بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول قاعدة الالزام وهل مفادها هو الحكم الواقعي ام الولائي ؟ وقد ذكرنا انه لتوضيح تحقيق المقام كان لابد من تعريف الحكمين من جهة, وبيان الفوارق و الضوابط بينهما من جهة اخرى , لبيان المستفاد من الرواية في ذلك , وذكرنا فيما مضى ثلاثة فوارق وضوابط.
استدراك ( اشارة مهمة ) :وهنا لابد من اشارة مهمة في المقام وهي: ان هذا البحث 1 يعد من المباحث الاساسية في هذا الزمن , ولكنه لم يولَ العناية الكافية, رغم وجود هجمة مخطط لها من جانب ,وعفوية من جانب اخر – لو اردنا حسن الظن بالبعض - لأجل محاكمة وزحزحة الاحكام الواقعية عن مراسيها .
توضيح ذلك :ونوضح ذلك بالامثلة: فان الكثير من ضعاف الايمان حاولوا الالتفاف على الاحكام الدينية الثابتة بالكتاب والسنة عن طريق تخريجها بعنوان انها حكم ولائي, لتكون تلك الاحكام عرضة للتغير ,وعلى حسب نظر الناظر والمفتي ,
كما هو الحال في الإرث , فان البعض يقول بانه حكم ولائي وليس حكماً واقعيا اولياً؛ فان في زمان نزول الوحي كانت المرأة بحالة معينة ومزرية من الوأد , وكانت فانها لا ترث ولا تورَّث بالمرة , ولذا فان النبي صلى الله عليه واله قد شخص كحاكم ان الاصلح ان يقرر ويقنن (للذكر مثل حظ الانثيين) , والقرآن قد نزل على ذلك,كحكم لما مضى ,
واما في زماننا الحاضر , فان الحال قد تغير ,فالمرأة تعمل وتعيل وقد وصلت الى درجة من الثقافة والفكر , وبالتالي لابد من تغيير ذلك الحكم, وعليه فيكون لها مثل حظ الذكر , بل قد يصعد البعض اللهجة بالقول: ان لها مثل حظ الذكرين. والمثال الاخر في الصوم فان البعض من الحكام المعاصرين2قد ألغى حكم الصوم عن الطبقة العاملة من باب ولاية الحاكم ولانه يضر بالاقتصاد الوطني،
والمثال الاخر هو الخمس والزكاة , فان دعواهم هي ان تشريع هذين الحكمين كانكذلك تبعا للظروف الخاصة , حيث الحالة الاقتصادية الخاصة للفقراء وما يتعلق بهم من الاعالة والاعاشة في ذلك الزمن كانت تستدعي هذين الحكمين, إلا ان الوضع اذا اختلف واصبح المجتمع زراعيا او صناعيا او وغيره وعليه, فان نسبة الخمس يجب ان تتغير لتصل الى الثلث او النصف او غيره, وهذا حكم ولائي .
ان هذا الكلام ونظائره اصبح كثير الدوران في هذا الوقت3 , لكن الحق هو: ان هكذا اشخاص قد اشتبهت عليهم الامور – بناءاً على حسن الظن - من خلال عدم سيرهم على الجادة الصحيحة في التحقيق العلمي فلم تتضح لهم ابعاد هذه المسائل فتصوروا الحكم في هذه الموارد حكما ولائيا ,
عودا الى بقية الفوارق بين الحكم الولائي والواقعي :وبعد هذه الاشارة لنعد الى ما ابتدأناه من الضوابط للتفريق بين الحكم الواقعي والولائي .
الفارق الرابع : ان تشخيص الاحكام الواقعية بقسميها انما هو بعهدة الشارع المقدس او ان امرها موكول الى الرسول الاكرم بما هو مفوض اليه دين الله تعالى , واما عهدة تشخيص المصالح والمفاسد في الاحكام الولائية فيرجع للحاكم الفقيه
وكمثال :فان بيع السلاح الى اعداء الدين - وهو مسألة مهمة - فهل يجوز بيعه للدولة العدوة او لا ؟ والامر كذلك في الصناعات الاخرى , وكذلك في تأسيس المعامل في بلاد الكفر مثلا مما يدر على الاقتصاد الوطني بالنفع , فان كل هذه الامور عهدتها وتشخيص مصالحها عائد لنظر الحاكم الشرعي , فانه لو رأى ان بيع السلاح لأعداء الدين سيستخدم ضد المسلمين فسيحكم بالحرمة وهذا حكم ولائي , وان رأى انهم سيستعينون به على اعداء الاسلام فانه يجيز ذلك 4 , ولذا فالعهدة في الحكم الولائي بيد الحاكم , وهذا بخلافه في الحكم الواقعي فانها بيد الشارع , هذا هو الفارق الرابع بينهما
الفارق الخامس : هو ان الاحكام الواقعية هي احكام كلية غير مطبقة على مصاديقها, اما الاحكام الولائية فهي بالاساس احكام تطبيقية وهذا فارق واضح , وذلك مثل 5 الدخول في ابواب السلاطين ,أي : العمل مع سلاطين الجور, فهل يجوز للمكلف ان يكون واليا او عاملا عندهم او حتى مزارعا في بستان الظالم او غيره ؟كل ذلك هو امر عهدته على الفقيه؛ لانه حكم ولائي , فإنه قد يجيز لهذا في مورد معين ويمنع ذلك في مورد اخر وهذا حكم تطبيقي , أي :ان تطبيق الكبرى على صغراها هي بيد الفقيه الجامع للشرائط.
واما في الحكم الواقعي , فانه حكم كلي لم يراع في مرحلة تشريعه بما هو هو تطبيقه على المصاديق, وانما تطبيقه تاره يقع على عهدة الفقيه و اخرى يقع على عاتق المكلف على حد سواء , هذا هو الفرق الخامس وبايجاز .
الفرق السادس : هو ان الاحكام الواقعية لا تتغير بتغير المكلفين والاشخاص , واما الحكم الولائي فبعكسه وهذا واضح , فان الاشخاص يختلفون فيما بينهم وكل مورد له حكم واما الحكم الواقعي فهو عام
الفرق السابع :ان الحكم الواقعي لا يتغير بتغير من صدر منه الحكم سواء كان المعصوم عليه السلام او الفقيه ,واما الحكم الولائي فانه يتغير بتغير من صدر منه الحكم.
توضيح ذلك : ان الامر في المعصوم عليه السلام واضح وبين ,فان نورهم عليهم السلام واحد وكلامهم وحكمهم واحد كذلك , لا اختلاف فيه
ولكن كيف هو الحال في دعوى عدم التغير في الحكم الواقعي في الفقيه المفتي ؟وجوابه : ان الحكم الواقعي كذلك لا يتغير مع اختلاف رأي الفقيهين ؛ لان احدهما – قطعا -مخطئ والاخر مصيب – لاننا لسنا بمصوبة – , فان الحكم في متن الواقع وفي اللوح واحد واحدهما مصيب له والاخر ليس كذلك 6 ,
وبتعبير اوضح : انه في مرحلة الثبوت فان الحكم الواقعي لا يتغير بتغير الافتاء ,وانما الذي يتغير ما هو في مرحلة الاثبات اي: ما هو الحجة على المكلف 7,
واما الحكم الولائي فانه يتغير, فالفقيه لو صالح المكلف في هذه السنة وبحسب ظروف معينة موضوعية له على النصف , فيمكن في السنة القادمة ان يصالحه على الربع او الثلث او غير ذلك بتغير الظروف الواقعية لنفس المكلف , وكلا الحكمين صحيح , وكذا الامر والحكم في بيع السلاح للأعداء وغيرها .
الضابط الثامن : وهنا كلام اخير نشير اليه اشارة , وهو شرائط الزمان المكان ,فان من المؤثرات في الحكم الولائي - دون الواقعي - هذان الشرطان , أي: الزمان والمكان , حيث ان تشريع الصوم موجود على امتداد الزمان وفي مختلف الظروف من حر وبرد – إلا لو كان ضرريا – وهذا حكم واقعي,
واما الحكم الولائي فشرائط الزمان والمكان لها مدخلية فيه , وذلك هو ما توهمه البعض، ولكن ذلك من الناحية العلمية ليس بدقيق بالمرة؛ لان نفس الزمان والمكان ليسا إلا ظرفين , ولا مدخلية لهما في الحكم الولائي , انما الذي له المدخلية هو المظروف , لا الظرف , أي: تغير خصوصيات هذا الشخص في الزمان الكذائي عن الزمان الاخر هي التي اقتضت اباحة ان يدخل مع سلاطين الجور مثلا, أي ان الزمان بما هو هو والمكان كذلك لا مدخلية له في الحكم وانما التعبير مجازي في المقام
استنتاج البحث :وبعد كل ما تقدم من البحث وبعد معرفة الفوارق بين النوعين من الحكم نريد ان نقول:
ان الاصل الاصيل الذي لا نخرج عنه إلا بالدليل عند الدوران بين كون هذا الحكم واقعيا وبين كونه ولائيا هو الواقعية في الحكم , و ان كون الحكم ولائيا هو خلاف الاصل وبالتالي يحتاج الى دليل .
عشرة عناوين للاحكام الولائية :وسنذكر عشرة احكام من الاحكام الولائية او المدعى ولائيتها وبايجاز 8 ليتضح لنا ان الاصل هو ما ذكر:
العنوان الاول : نهي الرسول ص عن بيع الحمر الاهلية وهي من الموارد التي استند اليها لاثبات الحكم الولائي , حيث ان النبي قد نهى في حرب خيبر عن اكل الحمر الاهلية وكان هذا النهي من باب الحاكمية له , وذا نجد ان الفقهاء قد قالوا بان بيعها واكلها جائز,
ولكننا لو رجعنا الى الروايات لوجدنا انها تصرح بان هذا الحكم ولائي ولولا وجود الدليل على ذلك لكان الحكم على مقتضى القاعدة والاصل, وهو انه واقعي , ومنها ما ورد عن الامام الصادق عليه السلام :"نهى عنها رسول الله وانما نهى عنها لانهم كانوا يعملون عليها فكره ان يفنوها" , أي :ان النبي قد نهى عن بيعها واكلها , وهذه قضية في واقعة .وفي رواية اخرى فقد ورد ( وانما نهى عن اكلها في ذلك الوقت لانها كانت حمولة الناس وانما الحرام ما حرمه الله في القران)
فالرواية صريحة في الدلالة على ان الحكم ليس بواقعي اولي بل هو حكم ولائي او ارشادي. العنوان الثاني : النهي عن بيع الثمرة قبل نضجها فان النبي ص قد نهى عن ذلك , ولو كان الحكم حكما واقعيا فان الامر سيكون الان كذلك , إلا انه وتبعا لظروف خاصة حكم النبي بذلك والروايات تصرح بهذا ,فانه قد نهى عنها لملابسات خاصة وذلك للخصومة الشديدة التي رافقت تلك الظرف فقد جاء في الرواية عن الصادق عليه السلام قال:" وليس النهي عن بيع الثمار نهي تحريم فلما اكثروا الخصومة في ذلك نهاهم عن البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ولكن فعل ذلك من اجل خصومتهم " , والمستظهر من حكم النبي صلى الله عليه واله في هذه الرواية انه حكم ارشادي او ولائي وليس واقعيا 9وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين...
الهوامش........................................................................................
1) أي خصوص البحث الولائي في مقابل الحكم الواقعي بقسميه وفي مقابل الظاهري
2) وهو من سفهاء الحكام وقد ذهب به الله تعالى الى جهنم مع سائر الظلمة وهو القذافي
3) حتى في بعض الحوزات العلمية ولذا لابد من التوقف طويلا عند هذا البحث لاثرائه بالبحوث والكتب، كما اثرى فقهائنا جزاهم الله خير جزاء سائر البحوث بالدراسة والتحقيق.
4) كما في قضية الروم والفرس , فالروم كانوا من اهل الكتاب والفرس من الكفار .
5) وقد يكون كلاهما مخطئاً.
6) ان الامثلة التي نضربها لها موضوعية في المقام حيث انها مورد البحث في الفقه
7) ولا يعترض على ذلك بـ: اشكال النسخ وتغير الحكم فان الحكم المنسوخ باصله مؤقت وينتهي الى زمن معين وحاله كحال الخاص مع العام فان المراد الجدي الحقيقي هو للخاص ، اي ان الخاص تخصيص في الافراد والناسخ تخصيص في الازمان.
8) وقد وجدت ومن خلال تتبعي ان اشد المتحمسين لفكرة ولائية الاحكام وقد فتح هذا الباب على مصراعيه لم يصل الى اكثر من عشرين عنوانا
9) الرواية في دعائم الاسلام وغيره |