بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث في قاعدة الالزام حول مدى صحة الاستناد فيها الى مرسلةالشيخ الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)حيث قال هناك مرسِلاًإبتداءا: "قال ابو عبد الله الصادق (عليه السلام) من كان يدين بدين قوم لزمته احكامهم"وكذا حول مدى صحة الاستناد فيها الى مرسلتي الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار، وقد مضى شطر من الكلام حول الكبرى الكلية أي (مرسلات الثقاة والتي اعتمدوا عليها)، وللحديث تتمة تترك لمظانها وقد نعود لها لاحقاً بإذن الله تعالى.
مرسلات الصدوق في (الفقيه):
ونتحدث الان في البحث الصغروي عن مرسلات الشيخ الصدوق بالذات في الفقيه ومرسلات الشيخ الطوسي في كتابيه، ولنبدأ بمرسلات الشيخ الصدوق،
والآراء ثلاثة:
الرأي الاول:
والرأي الاول هو عدم الحجية لهذه المرسلات بقول مطلق -بما هي هي-، وقد ظهرت ادلة هذا القول مما سبق، حيث إنه لا يُعلم ان الشيخ عندما ارسل روايته فان الرواة الذين وقعوا في سلسلة سندها هل هم ضعاف في نظرنا او موثقون؟ وتوثيق الشيخ لهم لا يكفي للمجتهد اللاحق وليس بحجة عليه، إضافة إلى انه لا يعلم ايضا إن اعتماد الشيخ على هذا الخبر هل هو من باب كون الطريق في نظره معتبرا وصحيحا؟ او ان اعتماده على الخبر هو للقرائن الحافة ولمطابقة مضمونه للقواعد أو قوته بنظره؟
وبتعبير اخر: هل ان الشيخ اعتمد على الخبر لوثاقة نفس الخبر بنظره او وثاقة المخبر؟وهذان الاشكالان قد اجبنا عنهما في البحث الكبروي السابق بأجوبة عديدة تنفع في المقام فراجع.
الرأي الثاني:
ومما مضى قد اتضح وجه القول والرأي الذي يذهب الى حجية خصوص المراسيل التي اعتمد عليها الشيخ الصدوق بقول مطلق، وقد فصلنا في ذلك فيما مضى وسيأتي ما يفيد أيضاً وسننقل نص عبارة الشيخ الصدوق في توثيق كتابه في البحث القادم بإذن الله تعالى.
الرأي الثالث:(القول بالتفصيل )
واما الرأي الثالث,والذيذهب اليه البعض، وهو القول بالتفصيل في مرسلات الشيخ الصدوق وان الشيخ الصدوق لو ارسل بتعبير "روي عن الامام (عليه السلام)" فان ارساله بهذه العبارة ليس بحجة علينا، واما لو عبر بـ " قال الامام (عليه السلام)"– كما هو الحال في مقامنا – فان ارساله حجة وكاشف عن تصحيحه للطريق؛ وذلك لأنه لو لم يكن الطريق الى الامام صحيحا ومعتبرا لما جاز للشيخ نسبة هذه الرواية الى المعصوم (عليه السلام)؛ لأنه افتراء محرم، ونحن نعلم من الخارج عدالة الصدوق بأعلى الدرجات،
تعليقنا على القول بالتفصيل:
ونقول في التعليق علىرأي هذ العلم:
ان مرسلة الصدوق والتي عبر عنها بـ ( قال الامام (عليه لسلام) ),في تصورناهي حجة، ولكن ليس لما ذكره هذا العلم من دليل لان دليله أعم من مدعاه؛ وذلك ان نسبة مضمون الرواية للإمام ع تصح في صورتين:
1- في صورة وثاقة المخبرين .
2- في صورة وثاقة الخبر .
فانه لو كان الخبر في نظره بمضمون معتبر، للقرائن الحافة به مثلا، لصح له نسبة هذه الرواية للإمام ع من غير ان يكون الشيخ الصدوق كاذبا او مفتريا في ذلك، مع عدم كون نسبة هذا المضمون للأمام تصحيحا للطريق، فليس قوله (قال الإمام...) دليلاً على توثيق الرواة، والحاصل
ان استدلال هذا العلم هو اعم من المدعى فهو استدلال بالأعم على الاخص
وأما (روي) فالظاهر انها على قسمين: إذ تارة يقولها مثل الصدوق تخلصاً من تحمل عهدتها فليست بحجة، وأخرى يقولها مستنداً إليها، فهي حجة وعليه فيكون هذا التفصيل بهذا الوجه غيرتام
وقد سلكنا طريقا اخر – كما بينا – لتصحيح هذه المرسلات فليلاحظ.
تصحيح البهائي لمرسلات الصدوق في الفقيه :
وقد ذهب الشيخ البهائي (قده) الى تصحيح مرسلات الشيخ الصدوق في الفقيه بنحو مطلق وكذا تصحيح مرسلات الشيخ الطوسي في كتابيه، فكل هذه المرسلات حجة لديه، وقد استدل على ذلك بوجوه، كما انه نقل عن بعض اعلام الاصوليين (ان مراسيل العدل اقوى في الحجية من مسانيده) وقد سبق وجه ذلك فلا نعيد، بل ان الشيخ ذهب إلى ان مراسيل الشيخ الصدوق لا تقصر عن مراسيل ابن ابي عمير,فكما هو معروف وكما ذكره الكشيفقد اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة منهم ابن ابي عمير، والامر نفسه جار كما يقول البهائي في مراسيل الصدوق، وعبارة الشيخ البهائي: "فالاعتماد على مراسيل الشيخ الصدوق جار على نهج الصواب "وذلك لوحدة الملاك بينهما ؛ لان ابن ابي عمير لا يرسل إلا عن ثقة، والحال نفسه في الصدوق منهذه الجهة.
تأييد وتأكيد:
ان ما ذكره الشيخ البهائي من وجه حجية مراسيل الصدوق، هو لدى التأمل في الصدوق اقوى واجلى منه في ابن ابي عمير؛ لان الشيخ الصدوق قد صرح بعبارات قوية ومختلفة بانه لا يذكر فيكتابه (الفقيه) إلا ما يفتي به – وهذا حدس –، وإلا مايحكم بصحته وهذا حس، أي ان الشيخ صرح بصحة رواياته في الفقيه مضمونا وسندا، بينما ابن ابي عمير لم يصرح بذلك ولكن الاصحاب استنبطوا هذا، أي: انه لا يرسل إلا عن ثقة، فأيهما أقوى؟
اشكال على هذا الوجه:
وقد اشكل بعضالأعلام على الشيخ البهائي في ذلك حيث قالوا:
ان هناك فرقا بين مراسيل الشيخ البهائي ومراسيل ابن ابي عمير؛ وذلك ان العصابة قد طأطأوا رؤوسهم لمراسيل ابن ابي عمير وتلقوها بالقبول، وهذا بخلافه في مراسيل الشيخ الصدوق، فالأمر ليس كذلك؛ حيث انهم تلقوها بالبحث والتنقيب الشديدين، وعليه فالقياس بين مراسيل الشيخين ليس بصحيح .
ردّ الإشكال:
والظاهر ان هذا الاشكال ليس بتام حيث نتساءل ونقول:
ما هو وجه طأطأة الاصحاب رؤوسهم لمراسيل ابن ابي عمير؟ هل الامر لنكتة تعبدية؟
والجواب: كلا، وانما طأطأة الاصحاب هي لنكتة عقلائية عقلية – وهم قد صرحوا بها – وهيانهمقد ثبت لديهم ان ابن ابي عمير لا يرسل إلا عن ثقة، وهذه النكتة بنفسها موجودة في مرسلات الشيخ الصدوق وبشكل اقوى فلا وجه للتفريق أصلاً.
وللحديث تتمة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين |