• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 55- ردّ الاستدلال بقرينة (المقابلة ) على ارادة الاسباب من (بالباطل) ،بوجوه ثلاثة ـ الدليل السابع على بطلان المعاملات المنهي عنها ، ما ذكره الميرزا النائيني من ان المحجور عليه ، معاملته باطله،... .

55- ردّ الاستدلال بقرينة (المقابلة ) على ارادة الاسباب من (بالباطل) ،بوجوه ثلاثة ـ الدليل السابع على بطلان المعاملات المنهي عنها ، ما ذكره الميرزا النائيني من ان المحجور عليه ، معاملته باطله،...

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان الحديث حول الاستدلال بقوله تعالى:(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) على بطلان مختلف المعاملات الواقعة على مسبِّبات الفساد، ومنها كتب الضلال، وذكرنا بان السيد الخوئي  استظهر في كتاب مصباح الفقاهة بان هذه الآية تتحدث عن عالم الأسباب لا عن المتعلقات, خلافاً للمحقق الايرواني حيث استند لبطلان المعاملة على أبوال ما لا يؤكل لحمه إلى الآية الشريفة(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) نظراً لأن الباطل يراد به، يعم الباطل العرفي والشرعي، واشكل السيد الخوئي عليه بان بول ما لا يؤكل لحمه متعلَّق لا سبب، فلا يصح الاستدلال بالآية على المسألة؛ حيث أنها تتحدث عن الأسباب إذا كان باطلة، لا المتعلقات، واستدل السيد الخوئي على ذلك بأمرين وقرينتين، أما القرينة الأولى فهي الباء الداخلة على (الباطل) فانها باء السببية، ولذا فالمراد هو النهي عن الأسباب الباطلة، وقد اجبنا عن هذه القرينة بوجوه أربعة مضت. 
القرينة الثانية: قرينة المقابلة 
وأما القرينة الثانية التي ذكرها السيد الخوئي للاستدلال على ان الآية ناظرة إلى الأسباب لا المتعلقات فهي قرينة المقابلة، وتوضيح كلامه: ان المستثنى وهو(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) هي من عالم الأسباب؛ فان التجارة سبب للنقل، وهذا يقودنا إلى إن ما قبل الاستثناء وهو المستثنى منه-(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ...) وزانه وزان ما بعد (إلا) أي: كما ان المستثنى يتحدث عن الأسباب فكذلك المستثنى منه بقرينة المقابلة، فتدل الآية على النهي عن الأكل بواسطة الأسباب الباطلة لا المتعلقات الباطلة 
ثلاثة وجوه لردّ القرينة الثانية: 
ونذكر ثلاثة وجوه لرد ما استدل عليه السيد الخوئي، من قرينة المقابلة: 
الوجه الأول: إن الاستثناء منفصل وليس متصلا 
ان القرينة التي ذكرها السيد الخوئي وهي المقابلة لو صحت فإنما تصح فيما لو كان الاستثناء متصلا، ولكن الاستثناء ليس كذلك، وإنما هو استثناء منفصل، وهو الظاهر عرفا، وقد بنى عليه الأعلام أيضا، وان كان البعض حاولوا توجيه كون الاستثناء متصلاً ولكن ذلك بتأمل وتعمل وعلى خلاف الظاهر عرفاً. 
والحاصل: ان الاستثناء منفصل؛ والآية الكريمة تشتمل على حكمين لموضوعين نسبتهما التباين؛ لان التجارة عن تراض ليست من مصاديق الأكل بالباطل، فإنها ليست بداخلة موضوعا في دائرة (الأكل بالباطل) وهو – الموضوع – حتى تخرج حكما بعد ذلك ليكون الاستثناء متصلا، بعبارة أخرى: ان التجارة عن تراض موضوعا ليست أكلاً للمال بالباطل عرفا وشرعا وعقلا، وعليه فكأنّ الله تعالى في الآية قد ذكر قضيتين: الأولى(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)، والثانية (يجوز لكم أن تأكلوا أموالكم بتجارة عن تراضٍ)، فيوجد تباين تام بين الموضوعين- وكذا حكميهما – وبعبارة ثالثة لو كانت الآية( لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ) بدون قيد (بالباطل) لكانت(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) داخلة موضوعاً خارجه حكماً فالاستثناء متصل، لكن الآية(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) فـ(الباطل) جزء لموضوع وواضح ان التجارة عن تراض ليس من مفردات وصغريات (أكل المال بالباطل) وانها خارجة موضوعاً. وبذلك ظهر عدم تمامية دعوى ظهور الآية في ان الاستثناء متصل (كما ذكره مصباح الفقاهة ص54). لوضوح ان (لا تأكلوا أموالكم بينكم بأسباب باطلة إلا بسببٍ يكون تجارة عن تراض) – كما ذكره – أي إلا بسبب. صحيح، هو استثناء منفصل إذ هذا السبب (وهو التجارة عن تراض) ليس من الأسباب الباطلة دون شك، فكيف يكون إخراجه استثناءاً منفصلاً. 
والخلاصة: ان قرينة المقابلة تتم – لو تمت – في الاستثناء المتصل دون المنفصل، والاستثناء في الآية منفصل، 
الوجه الثاني: قرينة السياق لا تفيد تخصيصا ولا تقييدا 
وأما الوجه الثاني فهو وجه عام، ويتم حتى لو قلنا ان الاستثناء متصل، 
وهو: ان قرينة المقابلة هذه لا تصلح أن تكون مقيدة للمطلقات ولا لا مخصصة للعمومات - وهذا هو مبنى المشهور ومنهم السيد الخوئي –؛ وذلك لان قرينة المقابلة تندرج في دائرة القرينة السياقية وسياق الكلام لا يخصص الوارد ولا يقيده، نعم غاية الأمر تكون القرينة السياقية مؤيدا ولا يعتبرونها دليلا ولا مخصصاً للأدلة، وعليه فلا يمكن الاستدلال بها على ان الآية خاصة بالحديث عن الأسباب دون المتعلقات، فلا يمكن رفع اليد عن الإطلاق في (بالباطل) – الشامل للأسباب والمتعلقات - والذي بيناه وذكرنا برهانه سابقا بأكثر من وجه. 
استدراك: الانصراف المدعى 
اللهم إلا ان يدعى بان قرينة المقابلة – وبشكل عام قرينة السياق – تفيد في هذا المقام وكبعض النظائر الأخرى وِجهةً للفظ بحيث يسقطه عن الإطلاق وعن العموم بدعوى الانصراف، أي ان يدعى إن قرينة السياق في بعض الموارد تفيد عرفا فهم الأخص والأضيق، وان ذلك هو مراد المولى، ولكن الانصراف عهدته على مدعيه؛ فانه لا ضابط نوعي فيها للتحاكم إليه، ولذا نجد بعض الفقهاء في مورد معين يقول بالانصراف والآخر بنفيه في نفس المورد ولا حجة لأحدهم على الآخر، لانقطاع الاحتجاج إذ وصل لدعوى الانصراف المتقابل. 
ولكننا مع كل ذلك نستطيع ان نحتج فنقول: 
ان الظاهر عرفا عند إيكال هذه الجملة إليهم انهم يستفيدون من(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) انطباقها التام على موردنا وهو بيع كتب الضلال الذاتي، فلو رأى العرف احدهم وهو يبيع كتب السحر ويعتاش عليها فانهم يرون ان هذا المورد هو مصداق للآية بلا شك او ريب وانه ممن يأكل الأموال بالباطل، وكذا الحال لو رأى العرف شخصا يبيع كتب الإلحاد او الرذيلة الذاتية فإنهم يرون ذلك الانطباق، وهذه الموارد – كما هو واضح – هي متعلقات بأكله وليست أسباباً باطلة، فان الإشكال في المبيع وليس نفس البيع 
الإشكال الثالث: قرينة المقابلة أعم من الحصر 
وهذا الإشكال هو جواب تنزلي 
سلمنا ان الاستثناء متصل، وان قرينة المقابلة مقيِّدة او مخصصة في مثل المقام, ولكن كلام السيد الخوئي برغم ذلك ليس بتام ظاهرا، وذلك لان قرينة المقابلة أعم من الدلالة على حصر (بالباطل) في الأسباب الباطلة؛ حيث إنها تنسجم مع ما استظهرناه سابقا، من إن الآية تشير الى الأعم من الأسباب والمتعلقات، حيث قلنا ان المراد (بالباطل) هو (بأمر باطل) وهو اعم من السبب او المتعلق، وعليه فان الآية ستكون دالة على السبب الباطل، بقرينة المقابلة من غير ان تنفي المتعلق الباطل فهي ساكتة عنه، نعم لو كان التقابل بين الأسباب والمتعلقات من نوع التضاد بين المعنيين بحيث لا يجتمعان، لقلنا ان قرينة المقابلة الدالة على عالم الأسباب حاصرة للمستثنى منه في ذلك، ولكن حيث لا تضاد بين المعنيين، فان المستثنى منه إذ يشمل الأسباب والمتعلقات، وقع التقابل بين السبب المقصود في المستثنى مع صنفٍ من المستثنى منه. بعبارة أخرى: التقابل ينسجم مع كل من كون المقابل نوعاً (إذا حصر في الأسباب) أو صنفاً إذا كان أعم منها. فتدبر 
والمتحصل من كل ذلك: 
ثبت فيما استظهرناه: ان الاستدلال بالآية(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ...) هو استدلال تام وواف لإثبات إبطال كافة المعاملات الجارية على مسبِّبات الفساد ومنها كتب الضلال 
المشهور على ذلك: 
والظاهر: ان المشهور ذهبوا إلى ما بيناه، كما نسب ذلك إليهم عدد من الأعلام ومنهم السيد الروحاني في (فقه الصادق) ، كما ان الميرزا النائيني ذهب أيضاً إلى ان النهي في المعاملات يقتضي الفساد . 
الدليل الأخير: البائع محجور عليه فلا يصح بيعه لكتب الضلال 
وأما الدليل الأخير الذي نذكره على بطلان المعاملات الجارية على كتب الضلال ومطلق معاملات الفساد هو ما ذكره الميرزا– وان استشكل عليه البعض – فهو يقول: - ونحن نجمع بين كلامين له في مكانين مختلفين -: 
انه يشترط في صحة البيع بل مطلق المعاملات ثلاثة شروط: 
1- ان يكون البائع مالكا او بحكمه . 
2- ان لا يكون البائع محجورا عليه إذ لا سلطنة للمحجور على الشيء ليبيعه او ينقله، وذلك كالمفلس الذي حجر عليه الحاكم والطفل والسفيه، ثم ان الميرزا يطبق هذا الشرط على المقام حيث يقول: ان كتب الضلال قد حجر عليها شرعا فلا يصح بيعها – وسيأتي توضيح كلامه أكثر. 
3- ان يكون هناك مبرز او موجد من لفظ او غيره للمعاملة إذ ان مجرد الاعتبار والنية في الذهن لا تكفي للنقل والانتقال، وللكلام تتمة. 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=77
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 14 ربيع الأول 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23