• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 311- كلام الشيخ في مطارح الأنظار : عِلّية الجهات المدرَكة عقلاً للامر والنهي ، ومناقشتنا 8ـ قد يتوقف تأثير المبدأ على فقد مانع او عدم رافع 9ـ ماذكر في لسان الشارع ليس عللاً ولا حكماً بل مشير... .

311- كلام الشيخ في مطارح الأنظار : عِلّية الجهات المدرَكة عقلاً للامر والنهي ، ومناقشتنا 8ـ قد يتوقف تأثير المبدأ على فقد مانع او عدم رافع 9ـ ماذكر في لسان الشارع ليس عللاً ولا حكماً بل مشير...

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
مبادئ الاستنباط 
 
22- مبادئ التشريع ومقاصد الشريعة 
 
تتمة مناقشة كلام صاحب الجواهر 
 
6- عدم معلومية الانطباق ولا مصداقية المصداق 
 
و(العبادة) أيضاً، كالعدل، فانه لا شك في حسنها الذاتي لكنه لا يجدي نفعاً في استنباط حكم أصنافها وأنواعها وفي تقنينها بل لا بد في تشخيص أنواع العبادة المحبوبة للشارع من الرجوع إليه، ولا يصح – عقلاً ولا شرعاً – استنباط جواز أو رجحان – فكيف بوجوب – الصلوات المخترعة([1]) والحج المخترع، من أصل حسنها. 
 
وكذلك (الحرج) ان فسر بـ(الضيق الذي لا مخرج منه) إذ لا يعلم ان منه المخرج أو لا. 
 
إشكال الشيخ على شارح الوافية: المستقلات علة تامة للحكم الشرعي 
 
ولا يرد على ما ذكرناه ما أورده الشيخ في مطارح الأنظار على السيد الصدر شارح الوافية، إذ استدل شارح الوافية لنفي الملازمة بين حكمي العقل والشرع، بعدم كون الجهات المدركة للعقل علة تامة للحكم، فأجاب الشيخ (الثالث: أنّ ما أفاده من أنّ الجهات المدرَكة في المستقلّات العقلية ليست علة تامة فممّا لا يصغى إليه بعد موافقة الوجدان، فإنّ الجهة المدركة في الإحسان والظلم الآمرة في الأوّل والناهية في الثاني بحسب وجداننا في حال العلم هي العلة التامة)([2]) 
 
جوابان على إشكال الشيخ 
 
أقول: يرد على كلام الشيخ: 
 
1- لا علِّية إلا للعدل والظلم 
 
أولاً: انه لا يوجد ما هو علة تامة لأمر الشارع ونهيه، من الجهات المدركة بالعقل، إلا العدل والظلم فانهما علة تامة للحكم بالوجوب والحرمة بقول مطلق واما ما عداهما فليس إلا مقتضياً للوجوب والأمر أو الحرمة والنهي، حتى العبادة وشكر المنعم والرحمة والإحسان فكيف بالمواساة والإيثار وكيف بمثل الشجاعة والسخاء وما أشبه، وذلك لأن هذه كلها، بعنوانها، ليست إلا علة للرجحان الأعم من الوجوب والندب وليست على إطلاقها علة للوجوب وإلا لوجبت كل عبادة([3]) وكل شكر للمنعم ورحمة و... مع انه ليس الواجب منها إلا (في الجملة) لا (بالجملة) عكس العدل الواجب مطلقاً بجميع أفراده ومصاديقه، فتدبر 
 
وليُلتَفَت إلى ان الشيخ عبر بـ(فان الجهة المدرَكة في الإحسان والظلم الآمرة في الأول والنهاية في الثاني) فمورد رده للصدر هو ما هو محط الأمر والنهي ولو انه قَصَر العلية على إيجاب مدركات العقل مطلق الرجحان أو المرجوحية لما ورد ما أوردناه. 
 
2- لا يعلم الانطباق حتى على فرض العلّية 
 
ثانياً: سلمنا ان الجهات المدركة في المستقلات العقلية هي علل للأمر والنهي، لكن ذلك لا يجدي نفعاً في استنباط الحكم الشرعي في الفقه، وان نفع في علم الكلام كمبحث عام، وذلك لما سبق من ان الكلام كل الكلام، في الفقه، هو في الانطباق ومصداقية المصداق، إذ لا يبحث في الفقه عن عناوين (الرحمة) و(العدل) و(العبادة) وشبهها كأجناس بل إنما يبحث عن الأنواع والمصاديق كـ(الصلاة) و(تقسيم الإرث بتلك الكيفية) وغير ذلك، وهنا يقال ان ثبوت الوجوب للجنس([4]) لا يستلزم الوجوب للنوع فانه أعم منه، كما سبق من احتمال وجود عنوان مزاحم أهم في النوع أو فقد شرط أو ما أشبه. 
 
وعليه: فان استدلال الجواهر بـ(لا حرج) – وان فرض تسليم انه من المستقلات العقلية([5]) وان الحرج علة تامة للقبح([6]) - لا يجدي نفعاً لإثبات ان طلب البينة من الفقير لإعطائه الزكاة وان ابطال النخامة للصوم... الخ قد وجدت فيها العلة التامة للقبح دون مزاحم، وتوفرت فيها الشروط وانتفت المواضع، فلم يشرعها الشارع حتماً. 
 
7- توقف تأثير المبدأ على فقد مانع أو عدم رافع 
 
ان (لا حرج) – وأي مبدأ آخر – قد يتوقف تأثيره في القبح الشديد([7]) أو النهي عنه، على فقد مانع أو عدم رافع، فلا يصح الاستدلال بصِرف كون الشيء حرجياً على عدم تشريع وجوبه. 
 
ويدل عليه: (الصبي المميز) فانه لا شك في حسن تكليفه بالمستقلات العقلية، عقلاً، بل وبمطلق الأحكام الشرعية نظراً لتبعيتها لمصالح ومفاسد في المتعلقات، ولكن مع ذلك لم يكلفه الشارع بغير المستقلات، واما المستقلات فانه وإن كلف بها على المنصور إلا انه ليس في آكدية الطلب كالبالغ، لذا لا تكون عقوبته كعقوبته. 
 
وذلك اما لوجود مانع عن تكليفه([8]) أو لعفو الشارع عنه. 
 
وإذا تم ذلك، جرى مثله في كل مبدأ متصوَّر ومنه (اللاحرج) إذ يحتمل عدم جعل الحكم على طبقه لمانع، أو رفعه – وإن لم يكن حرج – تفضلاً وعفواً. 
 
لا يقال: المانع يدفع بالأصل؟ 
 
إذ يقال: لو فرض ذلك([9]) فانه لا ينتج إلا حكماً ظاهرياً. والمدعى في مبادئ التشريع هو كونها رتبةً فوق الأدلة، والأحكام الأولية والثانوية فكيف بالظاهرية؟ فتدبر وسيأتي ما يرد على ذلك والجواب عنه. 
 
8- المبادئ عناوين مشيرة، لا علل ولا مقتضيات 
 
وقد يقال ان (المبادئ) وإن كانت منصوصة، ليست عللاً ولا مقتضيات، بل هي عناوين مشيرة ومقربات للذهن بمقارِنات نسبتُها مع العلل الواقعية من وجه. 
 
وذلك هو ما أشكل به الشيخ في المطارح([10]) على صاحب الفصول 
 
قال في الفصول: (لا ريب في أنّ كثيراً من الأحكام المقرّرة في الشريعة معلّلة في الحقيقة ظنّاً أو احتمالاً بِحِكَمٍ غير مطّردة في مواردها، ومع ذلك فقد حافظ الشارع على عمومها وكلّيتها حذراً من الأداء إلى الاختلال بموارد الحِكَم، كتشريع العدّة المعلّلة بحفظ الأنساب ونحوه، فالفعل في الموارد المنفكّة عن العلّة خالٍ عن المصلحة مع اطّراد الحكم واختصاص الحكمة بالبعض)([11]). 
 
وأجاب الشيخ: (انه لا نسلّم كون تلك الحِكَم علّة للحُكم الشرعي، كيف! ولولاها لزم التخلّف، بل تلك الحِكَم إنما هي تقريبات لأذهان المخاطبين لمناسبة جزئية، أو علل لتشريع الحكم وإظهاره وإبرازه كما في شأن نزول الآيات القرآنية، فإنّ المصالح الكامنة في الأشياء المقتضية للأمر بها والنهي عنها ممّا لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم من اُمنائه وخلفائه). 
 
وفي كلام الشيخ مواطن للتأمل ستأتي في البحث القادم بإذن الله تعالى. 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
([1]) كالصلاة الفاقدة للشروط الشرعية أو الواجدة للموانع، وكصلاة ركعة أو خمسة ركعات وهكذا. 
 
([2]) مطارح الأنظار ج2 ص342. 
 
([3]) مع ان الواجب الصلوات الخمس مثلاً لا العبادة ليل نهار أو الشكر بكل أنواعه ودرجاته قولاً وعملاً وفي كل ساعات الليل والنهار. 
 
([4]) أي إجمالاً، أو بمعنى ان هذه الطبيعة علة تامة لـ(اقتضاء القبح والحرمة). 
 
([5]) وليس. 
 
([6]) وليس. 
 
([7]) أي قبح التكليف به – أي بما فيه الحرج -. 
 
([8]) أو عن اكدية الطلب منه. 
 
([9]) وسيأتي في بحثنا الآخر (حرمة الكذب على ضوء حكم العقل وقاعدة الملازمة) عدم جريان الأصل على إطلاقه. 
 
([10]) مطارح الأنظار ج2 ص462. 
 
([11]) الفصول: 339.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=571
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 25 ذي القعدة 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14