||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 197- مباحث الاصول - (الوضع) (4)

 395- فائدة أصولية: مرجحات الصدور ومرجحات المضمون

 قراءة في كتاب (نقد الهيرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة واللغة)

 394- فائدة فقهية: حكم حضور المرأة الصلاة على الجنازة

 212- تجليات الرحمة النبوية في علم الاصول وفي الامتداد المنهجي في عمق الزمن

 282- فائدة تفسيرية: الفرق الشاسع بين (أجراً) و (من أجر)

 205- مباحث الاصول - (التبادر وصحة السلب والانصراف) (2)

 179- مباحث الاصول : (المستقلات العقلية) (1)

 93- فائدة قرآنية تفسيرية :كيف كانت نظرة إبراهيم (عليه السلام) إلى النجوم؟

 الخلاصة من كتاب حرمة الكذب ومستثنياته



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23704032

  • التاريخ : 29/03/2024 - 01:55

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 342- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (17) المتفوقون والموهوبون والعباقرة في دائرة العدل والإحسان .

342- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (17) المتفوقون والموهوبون والعباقرة في دائرة العدل والإحسان
الاربعاء 21 رجب 1443هـ




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

المتفوقون والموهوبون والعباقرة

في دائرة العدل والإحسان

(15)

قال الله العظيم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏ وَيَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)([1]).

والبحث يقع في فصلين: الفصل الأول، وهو يدور حول كون احتضان المتفوقين والموهوبين والاهتمام بهم والإحسان إليهم هو العلامة الفارقة بين الأمم المتطورة والأمم المتخلفة.

الفصل الثاني، يدور حول أحكام فقهية تستنبط من الآية الكريمة.

الفصل الأول: رعاية الموهوبين مقوم أساسي للنهضة

إنّ منح المتفوقين والموهوبين والعباقرة على مستوى الشعب كله، الرعاية الاستثنائية بل الأولوية القصوى، يشكل شرطاً من أهم الشروط البنيوية لنهضة الأمة حتى وصولها إلى مصاف الأمم المتقدمة ثم انتقالها إلى مرحلة الريادة في شتى الحقول.

ومن المعروف، وحسب بعض علماء النفس([2]) تصنيف مستويات المتفوقين عقلياً إلى:

أولاً: الأذكياء المتفوقون: وهم الذين تتراوح نسبة ذكائهم بين 120-135.

ثانياً: الموهوبون: وهم الذين تتراوح نسبة ذكائهم بين 135-170.

ثالثاً: العباقرة: وهم الذين تزيد نسبة ذكائهم على 170 وقد تصل نادراً إلى 220 درجة.

والفئة الأولى تشكل بين 5% إلى 10% من الشعب وهي نسبة مرتفعة جداً إذ تعني خمسين ألف إلى مائة ألف من كل مليون شخص.

والفئة الثانية تشكّل بين 1% إلى 3% من الشعب وهي نسبة مرتفعة أيضاً إذ تعني عشرة آلاف إلى ثلاثين ألف شخصاً في المليون.

أما الفئة الثالثة فتشكّل نسبة منخفضة إذ يوجد في كل مائة ألف عبقري واحد.

أنواع التفوق العقلي

والتفوق العقلي على أنواع وأقسام فقد يتفوق الطفل أو الشاب أو المرأة في الفهم، وقد يتفوق في الحفظ وقد يتفوق في الذكاء وقد يتفوق في الإبداع وقد يتفوق في الإدارة أو القيادة، كما قد يتفوق في حل المشاكل وإصلاح ذات البيّن، وقد يتفوق في الاخلاقيات والمناقبيات، من تواضع وشهامة وفتوة وغيرة وحمية وفي الحلم عند المقدرة والإغضاء عن السيئة، وقد يتفوق في الحكمة والتعقل.

كما ان الموهوبين على أقسام فقد يكون موهوباً في مهارة من المهارات أو حرفة من الحرف أو صنعة من الصنائع: في الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو التكنولوجيا الرفيعة، أو في الخطابة أو الكتابة أو الرسم أو النحت أو إنشاء الشعر أو إنشاده أو قد يتفوق في تربية الآخرين وتزكيتهم وصقل مواهبهم وكفاءاتهم.

والذكاء أنواع، فقد يتميز بالذكاء الاجتماعي، أو العلمي او الرياضي أو غير ذلك.

تعريفات للموهوبين

ومن التعاريف المشهورة للموهوب ما أوردته الجمعية الأمريكية القومية للدراسات التربوية 1958 حيث ذكرت أن الطفل الموهوب " هو من يظهر امتيازاً مستمراً في أدائه في أي مجال له قيمة ".

كما استخدم مصطلح الموهوبين كل من فليجلر وبيش 1959 " الموهوبون هم من تفوقوا في قدرة أو أكثر من القدرات الخاصة ".

وقال بعضهم: إن الموهوبين هم أولئك الذين تؤهلهم طاقاتهم العقلية، للوصول إلى مستويات مرتفعة من التفكير الإنتاجي والتفكير التقويمي، على نحو يسمح لهم في المستقبل بالوصول إلى مستويات مرتفعة من القدرة على حل المشكلات والاختراع... وذلك إذا توفرت لهم الخدمة والإمكانيات التربوية السليمة (لويستو، 1963م).

كما ان الموهوبين هم الذين يتم الكشف عنهم من قبل أشخاص مهنيين ومتخصصين، والذين لديهم قدرات واضحة، ومقدرة على الإنجاز المرتفع.

وقد استخدمت إحدى المؤشرات التالية في التعرف على الموهوبين:

مستوى مرتفع في التحصيل الأكاديمي.

مستوى مرتفع في الاستعداد العلمي.

موهبة ممتازة في الفن أو إحدى الحرف.

استعداد مرتفع في القيادة الجامعية.

مستوى مرتفع في المهارات الميكانيكية.

قوائم تساعد على تحديد التفوّق

ولتحسين نتائج ملاحظة المعلمين فقد تم وضع قوائم ملاحظة تساعد المعلمين على تحديد التفوق، وتضم هذه القائمة البنود التالية :

1- أن يمتلك الطفل قدرة ممتازة على الاستدلال والتعامل مع المجردات والتعميم من حقائق جزئية.

2- أن يكون لديه فضول عقلي على درجة عالية.

3- أن يتعلم بسهولة ويسر.

4- أن يكون لديه قدر كبير من الاهتمام.

5- أن يكون لديه ساحة انتباه واسعة. وهذا يجعله يدأب ويركز على حل المشكلات.

6- أن يكون ممتازاً في المفردات اللغوية كماً ونوعاً بالمقارنة مع أقرانه الذين في مثل سنه.

7- أن يكون لديه القدرة على القيام بعمل فعال بصورة مستقلة.

8- أن يكون قد بدأ القراءة بصورة مبكرة.

9- أن يظهر قدرة فائقة على الملاحظة.

10- أن يظهر أصالة ومبادرة في أعماله العقلية.

11- أن يظهر يقظة واستجابة سريعة للأفكار الجديدة.

12- أن يملك القدرة على التذكر بسرعة.

13- أن يملك مستوى تخيل غير عادي.

14- أن يتابع مختلف الاتجاهات المعقدة بيسر.

15- أن يكون لديه اهتمام كبير بمشكلة الخلق والمصير.

16- أن يكون سريعاً في القراءة.

17- أن يكون لديه عدة هوايات.

18- أن يكون لديه اهتمامات في المطالعة في شتى المجالات.

19- أن يستخدم المكتبة بفعالية وبصورة مستمرة.

20- أن يكون ممتازاً في الرياضيات وعلى الأخص في حل المشكلات([3]).

الأدلة على وجوب رعاية المتفوقين والإحسان إليهم

وموطن الشاهد ان الاهتمام الأكيد والرعاية الشاملة المتكاملة للمتفوقين والموهوبين، يُعدّ من مصاديق (الإحسان) الذي تشمله الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) وان من أهم الواجبات على الحكومة والمسؤولين توفير كافة عوامل رشد المتفوقين وتكاملهم ونموهم حتى وصولهم إلى تحقيق قصوى مراتب تطلعاتهم، وذلك استناداً إلى الأدلة التالية:

أولاً: ان ذلك، كما سبق، مشمول للآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)، ولئن نوقش في وجوب الإحسان على آحاد الشعب، فلا نقاش ظاهراً في وجوبه على الحكام والمسؤولين فيما يرتبط بصلاح حال العباد وعمران البلاد، اما بعنوانه الأولي أو بالعنوان التالي:

ثانياً: ان ذلك مما يعد ضمن الشرائط الضمنية، في العالم المعاصر، لانتخاب الحكام والمسؤولين.

ثالثاً: انه يعد من الحقوق العرفية لهذه الفئات من المجتمع.

وتفصيل المناقشات والأخذ والرد في ذلك موكول إلى مظانه من علم الفقه.

مسؤولية الأسرة في رعاية الموهوبين والمتفوقين

إضافة إلى ذلك فان هذا الواجب، الاهتمام بالمتفوقين والموهوبين، يقع على عاتق الأسر والعوائل أيضاً، إذ ما أكثر العوائل التي يوجد فيها الأذكياء أو الأذكياء جداً أو الأذكياء جداً فجداً (المتفوقون، الموهوبون، والعباقرة) لكن المؤسف ان هذه الثقافة لا تزال غير منتشرة بين الآباء والأمهات: ثقافة منح كامل الرعاية المادية والمعنوية والعاطفية واللوجستية لأطفالهم الموهوبين والمتميزين.

وقد يقال: بان ذلك يعد من الحقوق العرفية للأطفال على آبائهم، إضافة إلى كونه إحساناً مشمولاً للآية الكريمة دون شك، ولا شك في ان إهمال الموهوبين والمتفوقين قبيح عقلاً، وحسب قاعدة الملازمة فان (ما يحكم به العقل يحكم به الشرع).

وذلك يعني، فيما يعني، ان الوالدين إذا وجدا ولدهما يتميز بالذكاء الشديد أو بالحافظة القوية أو بالكفاءة الذاتية في مهارة من المهارات، فان عليهما ان يخصصا قسماً من وقتهما لرعاية ذلك الطفل / الطفلة، وان يتخذا له معلماً خاصاً ويوفرا له الأجواء الإيجابية وكافة أنواع الدعم والمساندة، بل ينبغي ان يحظى ذلك بالأولوية والترجيح على سائر متطلبات الحياة من مأكل وملبس ومركب وشبه ذلك.

الجالية التي تقتطع من طعامها لمدارس أطفالها!

وقد نقل لي أحد العلماء العاملين ممن أسسوا مدارس ناجحة في بعض بلاد الغرب، انه لاحظ فرقاً هاماً بين جاليتين شرقيتين تتواجدان في تلك البلاد: فاحدى الجاليتين تهتم بتعليم أبنائها أكبر اهتمام حتى انهم يخصصون من واردهم الشهري مبلغاً ضخماً لتسجيل أولادهم في أفضل المدارس وارقاها في تلك البلاد، بينما الجالية الأخرى تسجّل أولادها في اردأ المدارس لكونها لا تكلف إلا الأقل الأموال، بينما تنفق غالب أموالها في شراء الأطعمة الفاخرة أو الملابس الثمينة أو الرحلات والنزهات.

ولقد ظهرت الثمرة الحلوة / المرة خلال جيل أو جيلين حيث ان ابناء الجالية الأولى، التي انفقت إنفاقاً متميزاً على تعليم أولادها، أصبحوا أطباء، مهندسين، محامين و... من الطراز الرفيع، بينما أبناء الجالية الثانية بقي أبنائها في الصفوف الخلفية للمجتمع وحصلوا على أعمال من الدرجة الثالثة أو أصبحوا أطباء، مهندسين... فاشلين.

والإحسان إلى المتفوقين والموهوبين يتجسد في صيغ وألوان ومظاهر شتى: كتوفير الدعم المالي، ومنح الجوائز والأوسمة، وإقامة حفلات التكريم، والدعم العاطفي وتوفير الأجواء الآمنة وغير ذلك.

الشرق يطرد الموهوبين والغرب يصطاد المتفوقين!

والغريب ان الغرب حيث أدرك الدور المفتاحي للموهوبين والمتفوقين، سعى أشد السعي، وبمختلف الطرق، لاصطياد الكفاءات من مختلف بلاد العالم، أما العالم الثالث فانه أدهش ولا يزال يدهش العالم بقوته الطاردة الغريبة للكفاءات، وبإهمالها بشكل مؤلم لا نظير له ولذا نجد ان نسبة هجرة العقول من بلادنا إلى الغرب لا تزال مرتفعة بل وانها تزداد باستمرار، وما دمنا كذلك فاننا نزداد تأخراً يوماً بعد يوم.

ومن مظاهر احتفائهم بالعلماء والمفكرين والمتفوقين، ما نقله لي أحد أبرز الأساتذة المسلمين في احدى الجامعات الغربية حيث قال لي تلفونياً: انني عندما أنهي تأليف الكتاب باللغة الإنجليزية، تتكفل بطباعته فوراً احدى الجامعات العريقة، كجامعة هارفارد أو كامبريدج ، وان الصحف تفرد للإعلان عن الكتاب حيزاً ملفتاً وان العلماء والمفكرين يتناولون الكتاب إما بالنقد أو بالمدح والثناء، وذلك على صفحات الجرائد العلمية، وفي الأندية والمحافل التخصصية، وأضاف: انني اعتبر ذلك كله هو الجائزة على تأليفي ذلك الكتاب وبذل كل الجهد في إنجازه!

أقول: أما المؤلّف في دول العالم الثالث فانه مهما كان كتابه مبدعاً أو مهماً فانه، إلا إذا كان مرتبطاً بالسلطات أو الأحزاب الحاكمة، بالكاد يجد من يطبع كتابه، ثم لا تجد لكتابه ذكراً ولا لجهده شكراً كما لا تعقد حوله ندوة ولا مؤتمر بل ولا تجد له، حتى، نقداً موضوعياً! نعم قد تجد القدح والتسقيط إن وجدوا فيه، فيما يرون، هفوة أو سقطة، ولذلك فان المبدع يحبط والموهوب يعزل وذو المهارات يهمل.

وكذلك الحال على كافة الأصعدة والأبعاد الأخرى.

ومن هنا ندرك مدى الضرورة القصوى التي تحظى بها قضية المتفوقين والمبدعين وندرك مدى الضرورة لنعود إلى القرآن الكريم ونلتزم بأوامره وتعاليمه حيث يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) و(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)([4]).

الفصل الثاني: فروع فقهية تستنبط من آية العدل والإحسان

هنالك الكثير من الفروع الفقهية التي يمكن ان تستنبط من الآية الشريفة، وسنذكر بعضها:

إذا اقرضك وجب عليك ان تقرضه!

الفرع الأول: إذا أقرضك شخص يوماً ما لدى حاجتك، فقد يقال، صناعياً، بوجوب ان تقرضه وقت حاجته، مع قدرتك، وإذا زوّجك أو سعى في تزويجك أو تزويج ابنك وقت حاجتك إلى ذلك، فقد يقال بوجوب ان تسعى في تزويجه أو تزويجهم ابنه لدى حاجته، وإذا أركبك سيارته وأنت في طريق صحراوي وجب ان تركبه إذا وجدته في طريق صحراوي، مع الحاجة في الصورتين أو من دونها، وإذا قدم لك نصيحة وجب ان تقدم له نصيحة كذلك متى احتاج.

من الأدلة على الوجوب

ويمكن الاستدلال على ذلك بالوجوه التالية:

أولاً: ان شكر المنعم واجب، ولئن شك في وجوبه ابتداءً فقد لا يشك في وجوبه إذا انطبق عليه عنوان (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ)([5]).

ثانياً: الآية الشريفة محور البحث (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) إذ قد يقال بكون ذلك عدلاً وإلا فهو إحسان وكلاهما مأمور به في الآية الكريمة.

ثالثاً: قوله تعالى: (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)([6]) وظاهر الأمر الوجوب.

رابعاً: ان ذلك حق عرفي، وقد ((لِئَلَّا يَتْوَى حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ))([7]) و((وَلَا تَبْطُلُ حُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ))([8]).

وقد يناقش ما سبق في هذا المقال كله بما يترك الأخذ والرد فيه لموضعه من المفصلات.

والواجب على الآباء تطوير الأبناء

الفرع الثاني: إذا أمكن للوالد ان يبعث ابنه إلى المدرسة وان يرعاه لكي يصبح طبيباً أو مهندساً مثلاً وكان من شأنه عرفاً ذلك، فانه يحرم عليه التفريط به وإهماله حتى يصبح حمّالاً مثلاً، ببعض الأدلة السابقة وغيرها، مثل حرمة تضييع من يعول وقد ورد ((مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَلْقَى كَلَّهُ عَلَى النَّاسِ مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ يَعُولُ))([9]) ولئن نوقش في الأدلة السابقة فلا أقل من شبهة الحرمة (حرمة التفريط به وتركه كي لا يكون كما ينبغي عليه ان يكون).

ارتفاع أو انخفاض العملة

الفرع الثالث: ان العملة لو انخفضت أو ارتفعت، فهنا صورتان:

الأولى: ان ترتفع أو تنخفض قليلاً كواحد بالمائة أو اثنان أو ثلاثة مثلاً.

الثانية: ان ترتفع أو تنخفض كثيراً بنحو غير متعارف، كأن ترتفع أو تنخفض مائة بالمائة مثلاً أو بشكل غير متعارف جداً كألف بالمائة مثلاً.

ففي الصورة الأولى: لا شك في ان المدار على حجم النقد دون قوته الشرائية فإذا اقترض منه مليوناً أعاد له مليوناً وإذا أمهرها غائباً مليوناً فحل الأجل دفع لها المليون سواء ءارتفعت قيمتها 1% أو 5% أم انخفضت.

وفي الصورة الثانية: قد يقال بان الملاك هو القوة الشرائية وليس حجم العملة، أ- فلو اقرضه مليوناً قوتها الشرائية ألف كتاب أو حصانان فرضاً، فانخفضت فصارت قوتها الشرائية خمسمائة كتاب أو حصاناً واحداً فقط، ب- أو ارتفعت فصارت من القوة بحيث يشترى بها ألفي كتاب وأربعة جياد وأحصنة، فالمدار هو القوة الشرائية، والحاصل: ان عليه في الحالة الأولى (أ) ان يدفع له مليونين (ليمكنه شراء ألف كتاب وحصانين) وفي الحالة الثانية (ب) له ان يدفع له نصف مليون (التي يمكنه بها ان يشتري ألف كتاب وجوادين).

والسبب في ذلك: هو ان التعامل في الصورة الأولى (الارتفاع والانخفاض المتعارف) وقع على حجم النقد وكانت القوة الشرائية مجرد داعٍ، وبعبارة أخرى: الثمن هو الحجم والعدد لا القوة الشرائية، وبعبارة ثالثة: ان العرف يبني على ان العملة حينئذٍ هي المقياس باعتبار هامش تذبذب يتراوح بين 1% إلى 10% مثلاً أي يبني على ان للثمن عرضاً عريضاً من حيث قوته الشرائية فيكون النقد الموضوع (الموضوع للتعامل = الثمن) مشيراً إلى قوة شرائية ذات سعة وجودية.

أما في الصورة الثانية: فتكون القوة الشرائية قيداً أو تكون هي مصبّ العقد، بمعنى ان الثمن يكون حينئذٍ، إذا صرح به أو إذا بُني عليه العقد في ارتكازه وارتكاز العرف حتى أضحى كالشرط الضمني، هو القوة الشرائية نفسها، وحجم النقد مجرد حوالة عليه وصِرف مشير وليس هو مصب العقد بل القوة الشرائية هي المصبّ.

وبوجه آخر: انه لو دفع له النقد الساقط عن القيمة، فانه يكون عرفاً مصداق (تَوْي) وتضييع حق المسلم وقد ورد ((لِئَلَّا يَتْوَى حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ)) وانه ظلم وليس عدلاً مع (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)، ويجري عكسه في عكسه فلو اعطاه مليوناً أصبحت فيما بعد تسوى ألفي كتاب وأربعة جياد (مع انه كان اقترضها منه وهي تسوى فقط ألف كتاب وجوادين) فانه قد تُوِي حقه عرفاً وظلم إذ أخذ الأقل من حيث القوة الشرائية وألزم بدفع الأكثر غير المتعارف.

ولئن شك في ذلك فلعله لا شك فيه في السقوط الذريع كما لو كانت قيمة المليون تعادل ألف كتاب فصارت لا تسوى إلا كتاباً واحداً.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى التصالح في مثل ذلك على الأحوط وجوباً، باتخاذ الحل الوسط مثلاً بين الثمنين وإلا أجبرهما الحاكم على ذلك.

وبوجه آخر أيضاً: انه عندما اقترض مليوناً فقد اشتغلت ذمته بالمليون بما تحمل من قوة شرائية، إذ لم يقترض ورقاً بلا قيمة، والاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية فلا تبرئ ذمته إلا بإرجاع القوة الشرائية كاملة إليه.

والأمر في الارتفاع بالعكس، فإنّ أخْذَ المقرِض مليوناً صارت ضعفي قيمتها السابقة، لا وجه له بعد إجراء أصالة براءة المقترض من الأكثر مما يُشترى به ألف كتاب وجوادان. فتأمل.

وعلى أي فان المسألة جديرة بالبحث والتأمل لتحديد مصبّ المعاملة عرفاً وارتكازاً وان القوة الشرائية بلغت حد الشرط الضمني أو لا، وفي ان مقتضى العدل ما هو، خاصة إذا قلنا بان المرجع فيه هو العرف العام أو قلنا بان المراد به العدل الواقعي، والعرف العام أو العرف الخاص، مرآة له والله العالم الهادي سواء السبيل.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة النحل: الآية 90.

([2]) كرونشانك.

([3]) https://ar.m.wikipedia.org

([4]) سورة الأنفال: الآية 24.

([5]) سورة الرحمن: الآية 60.

([6]) سورة القصص: الآية 77.

([7]) عوالي اللآلئ: ج1 ص315.

([8]) الكافي: ج7 ص198.

([9]) الكافي: ج4 ص12.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الاربعاء 21 رجب 1443هـ  ||  القرّاء : 3477



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net