• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 83- تحليل الاحتمالات الثلاثة في (مايرويه عنا): أ-اي بحسب زعمه ب-اي بحسب علمكم ج-اي بحسب الواقع .

83- تحليل الاحتمالات الثلاثة في (مايرويه عنا): أ-اي بحسب زعمه ب-اي بحسب علمكم ج-اي بحسب الواقع

 بسم الله الرحمن الرحيم

         الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول رواية عبد الله بن طاووس عن الامام الرضا عليه السلام  ,حيث ورد فيها "انه من دان بدين قوم لزمته احكامهم " ,وذكرنا انه يمكن تصحيح سندها بقرائن عديدة , منها انها مشمولة بقوله عليه السلام "لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا " ,ومثل "فما اديا اليك عني فعني يؤديان " ,وتوقفنا عند فقه الحديث في رواية "لا عذر لاحد من موالينا ..."  وقلنا :ما هو المراد من "ما يرويه عنا ثقاتنا "؟ وذكرنا انه توجد ثلاث احتمالات :
الاول:المراد من ذلك (ما يرويه عنا بحسب نقله وزعمه) ,
الثاني:(ما يرويه عنا بحسب علمكم) أي ما علمتم انه مروي عنهم عليهم السلام فلا يحوز لكم التشكيك فيه,
الثالث:(ما يرويه عنا بحسب الواقع) أي: لو روى رواية صادرة بحسب الواقع  منا فلا يجوز لكم التشكيك بها .
وذكرنا ان الاستدلال بهذه الرواية ونظائرها كدليل على حجية مراسيل الثقات ونظائرها - كما لو كان في سندها مهملون او مجاهيل وقد رواها الثقة- موقوف على استظهار المعنى الاول دون الثاني او الثالث , ونحن قد قربنا المعنى الاول بالصدق الحقيقي وبالحمل الشائع الصناعي لمثل ما يرويه الصدوق " ره" , بانه رواية عن الامام عليه السلام حقيقة؛ اذ نقول روى الشيخ الصدوق عن الامام عليه السلام وهنا صدق حقيقي (روى عنهم عليهم السلام) ,هذا هو التقريب للمعنى الاول ،واما المعنى الثاني او الثالث: فان الاستدلال بالرواية لا يتم ان استظهر احدهما منها ؛ فاننا لو ذهبنا الى الاحتمال الثالث فلا يصح الاستدلال بهذه الروايات لتصحيح المراسيل او ما هو بحكمها ,مثل ما كان سندها مهملا ,كرواية ابن طاووس المتقدمة – على رأي- ؛لانه لا احراز لنا بانها بحسب الواقع قد صدرت عن الامام عليه السلام , ولو احرزنا ذلك لما كنا معذورين في التشكيك ,و لكنه لا احراز لذلك لإهمالها .
اشكال الدور :فلو اننا احرزنا ان الرواية هي واقعية وثبوتية من خلال روايته –أي ابن طاووس – للزم من ذلك الدور ؛ وذلك لان كون روايته صحيحة موقوف على كونها رواية واقعية , وبالعكس. 
وببيان آخر: كون روايته واقعية ثبوتية موقوف على صحة نقله واعتباره وحجيته هذا من جهة , وحجية روايته لما رواه موقوف على كون روايته واقعية ثبوتية اذ نريد تصحيح كونها كذلك من خلال شمول رواية ( لا عذر) وشمولها موقوف على كون رواية ابن طاووس رواية واقعية ثبوتية لهم صلوات الله عليهم – لو فرض القول ان المراد ( ما يرويه بحسب الواقع) -فيلزم الدور لتوقف الشئ على نفسه وهو باطل , اذن : بناء على هذا الرأي فان الروايات التي في سندها اهمال او كانت ذات مجاهيل او ما اشبه فلا يمكن تصحيحها بمثل رواية "لا عذر لاحد في التشكيك ..." تقوية للاشكال نقول : ان الاسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية  ,ولذا ينبغي ان تكون الرواية هي في متن الواقع  صحيحة وصادرة عن المعصوم ع كيلا يكون عذر للتشكيك فيها وبحسب ما جاء عن الامام عليه السلام ,لا ان تكون الرواية مزعومة .
دفع هذا الاحتمال  :والظاهر عدم تمامية هذا الاحتمال؛ لانه حصل خلط في المقام، وعند  كشفه فانه لا يبقى مجال لهذا الاحتمال- مع تسليمنا بكبرى ان الاسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية - ,و (الخلط) هو بين (النقل) و بين (المنقول) ,أي : بين الرواية و بين المروي ,
وبعبارة اوضح  :ان النقل شيئ والمنقول هو شيئ آخر ,فانني لو نقلت ان حادثة حدثت في بلد معين فهذا نقل واخبار مني  ,واما المخبر به والمنقول أي مضمون الخبر فهو امر اخر , ونحن لو نظرنا الى الرواية لوجدنا ان محورها هو النقل لا المنقول والرواية لا المروي  1 ,فالامام  عليه السلام لم يقل " لا عذر ...في التشكيك برواياتنا "ولو قال ذلك فهذا هو موطن ان الاسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية ,اذ نتساءل من اين لنا ان نعلم ان هذه الرواية هي رواية الامام عليه السلام واقعا ؟اذ لعلها ليست كذلك ,وان نقل عبد الله بن طاووس - المهمل- لا يثبت ذلك  ,أي ان الامام عليه السلام لو عبر "في التشكيك برواياتنا" لورد الاشكال في المقام ولكن الامام عليه السلام  قال :"في التشكيك فيما يرويه عنا ", وهنا الراوي نجده بالوجدان (قد  روى عن الامام عليه السلام) ويصدق عليه ذلك – اي انه قد روى - بالحمل الشائع الصناعي كما قلنا  .
ومما يوضح ذلك ويؤكده: انه لا يوجد مولى من الموالي من شيعتهم يشكك في رواياتهم عليهم السلام الواقعية الثبوتية؛ كيف وهم لسان الله الناطق , وما يصدر منهم فهو الحق الصراح –على حسب ما اراد الامام عليه السلام - , 
والخلاصة :ان الردع عن التشكيك لا يصح الا ان يوجه الى نقل الثقة من شيعتهم للرواية عنهم وان محور الرواية هو النقل والرواية والناقل لا المنقول و المروي عنهم عليهم السلام بنفسه.
اشكال في المقام :ولقد خطر في البال اشكال لا بد من ذكره والجواب عنه وهو: انه قد يقال: ان متعلَّق التشكيك في كلام الامام عليه السلام ذكر كلمة "ما "   "فيما يرويه عنا ", وهذه الـ"ما " تعود للمروي والمنقول لا للنقل والرواية ,أي وكأن الامام عليه السلام يقول " لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فـي ( منقول نقله ذلك الراوي او مرويّ رواه ذلك الراوي  ) " فالمحور المنقول لا النقل. 
والجواب: ان هذا الاشكال يندفع بلحاظ مبحث الطريقية والموضوعية ؛حيث ان نقل هذا الراوي قد لوحظ بنحو الطريقية الصرفة ,والامام عليه السلام عندما يقول : فيما يرويه , فان هذه الـ ( ما ) لا طريق لنا الوصول اليها إلا نقل الراوي, فيعود النهي الى النهي عن التشكيك في الرواية دون المروي ,
وبتعبير اخر : ان التشكيك في المروي وان كان ظاهرا هو مصب الكلام لكن ذلك هو بلحاظ التشكيك في الراوي حيث ان الشك في المروي مسبَب عن الشك في الراوي وروايته  , وبالتالي المحور عاد مرة اخرى الى الراوي دون المروي . وببيان اخر : ان الامام عليه السلام يقول : ((لا تشكك في المروي من حيثية تشكيكك في رواية الراوي ونقله ))
وبهذا البيان يندفع الاحتمال الثالث في المقام .
واما الاحتمال الثاني : وهو ان النهي كان من الامام عليه السلام عن التشكيك فيما لو علمنا انه روايتهم عليهم السلام اي: ( ما يرويه عنا بحسب علمكم), ونحن لسنا بعالمين بذلك لان الفرض ان رواتها  مهملون، وجواب ذلك : ان هذا الاحتمال غير مراد ايضا ولوجهين : 
الاول :انه لا مجال لتوهم التشكيك فيما علمناه مرويا عنهم عليهم السلام ليكون هناك ردع عنه ,أي :مع العلم بكونه روايتهم  فلا يعقل تشكيك مواليهم به، وبالتالي فلا يعقل الردع عنه؛ فان أي عاقل وموال  لو علم ان هذه الرواية قد صدرت عنهم ع فكيف له ان يشكك في ذلك بعد ذلك 2 و هذا اولاً .
الثاني: فانه لا حاجة للاستناد الى هذا الرواي مع علمنا بتمامة المروي, فلو علمت ان هذه الرواية قد صدرت حقا من المعصومين عليهم السلام، فاي حاجة  بعد ذلك الى راوٍ ينقل عن الامام عليه السلام بما لا يفيد الا ظناً وان كان نوعياً، وبتعبير اخر : انه مع وجود الحجة الذاتية – أي العلم - فلا وجه للارجاع الى الحجة غير الذاتية – أي الظن الحاصل من خبر الثقة – فعلمي 3 بكلام الامام ع وبصدوره عنه ينفي الحاجة للاعتماد عن نقل ما رواه زرارة - مثلا - او غيره . 
اذن هذا الاحتمال الثاني لا يصار اليه، هذا بالاضافة انه يلزم من ذلك على اقل الفروض تخصيص الاكثر بهذا القيد, أي – قيد (علمنا) -؛ لان علمنا بالروايات هو الاقل والفرد النادر  , كما ان  لسان روايتنا لا يتماشى مع هذا الاحتمال حيث ان لسانها هو لسان العموم – لا الفرد النادر– 4. 
والخلاصة : من كل ذلك , ان الاحتمال الثاني او الثالث لا يصار اليهما فيما بيناه وانما المصير الى الاحتمال الاول وهو الصحيح 5, 
هذا بالاضافة الى ان المتفاهم عرفا هو الاحتمال الاول دون ذينك الاحتمالين , فالمولى لو قال لعبده : لا تشكك فيما يرويه ابني  عني ,فالمعنى المتبادر عرفا هو اقبل منه كل كلام نقله عني ولا تشكك في ذلك . 
وبهذا يتبين ان الاستظهار العرفي يعضد ذلك التدقيق الذي ذكرناه – من تعين الاحتمال الاول دون الثاني والثالث –  .وللحديث صلة تأتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطاهرين ...
 
الهوامش.......................................................................................................................
1) فان التدبر في كلامهم عليهم السلام يكشف لنا بعض الافاق الواسعة وذلك ان بحار المعارف تجري من ينابيعهم 
2) إلا اذا كان ذلك الانسان مضطرب التفكير 
3) بأي منشأ كان حصول ذلك العلم 
4) وهذا جواب تنزلي 
5) كل الذي ذكرناه سابقا من الاحتمالات كان بحثا دقيا 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=967
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 3 جمادي الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23