||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 22- (قل يا أيها الكافرون)1 صراع الحضارات أم تعايش الحضارات

 382- فائدة عقائدية: دليل الفرجة

 363- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (6)

 357-(هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (6) مرجعية العقل والنقل في التأويل

 450- فائدة فقهية: دلالة السيرة على صحة معاملة الصبي الراشد بإذن وليه

 أدعياء السفارة المهدوية في عصر الغيبة التامة (2)

 94- من فقه الآيات: تحقيق في معنى العدل في قوله تعالى (وأمرت لاعدل بينكم)

 39- التبليغ مقام الأنباء ومسؤولية الجميع

 147- بحث فقهي: تلخيص وموجز الأدلة الدالة على حرمة مطلق اللهو وعمدة الإشكالات عليها

 48- القرآن الكريم: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ)3 الرسول الأعظم ص :(من أحيا أرضا ميتة فهي له) الإمام الحسين عليه السلام :(وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) (الإصلاح الإقتصادي) في سنة ونهج رسول الله صلى الله عليه وآله



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23712838

  • التاريخ : 29/03/2024 - 15:44

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 20- بحث فقهي اصولي: بيان اقسام المكلف .

20- بحث فقهي اصولي: بيان اقسام المكلف
25 جمادى الاول 1436هـ

بحث: في بيان أقسام المكلف
 
 
وهو بحث مبنائي، فأقسام المكلف أربعة: فالمكلف إما مقلد أو مجتهد أو مستعلم، أو عامي محض.
ولتنقيح المبحث أكثر لا بد من طرح بحث مبنائي دقيق ومبتكر، وقد أشرنا إليه في مبحث الاجتهاد والتقليد ونشير له ههنا إشارة عابرة فقط، وهو: إن ما ذكر من القسمة الثنائية المعروفة ليست بحاصرة، حيث إنّهم يقسمون الفرد ـ أو المكلف ـ إلى مجتهد ومقلد، ولكن نقول: إن هناك قسماً ثالثاً([1]) ـ إضافة إلى هذين القسمين ـ وهو برزخ بينهما، وهو مورد كلامنا، فلدينا المجتهد والمقلد وهذان قسمان، وأمّا القسم الجديد فنصطلح عليه بـ(المستعلِم) وهو الذي ليس بالمجتهد ولا هو بالمقلد، بل أمر متوسط بينهما، ولتقريب الفكرة إلى الذهن نقول: إنّ لدينا العامي ويقابله الفقيه المجتهد، ولكن يوجد بينهما برزخ هو (الفاضل)، وهو ذلك الشخص الذي شارف على الاجتهاد ولمّا يحصل بعدُ على الملكة، وهذا القسم له أحكامه المختلفة عن القسمين الآخرين، فإن هناك بوناً شاسعاً بالبداهة بين البقال والعطار مثلاً، وبين الطالب الذي يقرأ أو يُدِّرس كتاب المكاسب أو الكفاية، وإن لم يكن مجتهداً؛ فإن الفرق بينهما كبير.
وكذلك الحال في مَنْ كان من أهل الخبرة واجداً للملكة، ولكنه لم يضطلع بالاجتهاد في المسألة بالفعل، فإنه إذا تلَّقى من غيره من المجتهدين الرأي واستمع
 
إليه، فإنه ليس بمقلد صرفاً، وليس بمجتهد بالفعل، ويتضح الفرق أكثر بملاحظة أن الفقيه عندما يفتي بفتوى معينة للعامي فإنه حيث لا يعرف القواعد التي يحتمل كونها منشأ هذه الفتوى، فليس له إلا أن يسمع قول المجتهد المفتي، وأمّا المجتهد الذي لم يضطلع بتحقيق المسألة بالفعل فإنه لو سأل مجتهداً آخر عن الرأي فإن حاله يختلف عن حال العامي بوضوح؛ لأنه يعرف القواعد العامة وأصول الأدلة فإنها حاضرة عنده، بل وأدلتها (في الجملة) وإن لم يكن (بالجملة)، ولذا نجد أن الفقيه الآخر لو أفتى على خلاف القواعد فإن الفقيه الثاني ـ المستعلم ـ يلتفت فوراً إلى عدم صحة قوله، عكس العامي، إذن ذو الملكة غير المستفرغ وسعه بالفعل، متوسط بين العامي المحض وبين ذي الملكة المستنبِط بالفعل.
والحال بالنسبة للغوي من هذا القبيل، فإن الفقيه اللغوي لو سمع من لغوي آخر عصارة تحقيقه في مسألة معينة، فإن هذا يختلف عن سماع العامي لذلك([2])؛ إذ بمقدوره تمييز الغث من السمين في الجملة، على عكس العامي؛ ولذا بنى العقلاء على أن كلام ذلك الخبير حجة في حقه ـ المستعلم ـ بالفعل إلا في صورة المعارضة، أو لو رأى في الجملة مخالفته للأصول، كما انه ليس له علم بالخلاف، فتشمله إطلاقات (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([3])، ونظائرها من الآيات والروايات، فإنه غير عالم بالفعل.
بيان آخر للمدعى:
 
إنه تارة ينقل الشخص للآخر عن حس، وتارة عن حدس، بمعنى أنه تارة ينقل الشخص الأول عن حس لذي حس، ومرة أخرى عن حدس لذي حدس، فهنا جامع وهناك فرق، فإن الطرف الآخر الذي له (الحس) وكذلك الطرف الآخر الذي له (الحدس) الذي لو أعمله فربما وصل إلى خلاف ما ذكره الأول، يجتمعان في أن النقل عن حس لذي حس، وعن حدس لذي حدس، يحتمل فيهما الخطأ طُراً، ولكن مورد الافتراق هو في أكثرية الخطأ في النقل الحدسي عنه في النقل عن الحسي، فإن خطأ النقل الحدسي أكثر، ولكن هذا الفرق لا يصنع فارقاً في الحجية، بل إنما يولد فارقاً في ترجيح اللجوء إلى الاجتهاد الحدسي كلما سمع الفقيه أو غيره من غيره اجتهاداً حدسياً، وبعبارة أخرى: إنه يصنع أرجحية التحقيق في الحدسيات، وليس تَعيُّن التحقيق في الحدسيات، وأمّا في الحسيات فإن الأمر ليس كذلك؛ لأن نسبة الخطأ فيها أقل، فلا ترجيح للتحقيق فيها، إلا لو ارتفعت نسبة الخطأ في الحس لعامل ما.
والحاصل: إن النظر الحدسي وقول أهل الخبرة هو حجة بحق العامي رغم أنه قد يخطئ بحدسه، ولكن ذلك لا يسقط رأيه عن الحجية في بناء العقلاء، ولا فرق من هذه الجهة بين العامي وبين المجتهد بالقوة غير المستنبط بالفعل، فإنه يصدق عليه ـ بالحمل الشائع الصناعي ـ أنه جاهل بالمسألة فعلاً([4]).
والحاصل([5]): إن قسمة المكلف إلى مجتهد ومقلد هي قسمة غير حاصرة؛ وذلك أن هنالك قسماً ثالثاً اصطلحنا عليه بـ(المستعلِم)، بل هناك قسم رابع سيأتي بيانه، وحيث إنّ هذا الطرح هو طرح مبتكر ولعله أثار الاستغراب عند البعض؛ فإن مدعاه ثقيل بسبب الاعتياد على القسمة الثنائية وتركزها في الأذهان، لذا كان من المناسب أن نعضد ما بيناه بمزيد توضيح وإضافة وتأكيد.
الأقسام الواقعية للمكلف والدليل عليها:
 
وهنا نقول: إن الأقسام هي أربعة فعلاً، والمكلف ينقسم إليها، ونذكر على ذلك عدة براهين:
أولا: برهان التكوين.
ثانياً: برهان الاعتبار.
ثالثاً: البرهان الإني بلحاظ الآثار الشرعية.
توضيح ذلك: إن الأقسام أربعة، وهي:
الأول: العامي المحض: وهو الذي له القوة البعيدة (بالنسبة للاجتهاد) ولا فعلية لاجتهاده ولا لمعلوماته.
الثاني: الفاضل من الطلبة، وهو المجتهد بالقوة القريبة.
الثالث: المجتهد بالفعل، وهو ذو الملكة الفعلية لكن غير المستنبط بالفعل للمسألة المعينة أو لسلسلة من المسائل، وقد عبرنا عنه سابقاً بالمستعلم.
الرابع: المجتهد بالفعل من الجهتين، أي: من جهة حصول الملكة الفعلية له، ومن حيث فعلية استنباطه الفعلي للمسألة الخاصة الجزئية.
وهذه الأقسام الأربعة تختلف بجهات ثلاث؛ فإنها تختلف تكويناً واعتباراً وأثراً شرعياً وعقلائياً، والمهم هو القسم الثالث في مبحثنا؛ وذلك لأن عليه يدور البحث الأصولي تمهيداً للاستنباطات الفقهية.
البراهين الثلاثة للتقسيم الرباعي:
 
أولاً: أما الفارق التكويني المبرهن به على الفرق بينها فهو أن العامي المحض لا معلومات لديه عموماً، فهو فاقد للمعلومات جاهل بالحجج والأمارات والأصول، والأدلة والمسائل عموماً، وأمّا المجتهد بالقوة القريبة فإنه يختلف عنه بأن له معلومات فعلية كثيرة، إلا انه لم يحصل بعد على الملكة بالفعل، وعليه فهو واجد للمعلومات الكثيرة من جهة، ولكنه فاقد للملكة من جهة أخرى، وبهذه الجهة الأخيرة يتميز عن القسم الثالث، وهو الواجد للملكة بالفعل غير المستنبط فعلاً، كما هو الحال في كثير من الفقهاء بالنسبة لكثير من المسائل، وخاصة في بدايتهم العلمية، فإن لهم القدرة على الاستنباط ـ قوةً ـ ولكن الكثير من المسائل لم يتصدوا لاستنباطها بالفعل، بل إنّ الحال هو كذلك حتى في أعاظم الفقهاء؛ فإن كثيراً من المسائل التي تعرض عليهم مستحدثة وجديدة، فإن هذا الفقيه المجتهد بالرغم من كونه ذا ملكة فعلية، لكنه لم يستنبطها بالفعل، ولم يكوّن رأياً بعد، هذا هو القسم الثالث.
وأمّا القسم الرابع ـ وهو الأكمل ـ فهو الواجد للملكة بالفعل والمستنبط للمسائل بالفعل أيضاً، وهو أكمل من سابقه كما لا يخفى.
وخلاصة القول: إن هذه الأقسام الأربعة مختلفة تكويناً بما بيناه من الجهات.
ثانياً: وأمّا الفارق ـ والبرهان ـ الثاني فهو الفارق الاعتباري بين الأقسام الأربعة، وذلك في الاعتبار العرفي؛ إذ هناك فرق جلي بين العامي وبين الفاضل ذي المعلومات الكثيرة والقريب من الاجتهاد، كما أن هذا الأخير يختلف من هذه الجهة عن المجتهد الواجد للملكة، وهذا الأخير يختلف عن المجتهد الواجد فعلاً للملكة، والمستنبط للمسألة بالفعل عن أدلتها، والاعتبار العرفي والعقلائي يفرق بين هذه الأقسام الأربعة بوضوح.
ثالثاً: وأمّا الفارق والبرهان الثالث فهو الفارق الشرعي، ونقصد به الأثر الشرعي الفارق بين هذه الأقسام([6]).
توضيحه: إن القسم الأول، وهو العامي الصرف، عليه أن يقلد بقول مطلق، وهذا لا كلام فيه، وأمّا القسم الثاني من الأقسام الأربعة، وهو المجتهد بالقوة القريبة، أي: من قرُب حصوله على الملكة، فمن آثار هذا القسم والصنف والذي قد يعبر عنه بالفاضل، أنه بناءً على عدم اشتراط الاجتهاد في القاضي فإنه يجوز أن يُنصب (الفاضل) من قبل الفقيه قاضياً ليحكم بين الناس، وهذا أثر شرعي كما هو واضح، ويمتاز به هذا القسم عن العامي المحض، الذي لا يصح أن يتصدى لوظيفة القضاء بأي حال من الأحوال لجهله المحض، وأمّا الفاضل فإنه لاطلاعه على القواعد المختلفة والمعادلات العامة والتراكم الفقهي والمعرفي، وعلى الفتاوى وأن المسألة المتنازع فيها صغرى لأية فتوى كلية، فإنه يمكن أن يعين في هذا المنصب وأن يتصدى له، وعليه فالفرق واضح بين هذين القسمين، وهناك أمثلة متعددة لذلك، لكننا لسنا في مقام استيعاب جميع موارد الفروق بينهما.
وأمّا القسم الثالث: أي: المجتهد بالفعل ذو الملكة، فله كذلك آثار عديدة شرعية تترتب على عنوانه، ومنها: ما يطرح في بحث الأعلمية، فإنه لا يجوز تقليده بناءً على وجوب تقليد الأعلم([7])؛ إذ أين ذو الملكة غير المستنبط لأكثر المسائل بالفعل، من ذي الملكة المستنبط لأكثرها بالفعل؟ ويجوز بناءً على عدم وجوب تقليد الأعلم.
ثمرة التقسيم: سقوط عدد من شرائط المقلَّد لو رجع إليه المستعلِم
 
وتوجد ثمرة مهمة لتقسيمنا ترتبط مباشرة بمقامنا، وهي ثمرة لطيفة بحد ذاتها ومفيدة بشكل عام، وتظهر في المستعلم([8])، حيث نقول: إنه لا يشترط فيمن استفتاه المستعلِم بعض شرائط التقليد العامة([9])، وأمّا المقلد العامي المحض فإن هذه الشروط لابد من توافرها في مقلَّده.
توضيح ذلك: إن مرجع التقليد تشترط فيه شروط عامة ذكرها الفقهاء في رسائلهم وبحوثهم، ومنها: أن يكون بالغاً، وهذا الشرط ليس على إطلاقه، بل هو مشترط بحق القسم الأول من أقسامنا الأربعة، وليس مشترطاً بالنسبة للمستعلم ـ كما سيظهرـ وكذلك الحال في عدد آخر من شرائط مرجع التقليد، كالعدالة والحياة والذكورة والحرية([10])، فإنها شروط عامة ثابتة بحق العامي فتوى أو احتياطاً على المشهور، إلا أن المستعلِم ليس كذلك، أي: لا تشترط فيمن يُستعلم منه ويؤخذ عنه، تلك الشروط.
وبملاحظة الكتب الفقهية، كالفقه ومباني منهاج الصالحين ومهذب الأحكام  وغيرها، يظهر لنا أن العديد من الفقهاء ارتأوا بالنسبة إلى شرط الحياة في مرجع التقليد أن الأدلة اللفظية غير تامة لإثبات اشتراطه، بل إنّ المرجع الوحيد لاشتراطه ـ عند الكثير منهم ـ هو الإجماع أو السيرة ـ لو بني عليه أو عليها ـ  وكذلك الحال في العدالة؛ فإن البعض لا يرى تمامية الأدلة اللفظية على اشتراطها في المقلَّد، مما يعني كفاية الوثاقة، ولكنهم التزموا باشتراط العدالة للإجماع أيضاً([11])، وكذلك الحال في شرط الذكورة([12])، فقد انتهى الكثير من الفقهاء إلى أن الدليل على شرطية الذكورة ونظائرها هو الإجماع أيضاً([13]).
أقول: لو كان الأمر كذلك وأن الإجماع هو عمدة الدليل على هذه الشروط، فإن الثمرة ستكون ثمرة كبيرة للتفريق بين المقلِّد والمستعلِم؛ وذلك أن الإجماع هو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو العامي المحض، وبناءً على ذلك فإنه لا يجوز له أن يقلد الفاسق وإن كان ثقة، أو أن يقلد المرأة لو كانت مجتهدة، ولكن الحال يختلف في القسم الثاني، وهو المجتهد بالقوة القريبة، وكذلك القسم الثالث، وهو المجتهد ذو الملكة غير المستنبط بالفعل، فإن المستند لو كان هو الإجماع فلأنه دليل لبي لا إطلاق له ليشمل هذين القسمين فيجوز لهم أن يرجعوا إلى الثقة الفاسق مثلاً، وهذا بالذات هو مورد بحثنا عن اللغوي، فإن اللغوي الخبير إذا كان فاسقاً ـ من غير جهة وثاقة اللهجة ـ فإن ذلك لا يضر بصحة أخذ الخبير المستعلم غير المضطلع بالفعل بتحقيق المسألة، برأيه؛ وذلك لأن المرجع لو كان هو الإجماع، وكان هو الدليل لا غير فإن اشتراط الشروط الخمسة المذكورة في مرجع التقليد سيقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو العامي المحض دون غيره، وهذه ثمرة كبيرة في المقام.
وهذا البحث هو بحث سيّال، ولا يشمل حقل اللغة فقط، بل يشمل موارد أخرى في علوم مختلفة، كعلم الرجال مثلاً، فللمستعلِم أن يأخذ الرأي ونتيجة التحقيق من الفاسق أو العبد أو الميت، أو من المرأة لو أنّها كتبت كتاباً في علم الرجال، وكانت خبيرة فعلاً في هذا المجال، أو كتب أحد المذكورين في البلاغة أو النحو أو غيرها، فللمستعلم الرجوع إليه والأخذ منه.
صحة رجوع الفقيه إلى غيره في مبادئ الاستنباط([14]):
 
ولو تمّ ما ذكرناه فإن ذلك سينتج تخفيف العبء الكبير على المجتهد؛ فإن المسائل الشرعية كثيرة جدّاً، بل عددها ومداها هي إلى ما شاء الله تعالى، والفقيه ـ إلا الأوحدي ـ لا يمكن عادة أن يستنبط بالفعل كافة المسائل في العلوم المختلفة، التي يتوقف عليها الاستنباط ـ طولياً ـ من الدراية والرجال والمنطق والكلام والبلاغة وعلوم اللغة وغيرها، إضافة إلى الأصول والفقه؛ فإن ذلك خارج عن حدود القدرة العادية، ولذا وكما بينا سابقاً فإن أكثر علمائنا هم مقلدون في الصرف والبلاغة والمنطق ونظائرها، وندر مَنْ كان منهم إماماً مجتهداً فيها، وهذا النقض يسجل أيضاً على دعوى مَنْ يقول بمقدمّية الاجتهاد في علم الرجال؛ فإنه لا فرق بين هذا العلم وبين البلاغة والنحو والصرف والمنطق ونظائرها من العلوم المذكورة، في تأثيرها في عملية الاستنباط الشرعي في الكثير من المسائل.
ولو تمّ ما ذكرناه فإن الفقيه سيتفرغ لمهمته الأساسية وهي الاجتهاد في الفقه، وأمّا بقية العلوم فإن له أن يعتمد على قول أهل الخبرة فيها، ويكتفي به ويبني عليه بحوثه واستنباطاته الأصولية والفقهية، وهذا بحث مبنائي مهم أشرنا إليه ههنا إشارة، وأمّا التفصيل والأخذ والرد فيترك لمحله([15]).
تلخيص النقاش مع النائيني مع إضافة:
 
وسنستعرض الآن تلخيصاً موجزاً لما بيناه في نقاشنا مع الميرزا والسيد الخوئي مع إضافة نقاط جديدة أخرى، فنقول: 
أولاً: أن ما ذكره الميرزا ـ  (إن رأي اللغوي الواحد لا يفيد الوثوق)([16])  ـ قد يورد عليه بأنه: هل أنه قدس سره يرى قول اللغوي مندرجاً في باب الحس أم الحدس؟
فإن كان الأول فينبغي أن يقول بحجيته؛ لأن ذلك سيدرج قول اللغوي في دائرة خبر الثقة، وهو مما لا تشترط فيه شرائط الفتوى من الذكورة والحرية ونظائرها، وكذلك لا تشترط فيه شرائط الشهادة من العدد والعدالة وما أشبه، فتأمل([17]).
وأمّا لو ذهب إلى الثاني وأنه من سنخ الحدس فنقول: إن قول  اللغوي على هذا حجة أيضاً؛ إذ إنه سيندرج في دائرة أهل الخبرة، وهو ممن لا تشترط فيه شرائط الفتوى والشهادة، وعليه فقضيتنا محصورة، وحجية قول اللغوي ثابتة على كل حال.
ثانياً: إن بناء العقلاء على الخبر عن حس على ذي الحس الآخر حجة، إلا لو عارضه إحساس المنقول إليه، وكذلك الخبر عن حدس حجة على ذي حدس آخر ـ ذي الملكة ـ إلا لو عارضه بحدسه الفعلي، أي: لو استنبط الأخير بالفعل، كما تدل على ذلك الإطلاقات أيضاً.
ثالثاً: إن الوثوق النوعي التبعي([18]) حاصل من قول أهل الخبرة، وإنْ لم يحصل الوثوق النوعي بصورة مباشرة، حيث يقسم الوثوق النوعي إلى مباشر وهو الحاصل بالاجتهاد، وغير مباشر وهو التبعي، فإن العامي عند تقليده لمرجعه يُعدّ وثوقه من القسم غير المباشر؛ إذ وثوقه تبعي، أي: بتبع المجتهد.
رابعاً: إن الفقهاء والأصوليين اعتبروا ما يفيد الوثوق النوعي التبعي حجة على العامي المحض، ونقول هنا: إن الذي اعتبروه حجة على العامي هو حجة كذلك على القسم الثاني والثالث من أقسامنا الأربعة المذكورة؛ وذلك لما أسلفناه من أنه يصدق عليهما أنهما جاهلان بالفعل في هذه المسألة؛ فإن المجتهد ذا الملكة الذي لم يستنبط فعلاً في مسألة من مسائل الحج الجزئية ـ مثلاً ـ جاهل بالفعل بها، وأدلة رجوع الجاهل للعالم تشمله([19]).
الأدلة النقلية لإثبات شرائط التقليد تامة:
 
أشرنا في طيات بحثنا إلى أن العديد من الفقهاء ارتأوا أن بعض الشروط العامة في مرجع التقليد، كالحياة والعدالة والذكورة وكذا الحرية، لا دليل تام عليها إلا الإجماع، وناقش بعضهم فيه أيضاً، ولكن لا بد من التعرف على وجهة النظر المقابلة، والتي ترى أن هناك أدلة نقلية قرآنية وروائية تامة على هذه الشرائط، ويمكن مراجعة موسوعة الفقه، حيث ارتأى السيد الوالد تمامية الأدلة اللفظية، من قرآنية وروائية إضافة إلى الإجماع، فإنه من أنصار أن الأدلة اللفظية ـ قبل الإجماع ـ تامة الدلالة على اشتراط العدالة في مرجع التقليد([20])، وقد ذكر ثمانية أدلة على ذلك، وكان سابعها الإجماع، وثامنها السيرة القطعية، حيث ابتدأ بالكتاب واستدل بآيتين منه، ثم ذكر الروايات وهكذا، وقد أشرنا سابقاً إلى ما ذهب إليه السيد القمي والسيد السبزواري أيضاً.
 
 
 ([19]) ونذكر لطيفة هنا وهي: إن بعض كبار الفقهاء عندما ذهب إلى الحج فإنه واجه الكثير من المسائل المستجدة والمتشابكة؛ ولذا احتاج إلى مراجعة المصادر والاستنباط هناك، ومع ذلك فإنه عندما رجع إلى النجف اصطحب معه أربعين مسألة مشكلة لم يسع الوقت والجهد لبحثها هناك، ومن الواضح أن المجتهد مهما كانت ملكته قوية إلا أنه في كثير من المسائل ليس مستنبطاً بالفعل، ويصدق عليه ما دام غير مستنبط لها ـ بالحمل الشايع ـ أنه جاهل بحكمها بالفعل، ومشمول بأدلة صحة رجوع الجاهل للعالم.

([20]) انظر: الفقه1: 210، كما أن السيد العم فصل الأدلة وأضاف لها في بيان الفقه3: 66، فليراجع. 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 25 جمادى الاول 1436هـ  ||  القرّاء : 14814



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net