• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 72- اعادة تأطير عام للبحث : 1ـ الاستدلال بقول اللغويين وقد سبــق 2ـ الاستدلال بالروايات ، وهي على ثلاثة طوائف : ـ تمهيد : اللفظ من حيث (الوضع) و (المراد) على اربعة اقسام ، وتحديد موطن النزاع بين الاعلام .

72- اعادة تأطير عام للبحث : 1ـ الاستدلال بقول اللغويين وقد سبــق 2ـ الاستدلال بالروايات ، وهي على ثلاثة طوائف : ـ تمهيد : اللفظ من حيث (الوضع) و (المراد) على اربعة اقسام ، وتحديد موطن النزاع بين الاعلام

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان البحث حول تحقيق مفهوم الرشوة سعة وضيقا من حيث الموضوع له، وذكرنا انه قد يستدل على ذلك بكلام اللغوي هذا أولا، وقد أشبعنا البحث عن ذلك بمقدار ما اقتضاه المقام، هذا ما مضى. 
كلمة قيمة للميرزا النائيني : الاجماع على حجية قول اللغوي 
ولابد هنا من ذكر كلمة؛ وذلك لأهميتها في المقام، وهي ان الميرزا النائيني - والذي هو من انصار الراي القائل بعدم حجية قول اللغوي ولعله المؤسس من المعاصرين - لهذا الاتجاه - له كلمة قيمة وهي ذات دلالة بالغة فانه يحكي أن هناك إجماعا منقولا من السابقين على حجية قول اللغوي، ثم لم يناقش في تحقق الإجماع صغرويا، ويبدو من ذلك ومن نقله: أن الإجماع وان لم يكن ثابتا فرضاً، فانه لا اقل ان هناك شهرة عظيمة بين من سبقه من الأعلام على حجية قول اللغويين، ولعل القول بخلاف ذلك أصبح مشهورا من عهد الميرزا فنازلاً. 
والإجماع المنقول يعتبر مؤيداً على أقل الفروض 
وأما عبارة الميرزا[1] فهي: "قد حكي الإجماع على اعتبار الظن الحاصل من قول اللغوي بالخصوص – أي انه من الظنون الخاصة – لا من باب الظن المطلق" انتهى، أي ليس حجة من باب الظن المطلق على الانسداد. 
الدليل الثاني: الاستدلال بالروايات لتنقيح (الرشوة) موضوعاً سعةً وضيقاً 
تأطير البحث بإطار جديد : 
وكتتمة لما ذكرناه سابقا من استدلال صاحب المستند بالرواية الصحيحة ومناقشة فقه الصادق(عليه السلام) لها، وجدنا انه من المناسب ان نؤطر البحث بإطار اعم واشمل وأتم، ونجعل الكلام السابق هو احد فروع وبنود هذا التأطير الجديد، فنقول: 
ذكرنا الدليل الأول على أن الرشوة موضوعة للأعم هو قول اللغويين، ثم انتقلنا من بعده الى الدليل الثاني وهو بعض الروايات حيث استدل صاحب المستند برواية صحيحة على ان الرشوة موضوعة للأعم، وعلى تأطيرنا الجديد فستدخل هذه الرواية ضمن احد فروعه . 
روايات المقام على ثلاث طوائف : 
وهنا نقول: ان الروايات التي يمكن ان يبحث عن دلالتها في المقام – بحسب تتبعنا – هي على ثلاث طوائف: 
الطائفة الاولى: وهي تلك التي أشار إليها صاحب المستند 
الطائفة الثانية: وهي ما أشار إليها وأضافها صاحب فقه الصادق(عليه السلام) 
الطائفة الثالثة : وهي تلك الروايات التي سنذكرها أيضا ان شاء الله تعالى 
هذه طوائف ثلاث، ومنها ندخل في البحث الروائي للاستدلال على ان الرشوة موضوعة للأعم فنقول: 
أما الطائفة الأولى فهي ما كان لفظ الرشوة فيها معلوم المراد ومجهول الوضع، ومصداق ذلك ما ذكره صاحب المستند كما سيتضح. 
وأما الطائفة الثانية: فهي ما كان فيها لفظ الرشوة ذا قيد، وهو ما أضافه صاحب فقه الصادق(عليه السلام). 
وأما الطائفة الثالثة – وهي ما سنضيفها – فهي ما كان لفظ الرشوة فيها مجهول المراد ومجهول الوضع معا، وهذه الطائفة لم يشر لها الأعلام[2]. 
تفصيل أكثر حول الطوائف الثلاث : 
أما الطائفة الأولى وهي ما كان اللفظ فيها معلوم المراد ومجهول الوضع، فكما في رواية المستند، حيث يسأل الإمام(عليه السلام) عن الرجل يرشو الرجل كي يتحول من منزله فيجيب الإمام(عليه السلام): لا بأس، فإننا نلاحظ ان هذه الرواية هي مصداق لما كان معلوم المراد وان جهل الوضع؛ حيث لا نعلم ان الرشوة هل وضعت للأعم أي هل انها شاملة وضعاً لبذل المال حتى غير الحرام او لا؟ وصاحب المستند اتكأ على هذه الرواية لإثبات الأعم؛ فان التحول عن المنزل ليس غاية باطلة محرمة بل هو من حقوق الطرف حيث له الحق في البقاء وعدم البقاء[3]. 
إذن: لفظ الرشوة الوارد في الرواية معلومٌ المرادُ منها ولكن الوضع مجهول ولا يعلم ان الرشوة هل استخدمت في معناها الحقيقي ام بنحو المجاز؟ 
وأما الطائفة الثانية وهي تلك أشار اليها صاحب فقه الصادق(عليه السلام)، فان كلمة الرشوة قد وردت فيها مع ذكر قيد، حيث يسأل الإمام(عليه السلام) عن (الرشا في الحكم), و (في الحكم) هو قيد، فهل يمكن ان يستفاد من هذا القيد دلالة معينة ؟ هذا هو مورد الكلام، وسيأتي توضيح ان القيد هل هو قيد احترازي او توضيحي، والثمرة في ذلك[4]. 
وأما الطائفة الثالثة فهي تلك الروايات المجهولة من كلا الجانبين، أي : من حيث الوضع والمراد وهي عبارة عن روايات عديدة ستأتي, من قبيل ( الراشي والمرتشي كلاهما في النار )، فان كلاً من الوضع والمراد للفظ الرشوة مجهول, أما الوضع فلان الفرض هو ذلك حيث انه قبل ان يستقر رأي الفقيه على احد الطرفين فان الوضع مجهول عنده للأعم او الأخص, ولذا كان ذلك مثار نقاش شديد بين الأعلام. 
واما المراد فانه مجهول تبعاً لمجهولية الوضع ولا قرينة وذلك ان المعصوم(عليه السلام) عندما ذكر ان كلا من (الراشي والمرتشي في النار)، فهل كان قصده من ذلك الراشي بالباطل ؟ ام كان قصده أيضا الراشي بحق؟ ذلك مجهول، وهذه الروايات هي روايات متعددة ومستفيضة, ومتظافرة[5]. 
تأطير آخر وأقسام أربعة : 
ونذكر الآن إطاراً آخر لأربعة أقسام – لمزيد فائدة و منهجة للبحث -، فان روايتنا السابقة تندرج في الأقسام الثلاث الأخيرة، ونقاش السيد المرتضى مع المشهور يدور في القسم الثاني والثالث منها, وأما القسم الرابع فهو ما أضفناه فلاحظ. 
الأقسام الأربعة : حيثية اللفظ من جهة الموضوع له والمراد منه 
إن الألفاظ بالنسبة الى حيثية (الموضوع له اللفظ) و(المراد منه) هي على أربعة أقسام : 
القسم الاول : ان تكون اللفظة معلومة الوضع والمراد، وهذا القسم لا كلام فيه، وقد ذكرناه لكي يتضح التقسيم ويستقيم ويكون تمهيدا لذكر بقية الأقسام[6]. 
القسم الثاني : وهو ان يكون اللفظ معلوم المراد ومجهول الوضع، وهذا القسم هو مورد النقاش والنزاع بين السيد المرتضى والمستند من جهة، وصاحب فقه الصادق(عليه السلام) والمشهور من جهة ثانية، ورواية المستند هي من هذا القسم . 
القسم الثالث : وهو ان يكون اللفظ معلوم الوضع مجهول المراد، وهو بعكس القسم الثاني, وفي هذا القسم فان الموضوع له اللفظ معلوم، ولكن نجهل المراد من قبل المستعمل وانه أراد الحقيقة؟ او انه استعمله في المجاز مع ان قرينته قد خفيت علينا 
القسم الرابع : وهو ما كان فيه اللفظ مجهول الوضع ومجهول المراد، وهو بعكس القسم الأول، وقد يبدو غريبا من الناحية المبدئية، من حيث تصوير الأصل الذي يمكن ان يحتكم إليه فيه، وهذا القسم هو ما أضفناه وسنذكر الوجه في ذلك[7]. 
إذن : هذه هي الأقسام والعناوين الأربعة في بحثنا، وهي مهمة جدا، ولابد من استحضارها في الذهن؛ فان البحث المقبل سيبتني عليها تمام الابتناء. 
تفصيل الأقسام : القسم الثاني: معلوم المراد ومجهول الوضع 
ونبدأ بالقسم الثاني من الأقسام الأربعة، وذلك لأنه هو موطن نقاش بين صاحب فقه الصادق(عليه السلام) مع المستند؛ فقد استشكل فقه الصادق(عليه السلام) عليه بان الاستعمال اعم من الحقيقة في الرواية التي ذكرها المستند، حيث يرى صاحب المستند أن الاستعمال دليل الحقيقة وليس اعم منها، بخلاف فقه الصادق(عليه السلام). 
وجه مرجعية أصالة الحقيقة في القسم الثالث 
وعبارة فقه الصادق(عليه السلام) هي : " أصالة الحقيقة يرجع لها لتشخيص المراد "، وتوضيحا لكلامه : أي مع العلم بالوضع، ونحن نقبل المبنى المذكور, فانه مع العلم بالوضع والجهل بالمراد يرجع الى الأصالة المذكورة، أي أصالة الحقيقة، ووجه ذلك انه مقتضى الحكمة؛ فان طريقة العقلاء والعرف جارية على ذلك في محاوراتهم، وخلافه هو إغراء بالجهل[8] فانه إذا كان للفظ معنى وقد اتضح معناه الحقيقي الموضوع له كالأسد الموضوع للحيوان المفترس، وانه مجاز في الرجل الشجاع، فلو قال المتكلم : جئني بأسد – إنشاء-، او رأيت أسدا – إخبارا –، فانه مع الجهل بمراده للمعنى: حقيقة كان او مجازا، فانه لا بد ان يريد الحقيقة وقد اعتمد على أصالة الحقيقة، والوجه في ذلك ان المتكلم الحكيم إذا لم يُقِم قرينة على إرادة المعنى المجازي، مع علمه بان طريقة العقلاء في محاوراتهم انهم لو أرادوا غير المعنى الحقيقي لأقاموا القرينة، فإذا لم يقم قرينة فيتعين ان مراده هو الحقيقة وإلا لأغرى المخاطب بالجهل لأنه من العقلاء، وذلك كي لا تختلط المرادات نظراً لكثرة وجود المعاني المجازية[9]. 
وتكملة كلام فقه الصادق(عليه السلام) : ".. لا لتعيين الموضوع له بعد معلومية المراد" انتهى، فلو علم ان المراد هو الرجل الشجاع فلا يمكن ان نقول ان الموضوع له هو الرجل الشجاع أيضا، فان سيرة العقلاء ليست على ذلك. 
الفرق بين الصورة الثالثة والصورة الثانية: 
وهنا نتساءل عن الفرق بين الصورة الثالثة والصورة الثانية المذكورتين فنقول : ان ذلك يحتاج الى دقة لمعرفة الفرق بينهما، وبكلمة واحدة نستطيع ان نقول: انه في الصورة الثالثة هناك ضابط نوعي عقلائي عام يرشدنا للمراد وهو مفقود في الصورة الثانية وذلك ان القضية في الأخيرة ترتبط بآحاد المتكلمين ومرادهم، ومرادهم لا يكشف عن الوضع، هذا بيان أول لكلام المشهور 
وجه عدم مرجعية أصالة الحقيقة في القسم الثاني 
ونذكر بيانا آخر لتوضيح كلام المشهور وهو: 
ان الشخص الذي استخدم كلمة معينة في معنى معين مع جهلنا بالوضع وعلمنا بالمراد، فانه كيف يقال انه يمكن الاعتماد على أصالة الحقيقة – كما قال ذلك المرتضى والمستند –، والحال ان هذا المريد لهذا المعنى ليس هو الواضع بنفسه، نعم لو كان هو الواضع بنفسه وقد عُلِم مراده وجُهِل وضعه فنقول لو استخدم هذه الكلمة في هذا المراد فان ذلك مثلا يكون قرينة على انه قد وضعه فيه, ولكن الكلام ليس في الواضع، وإنما هو في الاستعمالات العرفية و الشارعية، والشارع[10] لم يضع للرشوة معنى جديداً، فليس هو الواضع إذن. 
والخلاصة : انه لو علم مراد غير الواضع - والشارع منه -فكيف يقال انه ومن خلال معلومية مراده ننطلق الى ان هذا المراد هو نفس الموضوع له ؟ ! فلعل المتكلم قد استخدمه في المعنى المجازي، والمجاز هو معنى من المعاني الصحيحة اللهم إلا بأصالة عدم القرينة وسيأتي ما فيها ونقاشنا فيه فتدبر. 
وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
 
________________________________________ 
[1] - فوائد الأصول مج 3 ص 142 
[2] - أي لم يشيروا لها بعنوان ما ذكرناه وبهذا التأطير من إنها مجهولة الوضع والمراد 
[3] - سواء أكان مسجدا فله حق الاختصاص او منزلا استأجره او غير ذلك 
[4] - وفقه الصادق(عليه السلام) يستظهر انه قيد تفسيري وتوضيحي بخلاف ما نستظهره 
[5] - ولعل عددها بمختلف مضامينها يبلغ عشر روايات، وهذه إشارة وتوطئة للبحث السندي فيها 
[6] - ولا نقاش في هذا القسم إلا النقاشات العقلية والأصولية في مبحث الإرادة الجدية والاستعمالية وغيرها، وهي ثمرة علمية ولاربط لها بالثمرة العملية الفقهية في المقام. 
[7] - وسنبين ان تلك الروايات العشرة تندرج في هذا القسم، ومعه فهل يوجد اصل لفظي او عملي في هكذا موارد يمكن الاعتماد عليه؟ هذا ما سنفصله ان شاء الله تعالى 
[8] - فان الأصل هو تطابق المراد الجدي للمتكلم مع الموضوع له، لو لم يقم قرينة على الخلاف وعليه سيرة العقلاء والعرف 
[9] - وهذا ضابط نوعي عقلائي وخلافه هو إغراء بالجهل 
[10] - المقصود بالشارع هنا: الرسول والأئمة عليهم الصلاة والسلام. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=94
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 15 ربيع الثاني 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23