بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان ختام بحثنا حول وجوه حجية قول مثل الشيخ الصدوق في توثيق الخبر – نظير البحث في وجوه حجية توثيق المخبر والسند - وهو احد وجوه سبعة، وبحسب اختلاف تلك المباني تختلف النتيجة في أن مثل توثيق الشيخ الصدوق للخبر يكون حجة في حق المجتهد الأخرأو لا، وكان الوجه الأول هو الانسداد الكبير و الثاني هو الانسداد الصغير، والثالث هو قول أهل الخبرة، وأما الوجه الرابع فهو الاطمئنان،
وسبق أن بينا، أنه وعلى هذه الوجوه الأربعةكلها - سواء انتخب الفقيه اخرها أو ما سبقه - فان قول الشيخ الصدوق - وكذا الطوسي وسائر الثقات من أهل الخبرة- حجة في حق المجتهد الآخر، كقوله في توثيق المخبر, فكما ان وجه حجية قول الشيخ النجاشي في توثيق من اخبر عن وثاقتهم أومن جرحهم قد يكون احد الوجوه الأربعة السابقة، كذلك لو قيل إن احدها هو وجه الحجية في توثيق نفس الخبر، أي المضمون، بقطع النظر عن توثيق المخبرين والإسناد.
والرأي المنصور هو الثالث، وهو إن وجه حجية مثل قول الشيخ الصدوق في توثيقاته للأَخبار بنفسها -أي بقطع النظر عن المخِبرين والإسناد- كونه من أهل الخبرة، فيكون قوله حجة في قول المجتهد الآخر، إلا لو قام للآخر اجتهاد فعلي على الخلاف.
الوجوه الثلاثة الأخرى في المقام:
وبناءا على هذه الوجوه، فان قول مثل الشيخ الصدوق في توثيق الخبر ليس بحجة وهذه الوجوه هي :
الوجه الخامس: الحجية لكونه مصداق خبر الثقة
الوجه الخامس: هو كون وجه حجية قوله انه من مصاديق خبر الثقة، وعلى هذا الوجه فقول الشيخ الصدوق ليس بحجة في حق المجتهد الأخر...لماذا؟
وجوابه :واضح؛ وذلك لان حجية خبر الثقة، دائرتُها محدودة بالحسيات دون الحدسيات، وتوثيق مثل الشيخ الصدوق للخبر والرواية داخل في دائرة الحدسيات, ولذا فهو خارج عن شمول أدلة الحجية له بهذا الوجه،
وهذا الكلام بحسب قول المشهور، لكننا قد تأملنا سابقا فيه، أما قول المشهور بان التوثيق للمخبر هو حسي فقد تأملنا فيه وقلنا بان كثيرا من التوثيقات للمخبرين حدسية، وأوضحنا ذلك في مثال العدالة ؛حيث إن كشف الخبير لعدالة الآخر حدسي عادة أو غالباً؛إذ الملكة لاتُحَسُّ وإنما تحدس، بل حتى لو قلنا أن العدالة هي الاستقامة على جادة الشرع فان الحس بذلك ممالا يحصل إلا نادرا جدا للاوحدي الذي عاشر المروي عنه، وعاشره ليل نهار، ورأى وسمع ما يؤدي إلىإحراز عدالته، ولكن الأمر غالباًليس كذلك، فان الإنسان يرى الأخر أحيانا– ولو كانت كثيرة - ومن هذه الأحيان يحدس انه عادل أيضا في الأحيان الأخرى ، وقد سبق ذلك فراجع،
ولكن كلامنا هو على مبنى المشهور وبان خبر الثقة دائرته هو الحسيات لا الحدسيات واما توثيقات المخبرين حسية ،
اللهم إلا أن يكون وجه التوثيق الحدسي بالنسبة للصدوق معلوما للفقيه الأخر، والوجوه الحدسية محدودة، وهي مطابقة الكتاب أو السنة القطعية أو الموافقة للعقل القطعي أو الموافقة للإجماع ، هذه قرائن أربعة تفيد تقوية المضمون وصحته,فان الخبر حتى لو كان ضعيف السند لكنه - بحسب الشيخ الطوسي – لو طابق إحدى هذه القرائن فانه يفيد الوثوق بالخبر وان لم يفد الوثوق بالمخبر، هذا هو الوجه الخامس.
الوجه السادس الحجية لكونه مصداق الفتوى
وهو ان يقال: بان وجه حجية توثيق مثل الشيخ الصدوق للخبر هو الفتوى، وهنا نتساءل:ما هو الفرق بين الوجه السادس أي الفتوى، والوجه الثالث أي قول أهل الخبرة ؟
والجواب: إن النسبة بينهما هي العموم و الخصوص المطلق؛لان قول المفتي من مصاديق قول أهل الخبرة، إلا أن الفرق هو انه لو قلنا بان الحجية هي من باب الفتوى فيعني ذلك إننا قد أضفنا شروط الشارع إلى الشروط العقلائية,فقول أهل الخبرة حجة عند العقلاء بشرط تحقق الخبروية وعدم احتمالٍ معتدّ به للخطأأو السهو أو النسيان، إي الخبروية والضابطية كلاهما، ولايشترط أكثر من ذلك، ولكن لو أدرجنا توثيق الخبر في الدائرة السادسة، أي الفتوى لكان علينا أن نضيف شرائط الشارع المقدس أيضا، ومنها أن يكون المفتي رجلا حيّا حرا طاهر المولد.. الخ ، وهذه شرائط قد أخذت في الفتوى دون أهل الخبرة
والحاصل: انه لو قلنا ان الوجه في الاعتبار هو الفتوى، فانه على حسب رأي المشهور أيضا فان قول مثل الشيخ الصدوق ليس حجة في حق المجتهد الأخر، وأما على ما ذهبنا إليه فان قوله حجة اقتضائية حتى في حق المجتهد الآخر، إلا لو قام فيقبالها دليل فعلي على الخلاف، وتفصيله يترك لمحله.
الوجه السابع :الحجية من باب الشهادة
أن وجه وحجية توثيقات مثل الشيخ الصدوق للأخبار هو (الشهادة)،
وعلى هذا يرد إشكالان:
أما الأشكال الأول -بحسب المشهور-فان الشهادة يعتبر فيها العدد والعدالة، وعليه فتوثيق الصدوق لهذه الرواية لايكون حجة لعدم اجتماع شروط الشهادة كالحياة والعدد وما أشبه، لكن هذه الشروط على حسب رأي جمع من العلماءمن غير المشهورومنهم السيد الوالد، غير معتبرة في الشهادة؛ إذإ نهم لايرون اشتراط العدد والعدالةفي الشاهد إلا فيما نص عليه الشارع، كما في الزنا إذ اشترط أربعة شهود وفي بعض الأحكام الأخرى شاهدان،-فهم يرون ان(وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)تشمل حتى أخبار الثقة وان لم يكن عادلا هذا هو الإشكال الأول,
وأماالإشكال الثاني – بحسب الأشهر بل لعله المجمع عليه - هو إن الشهادة يعتبر فيها الحس، فلا تصح الشهادة استناداً إلى الحدس ولاتُقبل، فلو أن شخصاً ما من خلال الحدس استظهر أن فلانا سارق فلا يجوز له أن يشهد على ذلك، نعم له أن يدلي بقوله للقاضي ليحقق عنه والمشكلة انه في مثل توثيق الشيخ الصدوق للخبر لو كان من بابه الشهادة، انه حدسي، وهنا المدار على الحس,وهذا الإشكال الظاهر انه ليس بمندفع، الا برفض المبنى.
متمم رجالي آخر:
قلنا بان من المحتمل أن تكون سلسلة الشيخ الصدوق لاتنتهي إلى ماجيلويه الذي لو انتهت إليه لورد الإشكال السابق والأجوبة المتعددة عليه ؛ حيث انه قد تصحح الرواية بوجه آخر وهو احتمال ان يكون الشيخ الصدوق قد عبر هكذا (وروَى عن عبد الملك بن أعين)، وان النسخة الصحيحة هي هذه، وذلك بناءاً على أن يكون مرجع ضمير (روى) السند السابق، والذي يعود إلى محمد بن حمران، فان طريق الشيخ الصدوق في (الفقيه)إليه صحيح ولا مشكلة فيه، حيث انه لايمر بماجيلويه.
إشكال على محمد بن حمران :
ولكن يبقى إشكال أخر في محمد بن حمران نفسه، فانه مشترك بين شخصين الأول محمد بن حمران النهدي، وهو ثقة بلا كلام، ولكن الأخر وهو محمد بن حمران الشيباني - من أسرة زرارة–فان بعض الكتب الرجالية تعده مجهولا، ولكن هناك وجهان لتوثيقه:
الوجه الأول:ما ذهب إليه صاحب جامع الرواة (الأردبيلي) من وحدة الشخصين حيث ادعى ذلك استناداً إلى بعض القرائن .
الوجه الثاني:وهذا وجه آخر لتوثيق محمد بن حمران وهو كونه ممن روى عنه احد أهم أصحاب الإجماع، وهو محمد بن أبي عمير، بل انه روى عنه كتابه بأكمله، بل انه عده من مشايخه، وبحسب المبنى المعروف من (أن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير)فان الفقهاء لاينظرون إلى سند الرواية مادام ابن عمير هو الناقل لها،
والمراد من التصحيح هو التصحيح السندي لا المضموني، حتى لو قلنا بان الصحة عند القدماء تختلف عنها عند المتأخرين وإنها يراد بها الصحة المضمونية عندهم أي الحدسية، أي صحة الرواية دون خصوص صحة الرواة.
وذلك لأن الظاهر انه في خصوص ابن أبي عمير فان مراد الأعلام من التصحيح هو التصحيح السندي وانه ينظر إلى السند قبله، لا بعده، فإذا كان الأمر كذلك - وكما هو المستظهر -فالشخص موثق، خاصة أن ابن أبي عمير روى كتابه عنه وعده من مشايخه، وهاتان قرينتان ينبغي أن تكونا كافيتين لوثاقة محمد بن حمران.
قرينة ثالثة :وهنا كقرينة أخرى لتوثيق محمد بن حمران وهي أنعبد الرحمن ابن أبي نجران ينقل عنه أيضا, وهذا الأخير قد قال عنه الشيخ النجاشي وعبر عنه بتعبير قليلاً ما يعبر به عن راو ثقة حيث قال عنه: (ثقة ثقة)كما انه صحح كل مايرويه ابن آبي نجران، وقال النجاشي (كان معتمداً على ما يرويه)وهذه عبارة قوية منه وهو ممن قد روى عن محمد بن حمران، وعليه يكون ثقة ولو بضميمة هذه القرينة – باعتبارها مؤيداً – إلى ما سبق.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين |