340- 3ـ ولاتشمل غير ذوي الاديان 4ـ ولاتشمل ماعلم من الشرع كراهة 5ـ ولا المحرمات الالهية الذاتية 6ـ ولا ماينتهك حق الغير المحترم ـ النتيجة: التفصيل بين نوعي النميمة ـ استعراض موجز لادلة قاعدة الالزام مع تطبيقها على المقام
الاثنين 6 شعبان 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(43)
قاعدة الإلزام غير شاملة للذين دانوا بالأحكام الوضعية
سبق – في قاعدة الإلزام – التمثيل للأحكام الوضعية التي لم تشرعها الأديان ولم تنشأها، ببعض القوانين الوضعية الحالية التي تمنع الزواج بمن كانت دون الثامنة عشرة إذ يرونها باطلة وضعاً ومحرمة قانوناً إذ يعاقب عليها، وعكسه ما لو نكحها نكاحاً صحيحاً بحسب القانون الوضعي ولم يكن صحيحاً عندنا ولا في دينهم إن كان لهم دين أو مطلقاً([1]).
فان قانون الإلزام والإمضاء لا يشمل مثل ذلك فليس نكاحه ملزماً لنا حسب المشهور.
وفي المقام: لو كانت النميمة حسب قانونهم الوضعي جائزة عندهم سواء أكان لهم دين لم يجوزها أم لم يكن لهم دين، فان قاعدتي الإلزام والإمضاء لا تشملان – والحال هذه - النميمة فلا وجه لتجويزها من هذا الباب ولا بد لتجويزها من التماس وجه آخر([2]).
وغير شاملة للملاحدة وغير ذوي الأديان
الرابعة: ان قاعدة الإلزام خاصة بذوي الدين، لقوله (عليه السلام) ((يَجُوزُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ ذِي دِينٍ بِمَا يَسْتَحِلُّونَ))([3]) و((مَنْ كَانَ يَدِينُ بِدِينِ قَوْمٍ لَزِمَتْهُ أَحْكَامُهُمْ))([4]) وشبه ذلك، فلا تشمل غيرهم، والفرع السابق هو من صغريات هذا الفرع.
هذا على المشهور، واما السيد الوالد فقد ذهب إلى تعميم قاعدة الإلزام لكل قوم يلتزمون بمبتنى كقانون لهم وإن لم يكن دينا لهم لقوله (عليه السلام) في خصوص النكاح ((لِكُلِّ قَوْمٍ نِكَاح))([5]) و((مَنْ كَانَ يَدِينُ بِدِينِ قَوْمٍ لَزِمَتْهُ أَحْكَامُهُمْ)) فتأمل وللملاك الذي استفاده. فلو تزوجها الملحد أو الشيوعي أو العلماني (المعادي للدين أو اللابشرط عن الأديان فان العلمانيين على قسمين) على حسب ما يرتأون فان قانون الإلزام بنظره (قدس سره) يشملها فهي زوجة تترتب عليها أحكامها فليس لنا الزواج بها.. الخ
اما المشهور المنصور فهو اختصاص القاعدتين (الإلزام والإمضاء) بذوي الأديان.
ولا تجري في موارد أخرى
كما لا تجري قاعدة الإلزام في الموارد الثلاثة التي استثنيناها من قاعدة الاعتداء بالمثل، وهي:
أ- ما علم من الشرع كراهة وجوده، كالسحر فانه لا يجوز سحر الطرف الآخر وإن التزم بجواز السحر؛ استناداً إلى ان دينه جوّزه له، وعلى هذا فالنميمة قسمان: ما أوجب صِرف الكدورة والوحشة فتشملها قاعدة الإلزام إذ لم يعلم من الشرع كراهة وجودها مطلق، وما أوجب سفك الدماء المحترمة وهتك الأعراض المصونة والاعتداء على الأموال المحترمة فان قانون الإلزام لا يسوّغها.
ب- ما كان فيه حق الغير، فان التزامه بجواز النميمة عليه مثلاً لا يجوّز النميمة عليه إذا كانت متعلقة به وبطرف آخر لا يرى جوازها وإن كان من دين آخر.
ج- ما كان محرماً ذاتياً، كالزنا واللواط، فان التزامه بجوازهما حسب دينه فرضاً أو مطلقاً على الرأي الآخر، لا يجوّز فعلها للمسلم كما هو بديهي.
اما النميمة فعلى قسمين كما سبق: ما أوجب وحشة وكدورة فانه ليس بحرام ذاتاً وما استلزم سفك الدماء المحترمة وهتك الأعراض المصونة والأموال المحترمة فانها بين محرمات ذاتية كالأولين ومحرم علم انصراف النميمة عنه كالثالث، فيحرم المؤدي لها.
الموجز عن أدلة قاعدة الإلزام وتطبيقها على المقام
ولنستعرض في نهاية هذا البحث بشكل مقتضب موجز الآيات والروايات التي استدل بها على قاعدة الإلزام أو الإمضاء مع تطبيقها على ما مضى من الفروع والأحكام.
اما الآيات: فقد مضى في قاعدة الإلزام البحث مفصلاً عن دلالة قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) على قاعدتي الإمضاء والإلزام ومضى البحث عن محتملات المراد بالآية الكريمة وانها إخبار عن حقيقة خارجية، أو هي في مقام الإنشاء لحكم وضعي أو غير ذلك كما جرى البحث عن آية (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ)([6]) وكون قاعدتي الإمضاء والإلزام من مصاديقها وعدمه، فليراجع.
واما الروايات:
1- (فقد سئل أبو الحسَنِ (عليه السلام) عَنِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ أَ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ أَلْزِمُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَلْزَمُوهُ أَنْفُسَهُمْ وَ تَزَوَّجُوهُنَّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ([7]))))([8])
وقد يخدِش في الاستدلال بها تضمُّنها اسم الإشارة (ذلك) المشار به إلى الطلاق على غير سنة فلا تعمّ سائر الأبواب كالنميمة.
وقد يجاب بان ظاهرها التعليل بكبرى ارتكازية بل يكفي ظهورها في التعليل بكبرى شرعية، فتكون (ذلك) لمجرد الإشارة للمورد لا لتضييق دائرة الكبرى وحصرها في المشار إليه، وتفصيل الأخذ والرد مضى في (قاعدة الإلزام).
2- (جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ تَزْوِيجِ الْمُطَلَّقَاتِ ثَلَاثاً؟ فَقَالَ لِي: إِنَّ طَلَاقَكُمْ لَا يُحِلُّ لِغَيْرِكُمْ، وَطَلَاقَهُمْ يُحِلُّ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ الثَّلَاثَ شَيْئاً وَهُمْ يُوجِبُونَهَا))([9]))
ووجه الاستدلال: ان العلة معمِّمة ومخصّصة وظاهره (عليه السلام) ان عدم رؤيتنا أمراً ورؤيتهم أمراً هو الملاك للحكم بثبوت الطلاق وعدم ثبوته كحكم واقعي ثانوني أو كحكم ظاهري (وقد مضى تحقيقه في قاعدة الإلزام) وهذه العلة (انهم يوجبونها ونحن لا نراها) سيالة في كل ما رأوه ودانوا به ومنه النميمة.
وقد يجاب: باحتمال مدخلية خصوصية المورد فتكون علة الإلزام هي مجموع (انهم يوجبونها) زائداً خصوصية خاصة في مورد الطلاق، وبان الأصل في علل الشارع أي ما يبدو منها انها علة انها حِكَم، وقد فصلنا البحث عن كلا الأمرين في أبحاثنا الماضية فراجع([10]).
هذا ثبوتاً واما إثباتاً فبعد ملاحظة كل ما ذكرناه هناك فانه منوط بالظهور العرفي([11]). وللبحث تتمة
فائدة:
خطوات ومراحل عملية الاستنباط والاجتهاد
حيث سأل بعض الأفاضل عن الخطوات التي اتبعناها في عملية الاستنباط أثناء بحث قانون الاعتداء كقاعدة فقهية ثم تطبيقها على المقام، إذ لم يبحثها الأصوليون والفقهاء وأرباب الكتب في القواعد الفقهية، فما هي الآليات التي أتبعت والتي ينبغي اتباعها للتعرف على هذه القاعدة وحدودها([12]) ولتطبيقها من ثمَّ على النميمة، فلا بأس بان نشير لذلك إجمالاً:
أ- البحث في التفاسير المعتبرة كالتبيان والصافي وغيرهما، عن أي تفسير أو تعليق لهم بما ينفع في معرفة الحدود الشرعية لقاعدة الاعتداء، في ضمن آيتي ( فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) و(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) ولكن لم نجد ما يفي بالغرض فيما راجعناه منها.
ب- البحث في كتب القواعد الفقهية.
ج- البحث في كتب الأصول، ولم نجد بحثاً وافياً عن القاعدة في كتب هذين العلمين وإن كانت هناك إشارات نقلنا بعضها.
د- البحث في كامل موسوعتي الجواهر والفقه وبعض الكتب الأخرى عن الموارد التي استدل بها الفقهاء بقاعدة الاعتداء، فوجدناها معدودة([13]) ولم نجد في الموسوعتين إلا إشارات عن القاعدة دون أخذ ورد وبحث عن حدودها العامة إلا بعض الإشارات.
هـ- التفكير في تصنيف المسائل الشرعية التي أُستدل بقانون الاعتداء عليها أو ردّ، فوصلنا إلى الأصناف الستة الآنفة الذكر، فكان المنطلق إذاً هو البرهان الإنّي حيث انطلقنا من الأحكام الشرعية المفتى بها والمستدل فيها بالقاعدة أو المناقش في الاستناد إليها لاكتشاف بعض ضوابطها ثم البحث عن عناوين وأصناف وأطر يمكن ان تدرج فيها كل مجموعة من الأحكام ثم البحث عن أدلة لفظية أو غيرها مما قد يستدل به على صحة ذلك التصنيف أو الاطلاق في بعض الأصناف.
و- البحث عن قوانين أصولية يستنبط منها الحكم فوصلنا مثلاً إلى مبحث العام الفوقاني والتحتاني والمخصص، وإلى الفارق بين كون المخصص منفصلاً أو متصلاً معنوِناً أو لا.
ز- ثم تطبيق محصّلة ذلك كله على النميمة فكانت النتيجة التفصيل بما عرفت، والله الهادي العاصم.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
=======================
الاثنين 6 شعبان 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |