بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول قاعدة الالزام وحول المسالة الاولى وهل المستفاد من الروايات هو الرخصة او العزيمة ؟ , وكذلك في المسالة الثانية وان المستفاد من القاعدة هل هو الحكم الواقعي الثانوي او الحكم الظاهري ؟
وقلنا : ان الرواية الاولى 1 يمكن ان يستند اليها وذلك بان يتحدث فيها عن ثلاث مفردات وانه هل يمكن ان يستنبط منها او لا ؟
وهذه المفردات هي : (لابأس بذلك ) , و( تزوجوهن ),و(الزموهم) ,
الكلمة الاولى ) :لابأس بذلك ) ونبدأ بهذه الكلمة 2 ونقول :هل ان لهذه الكلمة دلالة على ان الطلاق البدعي منهم لا ينتج حكما واقعيا ؟ اي :لا ينتج بينونة الزوجة ,ولكن هذا الطلاق لا يفيد الا حكما ظاهريا بالإباحة والترخيص بالزواج من العامية ,فهل يمكن استفادة ذلك منها ؟ والجواب : الظاهر انه لا يمكن الاستناد لهذه الكلمة في ظهورها , وبالتالي استفادة الحكم الظاهري منها فقط ؛ لأنه من خلال التتبع من جهة , و من خلال الاستعمالات العرفية من جهة اخرى,إننا قد وجدنا ان هذه الكلمة تستخدم في موارد ثلاث : (اولاً)صانها تستخدم في بيان الأحكام الواقعية الأولية (ثانياً)وتستخدم كذلك في بيان الأحكام الواقعية الثانوية (ثالثاً)وكذلك لبيان الأحكام الظاهرية
وعليه:فان هذه الكلمة لا دلالة لها على احد هذه الموارد الثلاثة بخصوصه, ونوضح ذلك بالمثال , فانه يقال في الحكم الواقعي الاولي " لابأس بان يؤكل ما امسك الكلب المعلم " وكذا "لابأس بأكل الصيد ", فلو رمى سهما فأصاب غزالا , ولم يدركه ليذكيه ,فان ذكاة هذا الحيوان هو صيده ,
وكذلك الروايات فانها تدل على الحكم الواقعي الاولي بهذه الكلمة ,كما في : "لابأس بثمن العذرة "فجواز اخذ الثمن عند البيع هو حكم واقعي اولي,
كما ان (لابأس) تستعمل لبيان الحكم الواقعي الثانوي كما لو قلت : " لابأس بان تصلي خلف العامة تقية ",ونحن نجد ان اطلاق (لابأس )حقيقي في كلا الصورتين ولا تجوز في المقام بعلقة معينة ,هذا ثانيا
كما انها تستخدم في الحكم الظاهري كما في :لا باس بان تأكل مما تشك في حرمته وحليته,حيث ورد "كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام " , والاستعمال هنا كذلك حقيقي ولا تجوز فيه كذلك ,والحاصل :إن كلمة لابأس تستعمل في الموارد الثلاثة حقيقة ,وبهذا التوضيح يندفع الاشكال - لو كان - بان لابأس يستفاد منها الحكم الظاهري فقط.
الكلمة الثانية : (تزوجوهن) ونقول بإيجاز: هل ان هذه الكلمة في الرواية المذكورة تدل على ان الطلاق واقع ونافذ وصحيح ؟ فيكون الحكم حكما واقعيا ثانويا رغم ان شرائط الطلاق مختلة في المقام لأنه بدعي ,
او ان كلمة تزوجوهن لا تدل على ذلك – كما هو استظهار السيد الحكيم - ؟,
وننقل مضمون كلامه 3"قده" حيث يقول: "فان الأمر بالتزويج والإختلاع والإبانة والأخذ لا يدل على الصحة (اي لا يدل على الحكم الثانوي الواقعي الوضعي ) ,بل من الجائز تشريع التزويج بزوجة المخالف فالله تعالى بيده الامور وهو المالك لها "
وهنا : لابد من التدقيق في عبارته جيدا وذلك لوجود مسلكين محتملين :الاول : أن يقال ان زوجة المخالف التي طلقها طلاقا بدعيا تبقى زوجته ولا يقع الطلاق منه , ولكن الله تعالى المشرع ومالك الامور يقول :لك ان تتزوجها ,والظاهر إن قصد السيد الحكيم هو ليس بقاء العلقة الزوجية بالأول المخالف مع زواج الثاني بها , وانما مراده هو ان بالطلاق البدعي لا تبين زوجته منه , بل تبقى على الزوجية معه حتى اجراء النكاح الثاني , فان هذا النكاح والعقد هو بنفسه طلاق لها وفاسخ للعلقة الاولى وسبب بينونتها عن الأول , يذكر السيد الحكيم امثلة على ذلك : كاسترقاق الكافر الذي كان حرا , فان الفعل بنفسه محولا لواقعه, وكذلك حيازة المباح فانه موجب لتحول واقع الاباحة الى ملكية الشخص , والامر كذلك في عقد الثاني عليها فهو موجب لبينونتها عنه
والمثال الثالث الذي يضربه في المقام ,هو استرقاق زوجة الكافر فانها تخرج عن زوجيته بالاسترقاق وتكون بعد ذلك ام ولد يحل له الاستمتاع بها ؛لانها امة له .
تأييدا لكلام السيد الحكيم ( قد ) :ونذكر كمؤيد لكلامه في مسألة الطلاق فنقول : إن البينونة وإنفساخ العلقة الزوجية لها اسباب متعددة , وذلك من خلال تتبع الموارد المختلفة في الفقه , ومنها الاسترقاق الذي ذكره السيد الحكيم فهو سبب للبينونة , ومنها كذلك الطلاق المعروف وكذا اسلام الكافرة فان نفس اسلامها سبب لبينونتها ولا تحتاج الى طلاق بعد ذلك , وكذلك الحال في زواج المتعة فان المتمتع له هبة الزوجة المتمتع بها بقية المدة ولا طلاق في المقام .والمتحصل : ان الطلاق طريق من طرق حصول البينونة وسبب من تلك الاسباب ولكنه ليس الوحيد وعليه فليكن من تلك الطرق والاسباب عقد الامامي على المخالفة فيكون سبب لبينونتها عن زوجها الاول وقد شرع الشارع ذلك الحكم .
إشكال ثبوتي :وهنا : قد يستشكل على كلام السيد الحكيم – ثبوتا – بإشكال ظاهره قوي ووارد عليه , وهو ان ما ذكره من ( ان هذا الزواج بها سبب لبينونتها من زوجها المخالف وكونها زوجا للثاني )محال عقلا ؛لأننا نتساءل ونقول : عندما وقع العقد الثاني عليها وفي الآن الاول هل كانت المرأة المخالفة زوجة للأول او لا؟, اي : وقع وهي بائنة ؟
والجواب : ان كلا شقي الترديد باطلان , فلو قلنا ان النكاح الثاني وقع عليها وهي زوجة له للزم من ذلك المحذور وهو اجتماع زوجين على زوجة واحدة ,ولو قلنا انه وقع عليها وهي بائنة, فما هي علة البينونة ؟ فان كان الطلاق الاول فان العقد الثاني والذي يبينها عن المخالف قد وقع على حاصل وهو بينونتها , فلا يمكن ان نحصله من جديد .
ردّ هذا الإشكال :ويوجد في المقام جوابان لرد هذا الاشكال الثبوتي 5 : الوجه الأول : أن نقول فيه : ان البينونة والزوجية امران اعتباريان وامرهما بيد المعتبر ,وهذه مقدمة لا شك فيها , وعليه فان للمعتبر طريقين –ثبوتا :
الاول : ان يقول اعتبر بانه عند اجرائك للعقد على زوجة المخالف فانه في الآن الاول تحدث البينونة وفي الآن الثاني تحدث الزوجية الثانية منها فلا اجتماع في المقام لزوجين على زوجة واحدة 6. الوجه الثاني : -وهو الطريق الثاني للمعتبر-
ان يقال فيه : ان العقد الثاني هو كاشف عن حدوث البينونة قبل العقد بآن وبالعقد الجديد يحدث الزواج .
ولكن ما هو الفرق بين الوجهين ؟ والجواب : ان الفرق واضح , فالوجه الاول يتحدث عن الحاضر والمستقبل , واما الوجه الثاني فان الحديث فيه عن الماضي والحاضر والاستقبال .
إشكال على الوجه الثاني : وقد يستشكل على هذا الوجه بان الحاضر والحال لا يعقل ان يؤثر بالماضي فكيف يقال بعد ذلك بان العقد الثاني كاشف عن وقوع البينونة آنا قبله ؟ ! وفي مقام الجواب نقول : انه لا ريب ان الحاضر لا يؤثر في الماضي – وان ناقش فيه البعض - ؛ لان الماضي لا ينقلب على ما وقع عليه , ولكننا عبرنا بـ ( ان العقد كاشف ) ولم نقل ( مؤثر ) , وحيث ان الاعتبار بيد المعتبر فله ان يعتبر حدوث البينونة قبل اي عقد جديد , وهذا اعتبار ثبوتي والكاشف عنه هو ذلك العقد الجديد , وعليه فان هذا الإشكال الثبوتي ليس بوارد .
اشكال اثباتي :ولكن يبقى هناك إشكال في عالم الاثبات على ما بيناه ورفعنا به الاستغراب وهو اين الدليل على ان اين العقد الجديد يحدث البينونة ؟
والسيد الحكيم يستدل على ذلك بالجمع العرفي حيث يقول : هذا هو وجه الجمع العرفي بين الادلة الاولية وبين مفاد قاعدة الالزام , فان الادلة الاولية تقتضي في الطلاق شرطية الشاهدين العادلين ولذا فان طلاقه البدعي لا يقع, إلا ان قاعدة الالزام تقول : الزموهم بذلك الطلاق وهي تتصرف بالحاضر لا بالماضي , وعبارة السيد الحكيم " من المعلوم ان انتخاب ذلك( بانفصال الزوجة بالعقد الجديد وبينونتها عن الزوج الاول المخالف) في مقام الجمع بين الادلة اهون من البناء على صحة الطلاق الفاقد للشرائط بل ( وهنا يترقى ) هو مقتضى الجمع العرفي بين الادلة الاولية وهذه النصوص التي تدل على الالزام .
ردنا على ذلك :ونحن نقول ان استظهار السيد الحكيم هو على خلاف القاعدة ونحن لا نقبل في المقام ( الأهونية ) المذكورة ولا الجمع العرفي الذي ذكره
وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين ...
الهوامش......................................................................
1) " الزموهم من ذلك ما الزموهم انفسهم وتزوجوهن فلابأس بذلك "
2) ولم اجد من طرح هذه الكلمة على بساط البحث فيما يتعلق بمبحثنا
3) مستمسك العروة مجلد 14 ص 526 الطبعة الكمبيوترية في ارخ مبحث النكاح
4) ان قبح اجتماع زوجين على امرأ’ واحدة بتشريع الشارع بمنع ذلك وإلا لا قبح في المقام نعم المفسدة من اجتماع واختلاط المياه يمكن تجاوزها بالعزل او بغيره
5) ونظير هذا الاشكال ورده قد ذكره الشيخ في مكاسبه في بحث الملك واجاب عنه بجواب واحد ونحن نذكره ونضيف عليه اخر
6) ولعل هذا الوجه هو الذي ذكره الشيخ في مكاسبه على ما في البال |