• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 99- صور ثلاثة لـ(عَرضية) قاعدة الالزام للادلة الاولية -تحقيق كلام النائيني في ضمن صور اربعة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم .

99- صور ثلاثة لـ(عَرضية) قاعدة الالزام للادلة الاولية -تحقيق كلام النائيني في ضمن صور اربعة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول الدليل الرابع على كون قاعدة الالزام مفادها الرخصة , واجماله :ان ذلك مقتضى الجمع بين ادلة العناوين الاولية والثانوية في الجملة كما هو في المقام , وذكرنا بعض ما اورد على ذلك وبعض الاجوبة عليها ,
احتمال آخر لكلام المحقق النائيني:ونذكر الان كلام المحقق النائيني مرة اخرى ,وذلك لكي نضيف تعليقا عليه بفائدة مهمة ليكون التحليل بها اكثر تفصيلا ودقة وحصرا ؛ حيث اننا  سنبين احتمالا اخر لعله يكون مراد المحقق من كلامه , ولكنه سيتضح انه حتى على هذا الاحتمال الاخر , فان كلام المحقق في الطولية مطلقا ليس بتام , فقد ذكرالمحقق النائيني في تعليقته على المسألة 65 من كتاب العروة ,وتعليقا على خصوص كلام صاحب العروة وهو: ( ان الحرج والضرر يرفعان اصل اللزوم لا اصل الطلب ) ,حيث ان كلام صاحب العروة ظاهر في التخيير , والمحقق النائيني يعلق على ذلك و نص عبارته هي: (( وكيف كان فمقتضى حكومة نفي الحرج والضرر على  ادلة الاحكام الاولية هو تقييد متعلقاتها بان لا تكون حرجية ولا ضررية فلو تحملها المكلف وأتى بالمأمور به كان لغوا فاسدا , وحراما تشريعيا لو كان بداعي امره )) انتهى كلامه,
وسيأتي نقاش لنا حول مطلع كلامه ولكننا نبقى في مضمار بحثنا حول عبارة : " تقييد متعلقاتها ".
بحث ثبوتي : ونذكر الان بحثا ثبوتيا سينفعنا في موارد كثيرة ومنها قاعدة الالزام حيث نقول: ان الصور المحتملة في العلاقة بين مثل قاعدة(لاضرر) و( لا حرج)– والامر نفسه مع قاعدة الالزام – وبين ادلة الاحكام الاولية[1] هي اربع :
(1) الصورة الاولى : ان لا يكون للمحكوم ملاك بالمرة ,وهو احد محتملي مراد المحقق النائيني2[2] , بان يقال في الوضوء الضرري: انه لا ملاك ذا مصلحة في هذا الوضوء البتة , انما هي مفسدة خالصة ناشئة من الضرر .
(2) الصورة الثانية : ان يقال  انه يوجد ملاك و مصلحة في الوضوء الضرري , إلا انه مرجوح , وملاك الضرر اقوى فيقدم عليه وهذه الصورة هي التي نضيفها في المقام ونقول انها ايضا محتملة في كلام المحقق النائيني, حيث لنا ان نسأل الميرزا ونقول : ما هو مرادك من( تقييد متعلقاتها)  ؟
والجواب : له ان يقول بالوجه الاول او الوجه الثاني , حيث يمكن ان يجيب ان سر التقييد إما ان هذه الاحكام عند ورود الضرر عليها ينتفي ملاكها بالمرة وهذه هي الصورة الاولى , او ان الملاك يبقى في المحكوم إلا انه حيث كان مرجوحا فان الامر لا يتعلق بهذا الوضوء ، بل تعلق به النهي فقط وهذه هي الصورة الثانية , وينبغي ان يعلم ان مفاد كلام المحقق بناءاً على ارادته هذه الصورة هو: ان الشارع حين يلاحظ ان الوضوء الضرري مصلحته مرجوحه فانه لا يأمر به اصلا , عكس راي المحقق العراقي الذي ذهب الى انه يأمر به فيحصل التزاحم بين الامر به والنهي عنه فيقدم  الاقوى ملاكا .
(3) الصورة الثالثة : ان يكون الملاك في المحكوم مساوياً للملاك في الحاكم ,ولو كان ذلك كذلك ثبوتا فلا شك ان مقتضى القاعدة حينئذ هو التخيير .
(4) الصورة الرابعة : ان يكون الملاك في المحكوم[3] اي: في ادلة الاحكام الاولية اقوى من ملاك ( لاضرر ) أي : الحاكم  ,وهنا فانه لا يعقل ان يقدم الشارع الحكيم – واي حكيم اخر – الملاك المرجوح وان كان في ضمن دليل اطلق عليه بشكل عام انه حاكم , فان هذا ليس بمعقول بالنظر للحكمة.ويتضح ذلك : بملاحظة الضرر اليسير (كخدش اليد لوجع) فانه بلا شك ضرر فانه لا يعقل القول بان ادلة لا ضرر تتقدم على ادلة الحج[4]رغم ان ملاك الحج اقوى من الضرر. الخلاصة :وخلاصة اشكال على الميرزا هو انه اطلق القول بان قاعدة نفي الضرر والحرج تقيد متعلقات الاحكام الاولية , ولكنه وكما اتضح, فان هذا التقييد ثابت في الصورتين الاوليتين حيث الطولية متوافرة فيها دون الاخيرتين فانه لا يصح القول فيهما بتقييد لا ضرر لادلة الاحكام الاولية،ا ولا طولية في الصورة الثالثة بل هي العرضية، اما في الصورة الرابعة فالطولية على العكس تماماً .
هذا هو اجمال التحليل الواقعي الثبوتي للصور الاربعة للعلاقة بين الدليل الحاكم والدليل المحكوم , ولكن مادام الميرزا يقول بالطولية المطلقة بين ادلة الاحكام الاولية والثانوية فكيف يتفصى في موارد الضرر اليسير؟  سيأتي جواب ذلك وشرحه فيما بعد ان شاء الله تعالى .
عرضية قاعدة الالزام للادلة الاولية :يمكن ان يقال بعرضية مفاد قاعدة الالزام لعناوين الاحكام الاولية – ولو في الجملة – وذلك في صور ثلاث نشير لها اشارة وسنبحثها لاحقا على نحو تفصيلي ان شاء الله تعالى .  الصورة الاولى : فيما لو راجعنا المخالف او الكافر في موطن تخالف العناوين الاولية مع مقتضى قاعدة الالزام ,فان القاضي مخير بين ان يحكم على طبق العناوين الاولية ,وبين ان يحكم على طبق العناوين الثانوية ,  وتفصيل ذلك وتحقيقه موكول الى كتاب القضاء ,ولكن نذكر اجمالا ان القاضي قد وضع للبت في الخصومات, فقوله وحكمه نافذ على المتنازعين مطلقا ,ولذا لو راجعه مجتهدان قد اختلفا في قضية ما ,فان القاضي له ان يحكم برأيه وان خالف ذلك اجتهادهما وعليهما ان يمتثلا ذلك الحكم , وان كان مخالفا لهما او لاحدهما , وكذا الحال في المختلفين في الدين او المذهب ؛لان القاضي قد نصّب للبت في الخصومات كمرجع نهائي فلو قيل بان حكمه غير ماض ولا سار للزم اختلال النظام وحصول الهرج والمرج, هذه هي الصورة الاولى من عرضية قاعدة الالزام للعناوين الاولية. الصورة الثانية : وفي هذه الصورة نقاش طويل سياتي، هي القول بالعرضية في المبنى لا في البناء، وذلك فيما لو انتخب واختار المخالف الحكم الاولي في مسألة مصداقية خاصة فهنا مورد اخر من موارد العرضية والتخيير، ولكنه في المبنى لا في البناء , بمعنى ان هذا العامي مخير بين ان يلتزم في هذه المسألة – كالطلاق مثلا – بمقتضى مذهبنا  فيكون طلاقه البدعي باطلا , ومعه فتبقى زوجته على زوجيتها له , وان طلقها بطلاق صحيح في مذهبه , وبين ان يلتزم بدينه ومذهبه فطلاقه صحيح ,وان شئت فقل ان العرضية حدوثية لا بقائية، وفي الابتداء لا في الاستمرار .
الادلة الروائية على العرضية :ونذكر بشكل سريع بعض الروايات – وتحقيقها في المستقبل – ,وبعض الادلة التي يمكن ان يستدل بها على التخيير الابتدائي للعامي بين ان يلتزم بمذهبنا بخصوص مسألة ما او يبقى بالتزامه على مذهبه . الرواية الاولى : وهي مكاتبة ابراهيم الهمداني عن الامام ابي جعفر الثاني عليه السلام حيث قال في نهاية الرواية  : " .. اختلعها منه ؛فانه انما نوى الفراق بعينه ", وظاهر هذه الرواية هو توقف الالزام بالفراق والبينونة على نيته حيث قال # : " نوى الفراق بعينه "  وإلا لو لم ينو ِ الفراق بعينه فلا تختلع منه , وفي هذه الرواية كما هو واضح فاننا استدللنا بظاهر تعليل الامام #. الرواية الثانية : وهي رواية عبد الاعلى عن الامام الصادق عليه السلام حيث يقول : " ان كان مستخفا بالطلاق الزمته به "  وظاهر هذه الرواية ان الالزام قد تفرع على الاستخفاف وهو اختياري , فالالزام هنا ثانوي – اي متعلق ارادته و اختياره فان الاستحقاق ارادي - لا اولي, أي : ان استخف الزمته وان لم يستخف لم الزمه وهذه الرواية ظاهرة في مفهوم الشرط .الرواية الثالثة:وهي رواية ابن طاووس عن الامام الرضا عليه السلام حيث قال : " انه من دان بدين قوم لزمته احكامه " , والاستدلال بهذه الرواية موقوف على التفكيك والتجزئة ,أي: الالتزام بانحلال الكلي الى مصاديقه, فان قلنا بذلك فيمكن ان يستشهد بهذه الرواية على مدعانا  ,
توضيح ذلك: ان ( تدينه بدين قوم) يحتمل في المراد منه احتمالان : الاحتمال الاول: هو التدين الاجمالي ، ويعني: انه وان لم يدن في خصوص هذا الموطن بدينه، الا انه ملزم به، لكون دان بدينه اجمالاً، وهذا الاحتمال على عكس مقصودنا دال .
الاحتمال الثاني : ان يراد من ذلك التدين التفصيلي ,وعبرنا عنه بانحلال الكلي الى مصاديقه , بمعنى انه اذا تدين في كل مورد مورد فقد لزمته احكامه , واما لو تدين والتزم بمورد دون اخر ففي المورد الي تدين به فانه يلزم به وفي الاخر الذي لم يتدين به فانه لا يلزم بذلك، وعلى هذا فانه مخير ابتداءا واستمراراً – في الالتزام وعدمه - والعرضية في هذا ثابتة، وبحثه سيأتي تفصيلا ان شاء الله تعالى .
ان هذه الروايات الثلاث بالذات تصلح مبدئيا ان تكون مستند للتخيير الابتدائي وللعرضية الابتدائية بين مفاد قاعدة الالزام وادلة الاحكام الاولية .
الصورة الثالثة : ان يقال[5]  بعرضية قاعدة الالزام مع ادلة الاحكام الاولية مطلقا اللهم إلا فيما لزم فيه الهرج والمرج واختلال النظام , ولعل رأي السيد الوالد (قده ) هو هذا , كما يظهر من بعض عباراته كما سيأتي.
وتوضيحها بايجاز :ان يقال بان مثل خذ النصف للاخت في رواية عبد الله بن محرز حيث سال عن رجل ترك بنتا واختا وكانت الاخت عارفة ,فانه وعلى حسب مقتضى القواعد الاولية فالبنت لها كل الارث ,النصف بالفرض والنصف الاخر بالرد , ولكن القاعدة عندهم ( أي المخالفين ) ان البنت لها النصف والنصف الاخر للاخت والرواية تقول : " فخذ لها النصف" : أي خذ للاخت, ويمكن ان يقال :بان هذه الاخت مخيرة بين ان تاخذ النصف ويكون لها وبين ان لا تأخذه فيكون للبنت , أي: انها مخيرة بين ان نعمل بقاعدة الالزام فتستملك النصف وبين ان لا تعمل بها فالارث كله للبنت , وحاصل الكلام : في هذه الرواية احتمال ان يكون الحكم التكليفي متفرعاً عليه الحكم الوضعي بمعنى : انه بمجرد الموت لا تملك هذه الاخت ولكن ان اخذت وعملت بمقتضى الحكم التكليفي ملكت ذلك وإلا فلا, وهذا الامر تصويره ليس صعبا ,بناءا على ان الميت بالموت لا ينتقل ملكه بصورة مباشرة لورثته ,وانما يتوقف على التقسيم في مقابل القول بان الارث ينتقل الى الورثة فوراً بالموت لكن بنحو مشاع وفرزه يتوقف على التقسيم, وهنا فاننا لو قلنا بالمبنى الاول وهو عدم الانتقال القهري للارث فالامر واضح , ولكن ان قلنا بالانتقال القهري ,ففي مورد قاعدة الالزام يكون اسثناءا من تلك الكبرى الكلية وهو الانتقال القهري للارث .
والخلاصة : ان هذه الصور الثلاث هي التي يدعى فيها العرضية؛ اما الصورة الاولى بالنسبة للقاضي فان هذه العرضية ثابتة لا شك فيها واما في الصورة الثانية فهي مورد بحث وكلام بالنسبة لمن لم يدن تفصيلا ولكن اجمالا , واما الصورة الثالثة فانها على خلاف القاعدة وسيأتي بحثها ان شاء الله تعالى وهذا بعض الكلام التطبيقي للعرضية في قاعدة الالزام .
وصلى الله على محمد واله الطاهرين ...
 
[1] من حيث وجود الملاك وقوته وضعفه وعدمه.
[2]كما ذكرناه سابقاً.
[3]  اطلق (المحكوم) هنا تجوزاً.
[4] بدعوى كونها حاكمة عنواناً او اجمالاً
[5] وهذه الصورة مناقش فيها ولكن نطرحها للبحث وليس بمختارنا

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=983
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 9 جمادي الثاني 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23