• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 43- اربعة وجوه للجمع بين ( دع مايريبك ) وبين (رفع ما لايعلمون) ـ تحقيق حول (الترادف) واشتراط حلول احدهما محل الآخر ، بيان حول المقام (ترادف الاثم للمعصية) ـ هل تعريف (ما حك في صدرك) للاثم، تعريف مفهومي او تحديد مصداقي؟ .

43- اربعة وجوه للجمع بين ( دع مايريبك ) وبين (رفع ما لايعلمون) ـ تحقيق حول (الترادف) واشتراط حلول احدهما محل الآخر ، بيان حول المقام (ترادف الاثم للمعصية) ـ هل تعريف (ما حك في صدرك) للاثم، تعريف مفهومي او تحديد مصداقي؟

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان البحث حول فقه الآية الشريفة (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)وتحقيق معنى الإثم الذي وقع متعلقا للنهي فيها، وذكرنا ان اللغويين والمفسرين ذكروا معاني عديدة للاثم، وقد ذكرنا البعض منها وناقشنا بعض النقاش فيها، وبقيت معاني ومناقشات أخرى ستأتي ان شاء الله. 
تتمة تحقيقيه وإضافة 
وههنا إضافة هامة، ليست من صميم البحث، لكنها بحث علمي أصولي تطبيقي ينفع الطلبة لترويض ملكة الاجتهاد عندهم . 
إذ قد انتهينا إلى كلام صاحب كنز الدقائق واستشهاده برواية نقلها عن مجمع البيان عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث حدد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحسب هذه الرواية ضابط الإثم والبر، فذكر إن البر ما اطمأنت به النفس والإثم ماحك في الصدر، وقلنا إن هذه الرواية - مع قطع النظر عن سندها فإنها مرسلة في مجمع البيان - مضمونها مطابق لروايات أخرى عديدة، ولذا فإنها على القاعدة من هذه الجهة، أي أنها تتميز بوثاقة المضمون والخبر وان لم تكن فرضاً معتبرة من ناحية السند حيث ذكرنا الرواية الأخرى المطابقة لها مضمونا وهي (دع ما يريبك إلى مالا يريبك) . 
البحث الأصولي التطبيقي: وجوه الجمع بين أدلة البراءة وأدلة الاحتياط 
وكما قلنا فانه على ضوء اشكال قد يورد على الرواية سنطرح مجموعة من الأجوبة وان كانت لا تؤثر في مصير بحثنا الأصلي في مسألة حفظ كتب الضلال ، والإشكال المطروح هو: 
إن هذه الرواية كرواية "ماحك في صدرك" تعارض الأصل المسلم به و الذي لا نقاش فيه وهو (أصالة البراءة النقلية)، استناداً إلى "رُفع ما لا يعلمون"، وأما روايتنا هنا فتقول: (دع ما يريبك إلى مالا يريبك) ، و(ما يريبك) هو من دائرة (ما لا يعلمون)؛ إذ لو علمت بالوجوب أو الحرمة أو الحلية أو الإباحة فانه ليس مريبا، ولكن لو لم يصلني الدليل لشيء، فقد يبقى في النفس شيء في بعض الأحيان، فيأتي أصل رُفع ما لا يعلمون– أي أصل البراءة – ليفيد الإباحة فقد يتوهم حدوث التعارض بينه وبين رواية (دع ما يريبك) لأن هذه الأخيرة ظاهرها الأمر بترك ما يريب فليس بمباح، فما وجه التوفيق بين هاتين الطائفتين من الروايات؟ 
وجوابه: )وجوه أربعة) 
وهنا توجد وجوه عديدة للتوفيق بين مضمون الروايتين , وذلك من خلال الجمع الدلالي بينهما: 
الوجه الأول: حمل أدلة الاحتياط على الاستحباب 
وهو ان تحمل طائفة "دع ما يريبك" على الاستحباب، وهو وان كان خلاف الظاهر، ولكن جمعا بينها وبين الروايات الأخرى التي هي نص في الإباحة فان النص مقدم على الظاهر، ولكن هذا الحمل في خصوص رواية (ما حك في صدرك) مشكل؛ لان هذه الرواية هي أيضا نص في المنع حيث مفادها: (الإثم ما حك في صدرك)، والإثم يجب اجتنابه، فلا يصح هذا الجمع، لكونهما نصّين اللهم إلا أن يقال إن الإطلاق في هذه الرواية هو محط الظهور لأن الإثم أعم من المعصية فيشمل المكروه فتدبر . 
الوجه الثاني: أدلة الاحتياط خاصة بالمريب 
أن يقال ان مثل رواية "دع ما يريبك "، ورواية "ما حك في الصدر" ونظائرها من الروايات، اخص مطلقا من قاعدة البراءة ومن أمثال رواية "رفع مالا يعلمون"؛ وذلك لان (ما لا يُعلم) على قسمين، قسم منه يريب وقسم آخر لا يريب، ومثلاً المريب امرأة شككت أنها أختك من الرضاعة، فلا يجوز الزواج بها قبل الفحص، فان "رُفع ما لا يعلمون" لا تشمل هذا المورد وأشباهه بالإجماع . 
مثال آخر: معاملة الصبي في الشؤون الخطيرة, فان قول المشهور هو البطلان، لكن لو شك الفقيه في صحة هذه المعاملة فقد يقال انه سيكون مشمولا لدليل "دع ما يريبك"، حيث أن الصغير قد استثناه جمع في المعاملات الحقيرة لا الخطيرة. 
مثال آخر لطيف وهو مورد خلاف بين الفقهاء والابتلاء به شديد وهو سوق المسلمين، (ويد المسلم وغيبة المسلم كذلك)، ففي كل هذه الموارد فان أصالة الصحة تجري، ولكن إذا غلب على سوق المسلمين الفساد , فقد يقال بأنه لا مجرى للقاعدة هنا، بل نطبق القاعدة الأخرى وهي " دع ما يريبك"، نعم فتوى العديد من الفقهاء هو جريان أصالة الصحة هنا أيضا، أي ان قاعدة سوق المسلمين جارية في المورد، ونظير ذلك البضائع القادمة من بعض الدول والتي ظاهرها إسلامي – كتركيا وأشباهها – فانه إذا غلب على هذه الدول الفساد بشكل كبير جدا، فهل قاعدة سوق المسلمين تشملهم أيضاً أو لا؟ قسم كبير من الفقهاء يقول: نعم، فاللحم الآتي من هكذا بلاد هو حلال, ولكن البعض الأخر يشكك في انطباق القاعدة هنا وذلك لغلبة الفساد عليهم وعلى سوقهم، فيذهب إلى أن أدلة سوق المسلمين منصرفة عنهم، والمهم إن الفقيه الذي يرى عدم شمول سوق المسلمين لمثل هذا المورد، له أن يستند إلى مثل روايات "دع ما يريبك" تخصيصا لقاعدة "رفع مالا يعلمون" . لو صرنا إلى هذا الوجه. فتأمل 
الوجه الثالث: أدلة الاحتياط خاصة بالشبهة التحريمية 
وهو ما ذهب إليه الأخباريون، من استثناء الشبهة التحريمية فقالوا إنها مجرى الاحتياط ومستثناة من قاعدة "رفع ما لا يعلمون". 
الوجه الرابع: لأدلة البراءة والاحتياط مصبّان مختلفان 
وهو وجه لطيف وهو ان يقال: ان مصب "رفع ما لا يعلمون" مختلف عن مصب "دع ما يربيك"، فلدينا مصبان، وهما موضوعان مختلفان، واحدهما أجنبي عن الأخر تماما، ويعرف ذلك بالقرائن، وحاصله: أن (ما لا يعلمون) منصب على ما بعد الفحص ولا كلام في ذلك، فان أصل البراءة لا يشمل ما قبل الفحص في الشبهات الحكمية, ولكنهم ذكروا أنها تشمل ما قبل الفحص في الشبهات الموضوعية فقط ، وأما رواية "دع ما يريبك" فمصبها قبل الفحص، فإذا ثبت ذلك بالقرائن المذكورة في محلها، فانه لا نزاع بين الدليلين على الإطلاق والتفصيل يترك إلى محله ، إلى هنا ذكرنا هذه التتمة الاستطرادية لما فيها من الفائدة الكبيرة . 
تتمة مهمة: ضابط (الترادف) صحة وقوع أحدهما محل الآخر 
ونرجع إلى صميم بحثنا، فإننا ذكرنا انه قد يفسّر الإثم بالمعصية، كما صنع صاحب تفسير الصافي وعدد أخر من المفسرين و بنوا عليه، واشكلنا على ذلك بإشكال قد يمنع صحة الاستناد لأية (لا تعاونوا( , حيث ذكرنا انه لا ترادف بين الكلمتين؛ اذ علامة الترادف هي ان يصح أن يحل احدهما محل الآخر، و(المعصية) لا تحل محل (الإثم) بقول مطلق، وقد استشهدنا بشواهد وأدلة على ذلك 
وقد تتبعنا فوجدنا ان العديد من الأصوليين يصرحون بهذا الضابط للترادف وإن ناقش فيه بعضهم، وممن يظهر منه ذلك الشيخ البهائي في زبدة الأصول , وكذلك السيد علي الموسوي القزويني في تعليقته على معالم الأصول , وفي المقابل فان ممن ناقش في ذلك هو صاحب الفصول حيث يقول: "الترادف واقع في اللغة , لنص اللغويين عليه في ألفاظ كثيرة خلافا لبعضهم حيث منع من وقوعه وجعل ما عد منه من باب اختلاف الذات والصفة كالحيوان والماشي أو اختلاف الصفات كالمنشي والكاتب أو اختلاف الصفة وصفة الصفة كالمتكلم والفصيح" فان الفصاحة صفة الكلام ثم قال "هل يجب صحة وقوع احد المترادفين موضع الآخر؟ قيل نعم، لأنه لو امتنع... "وقد عبر بـ(قيل) لأنه لا يقبله، ثم ذكر صاحب الفصول أدله على خلاف هذه القاعدة نقضها بها قد أجاب عنها وعن نظائرها بتفصيل دقيق السيد علي في (تعليقه على معالم الأصول) فراجع، 
وعلى أي تقدير فنحن نرى ان المترادفين - تبعا لما لعله للمشهور – يشترط ان يصح حلول احدهما محل الأخر مطلقا، وإلا ليسا بمترادفين، وهذا ضابط عام , 
وانطلاقا من ذلك نقول: نستثمر هذه القاعدة في فقه اللغة والصرف والمنطق – لان هذه العلوم ترتبط بوجهٍ ببحثنا - ونقول ان تفسير الإثم بالمعصية واعتباره مرادفا لها هو على خلاف القاعدة المحررة، فهو تفسير خاطئ، وعليه لابد من البحث عن تفسير صحيح للاثم 
عودا على الرواية النبوية: (العلامّية) كافية لتحديد متعلَّق (لا تعاونوا) 
ولقد ذكرنا سابقا الرواية النبوية حول علامِيّة البر والإثم، والتي شفعها صاحب مجمع البيان بقوله: (قال قوم...) مما يعني أن ذلك قول العديد من اللغويين وليس كما قد يتوهم من نقل صاحب كنز الدقائق لذلك بقوله (قيل)، وقد استشكلنا من الناحية المبدئية على هذا التعريف، بان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)- على فرض صدور الحديث منه - ليس في مقام التعريف المفهومي والبيان للماهية، وإنما هو في مقام العلامة والتحديد المصداقي الإنية، وعليه فان كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) أجنبي عن مبحثنا ومدعانا 
ولكن نقول جواباً عن إشكالنا السابق: 
إن ما ذكرناه من إشكال وان تمّ إلا انه لا يضر بالمبحث والمدعى ؛ وذلك إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وان كان في مقام تحديد المصداق والعلامة إلا انه لا يضر بما نحن بصدده من ان عموم النهي في(لا تعاونوا) شامل لكل إثم، إذ فليكن مفهوم (عنوانٍ) غير مفسّر ومعرّف، ولكن المهم هوان تكون المصاديق محددة من خلال ذكر العلامة من قبله (صلى الله عليه وآله وسلم) المبينّة للمصداق, فان من المعلوم ان النهي منصب على المصاديق، فكلما تحققت تلك العلامة فمصداق ذلك المفهوم متحقق وان لم يُعرف مفهوم الإثم بالضبط، إذ سيكون المصداق مشمولا بـ(لا تعاونوا)، بعبارة أخرى: ان النهي قد انصب على هذا العنوان بلحاظ مصاديقه ومع تحقق الضابط العلامي فقد تحقق المصداق وقد تحقق المفهوم لأن وجود (الطبيعي) بوجود أفراده، وان لم نعرف ما كنه وتعريف المفهوم. وللكلام بقية وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=65
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 9 صفر 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23