بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول الآية الشريفة(وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، ومدى إمكانية الاستدلال بها على مسائل أربعة، وذكرنا إن ذلك موقوف على تحقيق مسائل عدة .
المسألة الأولى: تحقيق المراد من باب التفاعل
أما المسالة الأولى فهي: تحقيق المرادمن باب التفاعل ؟ إذ قد يقال انالأصل في باب التفاعل هو التقابل بين الطرفين بان يفعل هذا شيئا بإزاء ما يفعله الآخر تجاهه مشتركين في نفس المادة، وعليهفلا يشمل باب التفاعل باب الإفعال و فلو أعان شخص شخصا فلا يطلق عليه انه (تعاون) معه، بل يطلق عليه انه (اعانه) فقط.
ذكرنا ان هذا الإشكاليمكن أن يجاب عنه بوجوه،
الوجه الأولهو ما ذكره السيد السبزواري من ان التقابل في آية التعاون هو بلحاظ النوع الإنساني وليس بلحاظ كل شخص شخص، أي: لوحظ المجموع بما هو مجموع، ولاشك في صدق (تعاونوا)وأنهم مجتمع متعاون فيما لو أعان يعضهم بعضا، وان لم يكن هناك تقابل في التعاونبين كل شخصين.
تأييدا لكلام السيد السبزواري
وهنا نذكر مؤيدا لكلام السيد السبزواري، فإننا عندما نراجع كلمات علماء الصرف في تعريف باب التفاعل لا نجد أثرا في هذه التعاريف لاشتراط كون الفاعل المنسوب إليه باب التفاعل شخصا، وعليه فسواءاً كان الفاعل شخصا أم كان نوعا فباب التفاعل منطبق عليه.
وهنا نذكر تعريفين:
أما التعريف المشهور: فهو الذي ذهب إليه ابن الحاجب، وأما التعريف الأخرفهو الذي ارتضاه الرضي مستشكلاً على ابن الحاجب في تعريفه،
والملاحظ ان كلا التعريفين يشتركان في إلغاء خصوصية شخصية الفاعل، وعليه فلا فرق بين كون الفاعلصنفا أو نوعا أو شخصا،
والتعريف الأول هو ما ذكرناه سابقا، حيث قال ابن الحاجب "وتفاعل لمشارِكِهِ أمرين فصاعدافي أصله صريحا نحو تشارك ومن ثم نقص مفعولا عن فاعل " وقد شرحنا هذه العبارة فلا نعيد، و بيت القصيدهو قول " لمشاركةِ أمرين " فهو اعم من ان يكون الأمران شخصين أو صنفين أو نوعين "، ولعل ابن الحاجب عبر بالأمرين لنكتة في المقام,وهي ان لا يتوهم ان المراد هو الفاعل الشخصي وان هناك ضرورة للمقابلة الشخصيةبين هذا وذاك في باب التفاعل، بل يكفي أن يكون التقابل صنفيا أو نوعيا، فلو أعان زيد عمرا واعان بكر خالدا واعان الآخر للآخر،لصدق أن هذا المجتمع هو مجتمع متعاون، وان لم يكن اتجاه سهام التعاون، كأشخاص، متقابلةً تمام التقابل .
التعريف الثاني:
وأما التعريف الثاني فهو الذي ذكره الرضي حيث يقول - في رد التعريف الأول -: (والأولى ما قاله المالكي إنفاعَلَ لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا، والاشتراكفيهما معنى)، فعندما نقول ضارب زيد عمرا فانه من حيث اللفظ احدهما فاعل والآخر مفعول فقد اقتسما الفاعلية والمفعولية، وأما في المعنى فهناك تشارك في الفاعلية، وقد قلنا إن ذلك بوزان واحد ،
ثم يقول: " وتفاعل للاشتراك في الفاعلية لفظا، وفيها وفي المفعولية معنى "،
وهذا موطن الفرق بينهما، فعندما نقول تضارب زيد وعمرو فقد اشتركا في الفاعلية لفظا، إذ كلاهما فاعل، واما من حيث المفعولية فلا تجلّي لذلك لفظا ولكن كليهما مفعول معنى ،
وهذا التعريف – كسابقه - ليست فيه شرطية لكون الفاعل في باب التفاعل شخصا، وعليه فسواء كان التفاعل نوعيا أو صنفيا أو شخصيا فرديا فلا فرق .
ونضيف: إن العرف يشهد بذلك، أيإننا عندما نرجع إلى العرف- وبغض النظر عن تلك الدقة - نجد إن باب التفاعل لو نسب للمجموع من حيث هو مجموع، كما لو قلنا تعاون المجتمع أو قلنا هو مجتمع متعاون،فالإطلاق حقيقي وإن لم يكن تقابل بين الأشخاص، والحاصل: انه عندما نقول تعاون زيد وعمرو فانه ينبغي التقابل بينهما شخصياوباتجاه سهمين متعاكسين، ولكن لو نسب التعاونإلى النوع أو الصنف فان العرف لا يرى شرطية التقابل الشخصي أيضا في ضمن التقابل في الإطار العام،بل لو قيل لهم ذلك لاستغربوه واستنكروه, هذا هو الوجه الأول .
الوجه الثاني: المراد من الأصل(الغلبة) لا (الحقيقة)
سلمنا بان الأصل في باب التفاعل هو التقابل ولكن, نتساءلما هو المراد من الأصل في المقام، هل المراد به الحقيقة في مقابل المجاز ؟ أم ان المراد هو الغلبة والأغلب في مقابل الأقل ؟الظاهر – بل لعله قطعي –ان المراد بههو الغلبة، أي: عندما يقول الصرفيونان الأصل في باب فاعل او افعل او تفاعل كذا، فإنهم يريدون من ذلك الأغلب,من غير نفي كون الأقل حقيقة كذلك، حيث انهم لا يريدون من الأصل الحقيقة في مقابل المجاز،
ولو ثبت هذا الوجه فان الأمرأيضا على القاعدة أي ان باب التفاعل شامل للإفعال وان كان هو الأقل,ولكنه حقيقة فيه، ولا يحتاج إلى قرينة مجاز .
معاني باب (التفاعل) الخمسة
ولنستشهد ببعض كلام الرضي في شرحه لكلام ابن الحاجب مع بعض التعليق عليه:
المعنى الأول والثاني:
حيث يقول:في شرح الشافية :"(وتفاعل لمشاركة أمرين فصاعدا...) إلى آخر ما ذكرناه، أولا,
وثانيا: قال الرضي " وليدل أي تفاعل – على ان الفاعل اظهر ان أصله حاصل له وهو منتف عنه، نحو تجاهلت وتغافلت " توضيحه ان باب التفاعل قد يراد به (التظاهر)، كما في تجاهل أي تظاهر بالجهل، وتغافل أي تظاهر بالغفلة وهذه الأمثلة قد ذكرها الرضي في شرحه، ونضيف له:تناوم أي اظهر النوم، وهنا نرى انه لا مجازية في المقام مع انه لانجد تفاعلاً بين طرفين، نعم المعنى الاول وهو المشاركة الأكثر، ولكن الثاني وهو التظاهر وان كان اقل ولكنه حقيقةأيضاً في معناه كما في المعنى الأول الأكثر.
المعنى الثالث: الثلاثي المجرد
واما المعنى الثالث في باب التفاعل وهو اقل كذلك، فقد قال الرضي (وبمعنى فَقَل نحو توانيت) توضيحه: انه قد يجيء التفاعل بمعنى الثلاثي المجرد كما في توانيت، أي: ونيت من وني، وهنا نجد ان المتبادر من هذه اللفظة هو هذا المعنى الثلاثي وهو حقيقي بشهادة صحة الحمل وعدم صحة السلب ولا مجاز فيه بوجه مع انه لا مشاركة بين طرفين ولا مقابلة بينهما، ونضرب أمثلةأخرىلذلك، كما في تجاوزت الحد أي بمعنى جزت الحد وهنا أيضا لا مقابلة، وأما تكاسلت ففيه وجهان، فقد يكون من باب التظاهر، وقد يكون من باب الثلاثي بمعنى كسلت كـ(تكاسلت عن الذهاب للمدرسة) هذا هو المعنى الثالث من باب التفاعل قال الرضي:
المعنى الرابع: المطاوعة
وأما المعنى الرابع فهو من باب المطاوعة,حيث يقول الرضي: ( ومطاوع فاعل نحو باعدته فتباعد )أي انفعل وتأثرإذ أُبعد فتباعد، ونجد هنا كذلك انه لا مشاركة بين طرفين في الفعل أو الانفعال ولنمثل بمثال آخر,كما في (أكرمته فتعاون) إذ لا يراد من مثله عاده إلا فاعان. فتدبر.
المعنى الخامس: الاتفاق في اصل الفعل
واما المعنى الخامس فهو معنى دقيق ، قال الرضي (وقد يجئ تفاعل للاتفاق في أصل الفعل، لكن لا على معاملة بعضهم بعضا بذلك كقول الامام علي : " تعايى اهله بصفة دائه" ،
تفسير كلام الرضي:
توضيح كلام الرضي– وان كان هناك احتمال آخر -:
ان معنى (للاتفاق) أي فَعَل هذا وفَعَل ذاك لا بمعاملةٍ وتقابلٍ مقصود،وتعايى من العي,أي:العجز ومعناه عجز أهلالمحتضر عن وصف دائه ومرضه وما المّ به على حقيقته،وليس المقصود-كما هو واضح - انه قد تشارك بعضهم مع البعض الاخر في تعجيزه وانه اعيى بعضهم بعضا، وإنما المقصود أنا قد عييت وعجزت وانتقدعجزت كذلك و الآخر أيضاً عجز، وهكذا.
اذن: وبحسب الوجه الخامس فلا يوجد تقابل بالمرة، وإنما الاشتراك هو في أصل الفعل من دون مقابلة حتى من جهة ملاحظة الصنف او النوع .
ويوجد احتمال ثاني لتفسير قوله (للاتفاق في أصل الفعل)، وهو انهماتفقوا أي توافقوا على أصل الفعل، بان اتفق معك وتتفق معي على ان نقومكلانا بفعل معين، فيكون معنى (تعاونوا) بمعنى اتفقوا على التعاون، ولكن هذاالمعنى هو خلاف الظاهر من الكلام، خاصة بقرينة الرواية التي نقلت" تعايا أهله عن صفة دائه" وصفة حقيقته فان ظاهرها هو المعنى الأول لا الثاني، حيث لا اتفاق وتوافق بينهم على تعجيز احدهم الآخر عن وصف الداء.
تنبيه مهم الاستدلال بالتبادر وصحة الحمل:
حتى الآن ذكرنا وجوها ومعانخمسة لباب التفاعل، ولكن ذلكلم يكنمن باب استناد للاستعمال حتى يقال بأنه اعم من الحقيقة، بل كان استنادنا في هذهالوجوه للتبادر، وصحة الحمل وعدم صحة السلب فانها علائم الحقيقة في هذه المعاني الخمسة. وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين |