بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لا زال الحديث حول قاعدة الالزام , وقد ذكرنا انه لعله مما يمكن ان يستدل لإثباتها - وكذا قاعدة الامضاء – بقوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ), وذكرنا كذلك بعض الوجوه المحتملة في معنى كلامه تعالى
وكتلخيص لما مضى نذكر هذه الاحتمالات مرة اخرى :
الاحتمال الاول: ان يكون قوله تعالى انشاءً لاعتبارٍ في عالمه,أي: هو انشاء لحكم وضعي وهو الاختصاص.
الاحتمال الثاني: ان يكون قوله تعالى في مقام الانشاء لحكم تكليفي كما سبق توضيحه .
الاحتمال الثالث – ولا زلنا فيه - :
ان تكون الآية الكريمة(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)خبرية تقريرية،أي:ان هذه الآية هي اشارة للواقع الخارجي , وعليه فهي صرف اخبار لا انشاء فيه ولار بط لها -على هذا – بالتشريع فلا تفيد قاعدة الالزام او الامضاء.
وسيكون معنى الآية بناءا على هذا ان الله تعالى يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) ان يقول للكافرين لكم دينكم ولي ديني أي أن الواقع الخارجي هو هذا، أن دينكم لكم، أي انكم متمسكون به، كما أن لي ديني أي انني متمسك به، فيلزمه ، لا تتوقعوا مني ان ادين بدينكم وكذا العكس.
دليل (الميزان) على نفي إفادة الآية الإباحة
وهنا نورد بعض الادلة التي تدل على المعنى الثالث , ولازمه نفي الاول والثاني من الاحتمالات, فانه قد استشكل على احتمال التشريع بإشكال ذكره بعض المفسرين , وسنذكر هذا الاشكال ونرى هل هو وجيه ووارد في المقام او لا , فانه قد ذكر صاحب الميزان: (ولا محل لتوهم دلالة الآية على اباحة اخذ كل بما يرتضيه من الدين ولا انه لا يتعرض لدينهم بعد ذلك، فالدعوة الحقة التي يتضمنها القران تدفع ذلك اساسا).
ومراده : ان الآية لا علاقة لها بالجانب التشريعي والإباحة (ويتفرع عليه انها لا ترتبط بقاعدة الالزام), وكذلك بين ان ثبوت الاباحة من خلال الآية مما يناقض الدعوة الحقة والتي من اجلها وجد القران كله ,
لكن هل هذا الكلام تام وكاف لرد الوجهين الاول والثاني او لا؟
الإباحة الظاهرية لا تتنافى مع الدعوة للحق
وجوابه:كلا؛ وذلك لان مدَّعى الوجهين ليس هو الاباحة الواقعية حتى يرد إشكاله, وانما المدعى هو ثبوت الاباحة الظاهرية, أي ان الله تعالى اباح لهم ذلك ظاهرا , والاباحة الظاهرية لا تتنافى مع الدعوة الحقة التي جاء بها القران، نعم القائل بأن مقتضى قاعدة الإلزام هو الحكم الواقعي الثانوي، قد يواجه هذا الإشكال، وسيأتي جوابه.
توضيحه:
ولتوضيح ان الاباحة الظاهرية لا تتنافى مع الدعوة الحقة نذكر بعض الشواهد والنقاط:
1)قول امير المؤمنين(عليه السلام)(لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بإنجيلهم وبين اهل الزبور بزبورهم وبين اهل القران بقرآنهم) فهل ان ذلك يتنافى مع الدعوة الحقة؟
ولكن قد يورد ان المراد من التوراة هي التوراة الواقعية وبقية الكتب كذلك؟
وجوابه: ان الدليل على كون المراد هو حكم الامام(عليه السلام)من خلال توراتهم المحرفة هي سيرة نفس الامام (عليه السلام), وكذلك بناء الفقهاء – بل اجماعهم – في الحكم على حسب توراتهم الموجودة بأيدينا وهي الباطلة, وهم أي الفقهاء مع ذلك لا يرفعون يدهم عن الدعوة الى الدين الحق لأنهم قالوا بالالزام والامضاءنعم لو لم نلاحظ سيرة الامام (عليه السلام) – وبقية المعصومين – واجماع الفقهاء ولاحظنا هذه الكلمة بنفسها فإنه حينئذٍ لا دليل فيها على حكمه بحسب التوراة والإنجيل المحرفين بل قد يستظهر إرادته الحكم بحسب غير المحرفين ولعله يؤيد (لو ثنيت لي الوسادة) فتأمل
2) انه لا منافاة بين الترخيص الظاهري في الشبهات الموضوعية او الحكمية، وبين الدعوة للحق .
توضيح ذلك:
انه لو قطع شخص بان هذا السائل ماء وهو سم ناقع واقعا , فانه يوجد ترخيص ظاهري بالشرب لذلك الشخص, ولكن العالمبسميته الواقعية له – بل عليه - ان يردعه عن ذلك ويمنعه, بقول أو فعل.
وكذا لو ان شخصا قطع بان هذا الرجل هو كافر حربي وهو مؤمن ومن الاولياء فانه يجب ردعه عن القتل ومنعه,ولا مانعة جمع بين الترخيص الظاهري لذلك الشخص لأنه قاطع بالخلاف وبين الدعوة الواقعية لمنعه بين القتل, فانه إذ قطع ظاهرا بانه كافر حربي يجب عليه قتله وهذه وظيفته الظاهرية لكن ذلك لا ينفي أن تكون لي وظيفة أخرى وهي ان اردعه عما علمت به واقعا وذلك إما بان ازيل قطعه وابين له بانه ليس بكافر حربي مثلاً, او بان اردعه عمليا, أو غير ذلك وكما تسلّمون بهذا الكلام هنا فان الامر نفسه جارٍ في قاعدة الالزام فالترخيص فيها للكفار ظاهري وليس بواقعي.
والامر كذلك في الشبهة الحكمية كما لو ان شخصا قطع بوجوب قتل بعض المؤمنين لكون ذلك المؤمن منكَرا للضروري وكنت ارى ان هذا المنكِر لا يقتل؛لأنه عن شبهة كالارتداد الاجوائي مثلاً.
وكذلك لو اختلف الفقيهان في المرتد الفطري, فانه يجب قتله – بحسب رأي المشهور- ولكن البعض كالسيد الوالد ذهب الى التفصيل , وهنا فإن الاول يرى انه مكلف ظاهرا بان يقتل ذلك المرتد, وصاحب التفصيل يرى المنع ووجوب الردع ولو بالسعي لتغيير اجتهاد الآخر, ولا مانعة جمع بينهما.
3- الأصل الأولي والاستثناء
قد يقال ان الآية تؤسس للأصل الاولي – بناءا على المعنى الاول والثاني –,ولا مانعة جمع بين عموم العام والتخصيص له, فان العام في المقام هو (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ), وكما انه يستثنى منه ما لو اعتدوا علينا, (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ), وكذلك المخصص هو (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ)فانه لو وجد كفار ظلموا بعض المسلمين فان القتال ابيح لنا ايضا وذلك كي ننقذ اولئك المستضعفين مع ان ظلمهم للمسلمين قد يكون من دينهم.
والخلاصة:
إن الجواب الثالث يوضح تأسي الآية للاصل الاولي وهو لكم دينكم ولي دين, بمعنى انه لا علينا بكم ولا نغيرّ عليكم شيئاً, ولا نتعرض لكم بحرب ولا غيرها، إلا الدعوة لديننا ، واما المعاملات وغيرها فالدعوة الحقة وإن اقتضت بطلانها، إلا انه لا مانع من تخصيصها بأدلة الإلزام ومنها الآية وشبهها هذا بناء على كونها احكاماً واقعية ثانوية، دون ما لو قلنا بانها ظاهرية أو يقال (لكم دينكم) عام، فلا تلزم الدعوة مطلقاً واستثني منها شؤون العقيدة، أما المعاملات وشبهها، فتبقى على عموم (لكم دينكم) ولا تلزم دعوتهم وانذارهم ببطلان هذه المعاملة أو حرمتها، كما ذهب إليه بعض الاعلام . فتأمل
وبتعبير اخر: ذكر الفقهاء في باب الجهاد ان الكافر الذمي يقر على احكامه، وهو من المسلمات وذلك صغرى قاعدة الإلزام، ولكن ذلك لا ينفي دعوته الى الدين الحقإذا واجهوا المسلمين كما ان الكافر الحربي غير الكتابي يخيرون بين الإسلام أو القتال على المشهور وإن ذهب بعض العلماء إلى أن حالهم كحال الكتابي في التخيير بين الإسلام أو الجزية أو القتال. كما ان الكافر الحربي غير الكتابي
وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
فائدة مهمة: كيفية كتابة التقريرات
وهنا نذكر اشارة مهمة حول كيفية كتابة تقريرات البحث, فان كتابة التقريرات إما ان تكون بنحو الاختزال فهي اختزالية, وإما ان تكون بنحو الاجمال فهي اجمالية, وإما ان تكون بنحو التفصيل فهي تفصيلية, والذي ينمي ملكة الاجتهاد في الشخص هو الكتابة الاجمالية وليست التفصيلية؛ فانها تجمع بين الحقين, أي: حق الاحاطة بكافة ما ذكر ولو اجمالا , وحق تنمية الملكة .
توضيح ذلك:
ان النمط الاول من كتابة التقريرات هو الكتابة التفصيلية الحرفية, بان يكتب الطالب كل ما يقال حرفيا, او بصورة شبة حرفية, وهذا النوع من الكتابة هو لحفظ متن الدرس وهو لمن يريدان يخرج الدرس بصيغة الكتاب وهو جيدة لهذا الغرض.
واما النمط الثاني من التقريرات فهو الكتابة الاجمالية او التقرير الإجمالي، وذلك بأن يلتفت الانسان جيدا لما يقال ثم يكتب بعد ذلك – أثناء الدرس - العصارة لما سمعه بتلخيص, وهذا النوع يحتاج الى دقة اكثر والى نوع من التمرين, وكذلك يحتاج الى مطالعة مسبقة (وهذا ما كنت اصنعه قديما بنفسي ايام الدرس).
واما النمط الثالث من التقريرات , فهو الكتابة الاختزالية والاشارية , وهذا النمط هو لمجرد التذكير، ولكنه لصاحب الحافظة القوية جدا , فانه يكتب الاشارة الى الاشكال والاشارة الى الجواب حيث يمكنه ان يختزل بحثا بمقدار نصف ساعة مثلا في سطرين او اكثر واما في النمط الاجمالي فيكتب في صفحة مثلا واما التفصيلي فيصل الى خمس صفحات أو أكثر.
ولابد لمن يريد ان يكتب التقرير، التمرين على الكتابة السريعة للوصول الى غايته, وبالمناسبة فان على الطالب ان بتعلم المطالعة السريعة ولها شروط معينة، وهذا الامر كذلك يحتاج الى تمرين وقد كتبت حوله كتب عديدة.
والمتحصل:
انه لدينا ثلاثة انماط من كتابة التقريرات هي التفصيل والاجمال الاختزال، والمرجح هي الكتابة الاجمالية وهي التي تنمي الملكة, ولو استمر الطالب عليها فان قدرته على التركيز ستكون افضل وكذا مستوى الفهم لديه سيتطور ويتحسن، ويوجد كلام اكثر حول هذا الموضوع لعلنا سنتكلم عنه مستقبلا ان شاء الله تعالى |