بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول توثيق الشيخ الصدوق لجميع ما في كتابه (من لا يحضره الفقيه) من روايات، وان عباراته هل تدل على ذلك؟ ولو دلت على ذلك فهل قول الشيخ حجة في حق المجتهد الاخر؟
وسنستمر بمزيد بسط للكلام في المقام وذلك لدفع الاشكالات التي يمكن ان تورد على ما بيناه؛ لأهمية هذا البحث، حيث - وكماقلنا – انه يتوقف توثيق المئات من الروايات على ذلك، وللجمع بين الحقين فلا تفصيل يخرج عن بحث القاعدة الفقهية، ولا إيجاز يخل في المقصود، فإننا ومن اجل ذلك سنتطرق لاهم الاشكالات التي ذكرها بعض الاعلام على كلام الصدوق.
اشكالات متعددة:
الاشكال الاول:
رواية الصدوق عن الضعاف
ان من الاشكالات التي اوردت على حجية كل ما في كتاب الفقيه من روايات هو، اننا نعلم بان الشيخ الصدوق قد استند في نقل رواياته في الفقيه الى مجموعة من الكتب، منها (كتاب نوادر الحكمة) لأحمد بن محمد بن يحيى والذي استثنى ابن الوليد فيه مجموعة من المشايخ، وتبعه على ذلك تلميذه الشيخ الصدوق,فان هؤلاء الذين استثنوا ليسوا بثقاة حتى يعتمد على كلامهم، وكما قلنا فان من مصادر الفقيه هو هذا الكتاب مع استثناءاته، وكذلك فان الشيخ الصدوق قد اعتمد على كتاب الحسين ابن سعيد, وكذاكتاب المحاسن للبرقي وغيرها، والاشكال هو اننا نعلم ان هذه الكتب ليست بأجمعها حجة ويعتمد عليها وانما هي كذلك في الجملة لا بالجملة,فكيف يقول الشيخ الصدوق (وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع) فينقض على الشيخ بان بعض هذه الكتب ليس عليها المعول بقول مطلق كما قال بل هي كذلك في الجملة،
والنتيجة: ان كتاب (من لا يحضره الفقيه) معول عليه في الجملة، وليس كل احاديثه مما ينبغي ان يعتمد عليها، وقد ذكر هذا الاشكال بعض علماء الرجال واعتبروه اشكالا قويا وانه لو لم يتفص منه فعلينا ان نراجع سند كل رواية رواية لاختلاط الحجة باللاحجة، ومع عدم ذكر السند – أي الارسال – فلا حجية لهذه الروايات إلا مع وجود قرائن اخرى.
جواب الاشكال: ويجاب عن هذا الاشكال بجوابين: الجواب الاول: هو ما ذكره بعض الاعلام وذلك ان يقال: بان كل ما في الفقيه حجة – وبحسب تصريح الشيخ الصدوق – إلا ما علم استثناؤه واما شك فيه فانه يبقى على الاصل، أي: الحجية، وهذه قاعدة عقلائيةجارية في كل الظواهر، أي في كل الاطلاقات والعمومات في الروايات المختلفة، فان العام حجة ولا يرفع اليد عنه إلا بقدر المخصص، واما المواطن المشكوكة فتبقى تحت العام، والشيخ الصدوق كلامه مصداق لهذا المبنى العقلائي، والخلاصة: ان سيرة العقلاء وبناءهم في كل العمومات جار على ما ذكرناه من هذه القاعدة
الجواب الثاني :وهو جواب عقلائي ايضا، بان يقال: ان الشيخ الصدوق عندما يقول في عبارته (عليها المعول واليها المرجع)فان قصده من ذلك انها كذلك بما هي هي ومع قطع النظر عن وجود معارض وقرينة على الخلاف. فمثلا لو قلنا ان خبرالواحد حجة، فالمراد هو حجيته بما هو هو، ولا ينقض علينا بان فلان الثقة قد طُرِح خبره بوجود خبر شخص اخر اكثر وثاقة منه في مقام المعارضة، إذ يجاببان خبر الثقة حجة بما هو هو مع قطع النظر عن المعارض الاقوى، وكلام الشيخ الصدوق مصداق لذلك،
وبتعبير اخر: ان كلام الشيخ الصدوق إنما هو عن المقتضي للحجيةالذي يكون فعلياً مع عدم وجود المانع، ومادام كذلك فهو علة تامة وإلا فلا،
ولنضرب ثلاثة أمثلة هنا لتقريب المسألة الى الذهن اكثر, فان شخصا لو قال ان فلان المرجع عليه معولي واليه رجوعي فان هذا لا ينافي كون ذلك الشخص يرجع في احتياطاته او بعضها الى غيره، فان الاولمرجعه بشكل عام، هذا هو الاصل والذي لا ينثلم بالرجوعالى الاخر في تلك الاحتياطات.
ومثال اخر: لو ان شخصا قلد في المسائل النادرة مرجعا آخر غير مرجعه – لكونهما متساويين في الاعلمية أو مثلاً أو لتوقف مرجعه في المسألة أو لعدم قوله بوجوب تقليد الأعلم –فان ذلك لا يخدش كون الاول هو مرجعه، فانه وبالحمل الشايع الصناعي يصدق عنوان (مرجعه وعليه معوله)، وان كان في بعض المسائل النادرة – لتشدد الاول فيها مثلاً – يرجع الى الثاني .
ونضرب مثالا اخر ليتوضح المطلب اكثر: فان شخصا لو قال ان منطق المظفر او صرف الرضي او مدرسة الميرزا النائيني مثلا هي مرجعيتي فهذا لا يعني انه لا يرجع أبداً حتى في النادر من المسائل الى غير هذين الكتابين، وكذلك لا يعني انه في كافة المسائل الاصولية يرجع الى مدرسة الشيخ النائيني،فانه وبشكل عام مادام يتبع هذه المدرسة وان كان يخالفها في بعض المسائل، فانه يصدق عليه كون هذه المدرسة هي مرجعيته.
وكذا لو قال انمرجعيتي اصولية او اخبارية فان ذلك لا يعني عدم رجوع كل منهما الى المدرسة الأخرى في بعض المسائل .
والنتيجة:
إن إطلاق كلام الشيخ الصدوق محكم، فان الطابع العام هو ماقاله، واما موارد الاستثناء فخارجة بالدليل، وما عدا ذلك فانه يبقى على الاصل
الاشكال الثاني: نقل الصدوق روايات متناقضة
ونذكر اشكالا اخر وهو:
انه قد يستشكل بان الشيخ الصدوق قد ذكر فيكتابه وفي عدة مواردروايتين متناقضتين، ولا يمكن الفتوى بهما معا لتعارضهما، فتكون فتوى الصدوق اما على الرواية الاولى او الثانية وعلى كل تقدير فان ذلك يخدش في كلامه وإطلاق عبارته.
جواب الاشكال:
ونجيب عن هذا الاشكال بما قدمناه من ان ذكر الشخص لكلام عام مطلق لا يضره استثناء ما يستثنى منهوهو ما جرى عليه العقلاء في سيرتهم وكذا بناؤهم، فكأن الشيخ الصدوق يقول كل هذه الروايات افتي بها إلا في مورد الاستثناء ومنها التعارض والذي يصلح بذاته كقرينة على الاستثناء لأحد الطرفين هذا أولاً،
وثانياً: ان مدعاي هو من حيث الرواية بما هي هي فلا ينفي ما لو عارضها ما هو اقوى منها.
تصحيح السيد بحر العلوم لـ(للفقيه) :
وقد قال السيد بحر العلوم في ترجمة الشيخ الصدوق عبارة طويلة نقتصر منها على موضع الشاهد فانه يقول: " واحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقف من احد "، وهذه العبارة من السيد هي عبارة قوية، وقد استشكل عليها البعض حيث ان السيد بحر العلوم يدعي في كلامه الاجماع كما هو الحال في اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن ابن ابي عمير، وسيأتي جوابه بإذن الله.
ثم يقول السيد بحر العلوم في كتابه:
" .. حتى ان الفاضل المحقق الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني- مع ما علم من طريقته في تصحيح الاحاديث -يعد احاديث (من لا يحضره الفقيه) من الصحيح عنده وعند الكل "، وكلامه يتضمن اجماعين منقولين، وعلى الرأي الذي لا يقول بحجية الإجماع المنقول، فانما نقله يعتبر مؤيداً قوياً في المقام بما له من اعتبار ووزن وثقل.
الاشكال على كلامه:
وقد اورد على كلام السيد بحر العلوم بان ما ذكره غريب فانه كيف يدعي الاجماع ونحن نرى الخلاف واضحا؟
ويجاب عن هذا الاشكال بأحد جوابين – على نحو الطولية بينهما -
الجواب الاول: انه لعله في زمن السيد بحر العلوم ومن سبقه لم يكن هنالك خلاف لما ذكره، والخلاف المدعى حادث .
الجواب الثاني: انه يظهر من الاجماعين الذين نقلهما السيد ان استقراءه هو والفاضل المحقق ابن الشهيد الثاني من اراء المشاهير من العلماء كان على ماذكراه، مما يدل ذلك على ان ثلة كبيرة من اعلام الطائفة ومشاهيرها قد اعتبروا كتاب الشيخ الصدوق بكافة رواياته صحيحة، وهذا المقدار من الجواب كاف لمن يرى الشهرة حجة في مثل ذلك ولكن لمن لا يرى ذلك فانه يصبح مؤيدا
اشكال ثالث:
توثيقات الصدوق حدسية
وهنا اشكال ثالث على كلام الشيخ الصدوق وهوفي واقع عبارة عن اشكالين:
اولا: انه من ادرانا بان الشيخ الصدوق كانت توثيقه للروايات في كتابهعن حس، فلعل توثيقه كان حدسيا؟
وبتعبير اخر: يحتمل ان الشيخ الصدوق قد استند في تصحيح رواياته او كثير منها الى قوة المضمون أومطابقته بنظره لسائر القواعد لا الى صحة السند، وهذا حدس منه وهو ليس بحجة على الفقيه الاخر.
الاشكال الثاني: فاننا لو فرضنا ان الشيخ الصدوق قد صحح هذه الروايات بلحاظ المخبرين، لا بلحاظ الخبر فقط فان تصحيحه للمخبر أيضاً قد يكون حدسيا وليس حسيا.
جواب الاشكال الثالثبكلا شقيه:
ويجاب عن الاشكالين المتفرعين من الاشكال الثالث باجوبة،
اما الاشكال الاول فجوابه : اولا: ان الشيخ الصدوق يذكر في مواطن عديدة يصرح بما يفيد انه كان يعتمد في كتبه – وخاصة كتاب من لا يحضره الفقيه – على سلسلة السند في توثيق الرواية لا قوة المضمون، ومن تلك التصريحات ما نقله الشيخ الطوسي عنه في كتاب الفهرست وذلك في ترجمة سعد ابن عبد الله فان الشيخ ينقل نص عبارة الصدوق وهي: " وقد رويت عنه (أي عن سعد بن عبد الله) كل ما في المنتخبات مما اعرف طريقه من الرجال الثقاة "
وهي عبارة صريحة من الشيخ الصدوق في دلالتها المطابقية والمستظهر منها ان مسلكه هو توثيق سلسلة الرجال والسند والاقتضاء على ذلك لدى روايته من الأصول، وهنالك عبارات صريحة اخرى له يجدها المتتبع في كتب متعددة، فتأمل
وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين |