• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 75- توضيح الاستدلال بروايتي (وإن اخذ الرشوة فهو مشترك) و (اياكم والرشوة فإنها محض الكفر ) على ان الرشوة موضوعة للاعم ، استناداً الى قرينة مناسبة الحكم والموضوع والاخذ والرد في ذلك ـ تفصيل : (مشرك) دليل على ان الرشوة على الحق و (محض الكفر) دليل على ان الرشوة على الباطل .

75- توضيح الاستدلال بروايتي (وإن اخذ الرشوة فهو مشترك) و (اياكم والرشوة فإنها محض الكفر ) على ان الرشوة موضوعة للاعم ، استناداً الى قرينة مناسبة الحكم والموضوع والاخذ والرد في ذلك ـ تفصيل : (مشرك) دليل على ان الرشوة على الحق و (محض الكفر) دليل على ان الرشوة على الباطل

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول الاستدلال بالروايات الشريفة لتنقيح موضوع الرشوة ووصلنا الى طائفة أخرى منها، والتي قد يقال فيها ان المراد من الرشوة مجهول، اضافة الى ان الوضع مجهول أيضا من حيث السعة والضيق، وهذه الطائفة – وبتتبع ناقص هي روايتان . 
 
روايتان أخريان في مجال الاستدلال : 
 
أما الرواية الأولى : فقد جاء في كتاب ثواب الأعمال[1] للشيخ الصدوق قال : حدثني أبي قال : حدثني احمد بن ادريس عن محمد بن احمد عن موسى بن عمران عن إبن سنان عن أبي الجارود عن سعد الإسكاف عن الاصبغ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)[2] قال : 
 
Sأيما وال احتجب عن حوائج الناس، احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه، وان اخذ هدية كان غلولا، وان اخذ رشوة فهو مشركR 
 
وأما الرواية الثانية : فقد وردت في البحار عن كتاب الإمامة والتبصرة[3] لوالد الشيخ الصدوق وهو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه فانه ينقل عن سهل بن احمد عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى (عليه السلام)، وهو حفيد الكاظم (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن أبائه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): 
 
Sإياكم والرشوة فإنها محض الكفر، ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنةR 
 
البحث الدلالي للروايتين[4] : مناسبة الحكم والموضوع 
 
وهاتان الروايتان ذات مساق واحد بشكل عام ولذا سنبحثهما معا، حيث نقول : 
 
انه قد يقال بان قرينة الحكم والموضوع، أي : مناسبة الحكم والموضوع تفيدان ان المراد من الرشوة هو المعنى الأخص، وهو ما يبذل للحكم بالباطل، ولو كان مراد الإمام (عليه السلام) هو ذلك ولم ينصب قرينة عليه، لدّل على انه (عليه السلام) يراه حقيقة في المعنى الأخص 
 
تضييق المحمول يفيد ضيق الموضوع 
 
بيان ذلك: ان الحكم في الروايتين أي: Sفانها محض الكفرR - وهو الحكم في الرواية الثانية - وSفهو مشركR - وهو الحكم في الرواية الأولى، هذان الحكمان ومناسبتهما مع الموضوع – في كل رواية - دليل على تضييق دائرة الموضوع في كليهما وإرادة الأخص. 
 
الوجه في ذلك: 
 
والوجه فيما ندعيه هو: ان المحمول[5] لو كان ضيقا فانه يفيد تضيق دائرة الموضوع، وكذلك لو كان المحمول والحكم واسعا فانه يفيد سعته أيضا، 
 
وتكييف ذلك ووجهه : انه من بذل مالا على حكم بباطل فهو كافر – ولو عملا[6] – بحكم من أحكام الله تعالى، وفي المقابل: فان من بذل مالاً على حكم بحق فانه ليس بكافر بحكم[7] من أحكامه تعالى، ونحن لو رجعنا إلى الروايتين نجد أن الإمام (عليه السلام) يقول : Sوان اخذ رشوة فهو مشركR، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأخرى يقول: Sإياكم والرشوة، فإنها محض الكفرR 
 
وهنا نتساءل: أية رشوة هي محض الكفر، ومن يأخذها فهو مشرك؟ 
 
والجواب : هي تلك الرشوة التي يأخذها الحاكم على الحكم بالباطل, فانه بذلك يكون قد كفر بحكم من أحكامه تعالى، فيكون المراد من الكفر هو الكفر بحكم الله - وعليه سيتضيق المحمول-، وحيث رُتّب ذلك الحكم المضيق على الموضوع بقول مطلق وبدون تفصيل أفاد ان الموضوع مضيق كذلك, وبعبارة أخرى: إن الإمام (عليه السلام) لم يقل: (إياكم والرشوة؛ فان بعضها محض الكفر), بل انه (عليه السلام) رتّب الحكم – المضيّق وهو الكفر بحكم الله - على الموضوع بقول مطلق، ولو كان الحكم ضيقا، فان ذلك يكشف عن ان الموضوع هو ضيق أيضا، وهذا مصداق من مصاديق ما عبرنا عنه (بمناسبة الحكم والموضوع)، فيكون مراد الإمام (عليه السلام) من الرشوة هو ذلك المعنى الذي يتصف صاحبه بكونه مشركاً وكونها كفراً، وما ذلك إلا بذل شيء على حكم بباطل، فيكون المراد من الرشوة هو المعنى الأخص، فانه لو كان المراد منها الأعم موضوعا لما صح ان يرتب الإمام (عليه السلام) الكفر والشرك بقول مطلق عليها، فيتعين ان يكون مراده (عليه السلام) المعنى الأخص، وقد سبق ان الاستعمال في معنى وارادته لو تجرد عن القرينة، دلّ على الحقيقة وانه الموضوع له بنظر الإمام (عليه السلام) أو مطلق الحكيم. 
 
إشكال على دعوى الوضع للاخص: الكفر والشرك لهما اطلاقان[8] فليس المحمول ضيقاً 
 
ولكن قد يورد إشكال على ما استظهرناه من الوضع للمعنى الأخص للرشوة بمناسبات الحكم والموضوع – وهو نكتة مهمة في المقام -، بان الكفر وكذا الشرك لهما اطلاقان[9]: 
 
أما الكفر فالإطلاق الأول فيه هو الكفر العقدي او العقائدي, وأما الإطلاق الثاني فهو الكفر العملي، أي كون عمله عمل الكافرين وان كان اعتقاده سليما، كمن يعصي الله تعالى وهو مذعن ومعتقد به، وكذلك في الكفر قبال الشكر، فانه من الكفر العملي, قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) 
 
واما الشرك فله اطلاقان أيضاً: أما الإطلاق الأول فهو الشرك الجلي والذي به يخرج الإنسان عن ساحة التوحيد، وأما الإطلاق الثاني فهو الشرك الخفي كالرياء وما أشبه فانه ليس بمخرج للانسان عن ساحة توحيده تعالى. 
 
والخلاصة : ان الكفر كفران : فالكفر العقدي[10] متحقق فيما لو بذل المال على الحكم بالباطل دون ما لو بذل المال على الحكم بالحق ، نعم الكفر العملي متحقق فيما لو بذل مالاً على حكم بالحق ، ووجهه بذله المال عليه، رغم حرمته – وكذا الحال في الشرك –، والحاصل: ان الكفر العملي شامل للقسمين وإذا كان المحمول أعم بقي الموضوع أعم أيضاً. 
 
والنتيجة: انه مع ورود هذين الاحتمالين وعقلائيتهما لا يمكن الاطمئنان بمناسبة الحكم والموضوع المدعاة للاستدلال على إرادة المعنى الأخص للرشوة[11]. 
 
تفصيل دقيق في المقام : الكفر يختلف عن الشرك دلالةً 
 
ونذكر في المقام تفصيلا دقيقا ووجها لطيفا فنقول : 
 
ان هناك فرقا بين الكفر والشرك؛ فان كلا منهما له معنى محدداً ودلالة معينة غير الآخر, وسنستفيد من ذلك الفرق لتحديد المعنى المراد من الرشوة؛ 
 
أما الرواية الثانية فان ظاهر استخدام كلمة Sمحض الكفرR يتناسب و بذل المال على الحكم بالباطل؛ لان القاضي الذي يحكم بالباطل لا يكون انبعاثه عن حكم الله تعالى، بل انبعاثه بسبب المال فقط؛ ولذا صح إطلاق كافر بحكمه تعالى، عليه، كما في حكم القاضي بحكم ظالم وجائر مقابل مال معين فانه كفر منه بأحكامه جل اسمه. 
 
وأما في الرواية الأولى حيث يقول (عليه السلام) : Sفهو مشركR، فان قرينة الحكم والموضوع تدل على ان الحكم هو حكم بالحق؛ فان (مشرك) تتناسب مع انبعاثه عن حكم الله تعالى، وهو الحكم بالحق، ولكن مع إشراك شيء في انبعاثه، وهو ذلك المال المبذول، وعليه فانه قد شرك بين الامرين، ولذا فهو مشرك[12] 
 
و زبدة المقال هنا "ان دفع المال للقاضي لأجل الحكم بالحق هو شرك؛ لان انبعاثه بطبعه سيكون من اجل الحكم والمال معاً, وأما دفع المال له من اجل الحكم بالباطل فهو كفر لأن انبعاثه بطبعه سيكون من اجل المال فقط, وبهذه المناسبة اقتضى إطلاق الكفر عليه , 
 
والمتحصل من كل ذلك : ان إحدى الروايتين قد استخدمت الرشوة بخصوص الحكم بالحق، والثانية قد استخدمتها بخصوص الحكم بالباطل, ومن خلال ضم الروايتين نستكشف ان الإمام (عليه السلام) قد أراد المعنى الأعم للرشوة؛ وذلك لأنه أراد في احدهما الحكم بالباطل وفي الثاني الحكم بالحق، ولم ينصب قرينة في كلتا الحالتين فيستكشف ان الموضوع له في نظره (عليه السلام) هو الأعم[13]، [14] أي الجامع بينهما. 
 
إشكال: (القرينة موجودة ....فالاستعمال لا يدل على الحقيقة ) 
 
وهنا إشكال وهو: إن الإمام (عليه السلام) قد اعتمد على القرينة المقالية في المقام[15]، وعليه فلا يكون استخدامه الرشوة في الأعم دليلاً على الوضع حقيقة له، فلا تنطبق الكبرى السابقة (من ان الاستعمال دليل الحقيقة بشرط عدم القرينة) 
 
دفع الإشكال: القرينة خفية فلا يصح الاعتماد عليها لارادة المجاز 
 
ويندفع هذا الإشكال بان نقول: 
 
ان القرينة في المقام هي قرينة خفية على العامة - بل حتى الخاصة قد لا يلتفتون إلى هكذا قرينة -، أي خصوصية معنى الشرك وتطبيقه في المقام - وكذلك خصوصية معنى الكفر وتطبيقها -، وعليه فلا يصح للحكيم ان يركن الى هكذا قرينة في إرادته المعنى المجازي، بل عليه ان يقيم قرينة ظاهرة للعامة وهم المخاطبون بذلك الكلام فيما لو رأى ان هذا المعنى مجازي، وحيث لم يقم قرينة ظاهرة دل على انه يرى هذا المعنى حقيقة. 
 
والخلاصة: ان الإمام (عليه السلام) قد رأى ان الموضوع له الرشوة هو الأعم، واستخدمها فيه، من دون قرينة واضحة وعرفية فدل ذلك على انه يرى الأعم هو الموضوع له للفظ الرشوة وللكلام تتمة. 
 
وصلى الله على محمد وال محمد 
 
 
 
 
[1] - نقله عنه جامع أحاديث الشيعة ج22 ص213. 
 
[2] - وقد ذكرنا السند لأننا سنبحثه في نهاية البحث ان شاء الله تعالى 
 
[3] - نقله عنه جامع أحاديث الشيعة ج30 ص78. 
 
[4] - ونبدأ بالبحث الدلالي على خلاف الأسلوب المتبع وننتهي بالبحث السندي لنكتة سنذكرها ان شاء الله 
 
[5] - خاصة إذا كان من دائرة الصفات كما في المقام. 
 
[6] - فان الكافر على قسمين فتارة يكفر بالله تعالى وتارة أخرى يكفر بأحكامه تعالى 
 
[7] - أي من حيث المتعلَّق فتدبر 
 
[8] - والسيد الوالد يشير الى هذين الإطلاقين في أماكن متعددة 
 
[9] - نعم لو كن للشرك او الكفر اطلاق واحد وهو المعهود في الذهن لكانت القرينة تامة 
 
[10] - المراد به الكفر بحكم من أحكام الله. 
 
[11] - ولا نقول ان هذا الاحتمال محتّم – وان كان قد يقال انه الظاهر – ولكنه محتمل على كل حال فلا تتم القرينية المدعاة معه. 
 
[12] - وهذا وجه لطيف فان انتخاب الكلمات في الروايات من قبل الأئمة (عليهم السلام) دقيق جدا 
 
[13] - ولا يخفى اننا بهذا البيان لا نريد ان نقول انه عقلا يمتنع خلاف ذلك بل نقول ان الملتفت لهذا المعنى ومن خلال الجمع بين الروايتين يستظهر ما قلناه فهو بحث استظهاري فتدبر 
 
[14] - وهذه لفتة دقيقة في كلمة المشرك والكافر وبحثنا هنا هو بحث هام، حيث بينا ان السيد الخوئي رحمه الله ذكر ان الروايات لا دليل فيها على تحديد موضوع الرشوة ولا مرجعية لها، وتحقيقنا في هذه الروايات إنما هو لنرى إمكانية ان تكون المرجع لتحديد المفهوم فتكون احد أهم الادلة - ان تمت - وهذا يحتاج الى تدبر والتفات 
 
واما تفصيلنا في البحث فلان العشرات من الفروع في الرشوة تتوقف على تحديد تنقيح الموضوع أولاً وعليه فان هذه المقدمات المطولة تستبطن النتائج والفروع القادمة الكثيرة 
 
[15] - وهي ما ذكر من معنى الشرك والكفر وتطبيقهما على المقام

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=97
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 21 ربيع الثاني 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23