بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول حجية مراسيل الشيخ الصدوق في الفقيه, وذكرنا بعض الاستدلال على ذلك، وكذا بعض الإشكالات في المقام والأجوبة عليها.
ونذكر إشكالين آخرين وبهما نختم البحث و وهذا المقدار كاف بما يتناسب والمراد
الاشكال الاول: الصدوق في الرجال مقلِّد
لقد استشكل على الشيخ الصدوق وعلى مراسيله ان الشيخ في الرجال مقلد وليس بمجتهد فلا حجية لتوثيقه لرجال رواياته بالنسبة للمجتهد الآخر، والدليل على ذلك هو ان الشيخ اعتمد في توثيقه من جهة وفي جرحه من جهة ثانية، لرجال نوادر الحكمة، على استاذه وشيخه ابن الوليد فقد التزم بما التزم به .
جواب الشبهة:
ويجاب عن هذا الاشكال وعن هذه الشبهة بوجوه وأجوبة:
الجواب الأول: الصدوق بصير بالرجال
انه لا شك عند الفطاحل من علماء الرجال ان الشيخ الصدوق كان خريت هذا الفن,أي: علم الرجال، وانه كان مجتهدا بما للكلمة من معنى؛ولذا فان هكذا الاشكال مستغرب بحق الشيخ,وقد ذكرنا سابقا عبارة الشيخ الطوسي في الفهرست حيث يقول حول الشيخ الصدوق: "كان جليلا حافظا للأحاديث بصيرا بالرجال..."، وعبارة (بصيرا بالرجال) تدل على انه كان من اهل الخبرة في هذا العلم، فهذا الاشكال ليس فيه لون من الانصاف للشيخ الصدوق ومنزلته العلمية في معرفة الرجال.
الجواب الثاني: فرق بين التقليد والاعتماد
وهذا الجواب جواب جوهري ينفعنا في مواطن اخرى وهو:
ان الشيخ الصدوق قد استند في توثيقاته وكذا في جرحه على كلام شيخه ابن الوليد، وهذا الاستناد منه(اعتماد) وليس (بتقليد)و والفرق بينهما كبير؛ فان المجتهد قد يعتمد على مجتهد اخر في رأي معين كأن يعتمد على قول اللغوي أو النحوي أو غيرهما، ولكن المقلد يقلد المجتهد، وذلك إن أهل خبرة لو استند الى اهل خبرة اخر فهو في مقام الاعتماد لا التقليد.
توضيح ذلك:
ان بناء العقلاء جار على ان اهل الخبرة يمكن ان يرجع الى اهل خبرة اخر فيأخذ منه حاصل تحقيقه في مسألة معينة ، و أن يعتمد عليه فيذلك من باب الاطمئنان، وهو حجة في المقام وليس من باب التقليد، وهذا الاعتماد لا يخدش في كون هذا المجتهد بصيراً عارفاً أهل خبرة في هذه المسألة.
ولمزيد توضيح نقول:
ان حال الشيخ الصدوق في توثيقه لمن وثقه شيخه وكذا جرحه لمن جرحه ,لا دليل على انه كان مغايرا لحال الشيخ النجاشي وغيره من الرجاليين في ذلك ,فالنجاشي لم يكن معاشرا ومباشرا لمن وثقهم، وذلك للفاصل الزمني بينهم وبينه ,فقد اعتمد في كل توثيقاته على شيوخه, فهل أخرجه ذلك عن الاجتهاد للتقليد؟
وبتعبير آخر: ان الشيخالصدوق لاحظ توثيقات شيخه ابن الوليد ولم يجد جارحا فوثقهم وفي المقابل لاحظ جرح شيخه لمن جرحه ولم يجد معارضا فجرحهم، اما العامي في علم الرجال فانه لا يعرف الموازين الصحيحة في التوثيق والجرح,ولذا فهو مقلد لا مجتهد.
واما المجتهد فانه يعرف تلك الموازين ويستطيع ان يعرف مدى صحة توثيق من وثق .
الوجه والجواب الثالث:
لو لم يقتنع الشخص بما قدمناه من الجواب الثاني فاننا نقول:
يكفينا في المقام توثيق ابن الوليد، وكلامه حجة بلا شك، فهو رجالي من الطراز الاول كالشيخ النجاشي لا يقل عنه في ذلك, والحاصل: إن الشيخ الصدوق في أسناد رواياته قد اعتمد على توثيقات شيخه ,فهو ينقل لنا أن شيخه ابن الوليد قد اعتبر السند الفلاني صحيحا وهذا يكفي,
وعليه:فكون الشيخ الصدوق مقلداً فرضاً لا يضر؛ لأنه مقلد لمجتهد في علم الرجال، وحاله كمالو نقل لنا الطوسي مثلاً ان النجاشي قد وثق هذه السلسلة، فاننا نكتفي بذلك، والكلام نفسه ينطبق في استناد الشيخ الصدوق على شيخه،ويضاف الى ذلك ان الشيخ الصدوق قد ضم رأيه الى رأي استاذه، ومن كل هذا يظهر إن هذا الاشكال في غاية الوهن صغرى وكبرى ومردود على صاحبه.
اشكال اخير:
ونذكر اشكالا اخيرا حول هذا البحث وبصورة مختصرة فقد استشكل صاحب الجواهر على الشيخ الصدوق وقال: انه يشكل الاعتماد على مراسيل الشيخ الصدوق في (الفقيه) فانه قد رجع عن وعده في ان ما ينقله في كتابه (هو ما يفتي به ويحكم بصحته)،ولو ان الشيخ الصدوق بقي على الوعد الذي قدمه في ديباجته لتمت حجية مراسيله إلا انه قد رجع عن ذلك.
جواب الاشكال:
ونجيب عن هذا الاشكال:
ان ما ذكره صاحب الجواهر هو دعوى بلا بينة ولا دليل, على انها لو تمت فانها موارد مستثناة قام الدليل على إخراجها وتخصيصها فلا تقدح بعموم العالم والحاصل ان غاية ما يمكن قوله ان الشيخ الصدوق لم يعمل ببعض روايات الفقيه , وقد مضى جواب ذلك مفصلا، وقلنا ان العام يبقى على حجيته في الباقي بعد قيام قرينة على استثناء الخاص، فكأن الشيخ الصدوق يقول: ان كل رواياتي افتي بها إلا هذه وهذه والخاص لا يسقط العام عن الحجية في الباقي.
ونذكر مثالا على ذلك من علم الرجال,فانه لا شك في ان الشيخ النجاشي قوله حجة في علم الرجال، ووجه ذلك إن قولهونقده عن حس لا عن حدس، إلا انه وبالتتبع نجد ان النجاشي وفي مواطن عديدة – لعلها بالعشرات – اعتمد على الحدس في تضعيف الراوي مستندا في ذلك الى رميه بالغلو وشبهه مما يرتبط بالمضمون وللرأي الاجتهادي في الوثاقة ولكن هذا الحدس منه وفي بعض الموارد لا يخل بحجية قوله في سائر وعموم الموارد الاخرى وكونها عن حس، فانها باقية على الاصل وهو ان الاصل في الرجالي وكل موثق انه يعتمد على الحس لا الحدس,ولو ثبت الاعتماد على الحدس في بعض الموارد لخرجت هذه من ذلك الأصل ومن دائرة الحجية العامة .وما نقوله في الشيخ في النجاشي نقوله في الشيخ الصدوق أيضا.
وما ذكرناه هو بعض البحث عن كتاب (من لا يحضره الفقيه) ومرسلاته ,وهو يستحق التوقف اكثر من ذلك؛ لأنه - كما قلنا – مبحث مبنائي مهم لتوثيق مجموعه كبيرة من الروايات، إلا ان ما قدمناه لعل فيه الكفاية لإعطاء المعالم العامة للموضوع، وقد نوفق لتفصيل أكثر حول ذلك لاحقاً بإذن الله تعالى.
مراسيل الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار:
وننتقل الان الى مراسيل الشيخ الطوسي في كتابيه,وقد ذكرنا فيما سبق انهتوجد مرسلتان للشيخ الطوسي تدلان على قاعدة الالزام ,ونطرح نفس السؤال حول هذه المراسيل وهو: هل ان مراسيل الشيخ الطوسي حجة؟
وبالرغم من ان بحثنا خاص بقاعدة الالزام إلا انه سيتركز على تنقيح الكبرىأي (عامة مراسيل الشيخ في التهذيبين).
رأي الفاضل المقداد:
والفاضل المقداد - هو من أعاظم علمائنا المحققين - ذكر في كتابه ( التنقيح الرائع ) حجية مراسيل الشيخ الطوسي في التهذيبين وذلك في مبحث انه هل يجوز بيع كلب الماشية والحائط او لا ؟ وكلامه هو: قال الشيخ في المبسوط: روي جواز بيع كلب الماشية والحائط ثم يقول الفاضل المقداد: ومثله لا يرسل إلا عن ثقة " انتهى
فان مثل الشيخ الطوسي وهو الرجالي المتتبع الثقة الضابط لا يرسل إلا عن ثقة,وعليه فمرسلاته حجة
تحليل كلام الفاضل المقداد:
وينبغي علينا في المقام ان نحلل كلام الفاضل المقداد حول مراسيل الشيخ الطوسي فانه في مقابل ذلك قد ذهب العديد من علماء الرجال والاصول الى عدم حجيتها ومن هؤلاء تلميذ المقدس الاردبيلي فيض اللهفي حاشية المختلف,فهو لا يقبل حجية مراسيل الشيخ ويشكل على ذلك اشكال متنياواشكالا سنديا.
إشكالهعلى المتن:
ان الشيخ الطوسي قد استظهر من تلك الرواية المعنى المذكور،وهو لم يذكر نص الرواية وفد نقل مضمونها الذي افتى به,ويحتمل ان الفقيه اللاحق لو رأى هذه الرواية فانه سيستظهر منها غير ما استظهره الشيخ الطوسي.
جواب الاشكال:
قد سبق فيما مضى بعض الاجوبة عن نظير هذه الاشكال، وهي تنفع في المقام، ونضيف اليها أجوبة أخرى,
وخلاصة الجواب هو: اننا نرى ان رجوع اهل الخبرة لاهل خبرة اخر في الاستظهار هو من قبيل رجوع العالم الى العالم وليس رجوعا من الجاهل الى العالم حتى لا يكون حجة، وعلى ذلك بناء العقلاء وسيرتهم، فيما لو لم يستظهر الفقيه بالفعل عكس ذلك الاستظهار.
ولكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين |