• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 50- التحقيق : ان المتبادر من (الدين) : الشريعة ، وبحوث حول التبادر .

50- التحقيق : ان المتبادر من (الدين) : الشريعة ، وبحوث حول التبادر

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
لا زال البحث في فقه حديث ( من كان يدين بدين قوم لزمته احكامه ) ووصلنا الى نقطة جوهرية ومحورية فيه وهي معنى كلمة ( الدين ) , وقد ذكرنا هناك اثني عشر معنى لها وتساءلنا هناك , هل انها مقولة بنحو الاشتراك اللفظي او المعنوي او بعضها حقيقة والاخر مجاز؟ وبينا انه لابد من الرجوع للامارات لتحقيق الحال والمعنى المراد , وقد بدأنا بالامارة الاولى وهي تنصيص اهل اللغة بقسميهم المذكورين سابقا , و تبين ان هذا الباب منسد ظاهرا , ونذكر الان الامارة الثانية وهي التبادر إذ يقال ان المتبادر الى الاذهان من كلمة ( الدين ) هو الشريعة ولو رجعنا الى ارتكازنا وكذلك لو لاحظنا حال سائر العقلاء لوجدنا صدق هذه الدعوى أي انه من لفظة ( دين ) ومرادفاتها في كل اللغات يتبادر معنى الشريعة والتبادر علامة الحقيقة . 
وهذا الكلام لا غبار عليه الى الان ؛ إذ لا مجال لتوهم ان الشريعة معنى مجازي للدين فالمشكلة كل المشكلة هي في نفي او اثبات سائر المعاني الاخرى , وقد ذكرنا فيما سبق انه ومن خلال علامية وامارية التبادر امكن تمييز الحقيقة من المجاز ولا مشكلة من هذه الناحية , ولكن المشكلة هي في تمييز الحقيقة بنحو الاشتراك اللفظي من الحقيقة بنحو الاشتراك المعنوي . 
ونتعرض الان لتعريف التبادر لدفع اشكال لاحق في المقام فقد عرف بعدة تعريفات ذات روح واحدة , منها هو انسباق المعنى من اللفظ من غير قرينة أي هو الانسباق من اللفظ المجرد عن القرينة، وبعبارة ادق هو انسباق المعنى من حاق اللفظ ونتيجة هذه التعريفات واحدة , وكذلك يمكن التعريف بانسباق المعنى عند الاطلاق استنادا للارتكاز , ومآل هذه التعريفات واحد ومنها يظهر ان المشترك اللفظي مندرج ايضا في دائرتها , وبالرغم من انها ( اي هذه التعريفات ) هي طاردة للمجاز لكنها ليست بطاردة للمشترك اللفظي ومثاله لفظ ( عين ) في معانيه المتعددة لانسباق المعنى الاول من حاق اللفظ وكذا الثاني والثالث وهكذا, وان كانت درجة السبق مختلفة، ذلك لان الوضع حاصل لكل واحد منها . 
اشكال ورد : لا يقال: ان الاستناد الى التبادر في تشخيص المعنى الموضوع له مستلزم للدور ... 
اذ يقال: بان العلم بالوضع موقوف على التبادر وهو بدوره متوقف على العلم بالوضع حيث ان الاجنبي عن اللغة العربية لا يحصل له التبادر من اللفظ لعدم علمه بالوضع وهذا دور واضح . وهذا الاشكال قد اجاب عنه الاخوند في الكفاية بجوابين وكلاهما صحيح نذكرهما بايجاز : اما الاول فهو الفرق بالاجمال والتفصيل , فان العلم بالوضع تفصيلا متوقف على التبادر , ولكن التبادر ليس متوقفا عليه، بل هو متوقف على العلم بالوضع اجمالا أي انه متوقف على الارتكاز , وبتعبير اخر: انه يوجد في كمون النفس معنى ارتكازي نظير المعاني الفطرية , وهذا المعنى الكامن يظهر بالتأمل ويتجلى نظير كل الفطريات ( ليثيروا لهم دفائن العقول )، فأهل اللغة يوجد في اعماقهم معنى ارتكازي من كثرة سماعهم لكلمات العرب وعشرتهم لهم، فعند طرح لفظ الاسد مثلاً عليهم، وانه هل هو حقيقة في الحيوان المفترس او الرجل الشجاع ؟ فانهم بالرجوع الى ارتكازهم يجدون ان المنسبق الى اذهانهم من حاق هذا اللفظ هو الحيوان المفترس فيكون معنى حقيقيا، دون الرجل الشجاع . 
واما الرد الثاني فان الدور يندفع من خلال استناد الجاهل الى العالم أي استناد من هو فاقد للخبرة على من هو أهل لها , فعلم الجاهل التفصيلي بالوضع مستند الى تبادر اهل الخبرة فلا دور في المقام . 
والى هنا ظهر ان التبادر يمكن ان يحتج به ولا يلزم اشكال الدور عليه إلا انه يبقى قاصرا عن نفي كون سائر المعاني حقيقية. 
توهم في المقام : وقد أشرنا اليه فيما سبق بوجه، والان نبينه بوجه آخر اجلى واوضح , فقد يقال: في المشترك اللفظي ان المعاني الاخرى لا تنسبق الى الذهن بل المنسبق هو المعنى الاول فقط, اذ عندما نطلق لفظ ( عين ) فان المنسبق الى الذهن هو معنى الباصرة أولا وبالذات , نعم من الصحيح انه بالتأمل تنقدح المعاني الاخرى كالجارية اوالسحاب او غيرها , ولكن الاشكال يبقى ان الانسباق هو للباصرة دون البقية وهذه غير منسبقة إلا في مرتبة متأخرة وبالتالي فما فرقها عن المجاز من هذه الناحية وهي عدم الانسباق ؟! 
والجواب : ان الفرق بينهما قد ظهر من الضابط السابق لتعريف التبادر , حيث قلنا انه هو انسباق معنى من حاق اللفظ وهنا وفي المشترك اللفظي يوجد ايضا ذلك الانسباق من حاق اللفظ لا من القرينة وان كان على درجات مشككة بخلاف المعنى المجازي والذي لا انسباق فيه اصلا وانما انسباقه الى الذهن هو من القرينة لا من حاقي اللفظ. 
والحاصل ان الانسباق حقيقة تشكيكية ذات مراتب، وهي كلها مندرجة في دائرة التبادر في المشترك اللفظي، ومعه تبقى المشكلة في البين، وهي ان تبادر المعنى الاول لا يحل معضلتنا في كلمة الدين اذ لا ينفي هذا التبادر كون بقية المعاني حقيقية. 
وبعبارة اخرى: عدم السبق اولاً اعم من المجازية، اذ قد يكون لعدم ارتباط المعنى بحاق اللفظ وقد يكون لوجود معنى اخر اوثق منه ارتباطا بحاق لفظه رغم كونه مرتبطاً بحاق اللفظ ايضاً. 
شبهة في المقام :لو سلمنا وآمنا بان كلمة (دين )يتبادر منها معنى (الشريعة)، ولكنه يبقى اشكال جوهري وهو ان التبادر الحاصل في اذهاننا نحن او في ذهن اللغوي الذي حاء بعد زمن نزول الآيات والروايات بأكثر من مئة عام ( لعله 170 عاما او اكثر ) هذا التبادر هو علامة للحقيقة في زماننا المتأخر، لكن كيف نثبت تبادر هذا المعنى زمن صدور النص، هل بالاستصحاب القهقري؟ لكنه ليس بحجة , وبالتالي فكيف لنا ان نثبت ان هذا اللفظ ( دين ) والمتبادر منه الان معنى (الشريعة)،هو المراد منه نفس هذا المعنى في زمن الامام الصادق (عليه السلام) ؟ 
لا طريق لنا إلا من خلال الاستصحاب المذكور والذي قد يعبر عنه كذلك باصالة عدم النقل، لكن المشكلة انه ليس بحجة . 
توضيح : وقبل الاجابة لابد من توضيح انه توجد لدينا ثلاث حالات : 
الحالة الاولى: وهي التي يجر فيها الماضي الى الحاضر وهذا هو الاستصحاب المعهود والمراد منه تطبيق ( لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين اخر ) أي ابقاء ما كان على ما كان . 
والحالة الثانية :وهي التي يجر فيها الحاضر الى الماضي وهو ما يعرف بالاستصحاب القهقرائي والذي هو ليس بحجة – على المشهور- لعدم بناء العقلاء عليه . 
الحالة الثالثة: ان يجر الحاضر للمستقبل وهو ما يعرف بالاستصحاب الإستقبالي وبعض الاصوليين طرحوه للبحث ومنهم السيد العم دام ظله في كتابه بيان الاصول، ولهذا البحث ثمار

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=934
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 5 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23