503- المناقشة 5 : الملاك الاقربية بنظر الشارع لا الاقربية بنظرنا اشكالات اربعة على هذه الدعوى
الاربعاء 28 ربيع الثاني 1436 هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(27)
جواب (سادس): الاقربية بنظر الشارع هي الملاك
وقد أجاب السيد الوالد عن الدليل الثاني وهو: (رأي الأعلم أقرب للواقع وكلما كان أقرب تعين الأخذ به عقلاً) بقوله (واما الكبرى: فلأنا لا نسلم أن المعيار في باب الحجية هو الأقربية في نظرنا بل اللازم المراجعة إلى الأدلة، فإنها قد تعين ما هو أبعد بنظرنا لاحتمال ملاحظة الشارع جهة لا تصل إليها عقولنا، كما ترى ذلك جلياً في تعارض الخبر والقياس في مسألة قطع أصابع المرأة، فإن القياس وإن كان أقرب في هذا المقام بل هو مظنون بظن قريب من العلم، ومفاد الخبر موهوم غاية الضعف، ومع ذلك فقد قدم الشارع الخبر على القياس)([1]).
وبعبارة أخرى: الاقربية أقربيتان: أقربية بنظرنا وأقربية بنظر الشارع، والملاك هو الاقربية للواقع بنظر الشارع لأنه العالم المحيط بالجهات دون الاقربية بنظرنا إذ لا نحيط بالجهات وقد نخطئ بتوهم ما هو أقرب أبعد أو ما هو أبعد أقرب، وتدل على ذلك قضية دية أصابع المرأة.
ونضيف: ان النسبة بين من وجه بين الاقربيتين: اما ما هو أقرب بنظرنا دون الشارع فمثل القياس، واما ما هو أقرب بنظر الشارع دوننا – لا بما نحن متعبدون به بل مع قطع النظر عنه – فكاليد والسوق في بعض صورها([2]) كما فصلناه في موضع آخر، وكالاستصحاب في صورة الشك في المقتضي على القول بشمول الأدلة النقلية له وجريانه فيه – على خلاف الشيخ – فتأمل
وبعبارة أخرى (الأقرب) موهِم، فهل يراد به الاقرب بنظرنا لكن نظرنا ليس بحجة، أو الاقرب بنظر الشارع لكنه لا سبيل لنا إليه إلا الأدلة عليها فلا بد من مراجعة كل دليل دليل على حدة.
ولكن أشكل السيد العم على ذلك بإشكالات أربعة:
الأجوبة: 1- الإشكال صغروي وليس كبروياً
الأول: وهو فني – بقوله (وربما يورد عليه أوّلاً: أنّ هذا تسليم لاصل الكبرى ومناقشة في تشخيصها، فيكون ـ بالنتيجة ـ مناقشة في الصغرى، إذ مفاده: أنّ الاقربية إنّما هي بنظر الشارع، ومن أين نعلم أنّ قول الاعلم أقرب إلى الواقع؟
ويؤيّد ذلك: التنظير بتعارض الخبر والقياس.
فلقائل أن يقول: نحن شخّصنا أنّ قول الاعلم أقرب إلى الواقع بنظر الشارع ـ كما هو ظاهر كلماتهم على اختلافها المبنية على التنجيز والاعذار ـ.
والحاصل: أنّ الكبرى تنتفي بمنع الصغرى من باب السالبة بانتفاء الموضوع، ومعنى منع الكبرى: كونها من قبيل السالبة بانتفاء المحمول)([3])
2- السلب الجزئي لا يستلزم الكلي
الثاني: ما ذكره بقوله: (وثانياً: أنّ سلب الشارع الاقربية في مورد ـ كتعارض الخبر والقياس في مسألة قطع أصابع المرأة ـ لا يكون دليلاً على عدم لزوم العمل بالاقرب إذا أُحرزت الاقربية في مورد آخر)([4])
وبعبارة أخرى: ان السالبة الجزئية لا يصح ان تعدّ دليلاً على السالبة الكلية إذ السلب الجزئي لا يستلزم السلب الكلي، وقد سلب الشارع الاقربية والحجية عن خصوص القياس فلا يدل ذلك على سلبه الاقربية والحجية عن غيره إذا احرزت اقربيته (كالأعلم).
3- الاقربية بنظرنا مرآة للاقربية بنظر الشارع
الثالث: ما ذكره بقوله الآتي، وإن كان ظاهره كونه من تتمة الإشكال الثاني: (والحاصل: أنّه لو سُلّم أنّ الملاك إنّما هو الاقربية إلى الواقع بحيث انصرف الامر والنهي إليه لبّاً وواقعاً، ولم يكن لنا طريق إلى الكشف عن الاقربية عند الشارع إلاّ نظرنا نحن ـ كما هو كذلك ـ كان نظرنا مرآة لنظر الشارع، نظير ما يقال في الظواهر: من أنّ الظهور يكشف ـ بنظرنا ـ أنّ الشارع أراد كذا، فيكون نظرنا مرآة وكاشفاً لنظر الشارع، لانّ طرق الاطاعة والمعصية عقلائية إلاّ ما وسّع الشارع أو ضيّق)([5])
وبعبارة أخرى: انه وإن كانت الاقربية أقربيتين ثبوتا: (الاقربية بنظر الشارع والاقربية بنظرنا) إلا ان الاقربية بنظرنا في عالم الإثبات هي المرآة للاقربية بنظر الشارع وهي الكاشفة عنها فلا يرفع اليد عنها إلا بدليل على الخلاف.
4- قضية أصابع المرأة ليست من القياس
الرابع: ما ذكره بقوله (هذا مضافاً إلى ما ذكره بعضهم: من أنّ مورد مسألة ديّة أصابع المرأة، من المصاديق الظاهرة للظهور العقلائي الحجّة لولا نهي الشارع، نظير التعدّي من الاثنين إلى الثلاثة في: ((يهريقهما ويتيمّم))([6]) و((يصلّي فيهما جميعاً))([7]) و((يرمي بها جميعاً))([8]) وليس قياساً، بل فهم عدم خصوصية الاثنين وإنّما الملاك المحصورية، وكذا التعدّي من الاربعة إلى الاثنين في اشتباه القبلة، وكذا التعدّي إلى سائر شروط الصلاة مثل أن لا يكون اللباس حريراً خالصاً ونحوه، والله أعلم)([9])
وبعبارة أخرى: ان قضية دية أصابع المرأة ليست من القياس موضوعاً بل هي من المصاديق الظاهرة للظهور العقلائي المنطقي إذ التسلسل المنطقي هي ان الأصبع الواحدة إذا كانت ديتها عشرة من الابل والاثنتان عشرتان والثلاثة ثلاث عشرات فالتصاعد المنطقي يقتضي ان تكون دية الأربعة أربع عشرات (أي أربعون إبلاً)، فهي كمفهوم الموافقة القطعي في مثل قوله تعالى: P فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّO الدال على حرمة ضربهما بالأولوية القطعية.
أقول: لكن المشكلة هي ان الروايات اعتبرت ذلك من القياس فكيف الجواب؟
سيأتي في البحث القادم بإذن الله تعالى بحث هذه المناقشات الأربع وتحقيق الحال في المسألة فانتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
(الحكمة):
عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ( عليهم السلام ) قَالَ: ((إِذَا ظُلِمَ الرَّجُلُ فَظَلَّ يَدْعُو عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ هَاهُنَا آخَرَ يَدْعُو عَلَيْكَ يَزْعُمُ أَنَّكَ ظَلَمْتَهُ فَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ وَ أَجَبْتُ عَلَيْكَ وَ إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُكُمَا فَيَسَعُكُمَا عَفْوِي)) (وسائل الشيعة: ج7 ص146).
([1]) الفقه ج1 الاجتهاد والتقليد ص121.
([2]) كما لو كثرت السرقات أو كثر اللحم الحرام في سوق المسلمين فانه عرفاً لا امارية لليد أو السوق عندئذٍ على كونه مملوكاً أو حلالاً لكن الشارع اعتبرها امارة. فتأمل إذ قد يفصل بين مراتب ذلك كما أوضحناه في بعض الأبحاث السابقة.
([3]) بيان الفقه ج2 ص26.
([4]) بيان الفقه ج2 ص26-27.
([5]) بيان الفقه ج2 ص27.
([6]) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليهم السلام ) عَنْ جَرَّةٍ وُجِدَ فِيهَا خُنْفَسَاءُ قَدْ مَاتَ قَالَ أَلْقِهِ وَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَقْرَباً فَأَرِقِ الْمَاءَ وَتَوَضَّأْ مِنْ مَاءٍ غَيْرِهِ وَعَنْ رَجُلٍ مَعَهُ إِنَاءَانِ فِيهِمَا مَاءٌ وَقَعَ فِي أَحَدِهِمَا قَذَرٌ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ وَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى مَاءٍ غَيْرِهِ قَالَ يُهَرِيقُهُمَا وَ يَتَيَمَّمُ)) (تهذيب الأحكام: ج1 ص229).
([7]) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ( عليهم السلام ) قَالَ: ((كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا بَوْلٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا هُوَ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَخَافَ فَوْتَهَا وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يُصَلِّي فِيهِمَا جَمِيعاً)) (تهذيب الأحكام: ج2 ص225). أقول: أي في كل منهما منفصلاً في هذا مرة وفي هذا مرة.
([8]) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ ( عليهم السلام ): ((أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَاةٍ مَسْلُوخَةٍ وَ أُخْرَى مَذْبُوحَةٍ عُمِّيَ عَلَى الرَّاعِي أَوْ عَلَى صَاحِبِهَا فَلَا يَدْرِي الذَّكِيَّةَ مِنَ الْمَيْتَةِ قَالَ يَرْمِي بِهَا جَمِيعاً إِلَى الْكِلَاب)) (مستدرك الوسائل: ج13 ص73).
([9]) بيان الفقه ج2 ص27.
الاربعاء 28 ربيع الثاني 1436 هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |