بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول الاستدلال بقوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)على حرمة حفظ كتب الضلال ومختلف التقلبات في مسببات الفساد و وذكرنا إن ذلك يعتمد على فقه تحديد مفاهيم الكلمات في الآية المباركة، وبينا ان الإثم قد ذكرت فيه أقوال متعددة، ومضى بعض الكلام حول ذلك.
مباحث اخرى مهمة: التمسك بالآية بناء على القول بالتفسير الأعم للإثم
ومنها : انه لو ارتضى الفقيه او الأصولي إحدى تلك المعاني الأعم , وهي ثلاثة معاني، المعنى الأول في الإثم هو ما تنفر منه النفس وهذا اعم من الحرام، واما المعنى الثاني الاعم فهو فعل القبيح الذي يستحق عليه اللوم وأما المعنى الثالث الأعم فهو كل ما يبطئ عن الخير – فيشمل مثل النوم والكسل و البطنة لأنها تذهب بالفطنة –، فان النتيجة ستختلف عما لو تبنى الفقيه المعنى الأخص.
انتخاب الشيخ الطوسي للمعنى الأعم:
وقد تتبعنا فوجدنا الشيخ الطوسي في مكان اخر من كتابه (التبيان) ينتخب المعنى الاعم ويصرح بذلك ولكن مع بعض التغيير حيث يقول: "الإثم هو ما يستحق عليه الذم, وهو الأصح"، والتعريف السابق كان (الإثم هو ما يستحق صاحبه عليه اللوم)، والشيخ الطوسي غيّر اللوم إلى الذم, والذم أقوى من اللوم واقرب للحرمة منه للكراهة
وعلى آية حال فانه لو ذهبنا إلى هذا الرأي - الأعم - فهل يمكن أن نتمسك بآية (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)للاستدلال على حرمة حفظ كتب الضلال؟
قد يقال: نعم؛ لان حفظ كتب السحر مثلا في البيت يستحق فاعله عليه اللوم بالمصطلح الأول ، وكذا يستحق الذم بالمصطلح الثاني، فانه إذا ذهبت إلى بيت صديق ورأيت انه احتفظ بكتب السحر في مكتبته أو كتب الإلحاد أو كتب سب الأنبياء والمرسلين أو الأئمة دون غرض عقلائي – كالرد عليها أو ما أشبه -، فانه بلا شك يستحق الذم، كما ان هذا العمل مما تنفر منه النفس.
لو شمل الإثم المكروه فهل يحرم التعاون عليه؟
ولكن المشكلة التي سوف تواجهنا هي انه لو استظهرنا التعريف الأعم للإثم، فانه سيكون اعم من المكروه، فاذا كان المتعلق مكروها، فانه لا يعقل ان يكون التعاون عليه محرما، فمثلاً أكل الجبن وحده مكروه، ولا يعقل أن يكون التعاون على أكله محرما،
إذن: حتى لو انتخبنا المعنى الأعم للاثم الشامل للمعصية المحرمة وللمكروه، فان كون بعض أفراد المتعلق مكروها سيكون قرينة على صرف (لا تعاونوا)عن ظهوره في الحرمة , وإن شئت فقل المتعلَّق نص والمتعلِّق ظاهر فيقدم الأول على الثاني.
وبتعبير فني : انه يستثنى من (لا تعاونوا على الاثم) ما لو كان الاثم مكروها، فان التعاون عليه لا يكون محرما
مزيد فائدة:
لو شككنا انه حرام أو مكروه فهل يحرم التعاون عليه
ولكن الكلام هو فيما إذا شككنا في ان هذا الفعل هل هو حرام أو مكروه، فهل يمكننا ان نتمسك بآية (لا تعاونوا)للاستدلال على الحرمة او لا؟ إذ لو علمنا بحرمة الفعل فالتعاون عليه حرام، وكذا لو علمنا انه مكروه فقوة المتعلَق تصرف ظهور المتعلِق عن التحريم، والنتيجة هي الكراهة، وهذا واضح،
ولكن الكلام هو في صورة الشك وكما هو الحال في بعض منافيات المروة لو شك في انها محرمة للبعض ولو في بعض الحالات فقد يقال: ان تحريمه في صورة الشك استناداً للآية الكريمة سيكون من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للموضوع، كما لو شك الفقيه في حرمة التدخين فهل تشمل الآية هكذا مورد, فتدل على حرمة ان يعين الشخص المدخنين على تدخينهم، والمثال الأوضح هو في المخدرات فان كثيرا من الفقهاء يبنون على عدم حرمتها؛ لعدم اسكارها و لكن باب ضررها واسع جدا، واما البعض الآخر كالسيد ابي الحسن الأصفهاني فانه قد فصل في المخدرات ما كان بنحو العلة المحدثة فهي حرام وما كان بنحو العلة المبقية فلا حرمة فيها
والخلاصة انه عند الشك فما هو المخرج من ذلك؟
والجواب : ان الحكم يدور مدار الموضوع، فلو صدق عنوان (الإثم) ولم يدل دليل على خروجه عن دائرة التحريم – كما في صورة إحراز كراهة المورد – فان الحكم يشمله، وذلك لاندراجه في القاعدة الأصولية المعروفة وهي ما لو ان المخصص دار أمره بين الأوسع والأضيق من حيث الشبهة المفهومية أو المصداقية فان العام يتمسك به حينئذ؛ لان إطلاقه قد استقر – والكلام في المخصص المنفصل –، ولا يعلم خروج الحد الأوسع عنه فيبقى الإطلاق بحاله محكّماً.
والمتحصل:
اننا لو احرزنا انه مكروه فدليل المكروه يغلب ويرجح على ظهور (لا تعاونوا)في حرمة التعاون عليه فيصرفه عن ظهوره في التحريم، ولكن لو شككنا انه مكروه أو حرام وفرض انطباق عنوان الإثم عليه فان دليل (لا تعاونوا)يشمله فتأمل
الاستنتاجات النهائية :
ونذكر وعلى ضوء البحث كله استنتاجات نهائية حيث نقول :
انه حتى لو ذهبنا إلى المعنى الأخص في الإثم فان المسائل التي تتفرع على هذه الآية هي خمس أو ست مسائل وسنذكر منها أربع مسائل الآن :
المسألة الأولى: التعاون على الإثم القطعي
ان التعاون على ما هو اثم قطعا – أي بالمعنى الاخص وهو المعصية - كالاختطاف والسرقة والقتل وما اشبه، حرام ولا شك فيه، ومنه: التعاون مع الارهابيين لقتل الناس وتفجير المقدسات.
المسألة الثانية: التعاون على حفظ الإثم القطعي
التعاون على حفظ المختطَف مثلا والتعاون على حفظ المسروق والتعاون على حفظ المغصوب وما اشبه ذلك، والظاهر ان الاثم بالمعنى الاخص يصدق عليه كذلك، وعليه فان حفظ المحرمات محرم والتعاون عليها كذلك.
المسألة الثالثة: التعاون على كتابة الإثم
كتابة كتب السحر فيما لو لم تؤدّ إلى الاضلال وكتابة كتب الإلحاد والشرك فيما لو لم تؤد إلى الإضلال، بان يكتبها الكاتب ويحفظها بحيث لا تصل إلى يد شخص أبداً فهي نظير المقدمة غير الموصلة وهنا نتساءل:
هل التعاون والإعانة على الكتابة هذه محرم او لا؟ وذلك كمن يوفر المحبرة لكاتب هذه الكتب
وبتعبير ادق : الكلام هو فيما كان ضلاله ذاتيا ولم يكن ضلاله طريقيا فهل التعاون على حفظه حرام او لا؟
وفي الجواب نقول :
لو ان الفقيه رأى صدق عنوان الاثم على كتابة السحر والإلحاد ونظائرهما وان الموضوع (الإثم) متحقق وذلك نظراً إلى ان ذهن الفقيه مرآة للعرف، فان دليل (لا تعاونوا)يشمله، ولكن الكلام لو شككنا في انه إثم أو لا؟ فهل يوجد وجه لكونه مشمولاً للآية الشريفة؟
والجواب :
هناك طريق وتخريج لإثبات الحرمة وهو بضم هذه الآية (ولا تعاونوا)إلى آية (اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)أو آية (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ.. )– على حسب ما فصلناه – فان السحر والإلحاد هو قول زور –، والقول يشمل الكتابة كما بينا –فالآية الثانية او الثالثة تصنع لنا الصغرى وتنقح موضوع الآثم إذ حيث انه قول زور، شمله (اجتنبوا)فحرم فكان إثماً، فشملتها آية (لا تعاونوا)أي يشملها حكم الآية الأولى نهيا وتحريما، فتدبر
المسألة الرابعة: التعاون على حفظ كتب الضلال العرضي
حفظ الكتب التي لا تشتمل على ضلال ذاتي، بل كان ضلالها طريقيا، فهل آية (ولا تعاونوا)تشملها؟ أي هل يصدق عنوان الإثم على كتب الضلال العرضي؟ ووجه الإشكال انه على حسب مبنى الكثيرين في مقدمة الحرام، فانها ليست بحرام، ولذا فلا تكون هذه المقدمة اثما و وهناك بحوث أخرى في هذه الآية كما في ان الإثم هل هو مصدر او اسم مصدر؟ نتركهما لتحقيق الأفضال الكرام وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين |