• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 76- اشكال على قرينية مناسبة الحكم والموضوع لارادة المعنى الاعم من الرشوة وجوابه ـ هل (وان اخذ رشوة كان غلولاً) قرينة على ارادة المعنى الاخص من الرشوة؟ ـ رواية (اياكم والرشوة ) اعم من حيث المصبَّات الثلاثة: المبذول له ، وما يُبذل ، والمبذول عليه ، عكس رواية ( وإن اخذ رشوة) .

76- اشكال على قرينية مناسبة الحكم والموضوع لارادة المعنى الاعم من الرشوة وجوابه ـ هل (وان اخذ رشوة كان غلولاً) قرينة على ارادة المعنى الاخص من الرشوة؟ ـ رواية (اياكم والرشوة ) اعم من حيث المصبَّات الثلاثة: المبذول له ، وما يُبذل ، والمبذول عليه ، عكس رواية ( وإن اخذ رشوة)

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان الحديث حول إمكان الاستناد الى الروايات في تنقيح موضوع الرشوة من جهة السعة والضيق، ووصلنا الى الروايتين المذكورتين في كل من كتابي ثواب الأعمال والإمامة والتبصرة للشيخ الصدوق ووالده، فقد عبر في إحدى الروايتين عن الرشوة بأنها (محض الكفر) وفي الأخرى بـ(وان أخذ رشوة فهو مشرك)، وقد ذكرنا ان قرينة مناسبة الحكم والموضوع تفيد ان (مشرك) بلحاظ كون الرشوة على الحكم بالحق أو أمر حقٍ، وإن حكم (محض الكفر) كانت بلحاظ كون الرشوة على الحكم بالباطل وقد أوضحنا كل ذلك، هذا ما مضى. 
إشكال على قرينية الكفر والشرك : الرشوة محرمة في حد ذاتها..... 
ولكن قد يرد إشكال على ما ذكرناه من التفريق الدقيق في وجه استخدام الكفر مرة والشرك أخرى وهو: ان الرشوة محرمة في حد ذاتها، ومعه فانه لا فرق بين أن يكون متعلقٌها (بالفتح) هو الحق او الباطل؛ فإنها على كل حال في حد ذاتها كفر وشرك، حسب الرواية. 
والحاصل: ان هذا الإشكال ينقل الحديث من متعلَّق الرشوة (بالفتح) إلى نفس المتعلِّق (بالكسر) وهي الرشوة، إذ يقال: ان الرشوة محرمة ذاتا ولذا فان آخذها كافر مشرك، فان كان أخذه لها يعود الى إنكاره لحكم الله تعالى فهو مشرك عقدي، وان كان أخذه لا لأجل إنكاره الحكم، ولكنه إنما يعصي الله تعالى ويطيع هواه في مقام العمل، فهو كافر عملي، وعليه: فانه قد تلبس من خلال أخذ الرشوة بكفر وشرك عملي بلحاظ حرمة الرشوة في الصورتين، وانتهاكه لها وعليه فلا يصح التفصيل السابق. 
وبتعبير آخر: ان قرينة الحكم التي اعتمدنا عليها لتوسيع دائرة الموضوع تنتفي؛ لان القرينية المدعاة كانت مبتنية على لحاظ المتعلَّق، ومادام الإشكال قد نقل الحديث الى المتعلِّق (بالكسر) أي: الرشوة، فهذه محرمة سواء كان اخذ المال على حق او على باطل. 
الجواب: حرمة الرشوة لا تصحح استخدام الكفر حينا والشرك حيناً آخر 
إن ما ذكر من إشكال غير وارد على تفصيلنا[1]، وذلك يتضح بعد التدقيق في التفصيل المزبور، فانه لم يكن أصل حمل الكفر او الشرك على أخذ الرشوة حتى يرد الإشكال، بل التفصيل كان بلحاظ التفرقة الدقيقة بين الشرك من جهة، والكفر من جهة أخرى، فقد استخدم الإمام (عليه السلام) والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مصطلح الكفر تارة، وتارة أخرى مصطلح الشرك، ولا يمكن توجيه ذلك ظاهرا إلا بالتفصيل والتفريق الذي بيناه؛ ولحاظ المتعلَّق بالفتح لا المتعلِّق بالكسر وذلك لأن الرشوة محرمة سواء كان أخذها على أمرٍ حق او باطل، والكلام في التفريق هو من جهة لحاظ نفس المتعلَق الذي تعلقت به الرشوة فان عليه يصح التفريق إذ لما كان المتعلَّق مختلفا، فان الصفة صح أن تكون مختلفة أيضا[2]؛ فان آخذ المال لو أخذه على الحكم بالباطل فهو كافر، ولو أخذه على الحق, فهو مشرك حيث انبعث عن الحكم – أي كون الحكم حقاً - والمال معا، فالتفرقة دقيقة في تغيير التعبير والوصف، في الروايتين، والإشكال غير وارد فتدبر، 
وهذه تتمة مهمة كان لابد من ذكرها لتثبيت ما ذكرناه من التفصيل السابق[3]. 
هل يصح الاستناد إلى (وان أخذ هدية كان غلولاً) في تحديد موضوع الرشوة؟ 
وهناك قرينة ثانية وهي : (وان أخذ هدية كان غلولا)، فلعله يمكن الاستناد اليها لتنقيح موضوع الرشوة. 
وتوضيح ذلك: 
ولتوضيح ذلك لا بد ان نبحث عن مراد الإمام (عليه السلام) من (وان أخذ هدية فهي غلولا)، فهل المراد هو الهدية على الباطل أم على الحق؟ والجواب هو: انه لا ريب – وبمناسبة الحكم والموضوع – ان المراد من الهدية هو الهدية على الباطل[4] قطعا, فان ما يبذل لجلب محبة الوالي أو القاضي ليحكم له بالباطل لاحقا، هو الهدية المحرمة والتي يناسبها حكم الخيانة أو السرقة أو الغلول وأما الهدية على الحق[5]، فانه لا إشكال في صحتها للقاضي ولغيره، حيث لا مشكلة من حيث المتعلِّق بالكسر والمتعلَّق بالفتح، أي الهدية والحق[6]، وبعكس الكلام في الرشوة . 
ولتوضيح ذلك بالمثال نقول : لو ان احدهم كان جاره قاضيا، فولد له ولد فاهدى لكل جيرانه ومنهم القاضي هدية على نحو سواء من دون تمييز، فان هذه الهدية ليست بمحرمة قطعا، ولم يقل احد بذلك، 
والمتحصل : ان الهدية على الحق لا كلام في صحتها, وإنما الكلام كل الكلام في الهدية على الباطل فانها الغلول، فبمناسبة هذا الحكم يستكشف ان المراد من الهدية لا مطلقها وإنما الهدية على الباطل فقط. فتأمل[7] 
الاستدلال بالتلازم بين تضييق الفقرة الأولى والثانية : 
ولو كان الأمر كذلك وهو ان دائرة الهدية قد ضيقت وانحصرت بالباطل فقط لمناسبة الحكم (غلول)، فيستدل من هذا المقطع على ان الرشوة الواردة في المقطع اللاحق أيضا هي ذات دائرة ضيقة ومختصة بالرشوة على الباطل، هذا هو وجه الاستدلال بالمقام، ولو تم فان الرواية ستكون دليلا على المعنى الأخص في الرشوة[8]. 
ردّ القرينة الثانية : وجهان لرد القرينة 
ونقول في رد الاستدلال بالقرينة الثانية، ان ذلك لا يتم؛ ولوجهين : 
أ- السياق لا يصلح للتقييد 
الوجه الأول : وهو ان ما ذكر (من كون معنى الهدية اخص فيلزم ان يكون معنى الرشوة اخص) هو قرينة سياقية، وهذه لا حجية لها؛ فان السياق لا يخصص ولا يعمم، وبناء الفقهاء على ذلك طرا، فان المقطع السابق لو كان ظاهره العموم او الإطلاق, وكان المقطع اللاحق بخلافه بان كان مخصّصاً أو مقيداً بقرينة، لما انثلم إطلاق او عموم المقطع الأول بالثاني، 
وبتعبير آخر : كون إحدى الفقرتين هي ذات قرينة تصرفها للمجاز (من الوجوب للاستحباب أو من العموم والإطلاق للخصوص والتقييد) لا يجدي لصرف الفقرة الثانية والتي لا قرينة فيها الى المجاز أيضا، وعلى ذلك مبنى الفقهاء والأصوليين. 
ب- استعمال العام في الخاص 
والوجه الثاني لرد الاستدلال هو كلام دقيق- و يترك لوقته - وهو ان استعمال العام في الخاص هل هو مجاز او لا؟ 
فان بعض الفقهاء ارتأى: ان استعمال العام في الخاص مجاز, ولكن قد يفصل بالقول بان استخدام العام في الخاص أو المطلق في المقيد ان كان من باب المصداق[9]، فحقيقة لأنه أحد أفراده، وان كان إطلاقاً للعام أو المطلق وارادةً للخاص أو المقيد منه[10] فمجاز فتأمل، والمقام من قبيل الأول. فان الإمام (عليه السلام) على فرض انه استعمل الرشوة في الأخص فقد استخدم العام في مصداقه ولا يكون ذلك ليس دليلا على ان الاستخدام في غيره مجاز, وذلك لان ما سبق هو: ان الإمام (عليه السلام) لو استخدم الرشوة في الأعم من دون قرينة لكان ذلك دليل الحقيقة والوضع, وأما لو استخدمها في الأخص وبدون قرينة، فانه لا مانع من ذلك؛ لان الأخص هو من أفراد الحقيقة للأعم، ولا يدل استعمال العام في مصداقه على انحصار الحقيقة بالأخص، ولو قلنا بذلك فهو جواب آخر لرد الاستدلال المذكور, وإلا فلا, وهذا بحث مبنائي يترك لمحله. 
فرق آخر بين الروايتين: احداهما عامة من جهات ثلاثة 
وننهي البحث الدرائي في فقه الروايتين المذكورتين بذكر فرق مهم بينهما وهو : 
ان الرواية الثانية وهي: (إياكم والرشوة فإنها محض الكفر) هي عامة من حيث المصبين اللذين بدأنا بهما البحث والنقاش, فالمصب الأول هو: هل الرشوة خاصة بما يبذل على الباطل ؟ او هي عامة فيما يبذل على الحق أيضا؟ 
واما المصب الثاني فهو هل ان الرشوة خاصة بما يدفع للقاضي ؟ ام هي عامة لما يدفع لغيره كشيخ العشيرة مثلا او الأب او غيرهما؟ والرواية عامة من حيث هذين المصبين. 
بل الرواية عامة أيضا من حيث المصب الثالث وهو أن ما يبذل هل هو خصوص المال او يشمل المنفعة او العين او غير ذلك، وعليه فهذه الرواية مطلقة من جميع الجهات ولا تقييد فيها بأي نحو من الأنحاء[11], وإطلاقها في الابعاد الثلاثة متحصل من الناحية المبدئية. 
وأما الرواية الأولى، فالامر ليس كذلك فهي – وكما هو واضح – مختصة بالوالي، فمصب الآخذ خاص، ولكن المصب الآخر (من حيث نوع الرشوة) فانه عام شامل للمال او العين او غيره، وكذلك المصب الآخر من حيث كون الرشوة على حق او باطل على ما سبق بيانه . 
والخلاصة : ان هناك فرقا جوهريا بين الروايتين، ولذا فلابد من اثبات سند الرواية الثانية لمزيد الفائدة فيها، هذا بعض البحث عن الروايتين وعن فقههما[12]، وللكلام تتمة. وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
 
________________________________________ 
[1] - وان ورد هذا الاشكال على ما افتتحنا به الحديث وناقشناه 
[2] - فالمتعلق بالكسر هو الرشوة والمتعلق بالفتح هو اخذ المال على الحكم بالحق تارة وأخذ المال على الحكم بالباطل أخرى. 
[3] - وهذا الذي ذكرنا لو تم فهو دليل من الروايات على تنقيح موضوع الرشوة، توسعةً. 
[4] - فالحكم هو الغلول وهو السرقة والخيانة والموضوع هو الهدية 
[5] - بان يدفع له هدية ليجلب محبته ليتوفر له الداعي ليحكم بالحق لاحقاً. 
[6] - فالمتعلق بالكسر هي الهدية والمتعلق بالفتح هو الحق 
[7] - للتفرقة بين الهدية بحق والهدية على الحق. فتأمل 
[8] - فرّقنا بين الهدية والرشوة سابقا حيث قلنا ان الهدية هي مقدمة بعيدة، إذ يراد بها محبة القاضي ليكون داعياً له على الحكم لاحقاً واما الرشوة فهي مقدمة قريبة وهي ما يبذل في مقابل نفس الحكم. 
[9] - كـ: زيد إنسان. 
[10] - كـ: الإنسان عالم، قاصداً بعض أفراده. 
[11] - إلا لو صرف العرف هذا الإطلاق إلى بعض تلك الأنواع وسيأتي البحث عنه. 
[12] - ونؤكد هنا ان التدبر في فقه الحديث هو من مقومات الاجتهاد الاساسية، فان الرواية الواحدة وبالألفاظ القليلة ظاهرها واحد ولكن التدبر في تلك المفردات وقرائنها الداخلية والخارجية يفتح للمتعمق فيه الأبواب الكبيرة بإذن الله تعالى. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=98
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 22 ربيع الثاني 1434هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23