02- فوائد تعريف مفهوم البيع وسائر المفاهيم العرفية : 1- ابهام المرتكز العقلائي في حدوده وشرائطه والتعريف رافع له 2- تحرير موضوع المسألة ومحل النقاش والاخذ والرد 3- صحة التمسك بالاطلاق المتنامي حتى بناء على الوضع للصحيح إن قلنا أن البيع موضوع للمسبب لا السبب
الاثنين 22 ذي القعدة 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(2)
وجوه الحاجة الى تعريف البيع ونظائره رغم عرفيته وبداهته:
1- التعريف يُجلي المرتكَز المجمل
الوجه الاول: ان المرتَكز قد يكون مبهماً مبهم في الجملة، اي في بعض حدوده وشرائطه، ويراد بالتعريف بالجنس والفصل او الخاصة او بما يشبهها (ان قيل بعدم وجود الجنس والفصل في الاعتباريات - والبيع والملك منها[1] - كما سيأتي بحثه والنظر فيه)[2]، تحديده وتوضيحه.
فمثلاً: اذا شك في صحة وقف المنفعة او أدعي شمول الاطلاقات له فان الرجوع الى تعريف الوقف وهو (تحبيس العين وتسبيل المنفعة) ينفع في نفي ذلك فيتفرّع انه لايصح وقفها لانه ليس وقفاً بل لايكون اطلاقه عليه الامجازاً.
وكذلك لو شك في (المقايضة) مثلاً وهو مبادلة المثمن بالمثمن اذ نفي البعض كونها بيعاً بل ادعى انه معاملة جديدة ، وسيأتي بحثه ، فانه قد يستند في النفي الى تعريف البيع بانه (تمليك عين بمنفعة) او (بمال) مع دعوى ان المال يراد به قسيم المثمن وقد يستند في الاثبات الى تعريفه، كما في المصباح ، بـ (مبادلة مال) بمال مع تعميم المال الى كل مايُتموَّل عيناً او منفعة – وسيأتي تفصيل الكلام باذن الله تعالى .
الاشكال بان التعريف اما غير مفيد فهو لغو والا فيلزم الخلف
لايقال : التعريف ان كان عرفياً وبالرجوع للارتكاز فانه لايزيد شيئاً على المعرَّف نفسه فكيف يكون التعريف دافعاً للابهام دون المعرَّف، وان لم يكن عرفياً ولم يرجع فيه للارتكاز لم يكن حجة ولا كان عليه المدار، اذ الفرض ان الفاظ المعاملات عرفية والا كان خلفاً.
الجواب: الفائدة في التفصيل للمجمل
اذ يقال: نختار الشق الاول ويحلّ الاشكال بالاجمال والتفصيل؛ فان المفصّل منطوٍ في المجمل[3] وبالتحليل والتدبر بظهر تفصيله فيصلح مرجعاً لحل الابهام عكس ما لو ابقي على اجماله؛ الا ترى ان (التناقض) مفهوم عرفي ودقي من اوضح المفهومات الا انه بتفصيل المرتكز اجمالاً في الذهن منه وتشخيص شرائط تحققه الثمانية (بل والتسعة بالحاق الاتحاد في الرتبة وان كان الاصح ادراجه في وحدة الموضوع) تتضح حدوده ويمكن الحكم على كثير من المصاديق بانها منه او من التضاد او التخالف مما لو لم يبذل الجهد على وضع التعريف الدقيق الجامع المانع وتفصيل المرتكز اجمالاً في الفاظ مستوعبة لما امكن التشخيص.
وهذا نظير مايقال في علائم الحقيقة والمجاز ومنها التبادر فان المعنى الحقيقي وان كان مرتكزاً في الاذهان وكان التبادر مرجعه الرجوع الى المرتكز ، الا انه عبر مراجعة الذهن وتحليل مدى سبق المعنى من حاق اللفظ نصل الى انه موضوع له والا لا حتجاج الى القرينة فتدبر جيداً.
2- التعريف يحرر محلَّ النزاع ومركزَ الاستدلال
الوجه الثاني: وبتحديد المرتكز والمعنى العرفي في قالب الفاظ معلومة، فانه يمكن تحرير وتشخيص محل النزاع في صور حدوثه –وهي كثيرة – وسيتضح تبعاً لذلك ورود النقاش والاخذ والرد على محل واحد او عدمه، وقد يظهر ان النزاع لفظي، بل والاهم انه – وفي رتبة سابقة – يتضح للفقيه في مقام الاستنباط، الموضوعُ بحدوده وانه يستدل على ماذا او ينفي ماذا؟ فمثلاً: تحديد معنى (التعارض) وانه (تنافي الدليلين او الادلة بحسب الدلالة ومقام الاثبات على نحو التناقض او التضاد) او هو (تنافي المدلولين بما هما هما) اي تنافي المؤديين في حد ذاتهما او انه (تنافي المدلولين بما هما مدلولان للدليلين) ، فانه يكون الدليلان الحاكم والمحكوم غير متعارضين على الاول اذ لاتنافي في مقام الدلالة لشارحية احدهما للاخر، ويكونان متعارضين على الثاني اذ مؤدى ومفاد (لاشك لكثير الشك) مثلاً متعارض مع الحكم على الشاك ببطلان الصلاة او بالبناء على الاكثر وجبرها بركعة الاحتياط او نظائرها في الصور التسعة، وكذا وجوب الصوم وان تضرر مع مفاد لاضرر لو لوحظ المؤدى بما هو هو ، واما التعريف الثالث فانه ملحق بالاول في الحكم. فتدبر.
3- صحة التمسك بالاطلاق المقامي على الصحيحي إن وضع البيع للمسبب
الوجه الثالث: صحة وعدم صحة التمسك باطلاقات الادلة ، فان على القول في تعريف البيع بانه – مثلاً – موضوع للمسبّب اي للمعنى المصدري او للمعنى الاسم مصدري – على الاحتمالين – يتفرع: صحة التمسك باطلاق (احل الله البيع) لدى الشك في تحققه – أي البيع - للشك في قيدية او امر له أو سببيته ، حتى بناءاً على الوضع للصحيح وذلك استناداً للاطلاق المقامي لا اللفظي، وعدم صحته على القول بان البيع موضوع للايجاب و القبول لانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية حينئدٍ.
وتوضيحه: ان لفظ البيع لو كان موضوعاً للمسبب وهو النقل الخاص[4] (اي تمليك عين بمال او مبادلة مال بمال) فان (احل الله البيع) يفيد جواز ونفوذ – تكليفاً ووضعاً – كل تمليكِ عينٍ بمال، وحيث لم يذكر الشارع العربية مثلاً كشرط في اسبابه (اي اسباب البيع بمعنى النقل)[5] دلّ ذلك على عدم اعتباره العربية شرطاً لانه كان في مقام القاء الحكم للعباد للعمل به فلو كان هناك قيد –كالعربية والماضوية فرضاً - في المسبِّب الموجب لحكمه الذي شرّعه، لكان عليه ان يذكره وحيث لم يذكره دل على انه لايعتبره.
وسيأتي تفصيلٌ لذلك والاخذ والرد فيه.
هذا كله على القول بالصحيح اي بوضع الفاظ المعاملات للصحيح منها ، واما على الاعم فانه يصح التمسك بالاطلاق اللفظي في صوره الشك في شرط او قيد مطلقاً لصدق العقد والايجاب والقبول على الفاسد ايضاً على هذا المبنى.
وللحديث صلة وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
==========================================
الاثنين 22 ذي القعدة 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |