505- تتمة المناقشات : ـ كون ملاك الحجية صِرف الاقربية ، مجمل والا فمحتمل ـ معنيان لقولهم ( طرق الاطاعة عقلائية ) وهي كذلك في اصلها لا حدودها ـ هل مسألة دية اصابع المرأة من القياس ؟
الاحد 2 جمادي الاول 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(29)
والذي يدل على ان مراد (الفقه) هو الأقرب الشارعي والحقيقة الشرعية في الحجج وان مقصوده ان الشارع قد تصرف في مرحلة الثبوت وانه اعتبر الحجة - أي المنجّز والمعذِّر واللازم الاتباع – خصوص المركب من جهتي الطريقية والمزاحمات من المصالح السلوكية وفي المتعلقات، قوله: (واما الكبرى: فلأنا لا نسلم ان المعيار في باب الحجية...) إذ ظاهره المعيار الثبوتي – وهو الذي عبرنا عنه بالأقرب الشارعي – لا عالم الإثبات – الذي عبرنا عنه بالأقرب بنظر الشارع – وقوله (لاحتمال ملاحظة الشارع جهة لا تصل إليها عقولنا) وظاهره ملاحظته جهة أخرى مزاحمة لجهة الطريقية وما هي إلا المصالح الأخرى السلوكية أو في المتعلقات التي تزاحم جهة الاقربية للواقع، ويؤكده تمثيله بالقياس فان الملاكات حيث جهلناها لم نعلم وجهَ عودةِ ديةِ أصابع المرأة من المساواة إلى النصف إذا بلغت ثلث دية الرجل، وهذا هو الظاهر منه لا انه – القياس - ليس أقرب للواقع المحض لجهة طريقية خفيت علينا. فتدبر
رابعاً: الحجج الشارعية مجملة وإلا فمحتملة
ولنا في الجواب عن الإشكال الثالث لبيان الفقه على إشكال الفقه على الاقربية – وهو الإشكال السادس – بترتيبنا - على الدليل الثاني من أدلة تعين تقليد الأعلم وهو كونه أقرب للواقع وكل أقرب للواقع يتعين الأخذ به – ان نقول: ان الحجج التي أسسها الشارع والتي أمضاها، مجملة من حيث كون تمام ملاكها الطريقية أو كونها المقتضي للحجية واما تمام الملاك فالطريقية مع مجموع الجهات الموضوعية والمصالح الأخرى المزاحمة كما سبق بيانه، وذلك لكثرة الحجج التي أخرجها الشارع عن تمحضها في الطريقية (كفتوى المجتهد المشترط في حجيته ان يكون طاهر المولد، ذكراً، حرّاً وحياً... الخ وكلها جهات موضوعية لا ترتبط بالطريقية إذ قد يكون الأعلم القطعي امرأة أو فاسقاً ومع انه أقرب قطعاً يحرم تقليده) فيكون حالها كما لو كثر استعمال لفظ في المجاز بحيث يكون مجملاً فان زاد أكثر بلغ حد النقل التعيني.
سلمنا، انها ليست مجملة وان حالها ليس أسوأ من الظواهر من أوامر ونواهي وغيرها مما كثر تخصيصها وتقييدها ومع ذلك لم يجعلها ذلك مجملة بل بقيت ظواهر وحججاً، لكنها وإن لم تكن مجملة فهي محتملة أي من المحتمل ان تكون هذه الحجة قد تصرف فيها الشارع بإضافة جهة موضوعية مزاحمة، ومع وجود هذا الاحتمال يلزم الفحص في (الأدلة على الحجج) وان هذه الحجة هل تصرف فيها أم لا فيكون حالها حال الظواهر التي وإن لم نقل بكونها مجملة لكنه حيث احتمل تقييدها أو تخصيصها أو إرادة المجاز منها لزم الفحص عن ذلك كله لكثرة اعتماد الشارع في ذلك كله على القرائن المنفصلة، ووجوب الفحص هو المطلوب إذ مربط الفرس وبيت القصيد كان إثبات ان الأقربية للواقع ليست هي تمام الملاك عقلاً لتعين الأخذ بقول الأعلم بل هي المقتضي فلا يصح التمسك بهذا البرهان – كبرهان عقلي – على تعيّن الأخذ بقول الأعلم مطلقاً، بل لا بد من الرجوع للأدلة النقلية لنرى ما إذا قيدّت ومنعت وذكرت جهات موضوعية أم لا فعاد المرجع الأدلة النقلية وهي ما سنبحثه لاحقاً بإذن الله تعالى فلم يكن الدليل العقلي – الاقربية – بما هو وافيا بالمدَّعى. فتدبر جيداً
خامساً: طرق الإطاعة والمعصية عقلائية في أصلها لا في حدها
سبق قوله دام ظله (لانّ طرق الاطاعة والمعصية عقلائية إلاّ ما وسّع الشارع أو ضيّق)([1])
أقول: المحتمل في معنى (طرق الاطاعة والمعصية) أمران:
أ- الحجج على الأحكام والطرق إليها أي الكواشف عن الأحكام([2]) ولعل هذا هو ظاهر مقصودهم.
ب- طرق الاطاعة والامتثال أي كيفية امتثال متعلقات الأحكام.
والفرق كبير وواضح، والأول مثل: خبر الثقة وقول المفتي والبينة.. الخ.
والثاني: مثل كيفية امتثال الطواف عند قول الشارع (طف حول الكعبة) أو كيفية امتثال الركوع والسجود أو الجهاد وإعداد القوة... الخ
وهنا نقول: ان كون طرق الاطاعة والمعصية – بكلا محتمليها – عقلائية – يراد به([3]) انها عقلائية في أصلها لا في حدها، إذ ندر ان يتصرف الشارع في أصلها بجعل ما يراه العقلاء حجةً لا حجة كالقياس مثلاً، أو العكس([4]).
اما تصرفه في حدها فكثير جداً: اما في الحجج على الأحكام والموضوعات فقد سبقت أمثلته، واما في كيفية الامتثال فلما نلاحظه من كثرة تصرفاته في الكيفية ككون البيت على يسار الطائف وعدم دخول حتى بعض يده في الشاذروان وكون كل طوافه اختيارياً فلو دفع بحيث فقد الاختيار بطل ذلك المقدار... الخ وهكذا في الركوع من كونه مع الاستقرار وعن قيام متصل بالركوع... الخ
ومحصّل ذلك كله ان كيفية الامتثال كالحجج على الأحكام مجملة وإلا فمحتملة فلا يصح أخذها من العقلاء والعرف إلّا بعد الرجوع إلى الشارع والفحص وهذا هو المراد بأنها عقلائية في أصلها لا في حدها([5]). فتأمل
سادساً: قضية دية أصابع المرأة من القياس
ثم ان ظاهر بعض الصحاح هو ان مسألة أصابع المرأة هي من القياس بل صريحها ذلك ففي صحيحة ابان بن تغلب ((قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَطَعَ إِصْبَعاً مِنْ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ كَمْ فِيهَا قَالَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ قُلْتُ قَطَعَ اثْنَيْنِ قَالَ عِشْرُونَ قُلْتُ قَطَعَ ثَلَاثاً قَالَ ثَلَاثُونَ قُلْتُ قَطَعَ أَرْبَعاً قَالَ عِشْرُونَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ يَقْطَعُ ثَلَاثاً فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ وَيَقْطَعُ أَرْبَعاً فَيَكُونُ عَلَيْهِ عِشْرُونَ إِنَ هَذَا كَانَ يَبْلُغُنَا وَنَحْنُ بِالْعِرَاقِ فَنَبْرَأُ مِمَّنْ قَالَهُ وَنَقُولُ الَّذِي جَاءَ بِهِ شَيْطَانٌ فَقَالَ مَهْلًا يَا أَبَانُ هَكَذَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقَابِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فَإِذَا بَلَغَتِ الثُّلُثَ رَجَعَتْ إِلَى النِّصْفِ يَا أَبَانُ إِنَّكَ أَخَذْتَنِي بِالْقِيَاسِ وَالسُّنَّةُ إِذَا قِيسَتْ مُحِقَ الدِّينُ))([6]). فهي صريحة في ان هذا قياس.
ولكن كيف يجاب عن ما ذكره بيان الفقه بقوله: (هذا مضافاً إلى ما ذكره بعضهم: من أنّ مورد مسألة ديّة أصابع المرأة، من المصاديق الظاهرة للظهور العقلائي الحجّة لولا نهي الشارع، نظير التعدّي من الاثنين إلى الثلاثة في: ((يهريقهما ويتيمّم)) و((يصلّي فيهما جميعاً)) و((يرمي بها جميعاً)) وليس قياساً، بل فهم عدم خصوصية الاثنين وإنّما الملاك المحصورية، وكذا التعدّي من الاربعة إلى الاثنين في اشتباه القبلة، وكذا التعدّي إلى سائر شروط الصلاة مثل أن لا يكون اللباس حريراً خالصاً ونحوه، والله أعلم)([7])
سيأتي الجواب غداً بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
(الحكمة):
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام )، قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ بُغَاةَ([8]) الْعِلْمِ)) (الكافي: (ط – الحديث) ج1 ص72)
([1]) بيان الفقه ج2 ص27.
([2]) أي الطرق التي لو عملت على طبقها كنت مطيعاً وإلا كنت عاصياً.
([3]) أي ينبغي ان يراد به هذا، وانه الصحيح لا غيره.
([4]) سبق مثاله.
([5]) أي مرجع حدّها إلى الشارع أولاً فلو فحصنا وأحرزنا سكوته فعندئذ يكون المرجع العقلاء.
([6]) الكافي (ط - الإسلامية)، ج7، ص: 300
([7]) بيان الفقه ج2 ص27.
([8]) «البغاة»: جمع الباغي بمعنى الطالب، تقول: بغيت الشيء إذا طلبته. انظر: الصحاح، ج 6، ص 2282 (بغي).
الاحد 2 جمادي الاول 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |