بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(53)
خلاصة المدعى وأدلته ببيان آخر
سبق ان استعمال العام في الخاص هو بنحو المجاز في الكلمة فيما لو كان المخصّص لبياً أو متصلاً سابقاً أو منفصلاً في المكثر من المنفصلات أو المقل لكن إذا كان منفصِلُهُ بعد وقت الحاجة أو مطلق الملتفت كما سيأتي تحقيقه، وقد سبق الدليلان الأولان وهما بعبارة أخرى مع إضافات:
أولاً: أصالة التطابق بين الإرادتين
ويمكن ان يستدل عليها ببرهان الغرض؛ فان المراد الجدي هو الغرض الباعث على إلقاء الكلام وهو المطلوب بالذات والعلة الغائية فلا بد ان يكون المستعمل فيه مطابقاً له لا أوسع ولا أضيق، وذلك سواءً أقلنا بأن الألفاظ مشيرة إلى المعاني أم قلنا بانها قوالب لها أم قلنا بانها فانية فيها على المباني الثلاثة، إذ المشير من حيث هو مشير إنما هو مشير إلى المشار إليه فكيف يكون المشار إليه أوسع أو أضيق؟ وكذا القالب فانه قالب لذيه فيكون مطابقاً له وإلا لما كان قالباً، هذا خلف كسابقه، وأولى منهما الأمر على مبنى الفناء، نعم لا ريب على غير الأخير في الامكان، بل وفيه بناءً على التنزيل لا الفناء الحقيقي الذي لا ريب في إستحالته، إلا ان الكلام في البُعد.
ثانياً: الظهور العرفي هو في المجاز في الكلمة
الظهور العرفي؛ فان الظاهر سواء في الجزء المراد به الكل كالرقبة أو العكس، أو الكلي المراد به الجزئي كالمطلق مثل العالم أو العكس، أو ما بينهما كالعلماء فان الفرد من العلماء جزئي له بلحاظٍ وجزء له بلحاظ آخر، هو المجاز في الكلمة لا انه استعمله عاماً ثم خصص مراده الجدي منه؛ ألا ترى ان (إنما) أداة حصر تفيد العموم فهي ككل وجميع، لكنه إذا خصص وإستثنى وأراد غير المستثنى فانه يستعمل (إنما) إضافيةً فيقال الحصر إضافي فهذا هو الظاهر لا انه استعمل (إنما) في الحصر الحقيقي والعموم ثم أخرج منه في دائرة الإرادة الجدية فلاحظ مثلاً قوله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)([1]) مع قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ...)([2]) فان الآية الأولى لو ضمت إلى الثانية ([3])، وإلى مطلق ما يدل على وجود محرمات أخرى ([4]) أفادت عرفاً بوضوح ان الحصر إضافي وانه تجوّز في كلمة إنما لا انها باقية على إفادة الحصر الحقيقي ثم أخرج منها أصنافاً في دائرة الإرادة الجدية؟
ثم انه يؤكد الظهور ويقرّبه إلى الذهن ان الداعي للاستثناء عادةً هو عدم وجود لفظ يصلح قالباً للمستثنى والمستثنى منه معاً أي يفيد فائدتهما لذا يعوض عنه بدالّين كقولك أكرم العلماء إلا زيداً ولو كان يوجد لفظ كقالب لهما لما تعداه إلى غيره إلا لحكمة مزاحمة أهم ولذا نجد انه حيث وجد للعلماء مثلاً لفظ دالّ عليه استعمله دون مثل (الناس) مع الاستثناء بحيث ينحصر بعدها في العلماء.
الإنشاء إيجاد فلا يتعلق بالأوسع أو الأضيق
ثالثاً: ان ذلك ان تُأمل فيه في الإخبار فانه لا مجال للمناقشة فيه في الإنشاء؛ وذلك لأن الإنشاء إيجادٌ ومن المستغرب جداً، وإن لم يكن محالاً، ان يوجد حكماً متعلقاً بأمرٍ هو أوسع منه أو أضيق في مصبه وظهوره الأول أي بما قال؛ ألا ترى انه لو قال (أعتق رقبة) فان الظاهر انه تجوّز برقبة عن العبد أي أعتق عبداً لأنّ مصب العتق هو العبد لا رقبته خاصة، ومن المستبعد حقاً ان يقصد في مرحلة الدلالة الاستعمالية أعتق رقبةً أي هذا الجزء الخاص ثم يعمم في مرحلة الإرادة الجدية لبدن العبد كله؟
وكذلك قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ...)([5]) فان الظاهر ان المراد حج البيت الجامع للشرائط لا الأعم من الصحيح والفاسد وإن كنا أعميين في الوضع إذ القرينة دالة على الاختصاص بالصحيح هنا، فقد أريد من الحج بعض أفراده وهو الحج الصحيح بناءً على القول بالوضع للأعم، فهو مجاز على هذا المبنى دون مبنى الحقيقة الشرعية، ويبعد جداً في الفهم العرفي ان يُراد: لله على الناس حج البيت الأعم من الصحيح والفاسد ثم يستثنى في مرحلة الإرادة الجدية الحج الفاسد.
وكذلك الحال في قوله تعالى: (أَقِمْ الصَّلاةَ...) فان الجامعة للشرائط هي متعلق (أقم)، فلو لم نكن من القائلين بالحقيقة الشرعية فيها وكنا أعميين لصلحت هذه الآية ونظائرها دليلاً على المدعى من المجاز في الكلمة لغرابة الاستعمال في المعنى الحقيقي الأعم حينئذٍ ثم الاستثناء من الجدية.
كلام المعصومين (عليهم السلام) ككلام الواحد في المجلس الواحد
رابعاً: ما ذكره الآخوند في بعض فوائده من ان كلام المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) على اختلاف أشخاصهم وأزمنتهم يجب ان يفرض ككلام متكلم واحد في مجلس واحد متصل بعضه ببعض ([6])، فانه على هذا تكون كافة القرائن المنفصلة كالمتصلة فيكون حكمها حكمها فكما ان المتصل، حسب المستظهر، يمنع انعقاد الإرادة الاستعمالية عامةً فكذا المنفصل. فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|