• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 31- تتمة بحث الجبر بالشهرة ـ تصحيح رواية تحف العقول ، بمطابقة مضمونها للقواعد ـ الاشكال باضطراب المتن وجوابه .

31- تتمة بحث الجبر بالشهرة ـ تصحيح رواية تحف العقول ، بمطابقة مضمونها للقواعد ـ الاشكال باضطراب المتن وجوابه

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
تتمة موجزة للوجه الأخير من البحث السابق : 
كان الحديث حول الوجوه التي يمكن أن يستند إليها لتصحيح الاستدلال برواية تحف العقول على حرمة حفظ كتب الضلال ومختلف التقلبات في مسببات الفساد وذلك لمن كان مبناه عدم حجية مراسيل الثقاة، وذكرنا ان هناك تخريجات صناعيةأصولية لتصحيح استناد صاحب هذا المبنى على هذه الرواية ومنها انجبار سند الرواية بالشهرة لمن يرى جابريتها. 
أنواع الشهرة الجابرة: 
وهيان مقصودنامن الشهرة الجابرة للسند الضعيف ليست هي الشهرة الروائية، وليست هي الشهرة العملية، وإنما المقصود هو الشهرة الفتوائية . 
ونذكر هذا لأهميته في دفع إشكالمعين وهو إن المعتمد لو كان هو الشهرة الفتوائية فان انعقاد هذه الشهرة على بعض الإحكام الواردة في الرواية، كاف لصحة الاعتماد على ذلك البعض، وان كانت الشهرة فرضا – كما ادعاه التبريزي احتمالا – في بعض المقاطع الأخرى على الخلاف , 
وبتعبير أوضح:لو كانت هناك رواية متضمنة لمقطعين مثلا وقد انعقدت الشهرة الفتوائية على احدهما فانه سيكون حجة وان لم يكن المقطع والحكم الثاني مما اشتهرت الفتوى به،بل وان كان المقطع الثانيالشهرة على خلافه . 
وأما الشهرة الروائية فإنها تفيد توثيق السند بأكمله، 
وقد استندنا إلى الشهرة الفتوائيةفي المقام لانها محرزة في صغرى البحثومسلمة في مسالة حرمة حفظ كتب الضلال، بل كاد الأمر فيها أن يكون إجماعيا ، ولو أحرز استناد المشهور، في هذه الفتوى، إلى رواية تحف العقول، لكانت الشهرة عملية أيضاً وهي أقوى من الشهرة الفتوائية المجردة – على تفصيل في شرطي الشهرة العملية. 
وبذلك اتضح اندفاع إشكال المرحوم التبريزي فيما لو كان قصده هو انعقاد الشهرة على الخلاف في بعض مقاطع رواية تحف العقول. 
الوجه الثاني مطابقة مضمونها للقواعد 
وأما الوجهالثاني وهو مما لا كلام فيه - لو تم - لتصحيح الاستناد لهذه الرواية و هو: 
أن مضمون الرواية مطابق للقواعد وهذا الوجه قد ذكره المحقق اليزدي في حاشيته على المكاسب، وتصريحه بذلك وعبارته مهمة، وذلك لخبرويته واطلاعه الواسع على كافة أبواب الفقه ومسائلهولذافهي حجة في حد ذاتها، حيث يقول: 
(لكن مضامينها مطابقة للقواعد) ولم يستثن في عبارته حتى أحد المضامين 
ونتوقف الآن عند الوجه الثاني (كون مضامينها مطابقة للقواعد), فانه ومن خلال 
تتبعنا وإجالةالنظر في الرواية وجدنا أن المسائل الفقهية الموجودة في هذه الرواية – وتأييدا لكلام صاحب العروة ولهذا الوجه-يتراوح عددها بين 100 إلى 500 مسالة تقريبا , وهذه المسائل كلها،إلا النادر،مطابقة للقواعد العامة، 
وأما النادر – ولعل الميرزا التبريزي يعتمد في إشكاله عليه – فانه لايعلم أن الاستظهار الذي أِسُتظهِر منها هو المراد، لكي نحكم بأنها على خلاف القاعدة. 
دفع إشكال مخالفة بعض مسائل الرواية للقواعد 
ونذكر هنا نموذجا واحدا منها – ولعل خمس أو ست مسائل هي هكذا – وهو قوله عليه السلام مايفيد إنإقراء الضيف واجب، مع أنالمعروف انه مستحبوكذا مايفيد أنإقراض الغير واجب، والمعروف انه مستحب كذلك، 
حيث يقول الإمام عليه السلام : " وأربعةأوجه مما تلزمه فيها النفقة من وجوه اصطناع المعروف "، ثم يشرح الإمام عليه السلامالوجوه فيقول : "وأما الوجوه الأربع فقضاء الدين والعارية والقرض وإقراء الضيف واجبات في السنة"، مع أن هذه الأربعة مستحبات، والمقصود من الدَّين هنا هو قضاء دَين الآخرين ظاهرا والعارية هي إعارة الغير والقرض هو إقراض الغير كما هو واضح . 
جواب الإشكال : 
ويظهر الجواب من خلال التأمل في كلمة (واجبات )وهو محقق في محله من أن هذا المصطلح عندنا هو أخص مماسار عليه الأئمة(عليه السلام) فذاك المصطلح اعم مما عندنا فان معنى الواجب هو اللازم أو الثابت، وهذا اللزوم والثبوت اعم من كونه وجوبا أو ندبا ، 
كما جاء في القران الكريم قوله تعالى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا)، أي: اذا سقطت إلى الأرض ولعل مآله إلى الاستقرار والثبوت على الأرض. 
والمتحصل:إن هذا المقطع من الرواية يراد به الاستحباب، فليس مخالفاً للقواعد العامة. 
قرينة أخرى:قرينة المقام هذا بالإضافةإلى قرينة أخرى تدل على ماذكرناه وهي أنالإمام عليه السلام في مقام بيان المستحبات بعد بيان مقام الواجبات حيث قال( عليه السلام ) : " أربعةأوجه مما تلزمه فيه النفقه من وجوه اصطناع المعروف " وهذه وجوه مستحبة وليست واجبة لان اصطناع المعروف والإحسان للغير مستحب 
إشكالودفعه : 
وهنا:قد يتوهم إشكال, وهو ورود كلمة (تلزمه) في الرواية ،وهي تدل على الوجوب؟ 
وجوابه : 
إن هذه الكلمة لاتدل على الوجوب ؛ فانهعندما نلاحظ سائر كلمات الإمام في الرواية نجد انه عليه السلام قد استعمل هذه الكلمة بالمعنى اللغوي أيضا، لا المعنى الضيق للوجوب وعليه: فسيكون معنى كلمة ( تلزمه ) أي تثبت عليه، وهي اعم من الوجوب والاستحباب وذلك بقرينة عبارته عليه السلام في موطن أخر حيث يقول عليه السلام : " وخمسة وجوه مما تلزمه فيها من وجوه الصِّلات " ثم أوضح عليه السلام هذه الصلات بـ(فصِلة من فوقه وصلة القرابة وصلة المؤمنين...) وهذه صلات مستحبة او المراد الجامع الأعم من الوجوب والاستحباب. فتدبر 
والحديث مطول في هذا الحقل فلنقتصر على هذا القدر. 
والمتحصل: 
أن كافة مضامين هذه الرواية مطابقة للقواعد ولا استثناء لذلك ظاهراً، وبعض ماقيل عنه ذلك ليس كذلك؛ لأنه يظهر بالتدبر فيه إرادة معنى آخر غير ماتوهم انه مخالف للقواعد وكما أوضحنا. 
الوجه الثالث: تضمّنها امارات الصدق 
وهو ما ذكره صاحب العروة – كما ذكرنا -: " ومع ذلك فيها أمارات الصدق، فلا باس بالعمل بها"، وما سبق من مطابقة كافة مضامين الرواية، للقواعد، يصلح دليلاً لهذا الوجه الثالث أيضاً، فإن هذا الوجه لو تم فان الرواية باكملها ستكون حجة ومنها موطن الشاهد، حتى على مبنى من لا يرى حجية مراسيل الثقاة، فان كون كل مضامينها مطابقة للقواعد مع سعة وكثرة التفريعات والأحكام فيها هو قرينة داخلية قوية - بل حجة في بناء العقلاء - على اعتبار هذه الرواية، ولعل هذا الكلام هو مستند صاحب العروة في الوجه الثالث من الوجوه . 
لكن الميرزا التبريزي استغرب من ذلك فقال: 
الميرزا التبريزي: المتن مضطرب 
" ولعل الصحيح هو العكس كما هو مقتضى اضطراب متنها واشتباه المراد وعدم كون العمل معهودا لبعض ظاهرها"، 
والمقطع الأولمن كلامه- وهو اضطراب متنها- مورد بحثنا هنا، فانهيحتمل احد أمرين، - والظاهر هو الثاني- وهما : 
إما ان يكون المراد هو الاضطراب من حيث العلة الصورية، وقد اسلفنا الجواب عن ذلك تفصيلا، وإما ان يكون المراد هو الاضطراب من حيث المحتوى والمضمون، وهو الأقرب لمراده. 
الجواب: لا اضطراب 
اننا تتبعنا الرواية مرة اخرى فوجدنا ان ما ادعي الاضطراب فيه من متن الرواية غير تام كذلك، وكمثال على ذلك ما توهمه البعض من ان الإمامذكر ضابطا للحل وضابطا للحرمة، فقال في ضابط الحل : كل ما كان فيه جهة من جهات الصلاح فحلال بيعه وشرائه و إمساكه .. وغيره " 
وذكر ضابط الحرمة فقال (عليه السلام) : " انه كل ما فيه وجه منوجوه الفساد " 
والاضطراب المتوهم فيما لو اجتمع في امر واحد جهة صلاح وفساد؟او ليس هذا اضطرابا في الضابط؟ 
وذلك كتعليم الكتابة لشخص فانه قد يستخدمها للهداية وقد يستخدمها للإضلال، او كتعليمه صنعة الحدادة والتي بها يصنع السكين والتي قد يستعملها للصلاح أو للفساد، فلو اجتمعت في شخص كلتا الجهتين، فإن الضابطين يتناطحان! 
دفع الاشكال : 
وهذا الإشكال مندفع بما ذكره الفقهاء وبوجوه عديدة، ومنها ان غاية الأمر ان المورد يكون مورد تزاحم والتزاحم جار في الأبواب المختلفة وضابطه واضح، فان الاقوى ملاكا يقدم، فلا مجاللتوهم الاضطراب ومما قدمناه كله تظهر الإجابة عن عدة إشكالات أخرى قد تثار في المقام، ونكتفي بهذا المقدار من البحث في رواية تحف العقول. 
وللكلام تتمة ... 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=53
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 27 ذي الحجة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23