• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 59- تتمة الكلام حول ( قوم ) -تتمة كلمة (لزمته) وشموله لقاعدتي الإمضاء و الالزام و هل يراد به اللزوم الثّبوتي ام الاثباتي؟ .

59- تتمة الكلام حول ( قوم ) -تتمة كلمة (لزمته) وشموله لقاعدتي الإمضاء و الالزام و هل يراد به اللزوم الثّبوتي ام الاثباتي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لا زال الحديث حول فقه روايتنا المعهودة ووصلنا الى كلمة (قوم ) والمعنى المراد منها والفروع التي يمكن ان تترتب على تحقيق معناها ,وذكرنا انها تطلق على العدد ثلاثة فصاعدا , فعلى هذا لو كان هناك دين اتباعه 3 فقط فان الرواية تشملهم هذا ما مضى .
ولكن قد يقال: بالانصراف؛ لاستبعاد الشمول لكل ثلاثة اتبعوا دينا جديدا،واستبعاد ان يحضوا بالشرعية(1) من قاعدة الالزام,وبالتالي قد يقال: بالانصراف الى الاديان المشهورة اوالمعتد بها، فالمشهورة  كالاسلام والمسيحيةوغيرها واما المعتد بها فهي التي يتبعها الملايين من الناس, ولكن الانصراف قد يورد عليه بالايراد المعروف وهو انه ناشئ من كثرة الوجود الخارجي او اقوائية بعض المتعلقات وليس ناشئا من مقام التخاطب بحيث يصنع للفظ وجهة ويكون سببا لعدم انعقاد الاطلاق .هذا اجمال الكلام بحسب القواعد في المسألة فلو ان البعض رأى ما ارتأيناه من انه لا انصراف في المقام فان قاعدة الالزام ستشمل حتى الاديان المحدودة الاتباع والا فلا .
واما الفرع الاخر الذي طرحناه فهو: ان القاعدة هل تشمل مؤسس الدين او لا ؟حيث كثر مؤسسوا الاديان في وقتنا الحاضر من امثال البهائية وباحتمال القاديانية، وعلى وجه بعض مذاهب الهرمينيوطيقيا وهي مذاهب متعددة لعلها خمس فبعضها قد يقال: انها دين،وكذلك اصناف اخرى كثرت في دول متعددة كعبدة الشيطان فلهم دين واحكام خاصة(2), والجواب اننا قلنا ان جملة (يدين بدين قوم ) لا يصدق على مؤسس الدين ,اللهم الا ان يقال بالغاء الخصوصية او ان يقال: بتنقيح المناط اذ أي فرق بين تابع الدين وبين مؤسسه ؟ فلو كان التابع يُلزم باحكام فكذا المؤسس .
ولكن هل يمكن ان نقول بتنقيح المناط بضرس قاطع ؟ الظاهر ان الامر مشكل ... لماذا ؟ لان قاعدة الالزام – وهي نقطة دقيقة – رغم ان ظاهرها شديد وذلك لان فيها الزام للمقابل على مقتضى دينه باحكامه المضرة بحاله لانها مشرعة في مورد الاكراه إلا انه مع كل ذلك فهي متضمنة لنوع من الاعتراف بالآخر وتهندس العلاقة معه بناءا على ذلك , وكذا تنظم علاقة الاخرين الملزمين بالقاعدة مع بعضهم البعض –على ما نرى من شمولها لذلك – أي: ان الفرد العامي مع زوجته العامية أو العامي مع زوجته الامامية نلزمه في كلا الحالتين باحكام النفقة مثلا وعلى طبق مذهبه . اذا  قاعدة الالزام تعطي الشرعية القانونية لا الحقيقية لذلك الدين او المذهب الاخر بانه معترف به قانونياً – لا في معادلة الحق والباطل -، وان قوانينه سارية على اتباعه، وهذا بعكس الكافر الحربي فلا شرعية قانونية بحقه,ولو لاحظنا ما ذكرناه فستكون دعوى شمول قاعدة الالزام لمؤسس الدين من باب القياس لا من باب تنقيح المناط؛ إذ ان التشدد مع مؤسس الدين هو على مقتضى القاعدة،واما الاتباع فان الله تعالى ولمصلحة التسهيل خفف عليهم فشملهم هذا الاطار العام من خلال قاعدة الالزام , ولا يعلم ان هذا التسامح اوالتخفيف والاعتراف الضمني القانوني شامل للمؤسس, بل الاحرى فيه هو التشدد,هذا ملحق بسيط بفرعنا المذكورويحتاج الى مزيد تنقيح، ولم نجد من تطرق لهذا العنوان من الفقهاء – في استقراء ناقص - حتى نستطيع ان نلاحظ رأيه ونستأنس به ونستضئ به جرحا او تعديلا .
 تتمة مهمة: لقد كان كلامنا بأكمله مبنيا على مسلكنا الذي ارتضيناه من ان المراد من كلمة (دين )هو( الشريعة) , ولكن لو عممنا الكلمة للقضاءوالعادة فان دائرة الابتلاء بهذه الفروع ستكون واسعة جدا؛لان اكثر الجماعات – من عشائر وغيرها – تدين بعادات معينة او بقضاء خاص حتى ان الشركات الكبرى في هذا اليوم فيها عادات وقوانين خاصة يعرفها من هو مطلع على هذا البعد .
وننتقل الان الى عنوان اخر في روايتنا وهي كلمة  (لزمته) ثم نذكر كلمة  "احكامهم(3)" وفي كلمة "لزمته" توجد مباحث عدة لابد من التدقيق فيها :
·        المبحث الاول : وهو بحث لغوي .
وهنا نتساءل في هذا البحث هل هناك فرق بين اللزوم والالزام ؟ فان بعض الروايات استعملت كلمة ( الزموهم)وروايتنا فيها كلمة (لزمته) ؟
الجواب : الظاهر ان هناك فرقاً كبيراً بين الكلمتين والاستعمالين، بالرغم من ان المادة واحدة فيهما ,ولكن الهيئة هي المنتجة لهذا الفارق المهم وهو ان الرواية المتضمنة لكلمة (لزمته) تصلح مستندا لقاعدتي( الالزام والامضاء) معا،واما الاخرى المشتملة على كلمة (الزموهم)(4) فالظاهر انها خاصة بقاعدة الالزام لا الامضاء .
توضيحه : ان عبارة (الزموهم من ذلك ما الزموا به انفسهم) الالزام فيها ظاهر في الاكراه وكما في قوله تعالى: (انلزمكموها وانتم لها كارهون)(5) ،وهذه ظاهرة في الاكراه ايضا ,أي الالزام بالشيء على خلاف الرغبة، فلو ان هناك شخصاً كان الامرعلى مقتضى طبعه ورغبته، فلا تستعمل كلمة الالزام في حقه؛ كما لو كان راغبا ومحبا لزيارة الحسين عليه السلام، فلا يقال :" الزمته بالزيارة" , لكننا ندعي الان ان نفس هذه المادة بما هي هي لا تتضمن معنى الاكراه،وانما نبع هذا المعنى من تحويلها الى صيغة (الإفعال) وقولبتها بهذه الهيئة, ففي روايتنا كلمة (لزمته) تدل على الاحكام التي له والتي عليه ولا فرق في لزوم كليهما له، ونستدل على ذلك بكلمات اللغويين حيث قالوا ان كلمة اللزوم لغة هو الثبوت وفي معنى اخر اللصوق واخر الدوام, لزوم الشيء: طول مكثه) لزم يدل على مصاحبة الشيء بالشيء دائما، ولو تتبعنا كل كتب اللغة(6) فلا نجد فيها تفسيرا لكلمة (لزوم) بتضمنها معنى الاكراه،وماهو على خلاف الرغبة والطبيعة.
اذا .. من حيث مادة لزم فاننا لا نرى أي دلالة على الاكراه او الالزام بحكم ضرري للملزم فيكون المستفاد من روايتنا المعهودة  هو كلتا القاعدتين أي الالزام والامضاء.
لا يقال: ان كانت المادة لا تدل على الاكراه فكيف تدل صيغة باب (الافعال)عليه ؟ ومن اين نشأ ذلك الاكراه ؟
والجواب : لقد أشرنا مرة وبإيجاز الى ذلك وكذلك بحثنا الامر بتفصيل في كتاب الخمس بمناسبة كلمة      (غنيمة)،وان العامة يعترضون علينا بان "غنمتم" في الاية الشريفة خاصة بغنائم الحرب دون غيرها، وتطرقنا هناك لبحث مفيد في فقه اللغة ,حيث نجد كثيرا ما في اللغة العربية او غيرها من اللغات نجد الهيئة تدل على معنى اضافي لكن المادة لا تدل على ذلك المعنى , فمثلا في باب الافعال فان مفاده فيه هو التعدية فقط ،ولكن عند صياغة لزم في هذا الباب فستدل على الاكراه ولنترك تحقيق ذلك لمحله,ولكن يكفينا في المقام الاشارة الى ان المتفاهم العرفي في (الالزام) هو الاكراه ,وهنا نتساءل من اين نشا هذا الاكراه ؟هل هو بسبب مناسبات الحكم الموضوع ؟او بسبب التطور التدريجي للغة ؟- أي الوضع التعيني لبعض تصريفات الكلمات التي افادت افادات جديدة -؟ والتحقيق يترك لمظانه ولكن نقول اجمالا اننا وجدانا نجد ان مادة لزم بصياغة باب الافعال دالة على الاكراه والمادة لادلالة لها بنفسها عليه .
المبحث الثاني : وهو بحث فقهي وهنا نتساءل هل اللزوم في كلمة "لزمته" هو لزوم ثبوتي ام اثباتي ؟ والجواب: ان الصور عند التامل هي اربعة ,وذلك من خلال ملاحظة كلمة لزمته وكلمة احكامهم ففي كل منها المراد اما الواقعي او الظاهري فتكون صورا اربع,والكلام الان في اللزوم فهل  اللزوم واقعي ثبوتي ام ظاهري اثباتي ؟
توضيح ذلك:الاحكام عندنا اما ظاهرية واما واقعية،ولكن ما الفرق بينهما؟ بحسب التتبع وجدنا ان هناك خمسة مصطلحات، ولكن نشير الى اشهرهما: الاول: ان المراد من الحكم الواقعي هو ما كان مفاد الامارات والحجج واما الظاهري فالمراد منه ماكان مفاد الاصول العملية ( وهو المصطلح المشهور)
والثاني:الحكم الظاهري: ماكان مفاد الاصول والامارات والحجج معا، واما الواقعي: فهو خصوص ما ادى اليه العلم ،ونحن نتوقف عندالاصطلاح الاول, ففي روايتنا (من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم) الاحكام اعم من الاحكام الاجتهادية والاصولية العملية -وسيأتي تحقيقه- ،واما اللزوم في (لزمته)؛ فهل المراد ان نلزمه ثبوتا باحكامهم الواقعية وكذا الظاهرية، ام نلزمه اثباتا وفي مرحلة الظاهر؟ ماهو الفرق ؟ان الفرق يظهر في جواز تفصيه وتملصه من العمل على طبق قاعدة الالزام واقعاً ان قلنا بالالزام الظاهري فقط, فلو ان مخالفا الزمناه بنفقة زوجته غير المخالفة، وكان مذهبه وجوب ان ينفق   فان قلنا: ان اللزوم ثبوتي فعليه بينه وبين ربه ثبوتا بالنفقة وان قلنا اللزوم اثباتي فله ان يتملص من ذلك ولا ينفق وان تظاهر بعكسه وللكلام تتمة وتحقيق ادق سيأتي باذن الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
الهوامش ...........................................
1 وسياتي توضيح معنى الشرعية فانتظر
2  هناك دين ظهر اخيراً  في امريكا قد بلغ عدد اتباعه 4 الالاف في وقت وجيز
3  ذكرنا في البحث السابق ان مفاد كلمة احكامهم يختلف عن مفاد كلمة احكامه من خلال مرجع الضمير وسياتي بيانه ان شاء الله 
4  الا لزام هو من باب الإفعال
5  سورة الهود الاية 28
6  كما في كتب لسان العرب و معجم مقاييس اللغة ومجمع البحرين وغيرها
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=943
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 20 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23