• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 64- تفصيل القول في (علم فقه اللغة الاصولي) واركانه العشرة ، ووجه ضرورته، ونسبته مع مباحث الالفاظ ، ولزوم تطوير (علم فقه اللغة العام) .

64- تفصيل القول في (علم فقه اللغة الاصولي) واركانه العشرة ، ووجه ضرورته، ونسبته مع مباحث الالفاظ ، ولزوم تطوير (علم فقه اللغة العام)

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
وصلنا في بحثنا الماضي إلى ضرورة أن يكون هناك علم بأسم (فقه اللغة الأصولي), إضافة إلى علم (فقه اللغة العام)، وحول هذا الأخير توجد كتابات وكتب, ولكن لا يوجد في (فقه اللغة الأصولي) كتاب، وإنما الموجود هو مباحث الألفاظ فقط، وهذه نسبتها مع ما ندعو إليه – من العلم الجديد – هو العموم والخصوص من وجه، هذا من جهة، كما ان نفس علم فقه اللغة العام من جهة أخرى هو ناقص في أبعاد متعددة منه ولم تغطّ فيه عدة حقول ترتبط بفقه اللغة مما يحتاج إليه في التفسير وفي دراسة الحديث وغير ذلك، إلا إن كلامنا ليس في فقه اللغة العام رغم أهميته وفائدته في العلمين المذكورين, بل الكلام في فقه اللغة الأصولي المقترح. 
كما ذكرنا انه توجد مسائل متعددة تنتمي إلى عدة علوم يتركب منها هذا العلم الجديد, ووصلنا إلى العلم الثامن والتاسع منها, وهما علما التفسير والحديث, فان بعض مسائل هذين العلمين ينبغي أن تكون من أركان علمنا الجديد. 
العلم الثامن: علم التفسير: مسألة الظهر والبطن 
ان بحث البطون هو من البحوث المهمة، والذي وردت فيه روايات كثيرة، والذي ينبغي أن يفعل هو أن تدرس هذه المسالة في علمنا المقترح – أي علم فقه اللغة الأصولي -، ونحن لم نجد بحثا عاما في الأصول – إلا بنحو الاستطراد – عن البطون رغم كثرة الابتلاء به ؛ فان الكثير من الآيات والروايات – إن لم تكن كلها – ذات بطون ومعان مكتنزة، ترتبط بالفقه والكلام وغيره من العلوم. 
ضوابط الظهور والبطون : 
فأما الظهر والظهور فان معادلاته واضحة وقد استوعب علم الأصول الى حد كبير البحث عنها، كما في بحث العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرها، 
ولكن وفي مقابل ذلك لم يستعرضوا ضوابط البطون، ولم يبحثوها في الأصول وان كان بعض ضوابطها واضحاً مصرحاً به في الروايات، كما انه يوجد بعض البحث عن البطن والبطون كمقدمة للتفسير، ولكنه ليس بحثا فقهيا وأصوليا متكاملاً ,فلا يفي بالغرض المرجو, 
كما ان بين الظهر والبطن توجد علاقة، وهذه العلاقة قطعية، ولكن كيف نستطيع ان نستكشف من الظهور البطون؟ وما هو الحجة من غير الحجة في هذا المجال؟ 
العلم التاسع: الحديث 
وأما العلم التاسع في سلسلة العلوم التي يتركب من بعض مسائلها علمنا المذكور، فهو علم الحديث، فان بعض مسائله ينبغي ان تدرج في علم فقه اللغة الأصولي، وهي تلك المسائل القريبة للاستنباط وهذه المسائل هي التي تقع في آخر حلقة في هذه العملية ؛ حيث قلنا ان موضوع علم الأصول هو " الحجة المشتركة القريبة في الفقه "، ومن أمثلة هذه المسائل - والتي قد أشير اليها بشكل مقتضب ومن الحري ان تبحث بحثا مفصلا-: هل يجوز للراوي ان ينقل بالمضمون ؟ وهذه المسألة مطروحة على بساط البحث، والرأي المنصور في المقام – ولعل عليه المشهور – هو جوازه، والروايات تصرح بذلك، هذه هي المسألة الأولى، ولكنها مبدأ بعيد حيث ترتبط بعلم الحديث بما هو هو، وأما المسألة الأخرى والتي ترتبط بنا نحن كفقهاء وكل من يريد ان يستنبط فهي: 
إننا لو قلنا بجواز نقل الراوي للحديث بالمعنى والمضمون، فمع هذا النقل المضموني هل يمكن التمسك بالعلة الصورية؟ وبتعبير أصولي هل الحديث المنقول بالمضمون حجة من حيث علته الصورية؟ وهل يصح لنا ان نتمسك بظاهر اللفظ الذي لا يُعلم بأنه من الإمام (عليه السلام)؟ وهذا البحث من الأهمية بمكان لأن سلسلة من البحوث الأصولية تبتني عليه، فمثلا لو تعارض العام مع المطلق – وكلاهما يرتبط بالعلة الصورية أي بالهيئة – فما هو المقدم منهما؟ رأيان في المقام، احدهما ان العام هو الذي ينبغي ان يقدم لأن دلالته بالوضع، وأما المطلق فحيث انه في إطلاقه يعتمد على مقدمات الحكمة، ومنها عدم وجود القرينة على الخلاف، والعام قرينة، لذا فان العام وارد عليه، 
ولكن وبحسب ما طرحناه من مبحث، وهو انه يجوز للراوي – وحتى أعاظم الرواة وغيرهم – النقل بالمضمون، فان هذا البحث سيعاني من إشكالية حقيقية، فان البنية التحتية لمسألة تعارض العام والمطلق مثلا تعتمد عليه، ونظائر ذلك عديدة، ولا نريد ان نطيل الكلام في المقام الان، نعم بعض الفقهاء كتبوا بعض البحث في هذه المسألة ولكنه يحتاج إلى مدى أوسع وأعمق لتكون النتائج والثمار بصورة أفضل على ذلك، وأما السبب في عدم إعطاء هذه البحوث مداها الذي تستحقه فهو عدم وجود علم متخصص في هذا الحقل 
إذن: العلم التاسع هو علم الحديث في مسائله القريبة والنهائية المرتبطة بالاستنباط الفقهي مباشرة والتي تشكل – هذه المسائل – احد اللبنات المتعددة لعلمنا المقترح. 
العلم العاشر: علم نسبية النصوص والمعرفة والحقيقة ( الهرمنيو طيقا ) 
وهذا العلم هو علم آخر قد ألجأتنا اليه ضرورة العصر، فان العالم وبسبب تطوره العلمي والفكري قد ولّد موجة من الافكار التشكيكية المضادة التي تتمحور حول جوهر واحد وهو عدم وجود واقعية ثابتة، وإنما توجد نسبية في 1- النصوص 2- والمعرفة 3- والحقيقة، وهذا العلم لو ثبت لوجّه ضربة قاصمة الى المقدمات البنيوية والارتكازية لمصادر المعرفة الصحيحة، ويسمى هذا العلم بـ (الهرمنيوطيقا) وله مدارس عديدة يتطرق كل منها لجانب من نسبية النصوص والمعرفة والحقيقة، والبحث طويل في هذا المجال وفي تقييم مختلف مدارس في هذا العلم , لذا لابد ان تتصدى مجموعة من المفكرين الإسلاميين والعلماء الواعين للوقوف أمام هذا التيار الحداثوي الذي يهدف الى ضرب مقدمات الحجج وأسس المعرفة، وبالتالي نسف الأديان التي تربط الإنسان بالسماء، ولازالت الكتابات في هذا الحقل من جهتنا قليلة وضعيفة لا ترتقي الى ما عمل عليه الغرب، فقد توجهوا بقوة فكريا ومعرفيا لتأسيس أسس هذا العلم ومسائله وتشييد أركانه – فيما زعموا -. 
إشكالات على المنهج المقترح: 
ولكن توجد عدة إشكالات قد تطرح من البعض على مقترح العلم الجديد ومنها: 
ان الأصول الموجود هو بحاله ثقيل على الطلبة كما يستنزف الكثير من الوقت، ولذا فان الطالب يغرق في حيثياته وتفرعاته حتى انه لا يستطيع ان يستفرغ الوسع في الفقه، بل يتيه في المقدمات والأدوات فيضيع الثمرة، ولو كان الأمر كذلك, فكيف بنا اذا أسّسنا علما جديدا آخر رديفا لعلم الأصول يضاف إليه؟ 
جواب الإشكال :" 
ان هذا الكلام ليس بتام، وتوضيح ذلك: 
إننا عندما نقترح تأسيس علم جديد فلا يراد منه ان يكون حتما مادة دراسية بكل مسائله وتفاصيله، وإنما المراد كلا الأمرين, أي ان بعض مسائل هذا العلم ينبغي ان تحول الى مادة دراسية حسب المستويات المتدرجة للطلبة، وهذه ضرورة لا كلام فيها، واما البعض الآخر من المسائل، وبتحقيق أوسع وأعمق، ستكون ككتب ومصادر مرجعية وكما هو الحال في الجامعات الاكاديمية في عصرنا الحاضر، فالجواهر مثلا هو كتاب مرجعي وليس دراسياً، عكس كتاب المكاسب في حوزاتنا المباركة، إذن ينبغي ان تكتب بعض مسائل العلم الجديد وباستدلال مبسط يتناسب ومرحلة سطح الطلبة والبعض الآخر من المسائل تكتب كمراجع مصدرية للمحققين من العلماء، حتى انه لو أراد الفقيه ان يبحث مفردة معينة فان تلك المراجع ستكون في متناول يده، كما هو الحال في مفردة الرشوة، وهي مفردة مهمة لم تنقح - وغيرها كثير – ولو نقحت لاستطاع الفقيه وبسهولة ان يرجع اليها، هذا من جهة. 
ومن جهة أخرى فان نفس هذا التطوير المقترح سيسهم في تهذيب وتشذيب علم الأصول نفسه، وعلى عكس ما توهم في الإشكال؛ فان كثيرا من البحوث الاصولية في مبحث الألفاظ ستلغى بصورة طبيعية وتندرج في علم فقه اللغة العام، كما في بحوث قد استغرقت الكثير من الصفحات في الكتب الأصولية مع انها لا ترتبط باستنباط المسألة الفقهية بالمرة، وسبب إدراجها في علم الأصول هو عدم وجود علم آخر يفرد ويفرغ الفقيه فيه استنباطاته المذكورة، ولذا يضطر الى درجها وبحثها في الأصول، وذلك مثل بحث الوضع ومن هو الواضع؟ فان هذا البحث ليس أصوليا، وإنما هو بحث لغوي او من المبادئ التصديقية لعلم الاصول، وكذلك بحث حقيقة الوضع هل هو التعهد او الجعل او غيرهما؟ فان هذا البحث قد أدرج في علم الأصول وليس بمسألة أصولية، وكذلك بحث تقسيم الوضع إلى أقسامه الأربعة، وأيضاً بحث علقة اللفظ بالمعنى، وكذلك بحث حقيقة الإنشاء وهل هو ايجاد اعتبار في عالمه او هو اعتبار مبرَز؟ وهكذا، فان كل هذه البحوث هي بحوث استطرادية أخذت حيزاً في علم الأصول. 
إذن: المقترح على الفضلاء الكرام ان يشمر مجموعة منهم عن ساعد الهمة والجد لتطوير علم فقه اللغة العام كي يستخدم في التفسير والحديث وكي يكون علة معدة للاستثمار في الفقه وكذا تأسيس (علم فقه اللغة الأصولي) المقترح والله المستعان. وللكلام تتمة 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=86
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 30 ربيع الاول 1434هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23