• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 68- 3ـ (تحديد الوضع حسي ) و (قول اهل الخبرة حجة في الحدسيات ) الجواب : أ ـ تحديد الوضع حدسي بدليل ... ب ــ وعلى فرض كونه حسياً فهو حجة من باب خبر الثقة ج ــ قول اهل الخبرة حجة في الحسيات ايضاً بدليل ... .

68- 3ـ (تحديد الوضع حسي ) و (قول اهل الخبرة حجة في الحدسيات ) الجواب : أ ـ تحديد الوضع حدسي بدليل ... ب ــ وعلى فرض كونه حسياً فهو حجة من باب خبر الثقة ج ــ قول اهل الخبرة حجة في الحسيات ايضاً بدليل ...

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان البحث حول الاحتكام الى قول اللغويين في مفهوم الرشوة وحدودها سعة وضيقا، وذكرنا ان صاحب فقه الصادق (عليه السلام) استشكل على كلام المستند وغيره بان قول اللغويين ليس بحجة، فلا يصح الاستناد إليهم, وبينا دليلين من الأدلة التي يمكن ان يستدل بها على عدم حجية قولهم، وبقي الدليل الثالث. 
الدليل الثالث على عدم حجية قول اللغوي: 
وأما الدليل الثالث فقد ذكره السيد الخوئي في مصباحه، وكذلك ذكر جانبا منه الميرزا في فوائده، وهذا الدليل مركب من شقين صغرى وكبرى، 
أما الصغرى فهي: ان اللغوي لا يعتمد في تعيين أوضاع الالفاظ على الحدس بل انه يعتمد على الحس "، وذلك انه يعتمد على السماع من العرب ولذا فاللغوي لا يعمل الرأي والنظر والاجتهاد في صنعته، هذه هي الصغرى . 
وأما الكبرى فهي: ان قول أهل الخبرة حجة في الحدسيات لا في الحسيات، فالطبيب مثلاً كلامه حجة من باب الحدس، فانه يحدس من رؤية مظاهر معينة (ومن خلالها يستطيع ان يكتشف) ان الشخص الذي أمامه مصاب بالمرض الفلاني دون المرض الآخر, وكذلك المهندس والفقيه، وكل منهم يدخُلُ رأيه في باب أهل الخبرة ؛ لان مجال عملهم ونطاقه هو الحدس. 
ونص كلام صاحب المصباح هو: "الرجوع الى أهل الخبرة إنما هو في الأمور الحدسية التي تحتاج الى إعمال النظر والرأي لا الأمور الحسية التي لا مدخل للنظر والرأي فيها"، هذه هي الكبرى، 
وأما الصغرى فقد قال: " تعيين معاني الألفاظ[1] من قبيل الأمور الحسية ؛ لان اللغوي ينقلها على ما وجده في الاستعمالات والمحاورات وليس له إعمال النظر والرأي فيها[2] " انتهى. 
وقفة وتعليق على ( ليس له إعمال النظر فيها ): 
وقبل ان نبدأ مناقشة كلام صاحب المصباح لدينا تعليقة على عبارته الأخيرة وهي (وليس له إعمال النظر فيها)[3]، والمحتمل في هذه الجملة أمران: 
* الاحتمال الأول: هو نفي الوقوع 
*الاحتمال الثاني: هو نفي الصحة 
وظاهر هذه العبارة هو نفي الصحة، لكن سياق كلام الأصوليين كصاحب نهاية الأفكار والفوائد ونفس السيد الخوئي هو الحديث عن الوقوع وليس عن الصحة والجواز، أي ان مدار الكلام هو حول الوقوع وان اللغوي هل تصدى للوضع او لم يتصدَ له؟، وعلى أية حال فسنجيب عن كلا هذين الوجهين بإذن الله تعالى. 
مناقشة الدليل الثالث صغرى وكبرى 
ولكن من الممكن مناقشة كل من الصغرى والكبرى: 
أ – بل اللغوي يعتمد على الحدس في الوضع 
اما الصغرى، وهي ان اللغوي يعتمد على الحس وليس على الحدس في تعيين معاني الألفاظ وتشخيص الموضوع له، فنقول: 
ان هذا الكلام ليس بتام لان اللغوي يعتمد على الحدس في تحديد الموضوع له اللفظ مطلقا – إلا النادر –، لان الوضع – زمنا- لم يحدث في زمن اللغويين كابن الفارس (والمتوفى 395هـ) أو الفراهيدي (المتوفى 175 أو 170هـ) أو ابن منظور أو الطريحي، ولا غيرهم من اللغويين؛ ولذا فان اللغوي لم يسمع من الواضع بنفسه انه قد وضع هذا اللفظ لذلك المعنى، إنما اعتمد على الحدس؛ لأن اللغوي سمع من العرب استخداماتهم للفظة معينة في معاني معينة ثم استكشف (الحقيقة) من العلامات التي تذكر للتميز بين الحقيقة والمجاز كالاطراد وعدم صحة السلب و التبادر وصحة الحمل بلا عناية، وكذلك من الاستعمال بضميمة أصالة عدم القرينة – وان كانت العلامة الأخيرة مورد مناقشة[4] –، وكل هذه الأمارات يكتشف اللغوي بواسطتها حدساً الوضعَ. 
ولا يستشكل بان (التبادر) مما يحصل من دون حاجة الى مزيد نظر وتأمل وتعمل، إذ إن هذا لا ينفي كون العملية التي يقوم بها اللغوي للكشف عن الموضوع له الحقيقي حدسية، كما هو الحال في الطبيب المتمرس فانه في الكثير من الحالات يتبادر الى ذهنه تشخيص المرض والعلاج فورا عند سماع كلام المريض وما تظهر عليه من اعراض وعلامات، فان هذا التبادر لا يخرج رأي الطبيب عن كونه حدسياً فيبقى قوله حجة من باب كونه من أهل الخبرة وليس من باب الشهادة. 
والحاصل ان الحدسيات البعيدة عن البعض قد تكون قريبة لبعض آخر من اهل الخبرة، ونفس االكلام جار في بقية العلامات الكاشفة المتقدمة، ولذلك نجد ان الميرزا النائيني[5] يعترف بان تشخيص الموضوع له اللفظ حدسي، وليس حسيا، وعبارته في فوائد الأصول[6]. 
" نعم استخراج المعنى الموضوع له من بين المعاني المستعمل فيها اللفظ قد يحتاج إلى إعمال نحو من الرأي والاجتهاد, وبهذا الاعتبار أمكن اندراج قول اللغوي في ضابط أهل الخبرة"[7]. 
وخلاصة جوابنا: ان اللغوي هو من اهل الخبرة ورأيه حدسي في تحديد الموضوع له. 
عبارة الشيخ الحائري: 
ولا بأس هنا ان نذكر عبارة الشيخ الحائري حيث ذكر في درر الفوائد[8] ما يوافق قول المعترضين على حجية قول اللغوي ولكنه مع ذلك يقول: وأما الكبرى اعني بناء العقلاء على الرجوع الى أرباب الصناعات في صنعتهم فالإنصاف انها لا تخلو من قوة" انتهى، واللغوي هو من أرباب الصناعات فقوله في هذا الباب لا يناقش فيه. 
ب – ولا فرق في الرجوع لاهل الخبرة، بين الحس والحدس 
وأما كبرى السيد الخوئي وهي ان قول أهل الخبرة حجة في الحدسيات لا الحسيات، فيرد عليها: 
ان ما ذكره مناقش فيه وقد اشرنا الى ذلك سابقا ولعلنا سنتوقف في المستقبل أكثر عند هذا البحث، ولكن نشير إليه ههنا إشارة من خلال احد الادلة فنقول: ان رأي أهل الخبرة حجة في الحسيات كما هو الحال في الحدسيات؛ إذ لا فرق بين ما يدرك بالحواس الظاهرة – حسا – وما يدرك بالحواس الباطنة – حدسا –, فان الذي يدرك بالحواس الباطنة هو الحدسيات وهو طريق من طرق اليقين ومن الضروريات، والحاصل ان شخصا لو كان أهل خبرة في الحدسيات كالطب فان رأيه حجة لبناء العقلاء، كما انه لو كان من أهل الخبرة في الحواس الظاهرة فرأيه كذلك حجة لبنائهم، رغم ورود احتمال الخطأ في كليهما (الحس والحدس), ويدل على ذلك ان كلام عالم الجغرافية حجة في مجاله مع ان علم الجغرافيا يعتمد على المشاهدات والحسيات، وكذلك الحال في علم الفلك في حسياته فانه يعتمد ويطمئن الى قول الفلكي في ذلك ويعتبر من أهل الخبرة ورأيه حجة، ولا يعتبر فيه – في بناء العقلاء – ما يعتبر في (الشهادة) من الحياة والعدد والعدالة وشبهها. 
كما اننا نجد ان سيرة العقلاء جارية على الاعتماد على أهل الخبرة في العلوم الحسية وإنهم يبنون على ذلك، وهذا البحث هو بحث مبنائي يترك تفصيله لمحله. 
ولذلك قال السيد الوالد[9] في أصوله: " إن أهل الخبرة يشمل كليهما"، أي يشمل الحس والحدس معا "فبين الأمرين عموم مطلق". هذا أولاً 
ج – قول اللغوي حجة إما لأنه أهل خبرة أو لكون خبره خبر ثقة 
سلمنا بان قول أهل الخبرة حجة في الحدسيات فقط، ولكن لنا ان نلزم صاحب المصباح بمبناه فنقول: إنكم قد قلتم بان اللغوي ينقل عن حس لا عن حدس كما في صغراكم، وعليه: سيندرج كلامه - أي اللغوي - في دائرة خبر الواحد وخبر الواحد الثقة حجة بلا كلام, 
وبتعبير آخر: لنا ان نردد القضية في إشكالنا فنقول: 
ان قول اللغوي بالأوضاع إما حدسي وإما حسي، فان كان الأول فهو حجة من باب قول أهل الخبرة، وان كان الثاني فهو حجة من باب خبر الثقة، وعليه فان الحجية لقوله ثابتة على كل تقدير[10]. 
إشكالان للعراقي: 
ويرد على ما ذكرناه إشكالان، ونذكر عنواني الإشكالين فقط ولا نلج فيهما وعليكم بالتدبر في ذلك لكي تتضح الإجابة، فقد ذكر صاحب (نهاية الأفكار)[11] الاشكالين وهما: 
الإشكال الأول: وهو إشكال معروف حيث يقول فيه ان أدلة حجية خبر الثقة خاصة بالأحكام الشرعية ولا تشمل الموضوعات الخارجية، وقول اللغوي من الموضوعات، وجواب ذلك مذكور في الأصول فراجع. 
الإشكال الثاني: 
سلمنا ان ادلة حجية خبر الثقة تشمل الموضوعات أيضا، ولكن يكفي في الردع عن إتباع قول اللغوي قوله (صلى الله عليه واله وسلم)في رواية مسعدة بن صدقة: "والأشياء كلها على هذا حتى تستبين او تقوم به البينة "، وهذا الإشكال كذلك قد أجاب عنه الأصوليون في بعض كتبهم,ومنهم السيد الوالد فقد ذكر في عدة مواطن جواب ذلك، وجوهر الجواب يرتكز على التدبر في كلمة (تستبين) فانها مفتاح الإشكال كما هي مفتاح الجواب. فتدبر، وما ذكرناه يكفي في المقام. وللكلام تتمة 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
 
________________________________________ 
[1] - سينصب البحث على ظاهر هذه العبارة من إرادة: (تعيين الموضوع له الحقيقي)، وأما لو أريد تعيين المستعمل فيه – وهو بعيد – فقد أجبنا عنه سابقاً، وذكرنا ان اللغوي يبحث عادة عن الموضوع له الحقيقي، ولا يذكر المستعمل فيه المجازي إلا نادراً أو مع التصريح بالمجازية. فتدبر 
[2] - مصباح الأصول ج2: ص132. 
[3] - هناك إرباك في عبارة السيد الخوئي هذه ولعل المقرر لم يكن دقيقا في نقله أو لعل السيد لم يفصح عن مراده بعبارة فاصلة. ولذا طرحنا كلا الاحتمالين. 
[4] - إذ اعتمدها السيد المرتضى وناقشه المشهور. 
[5] - وهو أستاذ السيد الخوئي والظاهر ان السيد قد استقى منه مشربه ومبناه في ما ذكر عن شأن اللغوي. 
[6] - فوائد الأصول ج3: ص143. 
[7] - يلاحظ: ان الميرزا جعل الأمر (في الجملة) ونحن قلنا انه (بالجملة) وذلك اننا نقطع ان اللغويين وكتبهم التي بين أيدينا لم تكن معاصرة للواضع الأول إذن فكل آرائهم عن الموضوع له حدسية، أو الأعم الأغلب وليس (قد يحتاج) مما ظاهره التقليل. 
[8] - درر الفوائد / المجلد 2 / ص 368 
[9] - الأصول / مج 2/ ص 70 
[10] - وألحقَ قوم ذلك بالحدسيات القريبة من الحس، ومعه فيمكن ان يندرج هذا القسم الثالث في دائرة الحسيات حكماً. 
[11] - نهاية الأفكار / مج 3 / ص 94 - 95 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=90
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 7 ربيع الثاني 1434هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23