• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 63- تفصيلٌ حول الاشتراك اللفظي و المعنوي للحكم او (الاحكام) ومناقشة ذلك .

63- تفصيلٌ حول الاشتراك اللفظي و المعنوي للحكم او (الاحكام) ومناقشة ذلك

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
لا زال البحث يدور حول روايتنا المعهودة ,ووصلنا في فقهها إلى مفردة (أحكامهم)، واستظهرنا بدواً من هذه الكلمة تبادر المعاني الثلاثة وهي: الاحكام الشرعية والولائية والقضائية, فهي موضوعة لهذه المعاني بنحو المشترك اللفظي هذا ما مضى , واما مبحثنا الان فهو انه يمكن ان يقال: ان الحكم وان كان مشتركا لفظيا بين هذه المعاني الثلاثة إلا إن كلمة الأحكام خاصة بالأحكام الشرعية، وهذه الدعوى توؤل في حقيقتها الى التفكيك بين المادة وبين احدى الصيغ التي صيغت بها تلك المادة, فلعل شخصا يقول: إن(الحكم) وان كان مشتركا لفظيا بين المعاني الثلاث إلا ان جمعه (الاحكام) بالوضع التعيني ظاهر في الاحكام الشرعية، فعندما تقول لشخص:(عليك بتعلم الأحكام) فالظاهر منها هو الاحكام الشرعية. ولتقوية اشكال المستشكل يقال : لا مانع من ان تكون المادة ظاهرة في معنى، واحدى الصيغ المتفرعة من تلك المادة ظاهرة في معنى آخر, او ان تكون المادة ظاهرة في الاشتراك اللفظي واحدى الصيغ تكون حقيقة بالوضع التعيني في احدها فقط , وقد اوضحنا ذلك سابقا ونشير الان الى ان هذا البحث في فقه اللغة هو بحث عام وهام وله فوائد كثيرة ومنها كتطبيق لتلك الثمار آية الخمس (1) ، فان اهل الخلاف -على المشهور بينهم- يقولون باختصاصها بغنائم دار الحرب ولا تشمل ارباح المكاسب والتجارة، وكما هو معلوم فهذه الآية هي الاية الوحيدة في القران الكريم لاثبات تعلق الخمس بارباح المكاسب والتجارات , ومن خلال اشكالهم فانهم يريدون نفي هذا المعنى عنها ونحن نجيب بجوابين , احدهما مبنائي والاخر بنائي , اما الاول فنقول :ان الغنيمة اعم مما ذكروه ولذلك ورد في الرواية: ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ) كما تقول ( صحبتك غنيمة لي )، وقد اعترف بعض كبار اهل العامة كالقرطبي بان الغنيمة اعم من غنائم دار الحرب، هذا اولا، واما ثانيا: انه يقال حتى لو قبلنا ان الغنيمة حقيقة في غنائم دار الحرب إلا ان بعض مشتقاتها كـ ( غنمتم ) هي حقيقة في المعنى الاعم بالوضع التعيني لكثرة الاستعمال،وهذاجواب ثان على شبهة القوم وهناك تفصيل نتركه لبحث الخمس . 
ولذلك يمكن ان تكون كلمة ( الحكم ) مقولة على المعاني الثلاثة بنحو الاشتراك اللفظي ولكن جمعها يراد به احد تلك الثلاثة بالوضع التعيني ( بحسب الدعوى ) حيث ان غير هذا المعنى لا ينسبق من حاق اللفظ , هذا الذي يمكن ان يقال كاشكال على ما سبق . 
والظاهر ان الجواب عن هذه الشبهة ليس بمتعسر؛حيث نقول عين ما قلناه في الحكم؛ فان الاحكام ايضا يتبادر منها المعاني الثلاثة الى الذهن، وهذا مما لا شك فيه ,اللهم إلا ان نأتي بقرينة مثل ( تعلم الاحكام ) فان هذه قرينة معينة للمعنى, ولكن كلامنا في ( الاحكام ) بما هي هي ومجردة عن القرينة، ولذا نجد ان وصف الاحكام بأحد المعاني الثلاثة لا يرى العرف فيه انه قد حول وجهة اللفظ عن ماهو وانه قد اضحى على خلاف المعنى المنسبق من اللفظ أي عندما نقول ( الاحكام السلطانية) مثلاً فاننا نجد ان هذه الصفة لا تغير من مدلول الموصوف بان تجعل اللفظ مستخدما في المعنى المجازي، بل نجد ان هذه القرينة هي معينة وليست بصارفة, والظاهر انه لا داعي للتوقف اكثر من ذلك عند هذه الشبهة ويكفي هذا المقدار من الجواب في المقام ,وهنا يوجد كلام متمم ومهم وهو لو اننا لم نقل بالاشتراك اللفظي فهل يوجد مخرج جديد لتعميم المعنى المراد في روايتنا المعهودة ؟ فلو اننا نفينا ان الحكم بنحو المشترك اللفظي واثبتنا انه حقيقة في الحكم الشرعي .. فهل ستكون الرواية خاصة بالاحكام الشرعية حسب مدلولها المطابقي؟ ام ان هناك وجها للتعميم؟ والجواب : نعم يوجد ذلك الوجه فرغم ان اللفظة خاصة, ولكن نستطيع ان نلزم الخصم بكل من الاحكام القضائية والحكومية ايضاً؛ وذلك ان هذه الاحكام مرجعها الى الاحكام الشرعية، وبتعبير آخر: ان هذه الاحكام من صغريات وتطبيقات الاحكام الشرعية لو كانت في دينهم كذلك كما هي في ديننا , فمثلاً الحاكم عندهم وان كان فاسقا فهم ملزمون – شرعاً- بالاخذ بأحكامه . 
والمتحصل: انه حتى لو كان المراد من الرواية الاحكام الشرعية فان الاحكام القضائية من مصاديقها لان القضاء يعد من مجموعة احكام الدين، وكذا الحال في حكم السلطان؛ لانهم يرون وجوب امتثال احكامه بالنسبة اليهم؛ لان الله تعالى سلطه عليهم، واما عندنا فان الحاكم العادل واحكامه الولائية - بناءا على القول بولاية الفقيه – هي احكام شرعية. 
والخلاصة : ان الوجه الاول كان الاشتراك اللفظي واوضحنا بقرينتين ان المراد في عالم الاثبات كل المعاني, واما الوجه الثاني: فهو القول بالحقيقة والمجاز قد ادخلنا غيرها في الاحكام الشرعية فشملتها هذه اللفظة بمعنى طولي عمودي لا افقي لان الاحكام السلطانية و القضائية منضوية تحت اطار الاحكام الشرعية فلذا تكون مشمولة بالرواية . 
وننتقل الى وجه جديد وهو: ان نقول بالاشتراك المعنوي لكلمة (احكامهم ) كيف؟ - ونحن سابقا نفينا هذا المعنى، ولكن الان نريد ان نثبت الاشتراك المعنوي بوجه اخر غير ما نفيناه سابقا حيث اننا نفينا كلام ابن فارس بجامع المنع- ولنبحث الان عن جامع اخر بين المعاني الثلاثة فلو ثبت فاننا سنكون في غنى عن بحث الاشتراك اللفظي ولوازمه توضيح ذلك انه قد يقال: ان هناك جامعا ولفظة حكم موضوعة له وهو نفس ذلك التعريف الذي صدرنا به البحث عند تعريف الحكم حيث عرفناه بانه الاعتبار الشرعي المنشأ المسبوق بالملاك والارادة , وهنا نقول انه مع حذف كلمة ( الشرعي )(2) فيصلح هذا التعريف ان يكون جامعا بل انه هو الجامع بين المعاني الثلاث لانطباقه عليها سوية فهو منطبق على الحكم الشرعي كالوجوب وغيره وكذا على الحكم السلطاني لان حكم الحاكم اعتبار منشأ مسبوق بالملاك والارادة والامر كذلك في حكم القاضي . 
اذن لو قلنا بهذا الجامع، لما ابتعدنا واغربنا عن المراد، وهذا ما خطر بالبال اخيرا، والظاهر انه عرفي ومنسبق الى الذهن ولو ارتكازاً، وبالتالي فنحن في حل من كل تلك التفاصيل التي ذكرناها لو قلنا بالاشتراك اللفظي,على انه مع التوضيح الذي بيناه هناك ستكون النتيجة واحدة لاننا تسلحنا هناك بالقرينة الخارجية على ارادة كل المعاني بالاشتراك اللفظي . 
والخلاصة: ان المستظهر ان الموضوع له هو ذلك المعنى الجامع، وهو عرفي ارتكازي، فلذا نقول بالاشتراك المعنوي لكلمة (احكامهم) . 
وبعد تمام الكلام في المبحث الثالث نعود الى المبحثين الاولين وهما هل ان كلمة احكامهم تشمل الاحكام التكليفية والوضعية معا ؟ 
وهل تشمل المستحبات والمكروهات والمباحات ؟ وفي الجواب نقول : 
ان كلمة ( لزمته احكامهم ) هي شاملة للاحكام الوضعية والتكليفية .. بأي دليل ؟ 
والجواب : 1) لصدق الحكم على الحكم التكليفي والحكم الوضعي حقيقة، فعندما يحكم المولى بالزوجية فهذا حكم كما انه لو حكم بوجوب صلاة الصبح فهو حكم كذلك (اني جعلته عليكم حاكما ) حكم، فان الامام عليه السلام بصدد تشريع الحكم الوضعي وليس التكليفي , نعم ان التكليفي تابع له وجعل الامام الصادق عليه السلام للفقيه حاكماً يصدق عليه انه حكم من الاحكام بدون مؤنة وتعمل . 
2) والدليل الثاني هو الروايات مثل رواية عبد الله بن سنان ورواية عبد الله بن طاووس وبهما يقطع النزاع ولا يبقى مجال للتوهم في البين . 
الرواية الاولى :عن عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام قال : سألته عن رجل طلق امرأته لغير عدة 3 ثم امسك عنها حتى انقضت عدتها هل يصلح لي ان اتزوجها ؟ قال نعم لا تترك بغير زوج . 
والامام عليه السلام كلامه صريح في الحكم الوضعي، وانها بغير زوج نتيجة ذلك الطلاق، فمع بطلان الطلاق لانتفاء شروط صحته- لانه طلاق بالثلاث- إلا ان الامام عليه السلام حكم بحكم وضعي والرواية صريحة في ذلك . 
الرواية الثانية : عن عبد الله بن طاووس قال : قلت لابي الحسن الرضا ع : أليس قد روي عن ابي عبد الله ع انه قال ( اياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس فانهن ذوات الازواج ؟ ) ووجه الاشكال من الراوي كيف تسمحون لنا ان نتزوج من زوجة العامي لو طلق ثلاثا أليس هذا يتناقض مع مضمون هذه الرواية ؟ والامام عليه السلام يفصل ويبين بان ادلة الالزام حاكمة على الادلة الاولية وان من هذه الموارد المستثناة هي طلاق المخالف ثلاثا ولذا يجيب الامام السائل ويقول ( ذلك من اخوانكم، لا من هؤلاء , انه من دان بدين قوم لزمته احكامهم ) وهذه القاعدة من الامام عليه السلام وتطبيقها على مصداق مفيد للحكم الوضعي دليل واضح على شمولها له ، وللكلام تتمة ان شاء الله تعالى.وصلى الله على محمد واله 
الهوامش ................................. 
1) اية الخمس (( واعلموا ان ماغنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى ..)) 
2) او مع تعميم الشرعي لكل الشرائع ، فلا حاجة لحذفه. 
3) ظاهرها انه طلقها ثلاثا بدون تخلل عدة ورجوع بين الطلقات بقرينة الجواب، ويحتمل كون الكلمة (لغير سنة). 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=947
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين 27 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23