• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 62- تقييم (الجذر اللغوي) للرشوة ودعوى انه دليل على اعمية الرشوة ، وردّ القول بأن الاقدم من انواع الوضع هو الوضع الخاص والموضوع له الخاص .

62- تقييم (الجذر اللغوي) للرشوة ودعوى انه دليل على اعمية الرشوة ، وردّ القول بأن الاقدم من انواع الوضع هو الوضع الخاص والموضوع له الخاص

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان البحث حول تنقيح موضوع الرشوة، وبدأنا بالبحث اللغوي فيها، ثم سنعرج بعد ذلك ان شاء الله تعالى الى كلام الفقهاء والعرف والروايات لنرى مدى سعة دائرة مفهوم الرشوة من ضيقه, و قد نقلنا بعض أقوال اللغويين كلسان العرب حيث ذكروا ان الكلمة (الرشوة) مأخوذة من الرشاء وهو الحبل، ومن الرَّشا وهو ولد الضبي إذا تحرك ومشى، ومن رشا الدابة ورشمتها، او رسن الدلو، وكذلك ذكرنا بعض اشتقاقات الكلمة ، هذا ما مضى. 
كلام اللغويين ظاهر في ان الوضع أولاً للأمور المادية : 
والظاهر من كلام لسان العرب وابن الأثير وكلام البعض الآخر من اللغويين انهم استظهروا او أخبروا – على كلا الاحتمالين – ان مادة (الرشوة) قد وضعت في البدء للأمور المادية كالحبل والرسن وولد الضبي وما أشبه، ثم بعد ذلك وضع اللفظ للأمر المعنوي وهو الرشوة المعهودة، 
فالمستفاد من ظاهر كلامهم هو وجود الترتب والتسلسل في الوضع بين المعنيين 
اقوال بعض اللغويين: 
ولنلاحظ بعض اقوال بعض اللغويين في ذلك، حيث يقول في (لسان العرب( : (الرشوة مأخوذة من رشا الفرخ...) وظاهر قوله (مأخوذة)، ان رشا الفرخ واشباهه هو الموضوع له أوّلاً ثم كان هذا الوضع – الاول - داعيا لوضع اللفظ للمعنى الآخر وهو الرشوة - بالمعنى المصطلح - ؛فان فائدة الحبل هو ان يتوصل به الى المراد والرسن كذلك يتوصل به الى حفظ الفرس من الهروب وهكذا، والرشوة يتوصل بها كذلك للحاجة بالمصانعة، 
ويقول ابن الأثير: (الرشوة الوصلة الى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء) 
ويقول صاحب مجمع البحرين: (واصلها من الرشاء الحبل الذي يتوصل به الى الماء)، 
إذن : هذا الرأي والاحتمال يظهر من بعض أعلام اللغويين 
ولكن: هل هذا الأصل والجذر اللغوي يرقى الى رتبة كونه أمارة نوعية ومن الظنون العقلائية على الوضع للأعم في الأمر المعنوي ؟, أي : هل ان دراسة شجرة الكلمة والصيرورة التاريخية - وفي خصوص مقامنا الرشوة -، ومعرفة ان هذا هو الجذر – على فرض صحة كونه جذراً وأصلاً - يرقى الى كونه أمارة نوعية على الوضع للأعم؟ نظراً لأن الحبل يتوصل به الى الحاجة حقا كانت او باطلا، فإذا كان الوضع في الحبل للأعم فكذلك يكون وضعها اللاحق للأمر المعنوي، هذا احتمال أول, وأما الاحتمال الثاني فهو أن يكون ما ذكر مجرد مرِّجح للوضع في الأعم، 
الفرق بين الامارية والمرجحية : 
ومرجع تحديد الامارية أو المرجحية، الى ان الوضع الأول لو كان سببا للوضع الثاني بخصوصياته وحيثياته فهو أمارة، وأما لو كان الوضع الأول هو السبب للوضع الثاني لكن لا بخصوصيته بل بنحو إجمالي, أي ان الوضع الأول كان داعيا للوضع الثاني دون أن يتقيد الثاني بخصوصيات الموضوع له الأول فهو مرجح, 
وبعبارة أخرى :هل سببية وضع الأول للثاني هي بنحو الحيثية التقييدية او بنحو الحيثية الداعوية ؟ وسيأتي مزيد توضيح لذلك ان شاء الله تعالى . 
رأي بعض الأصوليين في الأقدم من أقسام الوضع 
ويوجد رأي لبعض الاصوليين يشترك مع بحثنا في جامع قريب, حيث يقول : 
(الأقدم من أقسام الوضع هو الوضع الخاص والموضوع له الخاص؛ لان الباعث لإبراز ما في الضمير هو مشاهدة الأمور الجزئية) انتهى، 
وبتوضيح منا لكلامه: ان هذا الأصولي يتصور ان ما جرى في بدء الخليقة هو ان الوضع كان اولا للأمور الجزئية المادية؛ لأن الإنسان في بدء خليقته لم تكن له علاقة بالكتب الفلسفية او الرياضية او غيرها، وإنما شغله ومدار حركته هي الجزئيات المختلفة التي يواجهها في صيده وطعامه، فمثلا عندما يرى ان التفاحة تسقط أمامه يضع لها لفظا، فالمعنى المتصور في هذه الحالة خاص، أي الوضع خاص كما ان الموضوع له خاص, وهكذا عندما يرى ولده يبكي فان بكائه خاص أيضا وهو المعنى المتصور فيضع له لفظة البكاء مثلاً، ولذا اختار ان الأقدم هو الوضع الخاص والموضوع له الخاص. 
وتطبيق هذا الرأي على المقام – مع نوع من التطوير له – ان الأقدم هو الوضع للأمور المادية لان الإنسان فيما قبل التاريخ كان محاطاً بالأمور المادية الجزئية المحسوسة؛ وكانت هي مصب اهتمامه أولاً ولا غيره ولذا فانه عندما وضع اللفظ للحبل وسماه بذلك فإنما كان لتعامله أولاً معه، ثم بعد ذلك وضع اللفظ للرشوة - مورد البحث – ؛ لانتقال ذهنه من الحبل المادي الذي يتوصل به لاستدرار و استجرار الشيء الآخر، الى الرشوة التي هي معنى من المعاني، وذلك للمناسبة بينهما. 
الجواب: ليس الوضع الخاص هو الأقدم 
ونقول في مقام التعليق على كلام الاصولي – مع التطوير الذي ذكرناه –: ان كلامه في غاية الضعف ، وذلك لجهتين: 
الجهة الأولى: ان كلامه مبني على ان الواضع هو غير الله تعالى، واما بناءاً على ان الواضع هو الله تعالى استناداً إلى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) وغيره، فان كلامه لا محل له من الإعراب. 
ثم انه حتى لو لم نقل ان الواضع هو الله تعالى فيوجد رأي ومبنى آخر وهو ان الواضع هم الحكماء، والحكيم ليس كالجاهل الصرف، ممن لا يدرك إلا الماديات المحسوسة بالحواس الخمس. والظاهر ان مبنى ذلك الأصولي هو هذا الثاني (الواضع حكماء البشر) . 
الجهة الثانية: - وهو جواب تنزلي – اننا حتى لو قلنا ان الواضع ليس هو الله تعالى وليس الحكماء, وإنما هم الجهلة من القرون ما قبل التاريخ نقول: 
حتى على هذا الاحتمال فان قول ذلك الأصولي ليس بصحيح فانه حتى الجاهل يدرك كثيراً من الكليات والمعنويات، بل نقول: ان الإنسان مركب من حواس ظاهرة يدرك بها الجزئيات المادية، ومن حواس باطنة يدرك بها المعاني الجزئية ، وكذلك ركب فيه العقل الذي يدرك الكليات أيضا، وعليه فكيف يدعى بان الأقدم هو الوضع للخاص والموضوع له الخاص في خصوص دائرة الحواس؟ بل خصوص المشاهد منها إذ يقول (لأن الباعث لإبراز ما في الضمير هو مشاهدة الأمور الجزئية(؟ وذلك لأن الباعث للبوح بما في الضمير هو: 
1- اما مشاهدة الأمور الجزئية المادية. 
2- واما البوح بما في البصيرة من المعاني الجزئية كالحب والبغض والرشوة منها. 
3- واما إدراك الكليات, فان كل هذه الحيثيات يدركها حتى الإنسان الجاهل لضرورة وجود العقل فيه، وانه ليس كالحيوان لا يدرك الكليات، بل ان الحيوان أيضاً يدرك المعاني الجزئية لا المشاهدات فحسب. 
إضافة في المقام و استغراب : 
واستغرابنا في المقام لا ينقضي من كلام هذا الأصولي؛ لانه يجري ويصب في مصب ما توهمه بعض الحداثويين من الإنسان البدائي الأول، وأقاموا عليه ما زعموه أدلة وهي لا ترتقي حتى إلى مستوى المؤيدات والتي تبتني أيضاً على إنكار كون أول الخلق هو الإنسان العاقل الكامل إذ كان الخليفة قبل الخليقة وهو آدم النبي وأبناؤه ومنهم تشعب البشر. 
والنتيجة : ان القول بالاقدمية للوضع للجزئيات المشاهَدة لا وجه له إطلاقا، ومن هذا البيان يتبين لنا وجه من وجوه رفض ما ادعاه ابن الأثير ولسان العرب ومجمع البحرين من الأصل المذكور، فانه لا دليل على ان الوضع الأول للرشوة كان هو (الحبل) ونظائره من الأمور المادية. 
علم شجرة الكلمات وضرورة تكامل مباحث الالفاظ 
ونستطرد للإشارة الى بحث منهجي، وهو كبرى كلية مهمة، وهي ان علم الأصول رغم ما شهده من البحوث المعمقة والتطور الكبير الا انه لا يزال في إحدى جهاته لم يتكامل، ونفس هذه الجهة لعلها هي التي سببت وقوع هذا الأصولي في هكذا مطب, وقد اسمينا هذا العلم أو هذا الفرع من هذا العلم - والذي لابد من ولوجه لإكمال مباحث الألفاظ في علم الأصول من حيث الشمولية والإحاطة والبحث والفائدة - علم دراسة شجرة الألفاظ وسيرورتها التاريخية فان هذا العلم – أو هذا الفرع من العلم - ليس بموجود في حوزاتنا ، مع ان مباحث الألفاظ هي من الأبحاث المهمة جداً والتي تعتمد فيما تعتمد عليه، هذه الحيثية؛ ومن مصاديق ذلك ان العديد من المفردات التي صدرت في زمن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بمرور الزمن جرى عليها بعض التحول والذي قد يصل إلى درجة النقل بالوصول الى زمن الصادقين عليهما السلام, ثم لعله جرى بعد ذلك التحول تحوّل آخر في الأزمنة اللاحقة وهكذا, وهذا بحث متشعب موسع ولكنه لم يبحث في علم الأصول إلا استطرادا, وأما العلم الحديث فقد أسس لذلك علما خاصا اسماه الاركيو لوجيا المعرفية وهو علم مهم سنشير له ان شاء الله تعالى، وللكلام تتمة. 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=84
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 28 ربيع الاول 1434هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23