بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقييد رواية (رأي المؤمن ورؤياه) بوجوه شتى:
ج- التقييد بالعاصي الذي ينزجر
وقد سبق الحديث عن بعضها وبقي الباقي:
ومنها: ما رواه في الاختصاص: قال الصادق عليه السلام: إذا كان العبد على معصية الله عز وجل وأراد الله به خيراً، أراه في منامه رؤيا تردعه فينزجر بها عن تلك المعصية، وان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة)[1] إذ وردت في العبد العاصي الذي أراد الله به خيراً وعلم انه ينزجر بالرؤيا.
لكن الاستناد إلى هذه لتقييد تلك، أضعف من سابقه، فإن المورد لا يخصص الوارد خاصة مع ظهور (وان الرؤيا الصادقة) في انها تعليل بالكلي الأعم المنطبق على ما سبقه[2].
د – التقييد بـ: مَن نفسه طيبة ويقينه صحيح
ومنها: ما رود في جامع الأخبار: في كتاب التعبير عن الأئمة عليهم السلام: ان رؤيا المؤمن صحيحة لأن نفسه طيبة ويقينه صحيح، وتخرج فتتلقى من الملائكة فهي وحي من الله العزيز الجبار...)[3]
والعلة معمِّمة ومخصِّصة، فتخصص رواية (رأي المؤمن ورؤياه...) بما إذا كان يقينه صحيحاً وكانت نفسه طيبة[4]
كما يؤِّيد هذا الخبر ما أسلفناه من ان المراد بالمؤمن في رواية (رأي المؤمن ورؤياه) هو المعنى الأخص أي الكامل، لا الأعم من إطلاقاته.
هـ - التقييد بـ(الصالحين والصالحات)
وأوضح منه: ما نقله في جامع الأخبار أيضاً عنه صلى الله عليه وآله (انقطع الوحي وبقي المبشرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات)[5]
فإن ظاهر الرواية الحصر في المبشرات فتقيد (رأي المؤمن ورؤياه..) بالمبشرات وبنوم الصالحين والصالحات فقط.
و – القسمة والحصر في روايات (الرؤيا ثلاثة وجوه...)
وأيضاً: يؤيد ذلك بل يدل عليه ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبن أبي عمير عن سعد بن أبي خلف[6] عن أبي عبد الله قال: الرؤيا ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن وتحذير[7] من الشيطان وأضغاث أحلام)
ونظيرها ما في كتاب التبصرة لعلي بن بابوية[8] عن سهل بن أحمد[9] عن محمد بن محمد بن الأشعث[10] عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر[11]
ثلاثة: بشرى من الله، وتحذير[12] من الشيطان، والذي يحدث به الإنسان نفسه فيراه في منامه"
وقد تعددت الروايات من طرق الخاصة والعامة بهذا المضمون مما يفيد الاطمئنان النوعي والشخصي بالصدور.
فإن ظاهر القسمة القاطعة للشركة في الروايتين الأخيرين، يقيد إطلاق (رأي المؤمن ورؤياه..) بكونه في خصوص (البشرى والمبشرات) بل ظاهر الحصر في الثلاثة يفيد الأجنبية عن التشريع والمشرَّعات كما سبق بيانه أيضاً.
ولعل من مجموع ما ذكر يحصل الاطمئنان بان رواية (رأي المؤمن ورؤياه) مقيدة بهذه الروايات، إن لم تكن هذه الروايات ناظرة لها وشارحة ومفسرة. فتدبر
ثم ان هناك أجوبة أخرى – إضافة لهذه الأجوبة الستة عشرة – تظهر بالتدبر
الاستدلال برواية (فإن الشيطان لا يتخيل بي) وجوابه
وقد يستند في حجية الأحلام إلى رواية (من رأني فقد رأني فإن الشيطان لا يتخيل بي).
والجواب من وجوه:
الجواب الأول: الرواية ضعيفة خبراً[13]
الجواب الأول: ما ذكره السيد المرتضى في آماليه (غرر الفوائد ودرر القلائد) فيما نقله عنه مرآة العقول[14] قال: (فإن قيل: فما تأويل ما يروى عنه (صلى الله عليه وآله) (من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي) وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلى الله عليه وآله في النوم ويخبر كل واحد منهم بضد ما يخبر به الآخر فكيف يكون رائياً له في الحقيقة مع هذا؟
قلنا: هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الأحاد ولا معول على مثل ذلك...)
أقول: وردت هذه الرواية في العيون[15] والمجالس[16] للصدوق[17] عن محمد بن إبراهيم الطالقاني[18] عن ابن عقده[19] عن علي بن الحسن بن فضال[20] عن أبيه[21] عن أبي الحسن الرضا عليه سلام الله... ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه عليهم السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رآني في منامه فقد رآني لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم وأن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة).
وهذا الحديث معتبر على بعض المباني
دفاع عن السيد المرتضى
وأقول: لعل الوجه في قول المرتضى (هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد) أن خبر الواحد قد يراد به[22]: الخبر الضعيف الساقط عن الاعتبار اما لاشتمال متنه على ما يوجب سقوطه عن الاعتبار كاضطرابه، أو لمخالفة مضمونه للأصول والقواعد، أو لضعف رواته مع عدم كونه مجبوراً بالشهرة.
وهذا الخبر ساقط عن الاعتبار، لإعراض المشهور عنه، ولمخالفة مضمونه للقواعد إذ الحجج الشرعية معروفة محدد منحصرة، ولمخالفته للوجدان كما قال (وقد علمنا ان المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي في النوم ويخبر كل واحد منهم بضد ما يخبر به الآخر). فتأمل
والحاصل: ان الملاك في حجية خبر الواحد هو وثاقة الخبر لا وثاقة المخبر أي وثاقة الرواية وليس المقياس وثاقة الراوي، وفي المقام لا وثاقة للخبر والرواية وإن فرض وثاقة المخبرين.
أو لأن خبر الواحد لا يكون حجة إلا لو أفاد القطع[23]، وإلا لكان مشمولاً لقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً) وذلك على مبنى العديد من القدماء، وبذلك يظهر ان إشكال البعض على السيد المرتضى بان بعض طرق هذا الخبر معتبرة، غير وارد على مبناه ومبنى من يرى المقياس وثاقة الخبر.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - بحار ج58 ص167.
[2] - أي لا بالمساوي.
[3] - بحار ج58 ص176.
[4] - والإرسال غير ضار على مسلك حجية مراسيل الثقات كما فصلناه في مبحث حجية مراسيل الثقات، إضافة إلى مطابقة مضمون هذه الرواية لروايات أخرى سبق بعضها، وللاعتبار.
[5] - بحار الأنوار ص370 – 385 -393 – 406 (مبشرات) ثلاث وجوه
[6] - والسند حسن كما ارتأه المجلسي في مرآة العقول ج25 ص205 والظاهر انه صحيح.
[7] - لعله (تخويف) وقد صحّف.
[8] - أشهر من أن يعرَّف ويوثق.
[9] - ممدوح.
[10] - ثقة.
[11] - وقع في إسناد كامل الزيارات و...
[12] - لعله مصحّف (تخويف).
[13] - وإن كانت معتبرة مخبراً كما سيأتي.
[14]- مرآة العقول ج25 ص209 – 212.
[15] - العيون ج2 ص257.
[16]- ص120 مجلس 15 ح 111.
[17] - نقله عنهما البحار ج 58 ص234 (422 ج23 حسب الطبعة ذات الـ45 مجلداً)
[18] - وهو من مشايخ الصدوق وقد ترضى عليه في المشيخة وروى عنه في كتبه كثيراً.
[19] - أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: زيدي جارودي ثقة.
[20] - فطحي ثقة.
[21] - الحسن بن فضال: ثقة.
[22]- وقد يراد به ما ليس متواتراً ولم يكن محتفاً بقرائن توجب القطع بصدوره وإن كان مستفيضاً، وهذا الخبر ليس متواتراً ولا هو محتف بما يفيد القطع بل ولا الظن، والظاهر ان هذا هو مبنى السيد المرتضى.
[23] - كما لو احتف بالقرائن القطعية، كموافقة الكتاب والسنة القطعية والعقل والإجماع. |