه بنفسه وبما هو، نفس الاثار فما هو وجه الجمع بينهما ؟
الوجوه أربعة : يوجد – أصوليا – وجهان واضحان للجمع , وهناك وجهان آخران نضيفهما في المقام ولعلها اولى من الأولين , فتكون الوجوه أربعة:
1ـ الوصف لا مفهوم له
الوجه الأول : وهو من الأجوبة العامة الأصولية ؛ وهو ان الوصف لا مفهوم له , ففي رواية ( من كثر مزاحه فسد عقله ) و ( سقطت هيبته ) والكثرة من قبيل الوصف وإن كانت مضافاً[4] والوصف لا مفهوم له , فلا تفيد من لم يكثر مزاحه لم تسقط هيبته ، ليتنافيان
2ـــــ المنطوق مقدم على المفهوم على فرضه
الوجه الثاني : سلمنا ان الوصف له مفهوم ,ولكن هذا المفهوم قد عورض بمنطوق تلك الروايات فتتقدم عليها , فرواية ( من كثر مزاحه سقطت هيبته ) مفهومها هو (من لم يكثر مزاحه لم تسقط هيبته) , وهذا المفهوم اضعف من منطوق تلك التي لسانها ( من مزح .....)
إذن : إطلاق[5] تلك مقدم على مفهوم هذه ؛ لان المنطوق اقوى من المفهوم ظهورا
الاشكال بأن الفهم العرفي قد لا يساعد على بعض القواعد الأصولية :
ولكن رغم إن الجوابين صحيحان , إلا أن هناك مشكلة أساسية مطروحة في علم الأصول أيضا , وهي ان الفهم العرفي في بعض الأحيان لا يتطابق والقواعد الأصولية اذ العرف يرون التنافي ظاهراً بين الامرين كما يرون قوة مفهوم تلك بحيث تعارض مفهوم هذا ويرون ان القيد المذكور في صنف الروايات الثاني أي ( كثر ) إن لم يكن احترازيا فهو لغو وان كان احترازياً عارضَ ما لا قيد له، ولا اقوائيةَ في البين , وعليه : لابد ذكر وجوه أخرى وسنذكر وجهين لمن لا يقبل الأولين .
ولتأكيد وجه النقاش في الوجهين الاولين ، نقول :
انهم ذكروا ان العام يتقدم على المطلق ؛ نظراً لان دلالة العام على عمومه بالوضع والمطلق يستفاد إطلاقه بمقدمات الحكمة فقرينتها والأول , أي العام سيكون واردا[6] على الثاني.
ونجد الاخوند في بداية كفايته التزم بهذا التقديم , ولكنه في نهايتها عدل عن ذلك فان تقديم العام على المطلق ليس من القواعد التعبدية حتى تكون ثابتة على نحو الدوام , بل هي قاعدة عقلائية وبناء العقلاء عليها فتدور مدار بنائهم , ولذا نجد الاخوند في نهاية الكفاية يلتزم بأنه لو تعارض العام مع المطلق فان الظهور العرفي هو الملاك والحاكم فيتقدم الأقوى ظهورا منهما ,
وفي ما نحن فيه نقول : صحيح إن الوصف لا مفهوم له في الجملة لا بالجملة ,اي تنفي إطلاقه ولا ننفيه مطلقاً , فأحيانا الوصف ذو مفهوم والعرف يساعد على ذلك , فلو قال احدهم ( زوج ابنتك من الرجل المؤمن ) فإن فالوصف هنا له مفهوم : الرجل لو لم يكن مؤمنا فلا تزوجه.
والمتحصل : انه عندما يقال ان الوصف لا مفهوم له فالحق انه لا يراد به النفي المطلق بل المراد هو نفي الإطلاق ,
3ـــ الجمع بين الطائفتين بتشكيكية الموضوع والاثار
وقد يقال أن المزاح وكذلك الهزل وبقية الحقائق الأخرى الكثيرة حيث كانت هي الحقائق التشكيكية ذات المراتب , فوجه الجمع هو : ان الطائفة الثانية من الروايات والتي فيها قيد الكثرة تشير إلى مرتبة أعلى وتلك الطائفة الأولى تشير الى مرتبة أدنى , والقيد الاحترازي في المقام ليس بلغوٍ اذ يفيد نفي المرتبة الأقوى عن الأدنى .
توضيح ذلك : ان رواية ( كثرة الهزل تورث الضغائن ) تحمل على ان الكثرة تورث الدرجة العليا من الضغائن , ولكن تبقى للضغينة درجات دنيا يورثها الهزل بمرتبة أدنى فتحمل روايات ( الهزل يورث الضغينة ) عليها وذلك عرفي بل هو وجداني . فتأمل
وكلامنا كما هو واضح على نحو الاقتضاء لا العلية التامة[7]
والنتيجة : لا تعارض بين روايات الكثرة والروايات الأخرى
4ـــ ترتب الاثار على المزاح بالباطل او الكاذب للانصراف
الوجه الرابع : وهذا الوجه هو ما ذكرناه سابقا واستدللنا عليه بأدلة, ومقتضاه ابقاء روايات كثرة المزاح تبقى على ظهورها , وإنما نتصرف بروايات المزاح المطلقة فنقول :ان المراد من المزاح في روايات الطائفة الأولى هو المزاح بالباطل والمزاح الكاذب وذلك لوضوح ان شخصا موقرا لو مزح مزاحا كاذبا فان هيبته ستسقط ولكنه لو مزح مزاحا صادقا فالأمر ليس كذلك , نعم لو أكثر من المزاح فانه سيسقط من الأعين كذلك , وكذلك الحال في المزاح الباطل والجارح فان المرة الواحدة منه تخدش في مروءة الفاعل , واما المزاح اللطيف النافع فليس كذلك[8]
والنتيجة : ان كثرة المزاح تسقط الهيبة وهذا صحيح , واما المزاح الواحد فيسقط الهيبة وتترتب عليه سائر الاثار ايضاً اذا كان كاذباً او جارحاً، وشاهد الجمع اضافة لعرفيته ووجدانيته واقتضاء مناسبات الحكم والموضوع له هو روايات الطائفة السابعة كما اوضحناه انفاً وهذا المقدار من البحث والكلام نكتفي به في المقام وان كان للتوسعه فيه مجال كبير
المسألة الثالثة : الكذب في الوعد وحكمه
وهنا لابد من التفريق بين مسألتين :
المسالة الاولى : هي خلف الوعد وهذه مسألة مستقلة وليس مجال بحثها ألان والمشهور قالوا بجوازه
وأما المسألة الثانية وهي الكذب في الوعد فهي مورد البحث , كمن يتعهد بان يعطي الآخر شيئا وهو عازم من البداية على عدم إعطائه .
تفصيل في المقام : الكذب في الاخبار عن عزمه او الاخبار عن نقله
ان البعض فصل فذكر بان الكذب في الوعد على أقسام :
القسم الأول : هو ان يكذب الشخص في إخباره عن عزمه على فعل كذا وهذا إخبار عن أمر نفسي كان يقول قررت او عزمت على ان ادعوك غدا مع انه لم يقرر ولم يعزم ألبته. وهذا كذب حتى لو فعل لاحقا فان الفعل اللاحق لا يوجب انقلاب الإخبار السابق غير المطابق للواقع عن واقعه . اذا اخبر عن عزمه ولم يكن عازماً
القسم الثاني : أن يخبر عن المستقبل كأن يقول سوف افعل كذا وهو غير ناو ان يفعل وهذا كذب أيضا وهنا في هذا القسم يلاحظ ان العزم وان لم يأخذ في ظاهر اللفظ , الاانه عند التحقيق نجد انه متضمن فيه فان القسم الثاني يعود لبا وجوهرا إلى الأول وللكلام تتمة...
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - بقسميها - فتدبر
[2] - وهذه تتمة مفيدة لأنها تفتح مجالاً واسعاً للتحقيق في مثل مورد البحث
[3] - الاعم من الاثار الشرعية والاخلاقية أي الاعم من المكروهة والمحرمة
[4] - اذ لا فرق بين ( في الغنم السائمة زكاة او في سائمة الغنم )
[5] - من مزح كثيراً او قليلاً
[6] - أي المطلق لا ينعقد اطلاقه مع وجود قرينة على الخلاف والعام قرينة فهو مزيل لموضوع المطلق تكويناً لكن بعناية التعبد
[7] - فإن بعض الناس يفرح بالمزاح الكثير والجارح
[8] - وهذا الجواب بناءا على التراجع عن الوجهين الأول والثاني تسليم قبولهما
الثلاثاء 5 ربيع الاول 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |