272- تمة موجز النقاش في الاستدلال بالايات على حرمة اللهو ـ مسألة اخرى : ( اللعب ) ـ الاقوال الاربعة في النسبة بين اللعب واللهو ـ احتمال انهما كالفقير والمسكين
الاحد 12 ربيع الأول 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(34)
تتمة مناقشة الاستدلال بالآيات على حرمة اللهو
قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)([1])
والجواب: انه يرد أيضاً على الاستدلال بهذه الآية الكريمة على حرمة مطلق اللهو، بان غاية ما تفيده هو الذم ولا ملازمة بين الذم والحرمة، بل الملازمة إنما هي بين الحرمتين أو بين الذمين حسب قاعدة الملازمة بطرفيها([2]) ولا ملازمة بين الذم الشرعي والحرمة العقلية أو الشرعية ولا بين الذم العقلي والحرمة الشرعية أو العقلية، كما فصلناه في رسالة في قاعدة الملازمة بين حكمي الشرع والعقل.
قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)([3])
والجواب: ان الآية لا تدل إلا على حرمة ما كان للاضلال عن سبيل الله، فيكون ما كان كذلك حراما سواء أكان لهواً أم كان جداً، واما ما لم يكن للاضلال كاللهو في حد ذاته مما لم يقع مقدمة للاضلال عن سبيل الله ولا كان مقارناً للحرام([4]) فلا تدل الآية على حرمته.
قوله تعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)([5])
والجواب: ان غاية ما تدل عليه الآية مدحهم على هذه الصفة فيكون الالتهاء باللهو أو بالتجارة عن ذكر الله مكروها واما الالتهاء عن ذكر الله الواجب فمحرم سواء بلهو أم غيره فلا يفيد حرمة عنوان اللهو بذاته.
إضافة إلى استظهار ان (تلهيهم) هنا هي من مادة اللهي لا اللهو.
قوله تعالى: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ)([6])
والجواب: انها لا تدل أكثر من عدم كون اللهو من شأنه تعالى([7]) وأين هذا من الدلالة على حرمة اللهو على العِباد؟
قوله (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا...)([8])
والجواب: ان الظاهر ان الذم والتحريم والعقوبة مصبّها الاعراض عن ذكر الله المراد به الانكار، بقرينة السياق وشأن النزول وقوله تعالى: (مُعْرِضُونَ) و(وَالَّذِينَ ظَلَمُوا) وغيرها، لا مطلق لهو القلب وان تجرد عن الانكار والاستخفاف وطرح ما ذُكِّروا به.
قوله تعالى: (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ)([9])
والجواب: انها لا تدل على حرمة أكثر من إلهاء التكاثر عن الواجبات إضافة إلى استظهار انها مأخوذة من مادة اللهي لا اللهو.
مسألة: حرمة اللعب وعدمها
ثم انه سواء أقلنا بحرمة اللهو بقول مطلق، أم قلنا بحرمة ما كان عن شهوة جنسية، ام قلنا بحرمة ما كان عن بَطَرٍ – كما ذهب إليه الشيخ – أم قلنا بجوازه إلا ما حرمه الشارع بعنوانه كالغناء والشطرنج ونظائرهما، فانه لا بد من البحث عن حرمة اللعب وعدمه فنقول:
الأقوال الأربعة في النسبة بين اللهو واللعب
الاحتمالات بل الأقوال في النسبة بين اللهو واللعب، أربعة:
القول الأول: ما ذهب إليه السيد الوالد من ترادفهما قال: (ولا يبعد – كما يفهم من العرف وللإنصراف – أن يكون الكل بمعنى واحد، فيقال: اللهو باعتبار انه يلهي الإنسان عن الجديات([10])، ويكون لعباً لا حقيقة([11])، ولغواً غير داخل في مقاصد الإنسان في الحياة.
ولذا قال سبحانه: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ )حيث انها في مقابل الآخرة التي هي حقيقة ولا تلهي الإنسان، ليست إلا هذين، نعم ما كان من الله كالخلق أو إلى الله كالأعمال الصالحة فهو مستثنى بالشرع والعقل)([12]) وقد يناقش بان التساوي غير الترادف وما ذكره أدل على التباين المفهومي وان تساويا مصداقاً فتأمل إذ قد ينقض بالحائط والجدار وبان وجود الوجهين لا ينفي الترادف كالإنسان والبشر فتأمل. ولتحقيق كبرى ذلك محل آخر.
وعلى هذا فلا حاجة لعقد مسألة جديدة للّعب، غاية الأمر إضافة بعض ما ورد فيه لفظ اللعب من الآيات والروايات إلى أدلة الجواز أو التحريم.
القول الثاني: ان اللعب مباين للهو، وهو ما ذهب إليه المحقق الايرواني حيث ذهب إلى ان اللهو من أفعال الجوانح واللعب من أفعال الجوارح وقد سبق (قال الشيخ الايرواني ((فاللهو فعل النفس واشتغالها باللذائذ الشهوية بلا قصد غاية وإن كانت الغاية حاصلة سواء أصدرت حركة جوارحية من الشخص أو لا كما في استماع آلات الأغاني قال تعالى: (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) )) وحاصل كلامه بعبارة أخرى يتألف من بنود وهي ان قوام اللهو بأمور: أ- ان اللهو قائم بالنفس لا بالجوارح ب- وانه خاص باللذائذ الشهوية لا مطلقاً ج- وانه يشترط فيه ان لا تكون له غاية وإلا لم يكن لهواً)([13]) وعليه، فلا بد من عقد مسألة جديدة للعب.
القول الثالث: ان اللعب أعم مطلقاً من اللهو، وهو ما ذهب إليه صاحب (الفروق اللغوية)([14]) ولعله ظاهر الشيخ في آخر المسألة أيضاً.
القول الرابع: هو ان النسبة بينهما هي من وجه، وهو ما استظهرناه وان ذيلناه بـ(فتأمل) وذلك لوجود مادة الافتراق من الطرفين:
اما مادة افتراق اللهو عن اللعب، فكالرقص فانه لهو قطعاً ولا يسمى لعبا وكذلك الغناء وكذا مشاهدة الأفلام غير الأخلاقية بل وكذا الصفير والتصفيق مطلقاً أو في الجملة قال تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)([15])
واما مادة افتراق اللعب عن اللهو، فكاللعب بكرة القدم أو الطائرة أو السلّة لأجل الرياضة أو لأجل الحصول على مالٍ أو شبه ذلك([16]) فانه لعب وليس بلهو، هذا إن لم نقل بان مطلق اللعب بأمثال الكرة لعب وليس لهواً لكنه ضعيف. فتأمل
وعلى هذه الأقوال الثلاثة، فانه لا بد من عقد مسألة جديدة وبحث ان اللعب حرام مطلقاً أو لا مطلقاً أو بالتفصيل.
رأي الشيخ في النسبة بينهما
وقد نفى الشيخ الترادف استناداً إلى ظاهر التعاطف في القرآن الكريم فان الأصل في العطف انه من عطف المباين على المباين.
ثم احتمل انهما من قبيل المسكين والفقير قال (ولعلهما من قبيل الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، ولعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال الغير المنبعثة عن القوى الشهوية واللهو ما تلتذ به النفس وينبعث عن القوى الشهوية)([17])
وظاهر كلامه انه يرى النسبة العموم والخصوص المطلق. أقول: ولعل ما ذكره من انهما إذا اجتمعا افترقا وبالعكس هو السبب في توهمهما مترادفين تارة ومتباينين أخرى. فتأمل والله العالم وللحديث صلة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) الجمعة: 11.
([2]) ما حكم به العقل حكم به الشرع وما حكم به الشرع حكم به العقل.
([3]) لقمان: 6.
([4]) ولا وقع بعنوانه مورداً للتحريم كالشطرنج.
([5]) النور: 37.
([6]) الأنبياء: 17.
([7]) بل حتى لو دلت على استحالته الوقوعية.
([8]) الأنبياء: 1-3.
([9]) التكاثر: 1.
([10]) ومبنى كلامه ( قدس سره )، كالآخرين على عدم التفريق بين مادتي اللهو واللهي، وقد سبقت مناقشة ذلك.
([11]) لعل اللعب يقع في مقابله الجد، لا الحقيقة اما الحقيقة ففي مقابلها المجاز والسراب. فتأمل
([12]) الفقه: المكاسب المحرمة ج2 ص60.
([13]) الدرس 241 (3).
([14]) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري الرقم 1885.
([15]) الأنفال: 35.
([16]) كشغْل الشباب بأمثالها كي لا ينصرفوا إلى المحرمات.
([17]) المكاسب المحرمة ج2 ص48.
الاحد 12 ربيع الأول 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |